مسيرة التنسيق الثلاثي بمراكش 31 ماي 2015: محطة نضالية أم حملة انتخابية؟
نظم التنسيق النقابي الثلاثي المكون من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، مسيرة يوم الأحد 31 ماي 2015، في إطار برنامج النضال الذي وعدت به هذه النقابات بعد أن قاطعت احتجاجات فاتح مايو.
ابتدأت المسيرة من أمام قصر البلدية دون كلمات تحريضية وخطابات تشرح المغزى من تنظيم هذه المسيرة، واقتصر الأمر قبل انطلاقها على التقاط “الصور التذكارية” التي ستنشر على صفحات الفايسبوك.
استمرت المسيرة مدة ثلاث ساعات جابت شارعين رئيسيين بين مبنى البلدية ومحطة الحافلات الكائنة بباب دكالة، وقد انقسمت إلى ثلاثة مواكب، كل نقابة بموكبها الخاص وشعاراتها الخاصة، كأن العمال ليسوا طبقة واحدة توحدها نفس المطالب وأشكال الاستغلال ذاتها.
ضمت المواكب الثلاثة قطاعات عمالية عديدة كان أهمها عمال الوحدات الفندقية وعمال الزراعة بضيعات ضواحي مراكش، إضافة إلى عمال منجم باليوسفية، وعمال راديما (الشركة المكلفة بتدبير خدمات المكتب الوطني للكهرباء والماء) وعمال دار الحليب ومستخدمي البريد وبعض شغيلة الوظيفة العمومية وقلائل من شغيلة إحدى جمعيات القروض الصغرى (جمعية أمانة).. ولم يتعدى عدد العمال المشاركين في المسيرة 400 مشاركة ومشارك.
كانت أغلب الشعارات موجهة ضد حكومة بنكيران وشعارات عامة حول النضال وضرورة الوحدة النقابية!! وقد تخللت المسيرات بعض الأدعية الدينية بتلطيف أحوال العمال وتليين قلوب المستبدين والمستغلين، وانتهت المسيرة بقراءة النشيد الوطني… وتفرق الجمع؛ وليس هذا المسار بغريب، حيث تعودت عليه مختلف البيروقراطيات النقابية المتواطئة مع السلطة وأرباب العمال. ويعود العمال لأماكن عملهم حيث يتعرضون للسحق والعصر.
لم تضع البيروقراطيات النقابية هدفا محددا وواضحا للمسيرة من وجهة نظر مصالح العمال، لكنه واضح من وجهة نظر مصالح هذه البيروقراطية. لم تدعو هذه الأخيرة إلى المسيرة من أجل رفع أجور العمال ووقف عمليات التسريح التي تشهدها الوحدات الفندقية بالمدينة إلى آخره من صنوف الاستغلال والاضطهاد… ولا حتى تضامنا مع الطلبة المقموعين والمتابعين منهم.
أرادت البيروقراطيات لهذه المسيرة هدفا آخر، هو إنهاء حملة الانتخابات المهنية بشكل احتجاجي وأيضا إنقاذا لما تبقى لديها من ماء وجه!! بعد الإعلان عن جعل شهر مايو شهرا للمعارك العمالية، دون الوفاء بذلك. شهدت المسيرة توزيع مئات النسخ الداعية للتصويت للوائح المرشحين النقابيين.
وباستثناء أدب تيار المناضلة ومناشيره، غاب الصوت “اليساري” عن المسيرة، كما غاب التضامن مع العمال في مسيرتهم الاحتجاجية، فلا الفصائل الطلابية اليسارية حاضرة، ولا حتى حضور واضح لأحزاب اليسار كجسم متميز عن البيروقراطية.
عمال وعاملات الزراعة… فيلق منظم
ببدلاتهم وملابسهم التي يعلوها غبار تراب بللوه بعرقهم ولعابهم الملتصق من أثر التعب والعطش، احتل عمال الزراعة المنظمين في إطار الفيدرالية الديمقراطية للشغل، مؤخرة المسيرة وحرصوا على تمييز موكبهم عن باقي القطاعات ربما نزولا عند أمر بيروقراطية النقابة، وليس عن اقتناع منهم بضرورة العزلة عن إخوانهم العمال.
إلا أن مؤخرة المسيرة لم تجعل من عمال الزراعة جسما مائعا، بل جسدا منظما. استطاع أولئك العمال- رغم أميتهم أو ربما بسبب أميتهم- أن يعطوا مثالا عن انضباط خارق وتسيير ذاتي لموكبهم (لجنة تنظيمية وشعارات ويقظة)، وكان المتقدمون منهم يحفزون المتأخرين ويهزون حماسهم بطلب المساهمة في رفع الشعارات (بإشارات العيون، أو حتى اللكز تحت الذراع…)، بل إن اللجنة التنظيمية أوقفت المسيرة لأن أحد العمال بقي صامتا، وأصرت على أن استئناف المسيرة مشروط بمساهمته في رفع الشعارات.
ما أن تقترب من أحد هؤلاء العمال حتى يهرول إليك يطلب مناشير وبيانات للقراءة، ولا ترده قلة اليد عن ذلك فيؤدي مقابل المنشور ويتناوله بنفس الفرحة التي يتناول بها المنشور الموزع مجانا، ويشيعك بضحكة ممزوجة بخجل حين يقول بأن ابنه سيقرأ له المنشور… هذه الصورة معاكسة للقطاعات الأخرى المتعلمة و”المثقفة” التي يتناول أفرادها المنشور ويتصفحه بكسل وبعد السؤال عن الثمن يبدي امتعاضا وبعد تردد وفي الأخير يرد لك المنشور.
اصطفت النساء في مؤخرة موكب عمال الزراعة خجلات من أمر جديد عليهن- ربما-، لكن ما أن رفعت إحدى المناضلات اليساريات شعارا يؤكد على أن النساء والرجال سوية في النضال، حتى احتلت أولئك النساء مقدمة المسيرة، وتراجع رفاقهن الذكور بكل تلقائية مرددين شعار “تحية نضالية للمرأة الزراعية”.
المناضلون اليساريون الجذريون الحاضرون بالمسيرة وجدوا أنفسهم تلقائيا ينجذبون نحو موكب عمال وعاملات الزراعة، كيف لا والصورة التي كونوها عن البروليتاريا المناضلة والمتراصة والصارمة قد رأوا بعض ملامحها في موكب عمال وعاملات الزراعة.
ويفسر ذلك جزئيا بغياب بيروقراطية الفيدرالية عن الموكب، عكس المواكب الأخرى، ما يؤكد أن الجهاز يعد عقبة أمام الطلائع المسيسة وعموم الشغيلة. وكان حضور أجهزة البيروقراطية وعناصرها في باقي المواكب معرقلا أمام بروز كفاحية وصلابة باقي القطاعات من عمال فنادق (فندق بيك) ومنجم اليوسفية ودار الحليب.. الخ.
ليس عبثا أن يؤكد الماركسيون الثوريون على الدور المركزي للطبقة العاملة في النضال الثوري من أجل المطالب الآنية والتاريخية، فوحدها هذه الطبقة قادرة على الانضباط في النضال الجماعي، عكس الشرائح والطبقات الاجتماعية الأخرى المشتتة الذيلية والعاجزة عن التنظيم والمبادرة.
المراسل
اقرأ أيضا