على هامش المؤتمر 11 للاتحاد المغربي للشغل: مقالات سبق نشرها
بمناسبة المؤتمر الحادي عشر للاتحاد المغربي للشغل يعيد الموقع نشر مقالات سبق نشرها على موقع المناضل-ة القديم
1- على هامش وفاة أمين عام الاتحاد المغربي للشغل: النقابة العمالية، بين الملكية واليسار، الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 ، المناضل-ة عدد: 30
2- بعد وفاة المحجوب بن الصديق: أي آفاق للاتحاد المغربي للشغل وللحركة النقابية العمالية بالمغرب؟ الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010، عبد الحميد أمين
3- تفاعلا مع الرفيق أمين عبد الحميد: من اجل يسار نقابي ديمقراطي كفاحي، الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 ، المناضل-ة عدد: 30، علاء لمين
4- هل يدخل الاتحاد المغربي للشغل مرحلة نوعية جديدة ؟ الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 ، المناضل-ة عدد: 30، محمود جديد
5- أي حصيلة لمؤتمر الاتحاد المغربي للشغل العاشر؟ الجمعة 1 كانون الثاني (يناير) 2010 ، المناضل-ة عدد: 33، مصطفى البحري -محمود جديد
لتحميل كتيب يجمع كل ما نشر بصدد الاتحاد المغربي للشغل، والتوجه الديمقراطي داخله منذ المؤتمر العاشر حتى الآن أنقر/ي على الرابط التالي:
أنقر/ي هنا: إمش بين مؤتمرين النقابة العمالية بين الملكية واليسار
==================
على هامش وفاة أمين عام الاتحاد المغربي للشغل : النقابة العمالية، بين الملكية واليسار
قبيل الاستقلال الشكلي بمدة وجيزة تأسس الاتحاد المغربي للشغل، في أوار النضال الوطني. لم تكن الملكية ترى في الاستقلال سوى استعادة لمطلق سلطات المخزن، بعد أن قام الاستعمار لصالحها بتهدئة بلد ما كان يوما تحت التحكم الكامل لحاكميه. وفي خضم الصراع بين الملكية ويسار الحركة الوطنية، كان الاتحاد المغربي للشغل إحدى حلبات المواجهة.
أغدق الحكم الرعاية على جهاز النقابة لجره إلى جانبه. مال موظفو الجهاز جهة الامتيازات وإمكانات الاغتناء، فاصطدموا بكل من أراد جعل النقابة أداة نضال ضد الرأسمال والاستبداد. و نسفوا من النضالات الكثير وافرغوا النقابة حتى من مضمونها الأولي : الدفاع عن لقمة الخبز وحق التنظيم. أبعد هذا القاعدة العمالية عن عدوى الأقلية الثورية، وسارت هذه إلى حتفها في تجارب لا دور فيها للطليعة العمالية الواعية.
كان هذا أكبر نصر حققه النظام. وبعد أزيد من نصف قرن على ميلاد الاتحاد المغربي للشغل، فقد بفعل التبقرط و التعاون مع الحكم جوهره النضالي. واقتفت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عمليا أثره، لا سيما منذ أكذوبة “حكومة التناوب”، وبذلك أضحى العمل النقابي في حالة من التردي غير مسبوقة، إذ بات قناة تمرير لسياسة البرجوازية ودولتها أكثر مما هو اداة نضال ضدهما.
يسعى المناضلون من أجل تحرر الطبقة العاملة الشامل إلى جعل النقابات أداة كفاح حقيقية لتحسين أوضاع الشغيلة ماديا وثقافيا لما في الأمر من رفع لقدراتهم الكفاحية، ولما تمثله معمعة النضال اليومي من مدرسة حرب تؤهلهم لإطاحة الاستبداد والرأسمالية. لهذا لا سبيل آخر أمامهم غير العمل أينما وجد عمال يناضلون، مهما تنوعت العقبات. والمعركة حول دور النقابات دائمة، اذ يسعى النظام الى تكريس وتعميق احتواء القيادات النقابات لتكون هذه ملحقة لأجهزة الدولة في ضبط الساحة العمالية ، وما مشاريع قوانين الإضراب والنقابات و المجلس الاقتصادي والاجتماعي سوى لبنات إضافية في هذا الاتجاه.
يقتضي هدف تحقيق الوحدة العمالية النضال ضد دعاة التعاون مع البرجوازية، وهؤلاء لا يوجدون في أحزاب فقط بل أيضا في النقابات، مقنعين بشعار الاستقلال النقابي. وهذه الوحدة قوامها تجميع الطبقة العاملة على شعارات وأشكال نضال تفضي إلى التغيير الشامل والعميق. اما وضع هدف توحيد المنظمات النقابية شرطا مسبقا لأي معركة طبقية جدية، فليس سوى ربط مستقبل التغيير الثوري بزمرة الإصلاحيين النقابيين الفاسدين. لذا لن تتطابق الوحدة العمالية بالضرورة مع وحدة الأجهزة النقابية، ما يفرض بإلحاح مهمة بناء يسار نقابي يخترق كل النقابات في اتجاه وحدة عمالية ميدانية حول برنامج إسقاط الرأسمالية.
المناضل-ة
بعد وفاة المحجوب بن الصديق: أي آفاق للاتحاد المغربي للشغل وللحركة النقابية العمالية بالمغرب؟
** في يوم الجمعة 17 شتنبر، توفي المحجوب بن الصديق، الأمين العام لمركزيتنا النقابية، الاتحاد المغربي للشغل، عن سن يناهز 88 عاما، بعد أن ظل زعيما لها منذ تأسيسها في 20 مارس 1955، لمدة تفوق 55 سنة.
** إن السؤال الذي تطرحه الصحافة والعديد من المهتمين، هو “من سيخلف المحجوب بن الصديق كأمين عام؟”. وفي اعتقادي أن هذا السؤال يبعدنا عن الإشكالية الحقيقية ـ التي يجب أن ينشغل بها الرأي العام الديمقراطي وخاصة المناضلات والمناضلون الغيورون على مصالح الطبقة العاملة والمقتنعون برسالتها التحررية ـ حول أي مستقبل للحركة النقابية العمالية ببلادنا ؟ ذلك أن المشكل المطروح ليس هو استبدال زعيم بزعيم آخر على رأس الاتحاد، فهذا غير ممكن، إذ لا مكان بعد 17 شتنبر للزعيم وللزعامة في الاتحاد المغربي للشغل. وما يطرح هو التساؤل حول آفاق الاتحاد وآفاق مجمل الحركة النقابية العمالية بالمغرب.
** لقد مات المحجوب بن الصديق. ونحن نعلم أن كل من عليها فان ولا يبقى في وجدان الناس إلا من فعل خيرا يذكر به. وقد كان للراحل دورا بارزا في مسار وتاريخ الاتحاد المغربي للشغل والحركة النقابية العمالية ككل. وليس المجال هنا لتقييم هذا الدور؛ فهذا ما يحتاج إلى تفكير معمق ومجهود جماعي ما أحوجنا إليه. وقد يكون المؤتمر الوطني العاشر للإتحاد مناسبة لذلك.
** إن ما يهمني أكثر حاليا، هو التشخيص ولو بعجالة لأوضاع الحركة النقابية العمالية ولآفاق تطورها، وذلك من منطلق مناضل خبر العمل النقابي داخل الاتحاد المغربي للشغل منذ 1970 وظل داخله يدافع عن مبادئه الأصيلة المتجسدة في الوحدة النقابية والاستقلالية والديمقراطية والتضامن والتقدمية والجماهيرية. وإن فكرتي الأساسية هي كالتالي:
ــ إن الحركة النقابية العمالية تعيش أزمة عميقة؛
ــ إن انبعاث الحركة النقابية كضرورة للنهوض بحقوق العمال، ورغم الصعوبات الناجمة بالخصوص عن افتقار الطبقة العاملة لحزبها السياسي المستقل، ممكن في ظل الشروط الراهنة؛
ــ إن النهوض بالاتحاد المغربي للشغل شرط ضروري لانبعاث الحركة النقابية وهو يمر بالأساس عبر تعزيز الديمقراطية الداخلية والمبادرة إلى تقوية الوحدة النضالية على طريق بناء الوحدة النقابية المنشودة.
** إن الحركة النقابية العمالية المغربية تعرف أزمة خطيرة تعد إحدى الأسباب الأساسية للإجهاز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة ببلادنا في السنوات الأخيرة. ويمكن إيجاز مظاهر الأزمة في:
– تردي جماهيرية العمل النقابي، إذ أن مجموع المنخرطين والمنخرطات في تقديري لا يتجاوز 300 أو 400 ألف بالنسبة لكافة المركزيات النقابية، بينما كان عدد منخرطي الاتحاد المغربي للشغل 650 ألف في نهاية الخمسينات من القرن الماضي عندما كانت المركزية النقابية الوحيدة ببلادنا.
– تقسيم الحركة النقابية والعبث بوحدتها. فيما ظلت الطبقة العاملة مؤطرة في مركزية نقابية واحدة منذ الإعلان عن الاستقلال وإلى حدود 20 مارس 1960، عندما قام حزب الاستقلال بإنشاء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، هناك اليوم حوالي عشرين مركزية نقابية ببلادنا، خمسة منها تعتبر الأكثر تمثيلية من طرف السلطات الحكومية. وإن التعددية النقابية الناتجة عن التقسيم النقابي تعد مصدرا لتضارب المواقف وتعارض التكتيكات النضالية مما يسيء لمصالح الطبقة العاملة ككل.
– ضعف الديمقراطية الداخلية الذي يمكن تلمسه على مستوى الأجهزة القيادية الوطنية وعلى مستوى الجامعات والنقابات الوطنية والاتحادات المحلية لهذه المركزية أو تلك. ويكفي الإشارة على سبيل المثال إلى أن الاتحاد المغربي للشغل لم يعقد مؤتمره الوطني منذ أزيد من 15 سنة وأن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لم تعقد مؤتمرها الوطني منذ أزيد من 9 سنوات، ناهيك عن تجميد نشاط الأجهزة المنتخبة وتغييب العمل الجماعي وتسييد مفهوم الزعامة في كافة المستويات.
– تفشي قيم الانتهازية والانتفاعية والفساد وتكاثر المفسدين في صفوف المسؤولين النقابيين.
– ضعف الاستقلالية وأبرز مظاهرها إزاء الأحزاب السياسية، حيث نجد وراء مجمل الانشقاقات التي عرفتها الحركة النقابية المصلحة الحزبية الضيقة. وفي هذا المجال، إذا كان الاتحاد المغربي للشغل يتوفر على استقلالية معروفة لدى الجميع، فإن جل المركزيات الأخرى (وإن كان ذلك بتفاوت) تظل تابعة لأحزاب معينة إما بشكل مكشوف أو ضمني.
– ضعف التضامن النقابي على كافة المستويات من نقابة المؤسسة إلى الاتحاد المحلي والنقابة الوطنية والجامعة الوطنية والمركزية وصولا إلى التضامن للمركزيات النقابية فيما بينها. وضعف التضامن هذا، يساهم في العديد من الأحيان في تكبد الطبقة العاملة لهزائم كبرى في عدد من المعارك.
– تقلص الطابع التقدمي للعمل النقابي حيث لم تعد المركزيات النقابية إلا نادرا تتخذ مواقف سياسية تقدمية من القضايا المصيرية للبلاد: الموقف من الديمقراطية المزيفة أو الشكلية، من المسألة الدستورية، من التغلغل الإمبريالي في مختلف المجالات، من اندماج المغرب في العولمة الليبرالية المتوحشة، من الإصلاح الزراعي، الخ…
** إن استمرار الأزمة التي تعيشها الحركة النقابية، وبمختلف المظاهر السالف ذكرها قد يؤدي إلى الاضمحلال التام للحركة النقابية العمالية المغربية. لهذا حان الوقت للعمل بحزم على تجاوز هذه الأزمة وهذه مهمة كافة المناضلات والمناضلين الغيورين على مصالح الطبقة العاملة أينما وجدوا، من داخل العمل النقابي – داخل هذه المركزية أو تلك – أو من خارجه. إن تجاوز الأزمة يقتضي أساسا:
– تعزيز النضالات الوحدوية والوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية في إطار مركزية واحدة. وأعتقد أن النواة الصلبة للوحدة النضالية يجب تشكيلها من طرف كل من الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل نظرا لوزنهما في الساحة النقابية ولتاريخهما النضالي.
– العمل على تعزيز استقلالية العمل النقابي، وهو ما يفترض القطيعة مع تبعية جل المركزيات النقابية للأحزاب السياسية التي دفعت إلى تشكيلها في ظروف معينة.
– توسيع وتعميق الديمقراطية النقابية داخل كل مكونات الحركة النقابية العمالية بدءا بجعل حد لمفهوم الزعامة، ورد الاعتبار للعمل المنظم والديمقراطي ولمفهوم القيادة الجماعية مع التحديد الدقيق للمسؤوليات الفردية.
– تخليق العمل النقابي عبر التصدي للفساد والمفسدين داخل الحركة النقابية.
– رد الاعتبار لقيمة التضامن داخل مختلف الهياكل النقابية وفيما بينها، وصولا إلى التضامن بين المركزيات النقابية نفسها في أفق الوحدة النقابية.
– رد الاعتبار للطابع التقدمي للعمل النقابي عبر اتخاذ مواقف سياسية واضحة من السياسات ومن القوى الرجعية المعادية لمصالح الطبقة العاملة والجماهير الشعبية.
– ومن المؤكد أن تفعيل التوجهات والإجراءات السابقة سيساهم بقوة في رد الاعتبار للعمل النقابي ككل وبالتالي إلى تقلص العزوف عن النقابات وتقوية طابعها الجماهيري من جديد. وأعتقد أن الاتحاد المغربي للشغل ـ كمركزية نقابية عمالية أصيلة وباعتبارها كذلك المركزية النقابية الأولى تاريخيا وعلى مستوى تمثيليتها للأجراء وباعتبار الأطر الصادقة، الكفأة والمناضلة التي تتوفر عليها والتي ساهمت في تعزيز الوجه المشرق لهذه المركزية ـ هو المركزية المؤهلة بالدرجة الأولى لتلعب دورا رياديا في عملية انبعاث الحركة النقابية خاصة إذا تمكنت من وضع اليد في اليد مع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل للاندماج بحماس في مشروع انبعاث الحركة النقابية العمالية المغربية.
** إن الشرط الأساسي لتقوم مركزيتنا بدورها الريادي في انبعاث عموم الحركة النقابية هو التصحيح الجذري لمسارها خاصة عبر: * ترسيخ الديمقراطية الداخلية بعدد من التدابير والإجراءات أهمها:
– الشروع في التحضير الديمقراطي وبشفافية للمؤتمر الوطني العاشر للاتحاد المغربي للشغل الذي يجب أن يشكل البوابة نحو عهد الديمقراطية والشفافية في مركزيتنا.
– القطيعة مع مفهوم الزعامة على كل المستويات سواء تعلق الأمر بالمركزية ككل أو بالاتحادات المحلية والجامعات الوطنية والفروع الجامعية ونقابات المؤسسات.
فعلى المستوى الوطني يجب أن يدرك الجميع داخل الاتحاد وخارجه أنه لن يكون هناك زعيم للاتحاد المغربي للشغل بعد 17 شتنبر، تاريخ وفاة المحجوب بن الصديق. وأن العمل الديمقراطي يفرض في هذا المجال وضع أسس قيادة جماعية سواء تعلق الأمر بالأمانة الوطنية أو باللجنة الإدارية.
فبالنسبة للأمانة الوطنية ـ التي يجب أن تكون منتخبة من طرف اللجنة الإدارية وخاضعة لمراقبتها ولتوجيهات المجلس الوطني ـ إن مفهوم القيادة الجماعية يعني أن كل أعضائها يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم على قدم المساواة مع مراعاة متطلبات توزيع المهام والمسؤوليات الفردية؛ ففي هذا المنظور سيكون هناك طبعا أمينا عاما ونائبه أو نوابه وأمينا للمال ونائبه ومسؤوليات محددة أخرى. ودور الأمين العام الذي يجب أن ينتخبه زملاؤه في الأمانة الوطنية هو دور المنسق الجماعي الذي يجتهد أكثر من غيره لضمان تناغم العمل الجماعي. كما يجب ـ ضمانا للتداول على المسؤوليات وتجنبا لعودة الزعامة ـ حصر عدد الولايات في اثنتين فقط بالنسبة للأمناء العامين مع العلم أن هذا الإجراء لا يمكن أن يتم بأثر رجعي.
إن مفهوم العمل الجماعي والمسؤولية الفردية يجب أن يسود على مستوى كافة الهياكل النقابية بما فيها أجهزة الجامعات الوطنية والاتحادات المحلية والفروع الجامعية ونقابات المؤسسات.
– تسييد مفهوم العمل المنظم والديمقراطي بالنسبة لكافة الأجهزة: فالمؤتمرات يجب أن تنعقد في وقتها المحدد دون أدنى تأخر وباعتماد الشفافية والديمقراطية في التحضير لها وفي مسارها. كما على الأجهزة الأخرى أن تجتمع بشكل ديمقراطي منظم ومنتظم.
وبالنسبة لأسلوب تشكيل الأجهزة القيادية يجب رد الاعتبار لأسلوب الانتخاب السري الذي يمكن العمل به إلى جانب أسلوب لجنة الترشيحات الذي يجب تطويره بدوره.
ونشير هنا إلى ضرورة المراجعة الشاملة للقانون الأساسي وإقرار نظام داخلي.
– إن مقتضيات الديمقراطية تفرض كذلك إشراك المرأة المناضلة في المسؤوليات؛ لا يعقل أن يكون للاتحاد مستقبلا أمانة وطنية بدون نساء مناضلات تبرزن المكانة الحقيقية للمرأة داخل مركزيتنا وداخل المجتمع ككل. وقد يكون من المفيد إقرار تمثيلية للمرأة في الأجهزة تصل إلى الثلث على الأقل عملا بشعار”الثلث على الأقل في أفق المناصفة” الذي رفعته الحركة النسائية الديمقراطية ببلادنا. كما أن مقتضيات الديمقراطية تفرض علينا فتح أبواب المسؤولية أمام الشباب.
*تمتين الوحدة داخل الاتحاد المغربي للشغل على أساس وحدة الرؤيا للعمل النقابي وعلى أساس المصالح المشتركة للطبقة العاملة وعلى أساس الاحترام الجماعي لقيم العمل النقابي ومبادئه ولمقتضيات الديمقراطية الداخلية.
إن الوحدة الداخلية على أساس الديمقراطية تشكل إحدى الرافعات لتشجيع الوحدة النقابية التنظيمية المنشودة.
*وأخيرا لا بد من التأكيد على الطابع التقدمي للاتحاد باعتباره مركزية نقابية للطبقة العاملة وفي خدمة أهدافها القريبة (تحسين الأوضاع المادية والمعنوية) والبعيدة المتجسدة في القضاء على الاستغلال الرأسمالي كمصدر أساسي لويلات الطبقة العاملة وفي الطموح إلى تشييد مجتمع اشتراكي تكون فيه السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعمال وعموم الكادحين.
طيلة التاريخ النضالي للاتحاد حاولت بعض القوى السياسية استغلال المركزية لأهدافها السياسية الخاصة لكن محاولاتها لم تعرف نجاحا يذكر. واليوم هناك محاولة لبعض القوى الرجعية لإيجاد موطئ قدم داخل المركزية في محاولة للاستفادة من وضعيتها الانتقالية لجرها نحو اليمين ونحو خدمة الرأسمالية التبعية المرتبطة بالعولمة الليبرالية المتوحشة.
ويجب أن يدرك الجميع داخل المركزية وخارجها أن كافة مناضلاتها ومناضليها خاصة التقدميين المرتبطين بالمشروع التحرري العام للطبقة العاملة لن يسمحوا أبدا بانحرافها نحو اليمين وأنهم عازمون وبكل إصرار على تعزيز طابعها التقدمي. فالطبقة العاملة ومركزيتها النقابية الأصيلة، الاتحاد المغربي للشغل، لا يمكن أن تكون وقودا في محركات القوى المعادية لمصالحها القريبة والبعيدة.
عبد الحميد أمين مناضل في الاتحاد المغربي للشغل
تفاعلا مع الرفيق أمين عبد الحميد: من اجل يسار نقابي ديمقراطي كفاحي
نشر الرفيق عبد الحميد أمين بعيد وفاة المحجوب بن الصديق نصا بعنوان «بعد وفاة المحجوب بن الصديق: أي آفاق للاتحاد المغربي للشغل وللحركة النقابية العمالية بالغرب؟». خصصه لتشخيص الأزمة التي تنخر الحركة النقابية عامة وضمنها الاتحاد المغربي للشغل، ومنظوره لتجاوز تلك الأزمة.
ان أزمة الحركة النقابية المستفحلة تلقي الكثير من المسؤولية على عاتق المناضلين النقابيين الديمقراطيين الكفاحيين وكل أنصال النضال العمالي بالمغرب. ومن هذا المنطلق فان مساهمة الرفيق، وبغض النظر عن درجة الاتفاق أو الاختلاف معها، هي جهد محمود على طريق تعميق النقاش في صفوف اليسار النقابي.
يعدد الرفيق عبد الحميد مظاهر الأزمة النقابية في : تردي جماهيرية العمل النقابي، التقسيم النقابي، ضعف الديمقراطية الداخلية، تفشي قيم الانتهازية والانتفاعية والفساد في صفوف المسؤولين النقابيين، تبعية النقابات للأحزاب باستثناء امش، ضعف التضامن ما بين المركزيات وداخل المركزية نفسها، تقلص الطابع التقدمي للنقابات التي لم تعد تتخذ إلا نادرا مواقف سياسية تقدمية في القضايا المصيرية للبلد.
و أكد الرفيق أن استمرار هذه المظاهر قد “يؤدي إلى الاضمحلال التام للحركة النقابية العمالية المغربية”. و “لهذا حان الوقت للعمل بحزم على تجاوز هذه الأزمة وهذه مهمة كافة المناضلات والمناضلين الغيورين على مصالح الطبقة العاملة أينما وجدوا، من داخل العمل النقابي – داخل هذه المركزية أو تلك – أو من خارجه.” ليخلص في النهاية إلى أن تجاوز الأزمة يمر أساسا عبر العمل على تجاوز كل النقائص التي اعتبرها تمظهرات للأزمة ليخلص الى بعض التدابير العملية الضرورية لترسيخ الديمقراطية في امش.
إن كل مظاهر الأزمة التي عددها الرفيق هي نتاج انحطاط بيروقراطي ناجز لنقاباتنا اثر تحكم خط سياسي يقوم على العسف البيروقراطي والتعاون الطبقي بنقاباتنا. خط يرتكز إلى جهاز نقابي متعفن ذو نزعة محافظة فائقة هدفه الحفاظ على الجهاز بما هو ضامن مراكمة الامتيازات الشخصية على حساب التضحية بالمصالح الآنية والبعيدة للطبقة العاملة. وهو خط انتصر رسميا ونهائيا على الأقل ،وللمصادفة، في المؤتمر الثالث لأمش سنة 1963 و وفي المؤتمر الثالث لكدش سنة 1997 اثر توقيع اتفاق غشت 96.
كما نرى أن الرفيق يسقط من حساباته كليا أن هذا الخط البيروقراطي المتعاون طبقيا استطاع فرض هيمنته بسبب ضعف بل وغياب يسار نقابي تعددي ديمقراطي مكافح متبلور برنامجيا على صعيد التصورات وبرامج العمل والنضال. وهذا الضعف هو احد مظاهر وأسباب الأزمة النقابية الحالية. فنحن نعرف كيف تضافرت الأخطاء السياسية الخطيرة للحزب الشيوعي والإقصاء الذي تعرض من قبل “الحركة الوطنية” لتجعله يفقد مواقعه وسط الطبقة العاملة ومنظمتها امش. وذلك حتى قبل أن يعرف التطورات التي جعلت منه حزبا ملكيا على يمين حزب الاتحاد الاشتراكي ويختار سنة 1994 تأسيس نقابة خاصة. وكلنا يعرف كيف تضافرت أيضا المواقف اليسراوية القصوية لليسار الماركسي اللينيني من العمل النقابي خلال السبعينات والقمع الدموي الذي تعرض له لتجعله على هامش النضال النقابي سواء على مستوى الممارسة او البلورة البرنامجية. وإنه لعظيم الدلالة، في هذا المجال، أن أهم مهتم من موقع نضالي بقضايا النضال النقابي بالمغرب بعد ألبير عياش لم يكن لا شيوعيا و لا ماركسيا لينينيا بل زعيم المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي: عمر بن جلون.
ان ضعف اليسار النقابي لازال مستمرا حتى اليوم بالرغم من بعض التقدم النسبي الذي حققه من خلال تواجده في بعض القطاعات والمناطق. بل إن الضعف أصبح بارزا بسبب هذا التقدم النسبي بالذات. ولعل انعدام النقاش وسط هذا اليسار حول قضايا النضال العمالي، وانزياح بعض المحسوبين عليه إلى مجرد رهائن لدى البيروقراطية بل وأحيانا إلى بيروقراطيين صغار في جلباب يساري بمبرر الحفاظ على المواقع التنظيمية، وتفشي ظاهرة الدفاع عن هذه البيروقراطية ضد تلك، لدليل على أن اليسار النقابي ليس أبدا حتى الآن في مستوى مجابهة الخط النقابي البيروقراطي المتعاون طبقيا مع البرجوازية. وقد أوضحت الدوخة التي صاحبت اضرابي 13 و21 ماي 2008 عن مستوى التوحل الذي وصل إليه هذا اليسار النقابي حيث انخرطت أطراف منه للدفاع عن بيروقراطياتها الخاصة، وفوت عليه فرصة تجسيد الممكن مما يدعو إليه من ضرورة الوحدة النضالية.
ونختلف مع الرفيق عبد الحميد أمين حين لا يقيم بالا في رصد مظاهر الأزمة لأهم هذه المظاهر ولأهم أسبابها وهي في نظرنا الاندماج المهول للأجهزة النقابية بأجهزة الدولة وتواطؤها المتواصل مع الدولة في كل الهجمات على الشغيلة. وهو تواطؤ مفضوح لا تغير منه اللغة العنترية الصادرة عن هذا القيادي او في ذلك البيان. ولعل موقف امش من مدونة الشغل لذو دلالة واضحة في ذلك، حين ظل يرفض المدونة بل ويقاطع كل جلسات ما يسمى الحوار الاجتماعي إلى أن تلقى الأمر بضرورة التوقيع على المدونة، فأذعن وحضر ووقع سنة 2003.
والرفيق أمين، لأنه يقلل من أهمية هذا الاندماج بأجهزة الدولة، يلح فقط على ضرورة القطيعة مع تبعية النقابات للأحزاب السياسية. جاء في المقال: “العمل على تعزيز استقلالية العمل النقابي، وهو ما يفترض القطيعة مع تبعية جل المركزيات النقابية للأحزاب السياسية”. فاستقلالية العمل النقابي بالنسبة للرفيق تعني فقط الاستقلالية عن الأحزاب السياسية، وهي ميزة يؤكد الرفيق أنها توجد في امش دون غيره. إن هذه الاستقلالية المزعومة لم تمنع قيادة امش من دعم مرشحي الاتحاد الدستوري في الانتخابات مرارا ومرشحي التقدم والاشتراكية في البيضاء سنة 2007. ولا ننسين أبدا أن بن الصديق نفسه، ومعه عدد من قياديي امش، ظل عضوا بقيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ينتظر تعيين حكومة “تحظى بثقة الطبقة العاملة” قبل أن يتلاشى هذا الأمل ومعه الحزب نهائيا بموت عبد الله ابراهيم. والأهم أن هذه الاستقلالية التي يركز عليها الرفيق أمين ومعه عدد من مناضلي امش، لم تمنع قيادة امش من التواطؤ مع قوة سياسية أخطر من الأحزاب: انه التواطؤ المفضوح مع النظام ومنذ بداية الستينات، واندماجها السرطاني بأجهزة الدولة، والذي يشكل الأساس المادي لانفصال هذه الأجهزة عن هموم القاعدة العمالية. أو ليس النظام أهم قوة سياسية في البلد وأكثرها عداء للطبقة العاملة ولعموم الكادحين؟ ان الاستقلالية الحقيقية للنضال النقابي تمر عبر النضال الحازم ضد أعداء الطبقة العاملة: الباطرونا وجهاز دولتها، وتعزيز الاستقلالية التنظيمية للنقابات إزاء الأحزاب السياسية.
ولذلك نختلف جزئيا أيضا مع الرفيق أيضا حين يرى إن نقاباتنا تعاني فقط من “ضعف” الديمقراطية الداخلية. إن قول الحقيقة يدفعنا للتأكيد أن الديمقراطية منعدمة في منظماتنا النقابية: المؤتمرات والهيئات التقريرية الأخرى بل وحتى التنفيذية أحيانا لا تنعقد وتتحول اذا انعقدت إلى حفل بيعة للزعيم، مالية منظماتنا لا علم لأي كان بها إلا بن الصديق والأموي، إيقاف قسري للإعلام النقابي (الطليعة بالعربية منذ بداية الستينات والطليعة بالفرنسية منذ عشرات السنين رغم امتلاك امش لمطبعتين: انبريجيما والمستقبل، في حين أن الديمقراطية العمالية شبه متوقفة عمليا)، حصار ضد المناضلين النقابيين الديمقراطيين، طرد أو تعيين أعضاء في القيادة دون الرجوع للقاعدة، تنصيب مكاتب بدل المكاتب المنتخبة، طرد قطاعات بأكملها من النقابة، تلاعب بنضالات قررتها القاعدة، المصادقة على اتفاقات في غير صالح العمال دون الرجوع للقاعدة… هذا ليس ضعفا انه قتل للديمقراطية. انه انحطاط بيروقراطي ناجز. ان الديمقراطية الحقيقية تمر عبر ضمان حق القاعدة العمالية في التقرير والتسيير عبر جموعات عامة كلية السيادة في أماكن العمل، وضمان حرية التعبير بما في ذلك الحق في تشكيل تيارات نقابية يكفل حقها الديمقراطي في التعبير عن آرائها في أجهزة النقابة ومؤتمراتها وفي صحافتها، والدفاع عن التمثيل النسبي لهذه التيارات في اجهزة النقابة بناء على أرضيات نقابية وعبر نظام اقتراع سري على اللوائح النقابية، والحسم مع طبخ الاجهزة في الكواليس عبر ما يسمى لجنة الترشيحات والتي لازال الرفيق أمين للأسف يعتبرها آلية ديمقراطية ينبغي فقط تطويرها.
وبخصوص الوحدة النقابية فإننا نسجل بايجابية التقدم الذي عرفه موقف الرفيق عبد الحميد أمين بالمقارنة مع كان عبر عنه سابقا. جاء في المقال:« تعزيز النضالات الوحدوية والوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية في إطار مركزية واحدة. وأعتقد أن النواة الصلبة للوحدة النضالية يجب تشكيلها من طرف كل من الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل نظرا لوزنهما في الساحة النقابية ولتاريخهما النضالي.». فلطالما دعى الرفيق ومعه عدد من مناضلي امش لا سيما في جامعة الفلاحة إلى أن توحيد الحركة النقابية غير ممكن إلا داخل الاتحاد المغربي للشغل. وما على جماهير العمال الباقية في المركزيات الأخرى إلا الالتحاق أفواجا بامش النقابة التاريخية. وهذا عين ما عبر عنه الرفيق في حوار مع السياسة الجديدة يوم 13 دجنبر 2002 عدد 413: «إن الهدف الاستراتيجي يظل بالنسبة إلينا داخل الاتحاد المغربي للشغل هو إعادة بناء الوحدة النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل باعتبارها المركزية المستقلة الوحيدة ببلادنا. ولكن كيف الوصول إلى هذا الهدف؟ شخصيا اعتقد انه لا بد ومن اجل التعامل مع المركزيات النقابية الأخرى أن تحترم هذه المركزيات شرطا أساسيا وهو شرط الاستقلالية عن الأحزاب السياسية حتى نتمكن من التنسيق معها»
ورغم أن السبب الذي جعل الرفيق يرى الوحدة ممكنة فقط داخل امش وهو “استقلاليتها” لا زال حاضرا في تحليلات الرفيق كما أسلفنا، فان موقف الرفيق تطور بدفاعه عن تعزيز الوحدة النضالية و “رد الاعتبار لقيمة التضامن داخل مختلف الهياكل النقابية وفيما بينها، وصولا إلى التضامن بين المركزيات النقابية نفسها في أفق الوحدة النقابية”. إنها خطوة إلى الأمام نتمنى أن تجد لها تجسيدا حقيقيا وديمقراطيا في الميدان لدى مختلف مناضلي اليسار. ونؤكد من جهتنا أن الوحدة النضالية ينبغي أن تتم على أساس ديمقراطي كفاحي. فالتنسيق النضالي بين النقابات على المستويات المحلية والقطاعية والوطنية ينبغي ألا يستعمل مبررا إضافيا لاغتصاب حق القواعد في التقرير والتسيير عبر جعل التنسيق وبالتالي التقرير حصرا على الأجهزة القيادية كما هو حال أغلبية التنسيقات التي تجري مؤخرا. بل ينبغي أن يكون التنسيق مناسبة لاستعادة الشغيلة لسلطتهم الديمقراطية على منظماتهم عبر الجموعات العامة المشتركة في أماكن العمل والاجتماعات المشتركة للأجهزة التقريرية وحفز التنظيم الذاتي خلال المعارك النقابية عبر لجن الإضراب الخاضعة لسلطة الجمع العام لكل الشغيلة، منظمين نقابيا وغير منظمين، وأيا تكن النقابات الحاضرة في المؤسسة.
وفي هذا السياق نرى أيضا ضرورة التأكيد انه إذا كانا نتفق مع الرفيق أن النواة الصلبة لهذه الوحدة النضالية هي امش وكدش، فإننا في الآن ذاته نرى أن الوحدة النضالية والتضامن ينبغي أن يكون واجبا اتجاه كل الشغيلة أينما وجدوا وبغض النظر عن اليافطات التي يناضلون تحتها. إن تأكيدنا على ذلك ناتج عن تخوفنا من ترك بعض النضالات العمالية عرضة للعزلة بسبب انهم منخرطون في نقابات رجعية. ولنا في العزلة القاتلة التي عانت منها نضالات عمال جبل عوام صيف 2007 بسبب أنهم منخرطون في الاتحاد العام للشغالين مثال دال على حجم التخريب الذي وطدته البيروقراطيات النقابية.
وفي الأخير فإننا نعتقد أن المهام التي أشار إليها الرفيق أمين وما قدمناه من إضافات وما يمكن أن يضيفه مناضلون آخرون، هي مهام تقع مسؤولية الدفاع عنها والسعي إلى تجسيدها حصرا على عاتق المناضلين النقابيين الديمقراطيين الكفاحيين أيا تكن انتماءاتهم النقابية أو السياسية. فعلى عاتقهم يقع تجسيد تجارب نقابية ديمقراطية كفاحية حقا وعلى عاتقهم أيضا تقع مسؤولية تعميق هذا النقاش الضروري لتجاوز أعطاب منظماتنا، والعمل الواعي من اجل بناء يسار نقابي ديمقراطي كفاحي تعددي ومنظم داخل المنظمات النقابية على صعيد التصورات وبرامج العمل والنضال.
ثمة خطان سياسيان داخل النقابات لا يمكن التوفيق بين أهدافهما، احدهما خط بيروقراطي ليبرالي مهيكل يسيطر على النقابة ويجعلها ملحقة بأجهزة الدولة و آخر ديمقراطي كفاحي لا زال يتخبط في ضعفه وتشتته وغياب بوصلة مشتركة وحتى نقاش منظم في صفوفه. فليتعمق ويتنظم النقاش بروح رفاقية وبشفافية وليتواصل بناء تجارب نقابية كفاحية على طريق توحيد تدخل المناضلين النقابيين في يسار نقابي تعددي مكافح ومنظم ومنغرس في النقابات، بما هو شرط لا يمكن بدونه العمل بفعالية من اجل توحيد الحركة النقابية على أسس الديمقراطية العمالية والكفاح الطبقي.
علاء لمين
هل يدخل الاتحاد المغربي للشغل مرحلة نوعية جديدة ؟
مشاكل الاتحاد .م.ش كانت مع المحجوب وتستمر بدونه [ صفحة 1 ] مشكل الديمقراطية: [ صفحة 1 ] مشكل الاستقلالية [ صفحة 1 ] ما الاستقلالية؟ [ صفحة 1 ] استشراءالانتهازية والانتفاعية والفساد [ صفحة 1 ] الطابع التقدمي للاتحاد المغربي للشغل [ صفحة 1 ] التضامن [ صفحة 1 ]
مات المحجوب بن الصديق …
تعزية ملكية، و جنازة حضرها الوزراء وبمقدمتهم الوزير الأول عباس الفاسي، و عدد من كبار رجال المال والأعمال، منهم بوهمو حسن الرئيس المدير العام لمجموعة سيجير، و محمد الكتاني الرئيس المدير العام للتجاري وفا بنك، و ادريس جطو – رب عمل كبير ووزير أول سابق- و محمد حوراني رئيس منظمة أرباب العمل ، وممثلو كل الأحزاب الملكية ، يمينا و “يسارا”. ليس هذا الجمع من ممثلي البرجوازية ودولتها ومحترفي سياستها صدفة، فقد جاؤوا فعلا ليبكوا فقيدهم. وما أبعد مراسيم دفن المحجوب عن جنازة عمالية.
و ليس صدفة ان جريدة من قبيل “رسالة الأمة” (لسان الحزب الذي صنعه الجلاد إدريس البصري) خصصت صفحتها الأولى وافتتاحيتها يوم 19 سبتمبر 2010 لوفاة بن الصديق بعنوان عريض : “الطبقة العاملة تودع احد زعمائها وقادتها الافذاد”. الحقيقة أن وفاة المحجوب خسارة كبيرة جدا … لبرجوازية المغرب و دولتها. هذه هي الحقيقة التي يتعين على كل مخلص لقضية تحرر الشغيلة قولها لعمال المغرب و عاملاته.
لم يجد أي ممن اذرفوا الدموع على وفاة المحجوب ما ينسبون اليه من مناقب في فترة ما بعد الاستقلال. الكل اكتفى بالحديث عن دوره قبل الاستقلال.
سليم رضوان القيادي السابق ( طرده بن الصديق من الأمانة العامة سنة 2004) يصفه في مقال بجريدة الاتحاد الاشتراكي ب”الرمز الوطني والقائد التاريخي الفذ”، لكن المقال اقتصر على مرحلة ما قبل الاستقلال. ليس الأمر اعتباطيا. فبعد الاستقلال لم يلحق المحجوب بنضال العمال سوى بالغ الضرر. والحصيلة ماثلة أمامنا اليوم بعد أزيد من نصف قرن من قيادة المحجوب ومن معه: إنها الحالة المزرية – من زاوية نظر مصلحة العمال- التي يوجد عليها الاتحاد المغربي للشغل.
قال المحجوب في المؤتمر الثاني للاتحاد.م.ش سنة 1959: « إن العمل النقابي لا علاقة له بالشعوذة والديماغوجية والكذب و ليس أبدا وسيلة لتحقيق المطالب الشخصية، ان العمل النقابي هو المرادف للنضال المعقول والصبور وعدم البحث عن منافع، وهو كذلك الالتزام الشريف بالتحرك فقط من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة». من يجرؤ اليوم، بعد كل الفضائح التي يعلمها الباكون على وفاته قبل غيرهم، على ادعاء ان المحجوب لم يفعل غير تلك الأمور التي اعتبر ان لا علاقة لها بالعمل النقابي ؟ من يجرؤ؟
… وبعد
مات بن الصديق بعد 55 سنة من الاستبداد على قمة الاتحاد المغربي للشغل.انتفاء شخص كان له ذلك القدر من الوزن في الجهاز قد يوحي بإمكان تغيرات جوهرية. الجهاز قام من خلال عملية انتقاء مديدة، أطاحت من جهة بكل من يعمل بمنطق آخر غير منطق هيكلة فئة ذات امتيازات وثيقة الروابط بالدولة البرجوازية، و من جهة أخرى حفزت ترقية ذوي المؤهلات للاضطلاع بالأدوار التي تقتضيها وظيفة الجهاز. بعض الجيوب غير الفاسدة مضبوطة و مهددة في أي لحظة بالتصفية إن هي تخطت المرسوم لها. و سيفرز الجهاز خلفا للزعيم، خلفا قد لا تكون له نفس السطوة ، والخصائص الشخصية، لكنه سيحافظ على منطق الجهاز، لأن ما عدا ذلك سيؤدي إلى لفظه. الجهاز بحاجة إلى قطعة غيار تضمن استمرار الوظيفة. لهذا يبقى كل كلام على انه “لا زعيم بعد اليوم” مجرد أمنية.
الحالة التي يوجد عليها الاتحاد، أي ميزان القوى بين النقابيين الصادقين و خريجي مدرسة المحجوب، لا يسمح نهائيا بتجسيد أمنية رفيقنا عبد الحميد أمين “لا مكان بعد 17 سبتمبر للزعيم وللزعامة في الاتحاد المغربي للشغل”. ولن يقف القصر متفرجا في إحدى الأمور الأساسية التي تقرر مصير إ.م. ش بما هو إحدى أدوات ضبط الساحة الاجتماعية التي تنذره بما لا يرد بحسبانه. وله داخل النقابة امتدادات بيافطات حزبية و أخرى بلا يافطة تعي جيدا دورها في اللحظة الحاسمة لما بعد وفاة الأمين العام.
في منعطف تنصيب خلف الأمين العام، سيتصرف الجهاز إزاء اليساريين حسب سلوكهم. فإذا رضخوا، تواصل التسامح معهم في الحدود التي جرى تلقينها لهم طيلة عقود. حدود وجود داخل النقابة بمقابل عدم بناء اي معارضة فعالة ضد الخط الرسمي [خط التعاون مع أرباب العمل ودولتهم]، و البقاء في وضع أقلية ضئيلة مفيدة في القيام بادوار تقنية [التمثيل في أجهزة مؤسسات الحماية الاجتماعية، و لجان “الحوار الاجتماعي” وما شابه ]، وفي و في الآن ذاته بناء هياكل نقابية ذات قاعدة لكن ضمن الخط العام.
مشاكل الاتحاد .م.ش كانت مع المحجوب وتستمر بدونه
سبق أن تناولنا على صفحات جريدة المناضل-ة حالة الاتحاد المغربي للشغل بالتحليل في مقالات خاصة به، وفي أخرى عديدة تطرقت لوضع الحركة النقابية بوجه الإجمال. مع الأسف لم يتجاوب أحد مع سعينا إلى فتح نقاش حول ما ينخر جسم إحدى مكونات الساحة النقابية الكبرى، و حول ما يلقى من مهام على كاهل مناضلي طبقتنا. ولا شك أن وفاة المسؤول الأول عن حالة إ.م.ش يعيد إلى الواجهة أسئلة ذلك النقاش الذي سعينا إليه. ونرى من الواجب ان نجنب الرأي الذي أدلى به الرفيق عبد الحميد أمين مصير محاولاتنا لإثارة النقاش، ولذا نعطي رأينا في بعض مما تطرق إليه. [انظر وجهة نظر أمين في هذا العدد].
يضع الرفيق أمين، الذي له خبرة طويلة في النضال النقابي في إ.م.ش، تشخيصا لوضع الحركة النقابية بوجه عام، وضمنه وضع الاتحاد المغربي للشغل. وبناء عليه يستنتج ما يعتبره علاجا للداء. الحقيقة ان إ.م.ش بحاجة إلى تشريح، لأن ما يجري داخله غير معروف، والمعلومات تصل متناثرة مبتورة وبصعوبة. يجب وصف الحالة العامة، وتفسير أسبابها، فآنذاك فقط يمكن إيجاد حلول فعلية. السائد لحد الساعة هو الصمت حول ما يجري في إ.م.ش. كل واحد منطو في قطاعه، منشغل بمشاكله المهنية، ملتزم الحذر من اثارة غضب البيروقراية كلية القدرة و الوجود، ولا منطق إجمالي يحكم تفكير المناضلين وسلوكهم. مع ذلك وللسير بالنقاش نتدخل في حدود ما نعلم.
مشكل الديمقراطية:
منذ ميلاد إ.م.ش برز هذا المشكل بحدة متزايدة. و فيما الرفيق أمين يتحدث عن “ضعف الديمقراطية”، نرى أن هذا تعبير ملطف، قد يكون له ما يبرره، لكنه مناف للحقيقة. لا ديمقراطية مطلقا في الاتحاد المغربي للشغل، و لا باقي النقابات.
ولتوضيح الأمر نعيد ما سبق قوله في مناسبات أخرى:
لا مجال لرأي معارض داخل إ.م.ش، لا سيما أذا اكتسى شكلا منظما، فقد تعرضت جامعة البريد في مطلع ستينات القرن الماضي للاضطهاد، واضطرت إلى إعلان نفسها جامعة مستقلة في اطار إ.م.ش. وسادت أساليب بالغة العسف أفضت إلى تفكيك جامعات بكاملها، وإلى طرد أطر نقابية عديدة، وابتعاد أخرى عن الاتحاد، والي تنصيب أجهزة محلية وجهوية من فوق بلا أي مقياس غير الولاء الانتفاعي للأمين العام وحاشيته.
– البطش بالعديد من المسؤولين بأبشع الأساليب القمعية كما جرى في سيدي سليمان والجديدة والعرائش.
–
– ارغم الاتحاد النقابي للبنوك تحت التهديد والقمع المباشر والشرس على مغادرة ام.ش والالتحاق بك.د.ش.
– طرد قيادة السكك الحديدية بكاملها ورفض القطاع الطرد وتشبث بالنضال من اجل تصحيح الأوضاع.
– سنة 1992 تم ترقيع الأمانة العامة عن طريق التعيين وبطريقة لا تقبل النقاش.
و حتى الخنوع التام لا يحمي من هذه الآلة البيروقراطية المدمرة، فأسماء كثيرة شهيرة طردت شر طرد بعد عقود من الولاء المطلق [منها البزوي حسن و سليم رضوان عضوي الأمانة الوطنية ]، وحتى تيارا مهادنا و مفرطا في نزوعه اليميني لم ينج من البطش، حيث تعرض أعضاء حزب التقدم والاشتراكية في منتصف التسعينات لحملة استئصال استعمل فيه العنف [ باشراف مباشر من الموخارق المرشح لخلافة بن الصديق]. وعانت جامعتا البريد والبنوك من التسلط في منتصف التسعينات. وطحنت الآلة نائب بن الصديق ذاته لما انتشرت روائح فضائح التلاعب بأموال العمال في الضمان الاجتماعي ومؤسسات أعمال اجتماعية. وقد جرى التخلص من محمد عبد الرزاق بكيفية لا ديمقراطية جعلت سليم رضوان القيادي الآخر المطرود معه يضع اليساريين في ا.م.ش في قفص الاتهام بالحديث عن “مشاركة أعضاء يدافعون عن حقوق الإنسان في المهزلة” قاصدا بهذه اجتماع المجلس الوطني الذي قرر طرده يوم 11 مارس 2004 .
ولا شك ان لكل عضو في إ.م.ش ما يرويه من تجربته المحلية حول ذبح الديمقراطية من الوريد إلى الوريد.
أول دفاع عن الديمقراطية هو فضح الممارسات اللاديمقراطية. والواقع ان الصمت يلف الأمر بشكل غريب مريب. الصمت لصيانة المواقع التنظيمية هو القاعدة، لأن اليسار المغربي يقيس تأثيره في النقابات بعدد أعضائه في الأجهزة. و الحال ان المقياس الفعلي لقوة تيار مناضل في النقابات هو عدد أعضائه في النقابات و مدى انتشار صحافته ومناشيره، و تأثير أفكاره في المجرى الفعلي لكفاحات العمال.
هذا من جهة، ومن أخرى نرى ان الحل المقترح من الرفيق أمين غير كامل.
يركز الرفيق على الانتظام والعمل المنظم. صحيح، لكن الديمقراطية غير مختزلة في نزاهة عملية انتخاب الأجهزة وانتظام عملها. هذا فهم إداري ضيق. نزاهة العمليات الانتخابية شرط لازم ، لكنه غير كاف و لا معنى له في ظل انتفاء حرية النقاش والنقد واقتراح بدائل، و بلورة الرأي المعارض في أرضية برنامجية لها حق أن تعرض على القاعدة على قدم المساواة مع وجهة نظر الأجهزة. لا ديمقراطية نقابية دون حق من يلتقون حول نفس الرأي في تشكيل تيار له الحق في التعبير في صحافة النقابة وفي أدبها الداخلي. لا ديمقراطية دون وجود جريدة نقابية تؤهل النقابيين ليكونوا فاعلين نوعيين وليس مجرد صوت في عمليات انتخابية شكلية . وفوق هذا كله لا ديمقراطية بدون تسيير ذاتي للنضالات. حاليا، الأجهزة تقرر من فوق للتحكم في المعارك، و تتدخل لإجهاضها، وحتى لمنع اندلاعها، او عرقلة امتدادها إلى قطاعات أخرى أو قطع التضامن معها. لا ديمقراطية إذن إلا باجتماعات عامة للمضربين، و بلجان الإضراب، وأشكال التنظيم الذاتي التي تشمل حتى غير المنظمين في نقابات.
مشكل الاستقلالية
جرت عادة خاطئة على اعتبار إ.م.ش نقابة مستقلة بمبرر انها غير تابعة لأي حزب. هذا انخداع سادج. أولا، لأنه من المعروف أن المحجوب أفسح في المجال للاتحاد الدستوري. وحتى بدون هذا، كانت سياسة المحجوب الفعلية مطابقة لما تريد أحزاب المخزن، والمخزن ذاته. الاستقلال ليس في الشكل بل في المضمون. كدش تحكم بها الاتحاد الاشتراكي لما كان يناوش النظام، وحكمه منظور إصلاحي، وبذلك فهو شر أهون من الذيلية للحكم مباشرة. الحقيقة ان إ.م.ش مستقل عن أحزاب اليسار، أما أحزاب القصر، والقصر ذاته، فقد اخترقا الاتحاد المغربي للشغل مند عقود من الزمن، وخرباه بما هو أداة نضال.
الم يكن تركيز قادة إ.م.ش على الاستقلال عن الأحزاب، بما فيه من كذب، بغاية حجب عدم الاستقلال عن النظام. ماذا فعلت، على سبيل المثال، قيادة الاتحاد المغربي للشغل منذ انطلاق التقويم الهيكلي الذي حطم المكاسب الطفيفة وفتح للمغرب أبواب الجحيم النيولبرالي؟ لا شيء غير التظاهر بالمعارضة وشل المنظمة العمالية بما يتيح نجاح خطط الحكم وأوصيائه الامبرياليين.
اين قيادة الاتحاد المغربي للشغل مما يجري من تفكيك للقطاع العام، و بيع البلد للشركات متعددة الجنسيات، وحليفها الرأسمال الكبير المحلي؟ اين هذه القيادة من التقويض الجاري لما تبقى من مكاسب اجتماعية على الصعد كافة ؟ الا يستدعي التعدي المتصاعد على عمال المغرب، على نحو لم يسبقه نظير، ان يدعو الاتحاد المغربي للشغل إلى اضراب عام؟ هل ما يجري اقل من الدوافع التي جعلته يدعو إلى اضراب عام بالدار البيضاء والمحمدية في 18 يونيو 1981؟ هذا هو محك الاستقلال عن الحكم وأحزابه، أما التستر وراء خطاب متظاهر بالرفض، والامتناع عن أي مقاومة حقيقية للسياسات البرجوازية، فتبعية للحكم ليس الا.
الاستقلال عن البرجوازية و دولتها و أحزابها ليس حالة سلبية بل يعبر عن نفسه بأفعال سياسية ضدها.
ما الاستقلالية؟
النقابة تنظيم عمالي جماهيري لا يقوم على أساس سياسي دقيق، غايته توحيد باعة قوة العمل لتحسين شروط بيعها. وهي بذلك قد تضم أنصار الاقتصار على تحسين الوضع، ومن ثمة حتى عمالا رجعيين، إلى جانب أنصار الغاء العمل المأجور [الرأسمالية] بحجة ان لا تحسين دائم لوضع العمال في ظل نظام من سماته الازمة الدورية. يفضي هذا حتما إلى تعدد سياسي داخل النقابة، اي إلى اصطفاف في معسكرين رئيسيين: إصلاحي وثوري. يسود اذن إحدى الخطين في كل الأحوال. وحتى من يدعي انه مستقل عن كل الأحزاب، يكون خطه مطابقا لأحدها. ليس ضروريا ان يكون بن الصديق عضوا في الاتحاد الدستوري ليقود الاتحاد المغربي للشغل وفق السياسة الملائمة لهذا الحزب . وهذا ما فعله فعلا.
لا معنى والحالة هذه لقول الرفيق أمين إن الاتحاد المغربي للشغل يتوفر على استقلالية معروفة لدى الجميع: فماذا فعل ا.م.ش ولم تفعله النقابات الأخرى تجسيدا لهذه الاستقلالية المزعومة؟
واجب الثوريين داخل النقابات الدفاع عن خط كفاحي طبقي مطابق لمصالح لشغيلة الآنية والتاريخية ، أي السعي لكسب ثقة أوسع قاعدة عمالية بالعمل على ارتقاء وعي العمال الطبقي واكتماله، وليس مطاردة وهم استقلالية مجردة.
النقابة بحاجة إلى استقلال تنظيمي عن الأحزاب، ولا مفر من وجود تيارات سياسية في النقابات، وواجب الثوريين كسب الأغلبية العمالية بإقناعها بجدوى أساليبهم في النضال و بصدقية برنامجهم وبديلهم، والبرهنة على احترامهم الفعلي للديمقراطية ولاستقلال المنظمات الجماهيرية، وهذا كله مرتبط بتنظيم التعدد داخل النقابات، وليس بمجرد احترم شكليات في الاجهزة.
استشراءالانتهازية والانتفاعية والفساد
يدعو الرفيق أمين إلى التصدي للفساد والمفسدين. لكن ما يسمى بالفساد ليس مجرد وسخ على وجه النقابة قابل للزوال بصابون النقاش في اجتماع للمجلس الوطني، ولا حتى تؤلول قابل للاستئصال بعملية جراحية بسيطة في المؤتمر الوطني، انه سرطان مخترق للجسم افقيا وعموديا.
رأي الرفيق أمين لم يتناول جذور المشكل ولا شرح كيفية حله مكتفيا بعنوان غامض: التصدي للفساد والمفسدين . كيف؟ الله أعلم.
ما يسمى بالفساد هي الوسيلة الرئيسية التي استعملتها الملكية لتسخير القيادة لنقابية لأهدافها. وقد سبق لعمر بن جلون ان استعرض أوجه الفساد في سنوات تشكله الأولى.ويروج في السر بين أعضاء النقابة الكثير من المعلومات عن اغتناء مسؤولين نقابيين، وحتى عن تبرجز بعضهم بإنشاء شركات و امتلاك عقارات. وقد عاث قادة بالاتحاد المغربي للشغل فسادا في أموال العمال في الضمان الاجتماعي وفي صناديق للإعمال الاجتماعية [ راجع مقال وفاة ثاني قادة إ.م.ش التاريخيين بالعدد 12- المناضل-ة ] ولم يثر ذلك أدنى نقاش في هياكل النقابة . و ادوار خدمة أرباب العمل مباشرة بعدد من القطاعات، هل تتم بالمجان؟ ولم يكن قط هذا الفساد السرطاني انحرافا هامشيا بل حالة لها غلبة وقيادة وحتى قائد فرد. وتكفي الإشارة إلى ما كشفه عضو الأمانة الوطنية حسن البزوي بعد ان طرده بن الصديق. وهذه المعلومات نشرت في كتاب ثم في جريدة يومية ولم يطعن فيها اي أحد لا في وسائل الإعلام ولا أمام القضاء. و لمد القاريء-ة بصورة جزئية عن المسكوت عنها نورد الحالات التي كشفها البزوي:
– «استعمال أموال الاتحاد في مشاريع تجارية خاصة بالسيد بن الصديق وعائلته»
– «المسائل المالية لم نكن نعلم بها فقد كانت حكرا على بن الصديق» ولم نكن نسال عنها أيضا
– كان ابن الصديق يستعمل المجالس الإدارية للمؤسسات والانتخابات كأوراق لتقوية الزبونية والوصولية داخل النقابة.
– «بن الصديق كان هو المكلف بالمالية ولم يسبق ابدا ان طرح مشكل المالية في اجتماعات الأجهزة[…] ولا احد تساءل عن جذور ثروة بعض المسؤولين وكان المحجوب لا يمل من الترديد ان ا.م.ش فقير وانه ليست لديه أموال. وكان في الستينات يكلف بشكل دوري عضوا او عضوين بالسهر على المالية ويستعمل قنوات أخرى لكي يصل النصيب الأوفر من الأموال إليه هو. ثم يقول الم اقل انه ليست هناك أموال.»
– تسلم بن الصديق من اتحاد المعلمين العرب سنة 1985 مبلغ 100 ألف دولار كانت في الأصل موجهة لجامعة التعليم لإنشاء مركز نموذجي لتدريس اللغة العربية… اختفى المشروع ومعه 100 ألف دولار وطالب اتحاد المعلمين بأمواله وهدد باللجوء إلى المحاكم دون نتيجة.
– وفي نفس المرحلة تلقى المحجوب عبر أقساط 300 ألف دولار في إطار اتفاق التعاون مع المنظمة العربية للشغل. ولا احد يعرف مصير هذه الاموال.
– وفي نفس المرحلة كانت مطابع امبريجيما تحقق ارباحا سنوية تصل إلى 300 مليون سنتيم.
– وفي نفس المرحلة حول حزب استعمل مطابع امش لطبع منشورات انتخابية ما بين 200 و450 مليون سنتيم
– بالنسبة لارباح «مطبعة المستقبل» التابعة لا.م.ش فلا احد يعرف الا بن الصديق.
– سنة 1975 جمع 78 مليون سنتيم كتبرعات لجريدةmaghreb informations واختفت الجريدة والأموال.
– ورافق هذا الوضع حديث عن ممتلكات بن الصديق: 8 فيلات بالمجمع السكني بانفا، ارضي فلاحية شاسعة بضواحي برشيد.
– ان هذه الأشياء ليست الا نقطة في واد. .انها فقط ما مر امامي خلال 3 سنوات. وهناك من يعرف اكثر مني في هذه المسائل.
لا ينحصر هذا الفساد في القيادات الوطنية، فتلك المحلية بنت نظاما مماثلا على صعيد محلي. و طبعا ينسف ذلك الفساد ثقة العمال في منظمتهم ويزيد إضعاف الحركة النقابية بوجه عام. [راجع بهذا الصدد “شهادة من الأعماق: الوضع النقابي من وجهة نظر عامل” –جريدة للمناضل-ة عدد 18]
كل ما اقترف من نهب لأموال العمال بالمؤسسات الاجتماعية جرى تحت أعين أجهزة الدولة الاستخبارية التي لا تنام. و طيلة عقد غضت الدولة الطرف وتركت الفساد يستشري لأن تورط القادة النقابيين يتيح إخضاعهم لأهداف شل النقابة و خدمتها للسلم الاجتماعي، وهذا عين ما تصبو إليه الدولة. و الآن وقد ترسخ الفساد وأصبح مؤسسة كيف يمكن التصدي له؟
غالبية أعضاء جهاز الاتحاد المغربي للشغل من هذا النوع. محترفون لعمل نقابي قوامه الوساطة بين الشغيلة وأرباب العمل والدولة بممارسة الخداع اتجاه القاعدة، وخيانة مصالحها، والانتفاع بإخضاعها لمرامي أرباب العمل والدولة.
الطابع التقدمي للاتحاد المغربي للشغل
كانت قيادة الاتحاد المغربي للشغل تستعمل لغة يسارية ، ونارية أحيانا، لما كانت في نزاع مع اليسار الجذري الشعبوي [تيار بنبركة – البصري] لكنها في الآن ذاته تساير سياسة الدولة لا بل تخدمها بنسف ما يقوم به ذلك اليسار الجذري الذي حاول، ايا كانت عيوبه، إطاحة الملكية. وقد أعطى عمر بنجلون امثلة حية عن ذلك في وثيقة عام 1964 [انظر نص الوثيقة بموقع ]. وقد بقي شيء من تلك اللغة في بيانات قيادة إ.م.ش وخطابات المحجوب في فاتح مايو. غير ان السياسة الفعلية للجهاز النقابي ليست تقدمية بأي وجه. التقدمية بالأفعال و ليس بالديماغوجية. كان الكلام يعج بانتقاد المسلسل الديمقراطي لكنه لم يمنع مشاركة الاتحاد لمغربي للشغل في الانتخابات و دخول مؤسسات الديمقراطية الزائفة [من آخر ما قام به بن الصديق قبيل وفاته تعيين من سيمثل النقابة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي]، وتسهيل سريان السياسة الرسمية. إن الحديث عن تقدمية إ.م.ش محض انخداع بلعبة البيروقراطية المتواطئة مع النظام، و انحراف إ.م.ش إلى اليمين أمر حاصل منذ عقود، والقوى اليمينية تمكنت إلى حد بعيد من “جر إ .م .ش نحو اليمين ونحو خدمة الرأسمالية التابعة المرتبطة بالعولمة الليبرالية المتوحشة”.ماذا فعلت قيادة إ.م.ش ضد سياسة البنك العالمي والاتحاد الأوربي المخربة لمكاسب العمال والمسببة لكوارث اجتماعية غير مسبوقة ؟ لا شيء فعلي غير المواكبة بخطاب كاذب، وتيسير تمرير كل الخطط، من خوصصة، و تدمير التعليم العمومي، وتعميم الهشاشة و كل شيء، كل شيء.
فعن أي تقدمية يتحدث الرفيق أمين؟
التضامن
التضامن جوهر النضال النقابي. و للأسف لا يزال على الورق أكثر مما في الواقع. وقد اعتبره الرفيق أمين إحدى سبل تجاوز ازمة الحركة النقابية. انه على حق، بيد أن سياق تأكيده على التضامن قد يوحي باقتصار هذا الواجب الطبقي على نقابتي إ.م.ش و ك.د.ش. و ما يعزز هذا الاعتقاد أن معارك عديدة خاضها العمال تحت لواء نقابات أخرى لم تحظ باي تضامن من طرف نقابيي ك.د.ش و إ.م.ش اليساريين. نخص بالذكر موجة النضالات التي خاضها عمل النقل الحضري الخاص بالدار البيضاء في سنوات 1999-2001 [ انظر جريدة المناضل-ة عدد 29]، ومعركة عمال مناجم جبل عوام في صيف 2007، وكلها كفاحات خيضت تحت راية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. إن ظروفا خاصة تدفع العمال إلى الانضمام الي الاتحاد العام للشغالين و إلى الاتحاد الوطني للشغل، ومنها وجود مكاتب نقابية باسم إ.م.ش موالية لرب العمل، ويخوض مع ذلك العمال كفاحا ضاريا بلا أي تضامن. المطلوب التضامن مع كل نضال عمالي بغض النظر عن يافطته النقابية، و توسيع التضامن العمالي ليشمل نضالات الشباب من أجل التعليم ومن جل الشغل، ونضالات كادحي القرى من اجل مقومات الحياة. التضامن معركة يتعين خوضها ضد البيروقراطية التي تقيم أسوارا صينية بين النقابات وبين القطاعات داخل كل نقابة. و قد خطا التضامن في السنوات الأخيرة خطوات نوعية بتطور قوافل التضامن مع إضرابات عمالية [ايميني- جبل عوام- خريبكة …] ومع كفاحات شعبية [ بن صميم ، صفرو ، ايفني، خنيفرة …]. وعلى هذا المنوال يتعين علينا أن نطور عملنا، لا سيما ان هذه جبهة يسهل الهجوم فيها على البيروقراطية بالمبادرة الميدانية الجريئة.
تلكم بعض من القضايا التي يثيرها رأي الرفيق أمين، رأي له بالغ الأهمية لكونه صادرا من داخل الاتحاد المغربي للشغل. و أملنا ان يكون رأينا حافزا لتعميق النقاش وتعميمه. فالي متى تغلب العصبيات النقابية الحس الطبقي الكفاحي، والى متى تؤدي التقية من البطش البيروقراطي إلى شل قوى النضال العمالي اليساري؟
محمود جديد
أي حصيلة لمؤتمر الاتحاد المغربي للشغل العاشر؟
بعد خمسة عقود ونصف العقد من عسف بيروقراطي بالغ بدأ يوم التأسيس باغتصاب مسؤولية الأمين العام، تخللتها خيانات لا تحصى لمصالح الطبقة العاملة، ونضالات ضارية خاضها عمال المغرب تحت راية الاتحاد المغربي للشغل، هُـزم معظمها بسبب القيادة، انعقد مؤتمر هذه المنظمة العمالية العاشر بعد أن أفسح له المجال موت رمز البيروقراطية المتعاونة مع النظام، المحجوب بن الصديق.
نظم المؤتمر العاشر في سياق مطبوع بتصاعد الهجوم متعدد الاتجاهات على الطبقة العاملة وعامة المفقرين. فإضفاء الهشاشة و استشراء البطالة بلغا مستوى غير مسبوق، نال بحدة من قوة الطبقة العالمة التنظيمية، حيث أضحى قسمها المنظم أقلية ضئيلة ، ومستهدف علاوة على ذلك بقمع دائم. و مستوى معيشة العمال متدهور بفعل سياسة الأجور و الأسعار و الضرائب، و الحماية الاجتماعية مقتصرة على قلة، و ناقصة، فيما فرط الاستغلال يزداد باستعمال وكالات السمسرة في اليد العالمة والمقاولات من باطن. وباتت الخدمات العامة هدفا لعملية تدمير منهجية بالخصخصة، ما يلقي أقساما إضافية من الكادحين إلى أهوال البؤس و المرض و الجهل.
وعلى صعيد أدوات نضال العمال، انعقد المؤتمر العاشر و الساحة النقابية مشتتة، مشدودة إلى الدولة بمصالح القمم البيروقراطية، و مضطلعة على نحو غير مسبوق بدور الشريك في تمرير السياسة البرجوازية. فبالاقتصار على سنوات الفترة الفاصلة عن آخر مؤتمرات إ.م.ش-1995- نجحت الدولة في إنزال برامج مدمرة بمجالات عدة، بمباركة القيادات النقابية بلا استثناء، نذكر منها تدمير المدرسة العمومية وتمهيد الطريق للقطاع الخاص في التعليم، و تعديل قانون الشغل في اتجاه ييسر لأرباب لعمل التصرف بحرية في اليد العاملة وفرط استغلالها، و إلغاء ما بقي من مجانية خدمات الصحة مقابل تأمين صحي لأقلية ضئيلة، و القضم التدريجي لمكاسب أنظمة التقاعد، و الاستعداد لدق آخر مسمار في نعش حق الإضراب، و تهيئ قانون لاستكمال تحكم الدولة في المنظمات النقابية.
وفيما يخص الاتحاد المغربي للشغل ذاته، يأتي المؤتمر العاشر وقد تكرس طيلة عقود انعدام أي اشتغال وطني للمنظمة العمالية، حيث باتت مفككة الأوصال، تفصل بين القطاعات فيها أسوار صينية، و لا خطة عمل لديها بوجه ما يستهدف الشغيلة، و لا إعلام، و لا هياكل مختصة مشتغلة فعلا، و تسلط بيروقراطي مفرط، و ترك الكفاحات العمالية لمصيرها في عزلة، أحدثها نضال شغيلة سميسي ريجي بخريبكة. هذا فضلا عن تفجر فضائح تورط نقابي في تصرف غير سليم بأموال مؤسسات عمالية مثل تعاضدية التعليم، والضمان الاجتماعي، و الأعمال الاجتماعية لقطاع الطاقة، كان أبرز متورط فيها نائب الأمين العام المتوفى عام 2006. و أسوأ ما في وضع الاتحاد، كغيره من النقابات، غياب يسار نقابي بحد أدنى من القوة، يتصدى للسياسة الاستسلامية للقيادات بالدفاع عن خط نضال طبقي و ديمقراطي.
فرضت وفاة المحجوب بن الصديق الإسراع بإضفاء الشرعية التنظيمية على القادة الذين خلفهم، بعد انصرام زهاء 16 سنة على آخر مؤتمر، و بوجه خاص الشخص الذي رفعه إلى جانبه مهيئا له الخلافة، الميلودي موخاريق. وقد كان الاتحاد لحظة هذا الانتقال جسما مترهلا، نادرة هي نقاباته المشتغلة بحد أدنى من الأصول و القواعد. وبدل هيئات تدبير حقيقية، كان لكل بيروقراطي كبير شبكة علاقات عبر البلد، قائمة على التنفيع و الزبونية، مشكلة من أقطاب لا تخفي ولاءها للسلطة و تعاونها مع أرباب العمل، ومنهم خونة مفضوحون مثل نائب كاتب الاتحاد الجهوي باكادير الذي ليس سوى من باع نفسه لأرباب مراكب الصيد الساحلي وطعن المناضلين من خلف وهم في السجن بعد إضراب بحارة الجنوب التاريخي عام 1999، ولا ريب ان كل مهتم في إ.م.ش على علم بأمثلة أخرى من هذا القبيل.
ولم يكن ممكنا حتى رصد الوضع التنظيمي الفعلي بما يتيح تنظيم مؤتمر وفق الأصول، بحيث يمكن للبيروقراطية العليا أن تجيش قدر ما تشاء من المؤتمرين دون إمكان ردع ذلك. وهذا ما جرى بالفعل حيث أغرق المؤتمر بما يفوق 1700 مؤتمر، بعد ترقب اللجنة التحضيرية 1200، جرى تعيينهم دون انتخاب. و هذا الإغراق تقليد كرسته البيروقراطية في كل النقابات بقصد عرقلة أي اشتغال فعلي للمؤتمر، و لاستعراض القوة بوجه بيروقراطيات منافسة. و لا أدل على شكلية المؤتمر من عدم مناقشة مشاريع مقرراته التي لم تصل المنتدبين في أحسن الحالات إلا عند اقتراب المؤتمر بأسبوع، و ثمة من الأقاليم لم توزع بها المشاريع إلا يوم المؤتمر. كما أن مشروع القانون الأساسي لم يوزع إلا صبيحة اليوم التالي للمؤتمر وفي نطاق محدود داخل ورشات القانون الأساسي.
و قد اتضح أن البيروقراطية تركت أمر صياغة الأدبيات لمناضلي اليسار في نوع من التفاهم حول المؤتمر ينال فيه كل طرف ما يعتبره أولوية: تأكيد التنصيص على هوية مناضلة للنقابة و حد أدنى من قواعد اشتغال منظم منتظم بالنسبة لليسار، و تأمين الإمساك بمفاتيح المنظمة التنظيمية والمالية بالنسبة للبيروقراطية. هذا مع وجوب الإشارة إلى أن البيروقراطية حرصت على الجواب العملي بالمؤتمر على جملة أمور يؤكد عليها يسار الاتحاد، بمقدمتها الموقف من النقابات الأخرى. ففيما يدعو اليسار إلى التنسيق و السعي إلى توحيد تنظيمي، أصرت البيروقراطية على موقفها المعادي للنقابات الأخرى حيث لم تدع أيا منها لحضور المؤتمر، مفضلة عليها عددا من أعداء الطبقة العاملة بمقدمتهم وزير المالية، [قيل انه حضر بصفته الحزبية وكأن التجمع الوطني للأحرار ليس معاديا للشغيلة]. وعلى عكس الضيوف الأجانب الذين تم تقديمهم خلال الجلسة العامة وإعطاءهم الكلمة، فإن الضيوف المغاربة قُـدموا بصيغة مبهمة هي: “نرحب بالضيوف المغاربة من أحزاب سياسية وجمعيات المجتمع المدني”، دون تحديد من هي هذه الأحزاب والجمعيات. و قد دُعي ممثلو أحزاب مغرقة في مخزنيتها مثل حزب الاتحاد الدستوري، وحزب الأصالة والمعاصرة، بقصد تأكيد أن قبول نعث التقدمية على الورق لا يمنع التعامل مع أحزاب رجعية في الواقع.
بعد ضمان كم بشري يتيح التصويت بأغلبية مريحة عند الاقتضاء، تركت حرية الكلام داخل المؤتمر لإضفاء ظاهر ديمقراطية على مجمع بعيد عن الديمقراطية مسافة فلكية.
بالمصادقة على كل ما عرض على المؤتمر العاشر، تكون البيروقراطية حصلت على إبراء ذمة عن كل ما جرى بين مؤتمري 1995 و 2010.
ماذا حققت البيروقراطية ؟
أجمعت مكونات الاتحاد المغربي للشغل، بيروقراطية و يسارا، على نجاح المؤتمر العاشر. ولا شك أن لكل طرف نجاحه. فالبيروقراطية نجحت في إضفاء شرعية تنظيمية على خليفة المحجوب وفريقه بمباركة اليسار. وهذا بحد ذاته مصادقة على ارث المحجوب بن الصديق الكارثي. لا سيما أن معظم اليسار لا يعبر حتى خارج الاتحاد المغربي للشغل، أي بصفته السياسية المباشرة، عن موقف من سياسة حقبة المحجوب إزاء الحكم، و لا من تفشي الفساد و الاغتناء الفاحش لأقطاب البيروقراطية. وبذلك تبقى الدمل العفنة للفساد البيروقراطي في ذمة التاريخ، فلا مساءلة و لا حتى آلية حقيقية لاتقاء القادم من خمج. فليس في ما صادق عليه المؤتمر أي تدبير يجنب المنظمة ما غرقت فيه من فضائح في تسيير عدد من المؤسسات الاجتماعية العمالية.
كان التسيير الكارثي للمنظمة العمالية برئاسة المحجوب نزع أي مصداقية عن قيادة الاتحاد، وما فعل المؤتمر العاشر انه جدد الثقة فيمن يتحملون مسؤولية جسيمة في تدمير الاتحاد طيلة عقود كأن المحجوب وحده مسؤول خلصتنا منه وفاته. إن الموقع و المشروعية الذين وطدهما خلفاء المحجوب في المؤتمر الوطني سيتيحا لهم تعزيز سيطرتهم وتجديدها. و لا شك أن ما قرر المؤتمر من إعادة هيكلة للتنظيمات التحتية بعقد مؤتمرات الاتحادات المحلية والجهوية في السنتين المقبلتين، سيمكن للبيروقراطية من إعادة ترتيب و توطيد تحكمها بالجهاز على كل المستويات بالكيفية ذاتها التي جرى بها المؤتمر الوطني العاشر.
ماذا حقق يسار الاتحاد المغربي للشغل؟
وقد كان المقابل الذي قدمته البيروقراطية هو قرارات المؤتمر التي جاءت مطابقة إلى حد بعيد لتصورات معظم اليسار في الاتحاد المغربي للشغل، فباستثناءات قليلة مثل الموقف من النقابات الأخرى صودق على مقررات مستوحية وجهة نظر عبد الحميد أمين.
إلى جانب أنصار البيروقراطية، يعمل داخل الاتحاد مناضلون يساريون متنوعون، معظمهم من حزب النهج الديمقراطي، إلى جانب منتسبين آخرين إلى الماركسية. تدخل ناطقا بوجه نظر تيار النهج الديمقراطي عبد الحميد أمين الذي كتب نصا مباشرة بعد وفاة المحجوب، و أعقبه بتصريحات للصحافة أجملت منظوره للمرحلة الجديدة داخل المنظمة العمالية. [راجع نقاش وجهة نظر أمين بالعدد 30 من المناضل-ة].
لم يسع تيار النهج الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل بأي وجه إلى التعاون مع باقي اليساريين. فهل أغناه عن ذلك حصوله المسبق من البيروقراطية على ما يريد، سواء في مضامين أدبيات المؤتمر أو حصة التمثيل بالجهاز؟ أمر غير مستبعد بالنظر إلى سوابق منها سلوك رفاق النهج بآخر اجتماع وطني لتنسيقيات مناهضة الغلاء في مارس 2008، لما فضلوا مقاعد بجهاز على متطلبات بناء حركة شعبية حقيقية ضد الغلاء.
من جانبهم لم يتقدم باقي الماركسيين، حسب علمنا، بأي وجهة نظر متكاملة حول الظرف الذي يجتازه الاتحاد المغربي للشغل و مهام الكفاحيين، وحول المعروض على المؤتمر من أدبيات. وهذا يعكس طبعا ضعف تبلور يسار كفاحي مناهض للبيروقراطية، ولا عذر بهذا الشأن رغم أن البيروقراطية طردت عمليا قبل 10 سنوات رفاق عبد الله موناصير الذين قادوا اكبر إضراب عمالي تحت راية الاتحاد المغربي للشغل في ربع قرن الأخير.[ انظر دروس كفاحات البحارة بالعدد السابع من جريدة المناضل-ة].
و إذ ُيلام اليسار على عدم التدخل في المؤتمر بوجهة نظر كفاحية ديمقراطية متكاملة، فلن يكون لها حتى إن وجدت، بالنظر لحالة الاتحاد، أي حظ في التأثير في مجريات الأمور، لكن اقل فائدة ممكنة هي التثقيف بالخطوط العريضة لوجهة النظر الطبقية الكفاحية.
هل أمكن أفضل مما كان؟
كل اعتبار موضوعي لحقائق الاتحاد المغربي للشغل، وللكيفية الخاطئة التي عمل بها اليسار طيلة عشرين سنة، يقنع أن المؤتمر حقق أقصى ما يمكن لصالح أنصار تفعيل الدور النضالي للاتحاد المغربي للشغل. فميزان القوى مع البيروقراطية مختل أيما اختلال.
لكن يبقى السؤال حول صحة التضحية بالانتخاب الديمقراطي للمؤتمرين؟ يمكن اعتبار التمسك بديمقراطية انتخاب المنتدبين غير واقعي حيث ما كان ليؤدي سوى إلى مقاطعة فعلية للمؤتمر- وهناك من المناضلين من اتخذ هذا الموقف- ومن ثمة انفراد البيروقراطية بمصيره. الم يكن ثمة خيار آخر وحده المثمر على المدى البعيد، خيار تشبت اليسار بالتمثيل الديمقراطي في المؤتمر مهما كان أقلية ضئيلة جدا وسط ما جندت البيروقراطية من جحافل لصالحها؟ هذا الموقف سيضع اليسار في موقع منسجم وقوي معنويا عند دفاعه عن الديمقراطية مستقبلا.
كما كان بوسع اليسار أن يتقدم إلى المؤتمر برأيه كوجهة نظر جماعية يوقعها مناضلوه، يدافعون فيها عن حق التعبير الجماعي عن الرأي، أي إضفاء طابع منظم على التيارات داخل المنظمة العمالية. التيارات موجودة، لكن عملها غير منظم، ما يفسح المجال للكولسة و التلاعبات التي لا تحترم حقوق أعضاء النقابة غير المنتمين لأي تيار. فلماذا لا تنظم؟ لقد دلت التجارب عبر العالم أن لا ديمقراطية حقيقية بدون تنظيم حق الاختلاف، أي تعدد المنابر.
كل هذا الممكن الآخر كان واردا لو كان لليسار سياسة أخرى منذ 20 سنة خلت.اما وقد تصرف كما فعل فلا نتيجة منتظرة غير ما شهد المؤتمر العاشر. ومن هذه الزاوية ليست خلاصة جريدة النهج الديمقراطي [ افتتاحية عدد يناير 2011] الداعية إلى تعميم ما جرى في مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل، معتبرة انه “خطوة على الطريق الشاق لتصحيح وضعية الحركة النقابية”، صحيحة إلا على نحو نسبي جدا.
لقد حققت البيروقراطية مبتغاها بإضفاء شرعية تنظيمية على خلفاء المحجوب، وهذا رهان كسبته بانتهاء المؤتمر، بينما رهان اليسار المدافع عن اتحاد مغربي للشغل ديمقراطي ومناضل فلن يتحقق إلا بمعركة طويلة النفس أول واجباتها تقييم خطه السائد في العقدين الأخيرين. و لا شك أن قرارات المؤتمر العاشر و أدبياته ركيزة لكل عمل نضالي في الاتحاد المغربي للشغل، لا يستخف بها إلا مزايد ثرثار، فهي تتيح إعادة نفخ الروح في المنظمة، لكنها تظل على الورق يتوقف على كافة اليسار تجسيدها اليومي.
هذا دون أي انخداع بمدى نجاح المؤتمر العاشر، فالبيروقراطية قبلت ما ورد في القرارات و المقررات لأنها أولا بحاجة إلى حد أدنى من اشتغال النقابة، و إلى قاعدة عمالية تستمد منها تمثيليتها إزاء الدولة وحيال البيروقراطيات المنافسة، وثانيا لأن ما صدر عن المؤتمر مجرد وعاء ستعمل البيروقراطية على تضمينه تصورها لأمور تسيير النقابة وسياستها إزاء أرباب العمل ودولتهم. باختصار المعركة مستمرة، و أحد جوانبها تقييم ما مضى.
وختاما لا شك أن وصول يساريين إلى القيادة العليا أمر ايجابي، لكن بشرط أن يكونوا صوت القاعدة بالدفاع المستميت عن مصالح العمال و استقلال منظمتهم، و الحضور الميداني لدعم الكفاحات. و الدفاع عن ديمقراطية فعلية و الظهور كمعارضة للاتجاه السائد. هذا ما سيجعل وجودهم هناك مكسبا للعمال وليس مكسبا للبيروقراطية . وثمة بوجه خاص مثال رفاق آخرين بقيادة الكونفدرالية العليا، وبقيادة نقابتها التعليمية، لا بد من استخلاص دروس اندماجهم في محيط بيروقراطي.
أي مضمون لعمل الثوريين النقابي؟
النقابات العمالية، أيا كانت قياداتها، منظمات نضال أولى لا غنى عنها. ولا يستنكف من المنتسبين إلى الماركسية عن العمل فيها، بلا استثناء ما دامت تضم عمالا، غير عصبوي جاهل. النقابات تقودها بيروقراطيات تضطلع بدور الوسيط بين العمل و الرأسمال، و بفعل مصالحها الناتجة عن هذا الموقع، تبدي نزعة محافظة، و توجه العمال وفق منظور إصلاحي. لذا فمهمة الثوريين تجسيد خط آخر قوامه مضمون شعار الماركسيين ” تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم”، أي حفز فعل العمال المباشر من تسيير ذاتي ديمقراطي للنضالات، باعتماد الجموع العامة في اتخاذ قرارات، و أشكال التنظيم التي تشرك كافة العمال، منظمين نقابيا وغير منظمين، وهي لجان الإضراب في المؤسسة، وفي القطاع وعلى صعيد المدينة. هذا بناء على مطالب لا تقف عن حدود تحسين الوضع بل تتخطاه إلى مستوى صدم الإطار البرجوازي لتملك وسائل الإنتاج وتسيير الاقتصاد. وبهذا الصدد لا يجوز تبني شعار “خدمة الطبقة العاملة و ليس استخدامها” الرائج في الاتحاد المغربي للشغل، وحتى من قبل يساريين، فمع انه موجه ضد من يمتطون النقابة العمالية لخدمة مصالح فردية او لأقلية بيروقراطية، يؤدي إلى اعتبار العمل النقابي مجرد إسداء خدمات للعمال، بما يعنيه ذلك من الكلام باسمهم والنيابة عنهم، وهذا عين الفهم البيروقراطي للنقابة.
وليس الدفاع عن منظور اشتراكي في النقابات أمرا على حدة، إلى جانب النضال الاقتصادي، أي عملا دعاويا يعرف بالفكر الماركسي على نحو مجرد. بل يخترق النضال الاقتصادي بالانطلاق من الحاجات المباشرة ومطالب النضالات اليومية، لتنوير العمال حول حقيقة الرأسمالية، وتطوير تلك النضالات والمطالب في أفق معادي للرأسمالية، على نحو يبلور سياسيا تطلعات الشغيلة. الخط اليساري في النقابات يتجسد في مضمون المطالب، وحمولتها الكفاحية، وما يمكن ان تطلق من دينامية، وفي أشكال التنظيم المعتمدة، وليس تلقينا مدرسيا لألفباء المادية الجدلية. هذا المنظور ممكن لأن النشاط المطلبي له امتدادات سياسية مباشرة، حيث يصطدم رفع الأجور بخيارات حكومية، ويصطدم الدفاع عن فرص العمل بخطط إعادة الهيكلة من خوصصة وغيرها، و الحماية الاجتماعية واقعة تحت وصاية الدولة، و قانون الشغل تضعه الدولة، وقمع الحريات موضوع سياسي بامتياز.
نقابيا مهمة أنصار التغيير الشامل و العميق، المعادين للرأسمالية،هي توحيد صفوفهم بما هم يسار نقابي يخترق كل المنظمات النقابية مدافعا عن هذا التصور الآنف المناهض للبيروقراطية، بلا تهور لكن بكل إقدام ودون خشية الطرد من النقابة. فحالات الطرد تشكل بحد ذاتها إحدى جبهات النضال من أجل الديمقراطية الداخلية.
وإذ يجد اليساريون الراديكاليون لبناء المنظمات النقابية، يضعون نصب أعينهم على الدوام ما دلت عليه التجربة التاريخية من وجوب تفادي أي تقديس للعمل النقابي، والحذر من دور قادته في اللحظات الحاسمة. هذا ما أوجزه البرنامج الانتقالي [*] بالقول:” في فترات النضالات الطبقية الحادة، تجتهد الأجهزة التي تقود النقابات في التحكم بحركة الجماهير لتحييدها. وقد بات يحدث ذلك إبان الإضرابات بالذات، ولاسيما إبان الإضرابات الجماهيرية، المصحوبة باحتلال المعامل، التي تزعزع أسس الملكية البرجوازية. أما في زمن الحرب أو الثورة، حين يصبح وضع البرجوازية عسيرا بشكل خاص، فيصبح القادة النقابيون عادة وزراء برجوازيين”. ثم استنتج أن على الثوريين :”الاجتهاد على الدوام، لا لتجديد جهاز النقابات وحسب، عن طريق اقتراحهم بجسارة وحزم في الظروف الحرجة، قادة جددا مستعدين للنضال بدلا من الموظفين الروتينيين والوصوليين، بل أيضا ليخلقوا، كلما جاز الأمر، منظمات كفاحية مستقلة تستجيب بصورة أفضل لمهمات نضال الجماهير ضد المجتمع البرجوازي، وذلك بدون تراجع حتى لو اقتضى الأمر قطيعة علانية مع جهاز النقابات المحافظ. فإذا كان من الإجرام إدارة الظهر للمنظمات الجماهيرية للاكتفاء بأوهام عصبوية، ليس أقل إجراما أن يسمح بإخضاع حركة الجماهير الثورية لإشراف زمر بيروقراطية رجعية سافرة أو محافظة مقنَّعة (” تقدمية “). ليست النقابة غاية بحد ذاتها، بل هي فقط إحدى وسائل المسيرة نحو الثورة البروليتارية”.
مصطفى البحري -محمود جديد
• البرنامج الانتقالي: احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة ، كتبه ليون تروتسكي عام 1938 http://www.marxists.org/arabic/archive/trotsky/4th/1938_transitional_prog
اقرأ أيضا