حاملي الشهادات المعطلين في مدينة كلميم، والغياب عن تخليد فاتح ماي 2015 في الميدان.
النضال من اجل انتزاع الشغل في غياب رؤية بعيدة المدى لتحقيق ذلك، لا يفيد في شيء.
الشغل حق لكل معطلة ومعطل، ومفروض على الدولة أن تجد لهذه الفئة، وغيرها من الشباب مناصب عمل حسب الكفاءات والقدرات، والأولويات.
والاحتجاج بكافة الوسائل الممكنة واستغلال جميع المناسبات والفرص من اجل الحصول على الشغل، هو نضال يرفع الرأس عاليا لجميع خريجي الجامعات والمعاهد، وله كامل الشرعية، وحق قانوني ودستوري. وإذا رفضت السلطات الحاكمة بالفعل، أن تتحاور وتتفاوض مع جمعيات وحركات المعطلين والمعطلات، حول ملف التشغيل الذي يدور حوله العراك والتفاوض، تكون هي السبب الذي يجعل المتضررين من تماطلها وتسويفها وأكاذيبها في كثير من الأحيان، ينزلون إلى الميادين للاحتجاج على هذا النوع من التعامل مع ضحايا سياستها.
الاحتجاج ليس إلا وسيلة للوصول إلى الغاية، وهي الحصول على مناصب شغل محترمة قدر المقام وضامنة للكرامة، ولهذا تستغل في ذلك كل المناسبات الوطنية والأممية وأحيانا حتى الدينية من اجل توصيل الرسالة وإبلاغ الصوت، والتعريف بالقضية وفضح سياسة الدولة المتسببة في أزمة عطالة مزمنة وواسعة جدا لحاملي شهادات التعليم العالي بالمغرب.
حول الموضوع، وفي السياق والمسار النضالي لهذه الفئة من اجل حق الشغل برزت إلى الميادين في مدينة كلميم حركة جمعت عددا محترما من المعطلات والمعطلين، وتعرف عليها سكان المدينة تحت اسم ” حركة معطلو كليميم”.
وفعلا كانت هذه الحركة قوية منذ تأسيسها في بداية سنة 2011 قبل انطلاق المد الجماهيري والشعبي لحركة 20 فبراير بقليل. ولعبت دورا كبيرا في نضالات هذه الأخيرة بشكل بارز، وكذلك مساهمتها في تطوير أشكال النضال بالمدينة، وهذا أمر طبيعي لان اغلب أعضائها وعضواتها اكتسبوا خبرة من تجارب في حركات معطلين سابقة ومتعددة، ثم انخراطهم وكفاحهم في جمعيات مناضلة حقوقية ومناهضة للعولمة وغيرها.
مع الحراك الشعبي الجماهيري في كلميم الذي استمر أكثر من سنة تقريبا، وفي الأجواء تلك ومن قلب حراك 20 فبراير، برزت عدة حركات أخرى للمعطلين والمعطلات تحت أسماء مختلفة، وفئات مثل ” حاملي شهادة الماستر”..الخ
ميزة “حركة معطلو كليميم” هي ديمقراطيتها الداخلية واجتماعاتها العامة الموسعة المنتظمة منذ بداية نزولها للميدان، وعملت فعلا بشعارها (ديمقراطية – جماهيرية – مستقلة) ثم أشكالها النضالية (الوقفات، والمسيرات والاعتصام وأشكال عدة) مثل وسائل التعبير بحمل شعارات مكتوبة على الأوراق في القاعات العامة بحضور مسؤولين من الدولة، ومنتخبين في حكومة الواجهة وممثلي السلطات المحلية والوطنية. وحسب كثير من متتبعي نضال هذه الحركة، فأنهم يعتبرون أشكالها الاحتجاجية راقية ومتطورة ومشرفة لحاملي الشهادات المعطلين والمعطلات بالمدينة، لأنها لم تسقط في أشكال مدمرة مثل ما وقع في عدة مدن أخرى (إضراب الجوع الطويل المدة، وحرق الذات، والدرجة القصوى في هلك الحياة والأشكال الفردية …الخ). لهذا، فان نضالات وأساليب حركة معطلو كليميم الراقية هذه شجعت عدد كبير من المعطلين والمعطلات على الالتحاق بها، والانخراط والالتزام وتفعيل مقررات الجموعات العامة. والمتميز كذلك لديها هوا لحضور البارز للنساء في معارك الحركة، رغم تقاليد وعادات السكان شبه المحافظة والتقليدية حتى في تشجيع الإناث على إكمال الدراسة خارج المدينة، وهذا يظهر من خلال حضورهن باللباس المحلي “الملحفة” وإخفاء الوجه كله ما عادا، العينين فقط !! وهذه الظاهرة لدى النساء أصبحت ملفتة للنظر في مدينة يغلب عليها الطابع القروي، مدينة/ريفية.
هذه الأشكال النضالية استطاعت أن تحقق بها الحركة بعض المكاسب الطفيفة جدا، وانتزعت لفائدة معطلين ومعطلات من أبناء اسر الكادحين “منح شهرية” بنحو 1000 درهم شهريا تقريبا، من اجل تغطية جزء ضعيف من مصارف العطالة المزمنة بشكل مؤقت، رغم النقاش الذي دار حول الموضوع، فانه لم يسبق لأي حركة معطلين بالمدينة أن حققت ذلك بشكل ديمقراطي، وهذا يحسب لحركة معطلو كليميم. بالإضافة إلى مرونتها الكبيرة مع أعضائها وعضواتها وتقديرها لوضعية الجميع وظروفهم، وفتح المجال لمن يتابع دراسته والمشاركة في الاختبارات المهنية. وظلت الحركة تناضل من اجل التشغيل ميدانيا إلى يومنا هذا.
الاستمرار في النضال والاحتجاج مع العمل الميداني في انجاز أبحاث حول مناصب الشغل بالإقليم وإصدار مجلة ناطقة باسم حركة معطلو كليميم أطلق عليها اسم “صوتنا” أنجزت ثلاثة أعداد مهمة جدا إلى حدود فاتح ماي 2015، ثم مشاركتها في جل الحراك الشعبي بالمدينة، وحضورها مع اسر معتقلي 20 فبراير في كلميم، وفي اكادير أمام المحكمة، ودعمها لكل ضحايا سياسة الدولة الرأسمالية التي تفقر البشر بالإقليم . ومشاركتها الفعالة في التنسيق المحلي الذي يتكون من عدة هيئات حول ملفات بعينها، ومساهمتها في إنجاح عدد من الندوات بالمدينة. ولعبت دور مهم في التحضير والتفعيل للمسيرة المشتركة بين الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل مع حركة 20 فبراير، في فاتح ماي سنة 2011، وكانت من أهم المحطات الخالدة في تاريخ مسيرات العمال في مدينة كلميم .
كل هذا وغيره كثير لا يتسع المجال لذكره هنا ، لا يشفع لها بخصوص غيابها الكبير عن محطة فاتح ماي 2015، واذا رجعنا الى افتتاحية النشرة الداخلية العدد الثالث من مجلة “صوتنا” نتابع في فقرته الأخيرة ما يلي: ..لان قوة التنظيم والاستعداد النضالي كفيلة بوعي شقي جديد للمعطل وكافة الحركات الاجتماعية لإسقاط الفساد لان تفشي البطالة وارتفاع نسبة الفقر كفيل بتأجيج النفوس لأننا لن نخسر أكثر مما خسرناه ويستمر النضال..) لكن النضال توقف في فاتح ماي 2015 هذا اليوم الاممي للاحتجاج والغضب لعمال العالم والدنيا بكاملها، هذا اليوم الذي امتنعت عن تخليده بيروقراطية منحطة في ثلاثة مركزيات نقابية وأصدرت بلاغ مشترك عبرت من خلاله عن عدم النزول إلى الشوارع ، ورفع شعارات المطالب الأساسية، والاحتجاج ضد الاعتداء على الأجراء والأجيرات من طرف الدولة والرأسماليين.
حركة معطلو كليميم خلدت يوم 8 مارس2015 بشكل ناجح ونظمت وقفة بالمناسبة في احد الشوارع الرئيسية بالمدينة، ورفعت شعارات ومطالب تتعلق بملف التشغيل، منددة بسياسة الدولة المناهضة لحقوق النساء، ورفعت شعارات تعبر عن المساواة بين الإناث والذكور، و شرفت المدينة بهذا التخليد الاممي للنساء.
نزلت إلى الميدان بوقفة ناجحة ورفعت شعارات تطالب بحقها في التشغيل، لكنها غابت يوم فاتح ماي 2015 ، أي بعد 52 يوم فقط الفاصلة بين اليومين العالميين، وأضاعت فرصة ثمينة للاحتجاج على سياسة الدولة في التشغيل، كانت الميادين مستعدة وبإمكان الحركة تنظيم مسيرة المعطل.
النضال الميداني من اجل انتزاع حق الشغل يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى، والرؤية تأتي من الاستفادة من دروس التاريخ.
حمودي – كلميم – ماي 2015
اقرأ أيضا