الباعة المتجولون: هجوم الدولة على قوت الكادحين
بقلم فودة إمام
غالبية من يمتهنون حرفة التجارة على الرصيف هم من الفئات الاجتماعية التي لفظها المجتمع البرجوازي إلى الهامش؛ ضحايا السياسات النيوليبرالية ومخلفات سياسة اقتصاد السوق المعولم، أي الذين لم يجدوا مكانا في اقتصاد الربح وخدمة الأقلية المالكة لوسائل الإنتاج ليشكلوا جيش عمل من نوع أخر. تتشكل هذه الشريحة الاجتماعية العريضة من كل الفئات العمرية، شباب وأطفال وشيوخ ونساء (90% منهم ذكور)، كذلك نسبة مهمة من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الفارين من الحروب والمجاعات، ومنهم أيضا من حصل على شواهد جامعية ودبلومات مهنية ولم يجدوا مكانا لهم في الوظيفة العمومية أو في القطاع الخاص بشروط تحفظ لهم حياة كريمة.
يعيل غالبية هؤلاء الباعة الجائلون، أسرا بكاملها، يقدر عددها ب مليون ونصف أسرة حسب دراسة لوزارة الصناعة والتجارة، تشتغل هذه الفئات في فترات مختلفة من اليوم تتراوح مابين نصف يوم عمل ويوم عمل كامل بشروط غير إنسانية، فمحلاتهم عبارة عن أرصفة الشوارع المكشوفة بدون مرافق صحية وغير أمنة كما أنهم معرضون بشكل يومي للحوادث (السرقات) وللأمراض (ضربات الشمس، تلوث ،…الخ )، بالإضافة إلى المطاردات البوليسية شبه اليومية، و ابتزاز رجال السلطة من شيوخ ومخازنية ومقدمين للحصول على إتاوات.
مشاكل الفراشة بعد 20 فبراير
بعد انطلاق المد الجماهيري المتدفق إلى ساحة النضال بالمغرب سنة 2011 في إطار حركة 20 فبراير و المسنود بما جرى في المحيط الإقليمي تونس ومصر وغيرها من البلدان المشرقية الأخرى، اصطف غالبية الشباب المغربي وراء الشعارات الديمقراطية التي صدحت بها الحناجر في كل مدن المغرب، خلف هذا الوضع المستجد رعبا وخوفا في معسكر الحاكمين المستبدين، حينها التقط معسكر الدولة إشارة الخطر الداهم فقام بمناورات سياسة شملت تغيير الدستور الممنوح وزيادة أجور الموظفين وغيرها، بالإضافة إلى فتح الشوارع وغض الطرف عن باعة الأرصفة الذين وصل عددهم إلى أكثر من 276 ألف ” فراش ” في سنة 2011 يستقر منهم حوالي 128 ألف بائع متجول في جهة الدار البيضاء.
بهذا تكون الدولة تمكنت من تحييد قسم كبير من الكادحين عن الصراع الدائر حينها، حيث سمحت لعدد هائل من الغاضبين والمستاءين من السياسة العامة للدولة باحتلال الشوارع لمحاربة البطالة المقنعة إلى حين انطفاء موجة 20 فبراير، هذه الانحناءة مؤقتة إذ سرعان إستعادت الدولة زمام الأمور، وهـزمت الحراك الشعبي لتعود لوضعية الهجوم مرة أخرى، حيث تجددت المطاردات والاعتقالات في صفوف الفراشة ومصادرة سلعهم البسيطة.
وجد عشرات الآلاف من تجار الرصيف أنفسهم عرضة لمعارك يومية ومطاردات من قبل رؤساء المقاطعات في مجموعة من المدن المغربية (البرنوصي، كراج علال، درب السلطان، بني ملال، تازة، الناظور…) بدريعة إحتلال الملك العام وتشويه المنظر العام للمدن وعرقلة السير، بالإضافة إلى إدعاء تضليلي بكون تجارة الأرصفة تفوت على الجماعات الحصول على مداخيل تتراوح ما بين 50 و60 في المائة، بحيث يصل رقم المعاملات السنوي لتجارة الباعة المتجولين 45 مليار درهم، أي أن دولة رجال الأعمال والنهابين يضيع عن أرباحها من عرق الكادحين وكسبهم اليومي حوالي 47 مليار سنتيم وهذا بالضبط ما يدفع رجال القمع لمتابعتهم ومحاربتهم في الشوارع والأزقة حتى يتمكنوا من امتصاص كل هذا الهامش الربحي الذي ينفلت من أرصدتهم البنكية فلا منظر الشوارع ولا احتلال ملك عام يهم هؤلاء الحاكمين، فكل همهم هو أن يصبح القطاع مهيكلا ويندمج في دائرة اقتصاد اعتصار الارباح من عمل الآلاف الفراشة. لماذا لا تهتم الدولة بمنظر المدن الملوثة بأدخنة المصانع؟ ونفاياتها؟
هذا ويتعرض هؤلاء الباعة إلى نوع أخر من الظلم والإستغلال الفاحش من طرف بعض التجار من أصحاب المحلات حيث يتم كراء جزء من الرصيف المقابل للمحل بثمن يتفاوت من منطقة تجارية إلى أخرى، بالإضافة إلى دفع سومة يومية لصاحب المحل عن إستهلاك الكهرباء، ناهيك عن الضريبة “الصنك” اليومية التي يدفعها الفراشة للبلديات في بعض المدن قد تصل إلى 15 درهم في اليوم.
نضال الفراشة ضد دولة رجال الأعمال الكبار
أمام هجوم الدولة على قوت الفراشة بكل المدن المغربية، اعتقالات (يوسف سفير ونوال نسيس وأخرهم أمينة قشاشي الحاصلة على الإجازة… وغيرهم) ومصادرة السلع ومنع الفراشة من مزاولة مهنتهم، إختار هؤلاء الكادحين النضال في وجه هذا الهجوم حيث تم تأسيس تنسيقيات لتنظيم صفوف الباعة المتجولين في مدينة الدار البيضاء وغيرها، تحت لواء كل من المنظمة الديمقراطية للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل” حتى يتمكن الباعة من الدفاع عن حقوقهم المشروعة، وضمنها المشاركة في المشاريع التي تعلنها الدولة لتنظيم القطاع ومساهمة الباعة في إقتراح رؤيتهم للمشاريع المقدمة لهم كالأسواق النموذجية وتنقليهم من مكان لأخر.
يجد الباعة الجائلين أنفسهم أمام مواجهة الدولة وأجهزتها القمعية بشكل يومي في الشوارع والأزقة، وفي غالب الأحيان تستغل الدولة الشكايات المقدمة من طرف التجار أو السكان – شكايات- تهم الأضرار التي تنتج عن هذا النشاط التجاري من أزبال وضجيج وتجمعات لتقود هجوم ضد الكادحين من الفراشة، لهذا يجب على كل المناضلين الديمقراطيين التضامن مع الباعة الجائلين والتعريف بحقيقة مشاكلهم وتوعية كل الكادحين حول عدوهم الحقيقي الذي هو رجال الأعمال الكبار الذين ينهبون خيرات البلد ويهربون أموالهم إلى البنوك السويسرية مخافة نهوض الفقراء القادم لا محال.
مهام أنصار قضايا تحرر الكادحين اتجاه الباعة الجائلين:
نقدم لكل المناضلين الديمقراطيين أفكار بسيطة حول كيفية مساندة طبقتنا وأبنائها من الفراشة في النصر على البرجوازية الحاكمة، أفكار بسيطة لكنها فاعلة وبتظافر الجهود نحقق نصر الكادحين.
• 1 – الدعم الميداني لكل الوقفات الاحتجاجية التي ينظمها الباعة الجائلين
• 2 – المساندة الإعلامية لكل المعارك النضالية التي يخوضونها ببسالة ضد سلطة رجال الأعمال
• 3- محاولة تنظيم الفراشة في المنظمات النقابية التي يتواجد بها المناضلون الديمقراطيون الكفاحيون
• 4- تنظيم ندوات وعروض تثقيفية لشرح وتوضيح كل ما يخص قطاع الباعة الجائلين والفراشة
• 5- تنظيم حملات في الأحياء الشعبية التي يتواجد بها الفراشة لتوعية المواطنين بالعدو الحقيقي للشعب المغربي وترسيخ وحدة كافة المتضررين من سياسة خدمة الاقلية الحاكمة وحلفائهم.
• 6- النضال مع الفراشة من اجل ضمان حقهم في الضمان الإجتماعي والتعويض عن حوادث العمل والمطالبة بتنظيم القطاع على أسس ديمقراطية شعبية تراعي مصلحة الكادحين قبل الرأسماليين.
هوامش :
• دراسة وزارة التجارة والصناعة .
• المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط بالدار البيضاء .
• مقالات على الأنترنيت
اقرأ أيضا