فصول الحرب الضارية على التنظيم العمالي تتوالى بايت ملول-أكادير: إلى اين يسير نضال عاملات مصبرات ضحى ؟
يوم الأحد 31 مايو 2015، تنظم نقابة الكونفدرالية.د.ش مسيرة عمالية بأت ملول، بضاحية أكادير، تنفيذا لبرنامج “جعل مايو شهر احتجاج” الذي قرره تنسيق النقابات الثلاثة (ك.د.ش – إ.م.ش- لف.د.ش) بعد إلغائه تظاهرات فاتح مايو “احتجاجا” على “غياب الحوار” من جانب الحكومة.
حقيقة إعلان مايو شهر احتجاج اتضحت بما هو مجرد كلام لتغطية الغاء احتجاجات فاتح مايو. ما يهم في مسيرة ايت ملول هو طابعها التضامني مع نضال عاملات مصبرات ضحى [بيشا] الذي يشرف على استكمال شهرين ونصف شهر. ليس مصير زهاء 700 عائلة عمالية في كف العفريت الرأسمالي وحسب، بل إن وجود التنظيم العمالي ذاته مهدد في الصميم.
منذ أن انتصر رب العمل بيشا في القضاء على النقابة العمالية [ك.د.ش] في معمل تصبير آخر له [ افيرو] في متم العام 2013، بطرد 199 عاملة ، وزج عامل وعاملة في السجن [حوكما بستة اشهر نافذة، الى جانب نقابي آخر بمعمل صوتيماك، بمقتضى الفصل 288 من القانون الجنائي، لم يتموا المدة بفعل حملة تضامن عمالية]، منذئذ وهو يتربص الفرص بالتنظيم النقابي في معمل مصبرات ضحى. فشنت إدارته حملة تضييق على النقابيين وتحرش بهم، وبمجمل القاعدة العمالية، بغية افتعال مشاكل تبرر الطرد و اقتلاع النقابة. وجرى تتويج هذه الحملة بطرد 46 نقابيا، منهم المكتب النقابي عن آخره. وتضامنا أوقفت العاملات العمل بإضراب بدأ يوم 16 مارس 2015، وعيا منهن أن ما انتزعن في العام 2011 من مكاسب تاريخية هو المستهدف.
ولم يقف رب العمل عند حدود الضربة القوية القاضية بطرد 46 نقابيا ونقابية، بل صعد بشدة باستقدام مئات العاملات لإحلالهن مكان المضربات، منتهكا أمام انظار السلطة ومفتش الشغل المادة 16 من قانون الشغل القاضية بمنع تشغيل عمال جدد مكان المضربين. وقد مده بتضامن قوي أرباب عمل بالقطاع، إخوانه في حرفة الاستغلال و الأكل الملطف للحوم البشر، إذ ارسلوا اليه يدا عاملة مدربة في تصبير السمك والمنتجات النباتية بعد تبين نقص مهارة عاملات “الموقف”.
طبعا لم يكن رب العمل ليهجم بهذه القوة إلا بإيعاز من السلطة، او بضوء أخضر منها. وقد لزمت السلطة موقف الامتناع عن تطبيق قانون الشغل، واجتهدت في تفكيك المعتصم الليلي، و في استعراض قوات القمع كلما احتج العمال والعاملات. واتضحت من جديد حقيقة آلية “الحوار الاجتماعي”، بعجز ما يسمى لجنة البحث و المصالحة الاقليمية عن النهوض باي دور يعيد الحق الى نصابه.
بات جليا أن المطلوب هو استئصال النقابة العمالية، ليس في معمل ضحى وحده، بل في الحي الصناعي لايت ملول برمته. فانتشار التنظيم العمالي، وما حقق من مكاسب ملموسة بعدد من الوحدات، ودوره في صد تعديات جديدة من أرباب العمل،حتى بوحدات لا نقابة فيها، هو الذي ادى إلى ما نشهد اليوم من استمرار نزاع اجتماعي منذ شهرين ونصف، وامتناع عمالة انزكان عن تطبيق القانون ما دام لصالح العاملات المضربات، ولسان حالها يقول: لتذهب 700 أسرة عمالية إلى الجحيم إن كان هذا سيدمر التنظيم العمالي ويوقف انتشاره.
وإن كان موقف السلطة هذا منتظرا بالنظر الى طبيعتها كممثل جماعي لأرباب العمل، فقد غاب الشيء الوحيد القادر على إجبارها على حل لصالح المضطهدين: انه التضامن العمالي. وهذا الغياب هو الذي يفسر إصرار السلطة على موقفها لحد الآن.
نعم نشأت لجنة تضامن، وقامت بخطوتي تضامن يومي 16 و29 ابريل 2015، ودعت إلى ندوة صحافية يوم 7 مايو 2015، ونظمت حملة فضح للمسؤولين عن جريمة تشريد 700 اسرة عمالية ( رب العمل، عامل عمالة انزكان، مفتش الشغل) بتوزيع 22 ألف منشور في اكادير الكبير، و سعت الى المساعدة على حفز الفعل النضالي بنقاشات مع العمال والعاملات حول آفاق المعركة. لكن هذه اللجنة ليس بوسعها أن تقدم المطلوب، ودورها مساعد ليس إلا. فالمطلوب هو التضامن العمالي.
اين التضامن العمالي، علة وجود التنظيم النقابي؟
لا تجتمع نقابات قطاعية متنوعة في اتحاد نقابي واحد سوى كي تتمكن من جمع القوة القادرة على إجبار ارباب العمل ودولتهم على التنازل بتلبية المطالب العمالية. لا حاجة لكونفدرالية إن كانت نقابة كل مقاولة مكتفية بذاتها. هذا هو مبدأ النقابة: تضامن القطاعات وعلى صعيد وطني بوجه عدو ممركز. هذا المبدأ المؤسس للنقابة لم يجد سبيلا الى التفعيل في حالة نضال عاملات مصبرات ضحى. كان بإمكان نقابات التصبير في ك.د.ش ان تجتمع لتقرر سبل دعم كفاح عاملات ضحى من قبيل:
- وقفات احتجاج أمام أبواب معامل التصبير خارج اوقات العمل
- وقفات جماعية لعاملات التصبير امام مقرات السلطة ومندوبية التشغيل
- إضرابات دورية ساعة أو ساعتين في اليوم بكافة معامل التصبير
- إضراب عام إنذاري بالقطاع يوما واحدا قابلا للتكرار.
- صندوق دعم مادي للمعتصمات، يساهم فيه كافة عمال القطاع يوم أداء الاجور.
- مسيرة عمالية بايت ملول، أو الى العمالة ، او الولاية
- إضراب جهوي على صعيد عمالة انزكان –ايت ملول ….
هذا الاضراب الجهوي سبق ان قرره مجلس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في اجتماع طارئ يوم 22 ديسمبر 2013، في عز حرب اجتثاث النقابة في كل من مصبرات أفيرو و شركة سوتيماك. لكن هذا القرار لم ينفذ رغم أن كاتب الاتحاد المحلي ل:.د.ش اكد في الندوة الصحافية التي نظمها بمقره باكادير يوم 27 ديسمبر 2013 أن لا تراجع عن البرنامج النضالي، موضحا ان المجلس الكونفدرالي فوض للاتحاد المحلي قرار التوقيت، مع استشارة المكتب التنفيذي. وكان كاتب الاتحاد المحلي، وعضو المكتب التنفيذي، اخبر الصحافة ان هذا الأخير قرر في اول اجتماع عقده بعد تشكيله (25 ديسمبر2013) التصعيد في حال تصعيد الطرف الآخر، لا سيما ان ثمة حاليا تنسيق ثلاث نقابات.
لم ينفذ الاضراب العام الجهوي، وانتهت معركتا مصبرات أفيرو وشركة سوتيماك بهزيمة ساحقة قضت على النقابة نهائيا في المقاولتين، ونجم عن ذلك طرد 199 عاملة بأفيرو، و81 عاملا بسوتيماك، علاوة على خسارات أخرى : مدد سجن وضحايا قمع من جرحى ومنكل بهم شر تنكيل.
في معركتي سوتيماك وافيرو في 2013 تقرر اضراب عام جهوي، ولم ينفذ. وفي معركة مصبرات ضحى في 2015 لم يقرر حتى.
شاركت مئات عاملات ضحى باكبر موكب في المسيرتين العماليتين بالرباط (31 مارس 2013)، وبالدار البيضاء( 06 أيريل 2014)، مع تحمل تضحيات مادة جمة، تطبيقا لقررات القيادة الوطنية، ويوم اشتد الخناق عليهن، لم تنظم حتى مسيرة محلية.
ولم يتم تنفيذ اي من الخطوات النضالية الممكنة المشار اليها أعلاه. كيف إذن يمكن إعادة 46 نقابيا ونقابية ومجمل العاملات الى عملهن؟ حتى التضامن بالكلام نادر. كم من مكتب نقابي اصدر بيان تضامن؟
أما ما يسمى التنسيق النقابي الثلاثي (ك.د.ش – إ.م.ش- ف.د.ش) فقد تجلى تطبيقه محليا في احتضان الفيدرالية لنقابة زائفة من كاسري اضراب عاملات مصبرات ضحى، فيما ليس الاتحاد المغربي للشغل في هذا العالم.
لا تضامن عمالي، لا تنسيق نقابي، لا شيء. هذه هي الحقيقة، ويجب قولها. لقد تخلف نقابيو أكادير بجميع القطاعات عن واجب مساندة رفاقهم ورفيقاتهم في مصبرات ضحى المدافعين عن التنظيم النقابي. فلينتظروا دورهم عملا بالمثل الامازيغي: إن كانوا يحلقون رأس صاحبك، فبلل رأسك … ليحلقوه.
وما لم تكن مسيرة 31 مايو 2015 بايت ملول نقطة انطلاق مسلسل نضالي تضامني، سيكون مصير معركة مصبرات ضحى مثل مصير معركتي أفيرو و سوتيماك، و العديد من حالات الإخفاق بقطاع التصبير والفنادق وغيره. وسيسير التنظيم النقابي، بتساقط قلاعه واحدة بعد الأخرى، الى ما شهدت ورزازات من تفكيك وتحطيم تامين.
النصر ممكن
إن ما يقارب 700 عامل وعاملة بمصبرات ضحى، وآلاف العاملات بباقي وحدات التصبير المنظمة في ك.د.ش باكادير الكبير، قوة نضالية كبيرة، إن تحركت في الاتجاه الصحيح، اتجاه التضامن العمالي، فيمكن اتقاء الهزيمة وحماية التنظيم النقابي، وإحقاق حقوق العمال. لماذا الامتناع عن التصدي بكامل القوة الكامنة لهذا الهجوم الخطير ؟
الدولة و ارباب العمل يريدون نقابة خاضعة، تساعدهم على تدجين العمال. و النقابة إنما تبنى لمقاومة الاستغلال و القهر الطبقيين. و لخلق النقابة التي تريد، لا تتردد الدولة في انتهاك قانون الشغل، واستعمال القوة الضارية لقمع العمال المناضلين وسجنهم. و لا خيار لمن يريد فعلا حماية طبقة العمال من فرط الاستغلال و الإذلال إلا أن يصمد ويقاتل لبناء نقابة حقيقية، قائمة على التضامن، وعلى تربية العمال و العاملات على أخذ زمام أمورهم بأيديهم، لا تركها بين ايدي قلة بالجهاز، تحصل على تفويض و إنابة، موهمة القاعدة العمالية أن لها قدرة ما على حل المشاكل.
لا لتعطيل قوة النضال العمالية
انتصار عاملات مصبرات ضحى ممكن، لكنه رهين بتفعيل التضامن العمالي.
المسؤولية جسيمة، مسؤولية كافة النقابيين والنقابيات
عاشت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل نقابة تضامن عمالي
مراسل المناضل-ة، اكادير
اقرأ أيضا