ملاحظات حول بلاغ التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة ومطالبه

بقلم؛ شادية الشريف

أصدر التنسيق النقابي الوطني يوم 14 يوليو 2024 بلاغا تفصيليا يتضمن أجوبة رئيس الحكومة على الملف المطلبي. يلخص البلاغ منظور قيادات نقابات شغيلة الصحة، وهو نفسه القائم لدى جميع قيادات النقابات التي تحاور باسم شغيلة قطاعات الدولة (الوظيفة والإدارات العمومية). يتلخص هذا المنظور في القبول بالاستراتيجية العامة للدولة، مع المطالبة بمقابِل مادي (زيادات في الأجور والترقيات وتصفية ملفات فئوية). استراتيجية الدولة واضحة: إعادة هيكلة علاقات الشغل التي تربطها مع “موظفيها” لتطابِق الدور الجديد الذي منحته الدولة لنفسها وفق دستور 2011، أي الدولة “المُخطِّطة” التي تتخلى عن وظائف التوظيف وتقديم الخدمات، لصالح هيئات أخرى (جهوية وإقليمية ومحلية). والقيادات النقابية لحدود الساعة لا تملك استراتيجية واضحة لمواجهة هذا الهجوم وحسب، بل تصر، ضمن الملفات المطلبية التي تقدمها، ليس فقط على الموافقة على استراتيجية الدولة تلك، بل وتطالب بتسريع تطبيقها.

على غرار شغيلة قطاع التعليم، أبان- ولا يزال- شغيلة الصحة عن قتالية مشهودة، سواء في الإضرابات أو في احتجاجات الشارع والصمود أمام جحافل القمع. لكن تظل نقطة الضعف الرئيسة لنضالات الشغيلة هي منظور قياداتها النقابية. هذه الأخيرة التي تريد اللعب على الحبلين: حبل الدفاع عن مصالح الشغيلة وحبل البحث عن توافق مع الدولة لإسهام في تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية في قطاع الصحة. وينتهي الأمر دائما بالحصول على فتات آني (زيادات في الأجور وتسوية ملفات فئوية) مع مواكبة استراتيجية الدولة والمشاركة في تنفيذها.

هذه ملاحظات سريعة حول بلاغ التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، علها تساهم في فتح نقاش فعلي حول الملف المطلبي، نقاش يستحضر رفض جوهر هجوم الدولة، بدَل قبوله والمطالبة بتخفيف وقعه على شغيلة القطاع عبر تجويد “العروض الحكومية” من أجور وترقيات… إلخ.

أولا- ملاحظات حول ديباجات الاتفاقات

عادة ما تدبَّج الاتفاقات بين القيادات النقابية والحكومة (أو القطاع الوزاري) بعبارات قد يرى فيها المرء محض جمل لا أثر لها في الواقع. لكن تلك الديباجات تدل على أن قيادات النقابات التي تحاور باسم الشغيلة، قابلة تماما بجوهر هجوم الدولة. وإلا ما كانت لتوافق على مثل تلك الديباجات. وهذا القبول هو الذي يخلف أثرا في الواقع: أي في الممارسة النقابية لتلك القيادات، وما يترتب عنه من كبح لنضال الشغيلة أو السعي للتحكم فيه من أعلى.

* “محضر اجتماع بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والهيئات النقابية الممثلة على مستوى قطاع الصحة بشأن وضعية شغيلة القطاع” بتاريخ 26 يناير 2024

ورد في ديباجة المحضر ما يلي: “في إطار تنفيذ التعليمات الملكية السامية الرامية إلى تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، وبغية إصلاح جذري للمنظومة الصحية الوطنية، ومن أجل توفير الشروط اللازمة لهذا الإصلاح، تم إقرار مراجعة شاملة لحكامة المنظومة الصحية بكل مكوناتها من خلال إعادة الاعتبار للموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي وتثمينها”.

الملاحظة 1: حول “الحماية الاجتماعية”. لم تكن المفاهيم حياديةً قط. لذلك فإن توقيع قيادات النقابات اتفاقا مع الحكومة، يتضمن عبارة “تنزيل ورش الحماية الاجتماعية”، لا يعني إلا قبولا بمنظور الدولة لتلك الحماية: برنامج لمواكبة ضحايا السياسات النيوليبرالية في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية (تسليع الصحة وتشجيع القطاع الخاص)، عبر برامج تستهدف أكثر أولئك الضحايا بؤسا. وفي نفس الوقت تتيح الحماية الاجتماعية- بمنظور الدولة- تعبئة قدرة شرائية جماعية لأداء مقابل خدمات العلاج؛ وهو ما ورد بالحرف في البرنامج الحكومي 2021- 2026: “إن تقديم خدمات جيدة سيخول للمستشفى العمومي الرفع من موارده بفضل زيادة عدد مرتاديه الذين سيعبؤون مؤسسات الحماية الاجتماعية التي ينخرطون فيها، باعتبارها متكفلا مباشرا جزئيا أو كليا بمصاريف علاجهم”.

إن منظورا عماليا وشعبيا للحماية الاجتماعية يقوم أساسا على الدفاع على مجانية وعمومية وجودة الصحة، وهو ما لا تدافع عليه قيادات نقابات القطاع بقبولها بـ”قانون للوظيفة الصحية”، الذي يتضمن شراكة قطاع عام- قطاع خاص، وأيضا قبولها بـ”المجموعات الصحية الترابية”.

الملاحظة 2: إن توقيع قيادات نقابات القطاع على اتفاق يتضمن ما سمي “إصلاح جذري للمنظومة الصحية الوطنية”، و”إقرار مراجعة شاملة لحكامة المنظومة الصحية…”، لا يعني إلا بصما بالأصابع العشرة على خطة الدولة لتفكيك المنظومة الصحية القائمة وإدخالا لـ”لآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية”، كما تضمنها قانونَي الوظيفة الصحية والمجموعات الصحية الترابية (الاشتغال بعقود، الأجور والترقيات عبر التحفيز والمردودية).

ورد أيضا في محضر الاتفاق العبارة التالية: “التزاما بمضامين البرنامج الحكومي 2021- 2026 الذي أكد خلال السنة الأولى من تنزيله، على فتح قنوات الحوار مع ممثلي الشغيلة الصحية”.

الملاحظة 3: لماذا تلتزم قيادات التنسيق النقابي بمضامين البرنامج الحكومي 2021- 2026؟ هل اطلعت قيادات التنسيق النقابي الوطني على البرنامج؟ يركز البرنامج الحكومي جوهر السياسة النيوليبرالية في قطاع الصحة القائمة على التسليع وإذكاء تنافسية المستشفى العمومي مع الخصوصي: “ستعمل الحكومة على جعل المستشفى بنية مستقلة من حيث تدبيرها، جذابة لكافة المغاربة، باحترام دفتر تحملات يحدد الأهداف، ومطالَبة بتقديم تقارير عن نجاعة تسييرها”؛ أي جعل المستشفى العمومي يشتغل بمنطق المقاولة و التدبير المقاولاتي. 

دافع أخنوش عن منظور تسليع الصحة هذا بقول: “على هذه المجموعة أن تعمل بجد كي تجني أقصى قدر من المداخيل، لأن إن فشلت في ذلك فسيستفيد القطاع الخاص… سياستنا هي إيلاء الاهتمام للقطاع العام كي يكون في نفس مستوى القطاع الخاص، أما بعد ذلك “لي بغا يربح العام طويل”. وهذا يعني إذكاء التنافسية بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهي تنافسية قائمة أصلا ويستفيد منها دائما القطاع الخاص، ولكن دلالة هذا أن الدولة تقترح على القطاع العام أن ينافس القطاع الخاص بآليات القطاع الخاص ذاته، كي تتمكن المستشفيات العمومية من كسب معركة “الجاذبية”.

هل فوضت شغيلة الصحة لقيادات التنسيق النقابي الوطني صلاحية الالتزام بتنزيل البرنامج الحكومي؟

* “بلاغ تفصيلي للتنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة”، 14 يوليو 2024

ورد في البلاغ: “إذ يسجل التنسيق النقابي، تجاوب السيد رئيس الحكومة الذي يؤكد على أن الحكومة قد قامت بمعالجة الملف المطلبي للشغيلة الصحية…”.

الملاحظة 4: من شأن مثل هذه الصيغ أن تخدع الشغيلة وتجعلهم يصدقون فعلا أن الحكومة “تتجاوب” مع مطالبهم. ليست هذه محض صيغة إخبارية، بل تدخل في صميم منظور القيادات النقابية الحريصة على “السلم الاجتماعي” والتي تعتبر عدمَ تنفيذ خلاصات الحوارات الاجتماعية “عصفاً بمنسوب الثقة”. لكن ما يحدث هو أن الشغيلة يفقدون الثقة في ممثليهم النقابيين، إذ لا يمر إلا وجيزُ وقتٍ على تسجيل التجاوب الحكومي حتى تعود بلاغات القيادات النقابية للكلام عن تملص الحكومة وعدم جديتها… إلخ. وهو ما دبجته النقابة الوطنية للصحة- كدش في الورقة الخاصة بالملف المطلبي المقدمة إلى المؤتمر الوطني السابع في ديسمبر2019، بعد جرد ما أسمته الوثيقة سلبيات “الحوار الاجتماعي”، عقلت على الأمر بقول: “فمهنيو الصحة بمختلف أصنافهم ترتفع لديهم مؤشرات فقدان الثقة في المسلسلات الموسمية للحوار، والنقابيون يشعرون بتراجع قدرتهم على التواصل مع المهنيين وتأطيرهم بسبب عدم وجود مضامين وآفاق جديدة”. تتغافل هذه القيادات على أن “الحوار الاجتماعي” آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية، وليست قط آلية للدفاع عن مصالح المأجورين- ات.

إن مهمة أي قيادة عمالية هي تبديد الأوهام التي من شأنها أن تعزز ثقة الشغيلة في الدولة (وأرباب العمل) التي تضطهدهم- هن، وتعزيز الثقة فقط في قوة الشغيلة ووحدتهم- هن.

ثانيا- ملاحظات حول المطالب

قسم البلاغ التفصيلي المطالب إلى قسمين، سنوردهما مع ملاحظات أدناه:

أ. المطالب المتعلقة بالوضعية الاعتبارية والقانونية لمهنيي الصحة

يمكن تلخيص هذه المطالب في الجانب التشريعي/ القانوني الذي يحكم علاقات الشغل داخل القطاع.  ومن الجدير منذ البداية الإشارة إلى أن الدولة تمكنت منذ مايو 2021 من إخراج شغيلة القطاع من النظام الأساسي للوظيفة العمومية (1958)، وفي 28 يونيو 2023 أصدرت قانون رقم 22-09 المتعلق بالوظيفة الصحية، وفي 17 يوليو أصدرت القانون رقم 08.22 بإحداث المجموعات الصحية الترابية.

تمكنت الدولة عبر هذه القوانين من القطع مع الإطار التشريعي القديم الذي كان فيه موظفو قطاع الصحة موظفين لدى الدولة سواء مركزيا أو في مصالحها الخارجية، وفي نفس الوقت أضفت الطابع التشريعي على التوظيف بموجب عقود، كما أقرت آليات التدبير الحديث للموارد البشرية مثل تعديل منظومة الأجور (الأجر الثابت/ المتغير) والترقية عبر التحفيز والمردودية.

لم تعترض القيادات النقابية على إخراج شغيلة الصحة من إطار النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (1958)، بل لقي ذلك ترحيبا من بعضها واعتبرته مكسبا، و”صدقت” ادعاءات الحكومة بأن تحسين ظروف شغيلة الصحة يقتضي لزوما إخراجها من الوظيفة العمومية، كما ورد بالحرف في البرنامج الحكومي 2021- 2026: “مراجعة وضعية مهنيي الصحة وفقا لكفاءاتهم وتضحياتهم لأن طبيعة مهمتهم وساعات عملهم وظروف اشتغالهم تختلف عن باقي الوظائف العمومية”.

  • “الحفاظ على صفة الموظف العمومي”

في باب المطالب والضمانات الوظيفية ورد في البلاغ التفصيلي ما يلي: “تخويل القانون المتعلق بالوظيفة الصحية الحفاظ على صفة الموظف العمومي لمهنيي الصحة مع منحهم كافة الضمانات والحقوق الأساسية والتي يكفلها الدستور والنصوص التشريعية الجاري بها العمل، لا سيما النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية مع إدراج هذه الضمانات ضمن النصوص التطبيقية للوظيفة الصحية والإحالة على مقتضيات القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية والإشارة لمهنيي الصحة كموظفين عموميين في كل النصوص التطبيقية بما فيها النظام الأساسي النموذجي لمهنيي الصحة”.

الملاحظة 5: إن الحديث عن “تخويل القانون المتعلق بالوظيفة الصحية الحفاظ على صفة الموظف العمومي لمعنيي الصحة” و”الإحالة على مقتضيات القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية والإشارة لمهنيي الصحة كموظفين عموميين في كل النصوص التطبيقية بما فيها النظام الأساسي النموذجي لمهنيي الصحة”، لن يعني شيئا ذا دلالة أمام واقع الترسانة التشريعية التي انتقلت من نمط التوظيف القديم (مع الدولة ومصالحها الخارجية) إلى نمط التوظيف الجديد مع مؤسسات أدنى (جهوية أو محلية) مثل “المجموعات الصحية الترابية”. ولن يكون لتلك الصيغة إلا مفعول خداع الشغيلة بأن شيئا لم يتغير في وضعيتها النظامية إزاء الدولة، تماما كما كان له نفس المفعول مع شغيلة التعليم، عندما أصدرت النسخة الأخيرة من النظام الأساسي الجديد بعد ثلاثة أشهر من الحراك، بادعاء القيادات النقابية أن الدولة استجابت لمطلب “إضفاء صفة الطابع العمومي” على جميع شغيلة القطاع، في حين أن أكثر من نصف هيئة التدريس لها علاقة نظامية مع الأكاديميات الجهوية وليس مع الوزارة.

الملاحظة 6: بخصوص الإحالة على الدستور. إن الدستور هو أم القوانين، وروحه هي التي تحكمها جميعا. والدستور هو الذي أقر الشكل الجديد من التوظيف، بإعلانه “التفريع” مبدأً دستوريا، يحصر صلاحيات الدولة (أي جهازها المركزي) في التخطيط الاستراتيجي، بينما يفوض صلاحيات التشغيل/ التوظيف وكل ما يخص أمور الموظفين- ات إلى مؤسسات أدنى (الجماعات الترابية، الأكاديميات الجهوية، المجموعات الصحية الترابية)، التي لم تعد مصالحا خارجية، بل مؤسسات عمومية ذات شخصية اعتبارية واستقلالية مالية وإدارية.

يوضح قانون المجموعات الصحية الترابية هذه الهيكلة الجديدة، إذ تقف هذه المجموعات إزاء الدولة كطرف مستقل مهمتها حسب المادة 4 هي: “تتولى المجموعة الصحية الترابية، في حدود مجالها الترابي، تنفيذ سياسة الدولة في مجال الصحة”. وفي ما يخص التوظيف فقد فوض القانون لهذه المجموعات صلاحية “تدبير مواردها البشرية”، حسب المادة 4: “يُنقل تلقائيا لدى المجموعة المعنية… الموظفون المرسمون والمتدربون العاملون بالمصالح اللاممركزة التابعة للوزارة المكلفة بالصحة المتواجدة داخل النفوذ الترابي للمجموعة، ويُنقل إليها تلقائيا كذلك المستخدمون المتعاقدون العاملون بالمراكز الاستشفائية الجامعية وبالمصالح اللاممركزة التابعة للوزارة المكلفة بالصحة المتواجدة داخل النفوذ الترابي للمجموعة، وينقل إليها تلقائيا كذلك المستخدمون المرسمون والمتدربون العاملون بالمراكز الاستشفائية الجامعية”

لذلك فإن الحديث على “الحفاظ صفة الموظف العمومي” والإحالة إلى النظام الأسياسي للوظيفة العمومية (1958)، لن يغير شيئا من “الهيكلة الجديدة” التي ربحت الدولة رهانها بإصدار قانون المجموعات الصحية الترابية وقانون الوظيفة الصحية.

تشير هاتين مادتين من القانون رقم 22-09 المتعلق بالوظيفة الصحية، إلى أن أي حفاظ على صفة الموظف العمومي لن يترتب عليه شيء فعلي على علاقة الشغل التي لم تعد تربط الموظف بالدولة بل بالمجموعات الصحية الترابية:

المادة 18: “يتم توظيف مهنيي الصحة، بناء على حاجيات المجموعات الصحية الترابية من الموارد البشرية”.

المادة 19: “يمكن، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، اللجوء إلى التشغيل بموجب عقود، لمدة محددة قابلة للتجديد”. يدرك الجميع أن الدولة تتقن تحويل حالات الاستثناء التي تشير إليها عبارة “كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك”، إلى قاعدة قارة للتوظيف.

  • أداء الأجور

ورد في البلاغ التفصيلي: “أداء أجور مهنيي الصحة من الميزانية العامة للدولة- فصل نفقات الموظفين طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع توفرهم على مناصب مالية قارة مع جعل القانون التنظيمي رقم 13-130 من البناءات الأساسية للنصوص التطبيقية”.

الملاحظة 7: يُذكر هذا المطلب بالصيغة التي لجأت إليها الدولة في قطاع التعليم لخداع المفروض عليهم- هن التعاقد في ما يخص مطلبهم- هن بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، حينما أقرت صيغة لصرف أجورهم- هن مباشرة من مديرية الموظفين بموجب اتفاقية بين وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية ووزارة الاقتصاد والمالية.

إن هذه الطريقة لن تغير شيئا من العلاقة النظامية الجديدة التي أقرها قانون الوظيفة الصحية وقانون المجموعات الترابية الصحية، تماما كما لم تغير صيغة صرف أجور المفروض عليهم- هن التعاقد في قطاع التعليم علاقتهم- هن النظامية مع الأكاديميات الجهوية.

الملاحظة 8: بشأن الإحالة إلى القانون التنظيمي 13-130 في البلاغ التفصيلي للتنسيق النقابي الوطني. لا نعرف إن كان ذلك عن “جهل” أم عن “تجاهل”، ولكن تلك مصيبة في كلتا الحالتين. يعتمد القانون التنظيمي للمالية الذي صدر في 2 يونيو 2015 على التقشف الذي أَضفِي عليه الطابع الدستوري سنة 2011، بإدراجه في الفصل 77 من الدستور.

إن مطالبة التنسيق النقابي الوطني بـجعل هذا القانون من البناءات الأساسية للنصوص التطبيقية، أمر خطير. لأن هذا القانون (إلى جانب مرسوم اللاتمركز الإداري الصادر في 26 ديسمبر 2018) هو الإطار التشريعي لتفكيك نمط التوظيف القديم، وفي نفس الوقت تنفيذ التقشف كتدبير ميزانياتي لمالية الدولة.

وبناء على هذا القانون فإن المطالبة بالحفاظ على صفة الموظف العمومي لا تعني شيئا ولن تغير شيئا من كون شغيلة الصحة لم يعودوا موظفين لدى الدولة، بناء على المفهوم القديم للتوظيف، بل أصبحوا موارد بشرية لدى الجماعات الصحية الترابية، التي تُعتبر حسب القانون رقم 08.22 بإحداث المجموعات الصحية الترابية “مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي”.

  • التمثيلية في المجالس الإدارية للمجموعات الصحية الترابية

ورد هذا المطلب في البلاغ التفصيلي للتنسيق النقابي الوطني: “مراجعة بعض المقتضيات للسماح لتمثيلية مهنيي الصحة بمختلف أطرهم” في المجالس الإدارية للمجموعات الصحية الترابية.

الملاحظة 9: هذا مطلب غير صائب، إذ يقبل مبدئيا وفعليا إعادة الهيكلة الشاملة لقطاع الصحة. فهذه المجموعات- كما ورد أعلاه- جاءت لتحل محل الدولة في التوظيف وتقديم الخدمات في تنافس مع القطاع الخاص، بل وبشراكة معه في إطار اتفاقيات شراكة قطاع عام- قطاع خاص.

لا يتعلق الأمر بهيكلة تنظيمية محضة، بل بمضمونها. فهذه المجموعات الصحية الترابية بشخصيتها الاعتبارية واستقلاليتها المالية والإدارية إطار تنظيمي للاستمرار في السياسة النيوليبرالية في قطاع الصحة، تماما كما هو الأمر مع الأكاديميات الجهوية في قطاع التعليم.

في الباب الثاني من قانون المجموعات الصحية الترابية المعنون بـ”التنظيم المالي”، نعثر على إحدى ركائز سياسة الدولة في قطاع الخدمات العمومية هي “تنويع مصادر التمويل”، وقد جرى هذا في قطاع التعليم، ولكنه أكثر تقدما في الصحة.

فصلت المادة 13 موارد المجموعات الصحية الترابية كما يلي:

* المداخيل المتأتية من أنشطتها؛

* مداخيل الأموال المنقولة والعقارية؛

* إعانات الدولة والجماعات الترابية وكل هيئة خاضعة للقانون العام أو الخاص؛

* الهبات والوصايا.

هكذا تخدم هذه المجموعات الصحية سياسة الدولة على جبهتين:

الجبهة الأولى: تسليع الخدمات الصحية بإيلاء المجموعات الترابية الصحية صلاحية بيع أنشطتها. فضلا عن إقرار قانون هذه المجموعات “للشراكة بين المؤسسات الصحية المكونة لها والمؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص” [المادة 4].

الجبهة الثانية: تقليص تمويل الدولة وحصره في حدود إعانات تقدمها جنبا إلى جنب مع هيئات أخرى (الجماعات المحلية، الهبات والوصايا).

إن المطلب الذي يجب الدفاع عليه هو رفض كلي لـ”المجموعات الصحية الترابية” ومنظورها القائم على تسليع الصحة وتخفيض إسهام الدولة المالي، والدفاع عن مجانية وعمومية الصحة.

ب. المطالب ذات الأثر المالي

تتضمن مطالبا متعلقة بالأجور والترقيات والتعويضات. ويمكن أن نلاحظ حجم التماثل بين هذه المطالب في قطاع الصحة ونظيرها في قطاع التعليم العمومي. ولكن بالإجمال يمكن اعتبارها مقابلا ماديا تقايض به القيادات النقابية قبولها باستراتيجية الدولة في القطاعين: تخلٍّ عن قيمة اجتماعية عظيمة تطلبت تضحيات الأجيال السابقة وهي الصحة العمومية المجانية( بنواقصها) وما يقابلها من توظيف عمومي قار، والقبول بتفكيك المنظومة الصحية وإدخال الأشكال الجديدة لـ”تدبير الموارد البشرية” مقابل تنازلات في الأجور والترقيات والتعويضات يسهل استردادها بتكثيف الاستغلال (المردودية والأداء) وبالتضخم.

  • الأجور والتعويضات

ورد في البلاغ التفصيلي ما يلي: “الزيادة في الأجر الثابت” و”يقترح التنسيق النقابي أن تُدرج الزيادة في الأجر المتفق عليها بـ 1500 درهم صافية للممرضين وتقنيي الصحة و1200 درهم للإداريين والتقنيين…”.

ملاحظة 10: إن مفهوم “الأجر الثابت” مضلل وخادع. إذ يقسم أجر الموظفين إلى قسمين: “جزء ثابت” وآخر “متغير”. وقد ورد هذا في المادة 7 من القانون رقم 22-09 المتعلق بالوظيفة الصحية كالتالي: “يستفيد مهنيو الصحة من أجرة تتكون من جزء ثابت يشتمل على المرتب والتعويضات المخولة لهم بموجب الأنظمة الأساسية الخاصة المطبقة عليهم، وجزء متغير يخول، وفق المبالغ والشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، على أساس الأعمال المهنية المنجزة”.

إن “إصلاح منظومة الأجور” هجوم قديم. تقدم المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بمشروع أرضية لإصلاح منظومة الأجور بتاريخ 6 ديسمبر 2005، وكتب عن أهداف هذا الإصلاح ما يلي: “تتمثل الأهداف المسطرة لهذه الدراسة في وضع منظومة جديدة للأجور، محفزة ومنصفة وشفافة، مرتكزة على الاستحقاق والمردودية، وعلى تعويض الموظفين على أساس العمل المنجز فعلا، وذلك من أجل تحقيق النتائج المحددة سلفا من قبل الإدارة”.

وقبله عقدت وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري بتاريخ 7 و8 ماي 2002 “المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري بالمغرب، الإدارة المغربية وتحديات 2010”. ومما جاء في تقريرها التركيبي عند الحديث عن “إشكالية منظومة الأجور: “عند دراسة هيكل الأجرة، يلاحَظ أن التعويضات تشكل جزءا هاما من الأجرة المرتبطة بالوضعية النظامية حيث أصبحت هذه التعويضات تكتسي طابعا قارا يتناقض مع المفهوم الحقيقي للتعويضات التي يفترض أن تكون أداة لتشجيع الإنتاجية والمردودية أو تغطية بعض الأتعاب الخاصة، ويجب بالتالي أن تكون قابلة للتغيير حسب تغير هذه العوامل في اتجاه أو آخر”. وفي 2017 صدر عن المجلس الأعلى للحسابات تقرير حول “الوظيفة العمومية” طالب بـ”إصلاح شامل لمنظومة الأجور في ارتباط بنظام التقييم والترقية” وبـ”إعادة النظر أولا في تركيبة الأجر بغاية إعطاء الأهمية الأكبر للراتب الأساسي وتوجيه التعويضات الأخرى لتناسب الغرض الحقيقي الذي أحدثت من أجله”، مع تأكيده على الحرص على ألا تتحول هذه التعويضات المرتبطة بالعمل والمردودية إلى “مكسب دائم ومعمم”.

إن هدف إصلاح منظومة الأجور، كما ورد في ورقة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، هو “التحكم في كتلة الأجور”، والطريق الأنسب هي التراجع عن التعويضات القارة والمعمَّمة، وربطها بالاستحقاق والمردودية والأداء، لذلك ورد في توصيات المناظرة الأولى (2002) وتقرير المجلس الأعلى للحسابات (2017) فكرة “إعادة الاعتبار للراتب الأساسي”. 

جاء مفهوم “الأجر على أساس الجدارة” في سياق إعادة بناء مفهوم الأجور المواكب للهجوم النيوليبرالي منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين. ويُعرَّف “الأجر على أساس الجدارة” على أنه “نظام تعويض يكافئ الموظفين على أساس أدائهم الفردي، وليس على أساس مناصبهم أو أقدميتهم داخل الشركة”. وقد بدأ تطبيق هذا المفهوم في القطاع الخاص والشركات، والدولة تعمل حاليا على نقله إلى القطاعات العمومية (الوظيفة والإدارات).

الأجر هو تعبير عن قيمة قوة العمل (بدنية كانت أو ذهنية)، وقد تمكنت الحركة العمالية من انتزاع قوانين تضمن لها نصيبا أكبر من الثروة القومية المنتَجة، وهي تناضل من أجل إسقاط مجمل نظام عبودية العمل المأجور. ومن ضمن تلك القوانين السلم المتحرك للأجور الذي يفرض زيادات في الأجور كلما ارتفعت الأسعار. وهذا ما يجب أن يناضل من أجله التنسيق النقابي الوطني وليس القبول بهجوم الدولة المتعلق بالأجر الثابت والأجر المتغير. فما تطالب به قيادات التنسيق النقابي الوطني هو عينه ما سعت الدولة لتنفيذه منذ مناظرة 2002: الزيادة في الأجر الثابت، والمطالبة بلائحة متنوعة وغير معمَّمة وغير دائمة من التعويضات.

  • الترقيات

ورد في البلاغ الوطني بخصوص الترقيات: “إحداث درجات جديدة لجميع فئات مهنيي الصحة…”؛ “منح سنوية اعتبارية للممرضين وترقية استثنائية للمرضين المساعدين”.

ملاحظة 11: لكن قبول القيادات النقابية بالقانون رقم 22-09 المتعلق بالوظيفة الصحية وبالقانون رقم 08.22 بإحداث المجموعات الصحية الترابية، يجعل أي نظام الترقي كله قائما على ربطها بالمردودية والاستحقاق.

حسب المادة 20 من قانون الوظيفة الصحية، “وطبقا لأحكام المادة 19 من القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، يخضع مهنيو الصحة لتقييم دوري للأداء وفق مبادئ الشفافية والموضوعية والحياد وعدم التمييز. تعتمد نتائج هذا التقييم في التحفيز والتكوين. بناء على نتائج التقييم، تمنح لمهني الصحة نقطة عددية سنوية من طرف المسؤول عن المجموعة الصحية الترابية أو الشخص المفوض له من قبله لهذا الغرض”. يُستعمَل هذا التقييم الدوري للأداء في ترقية الموظفين، حسب المادة 21 ومنطوقها هو: “يستفيد مهنيو الصحة من الترقية في الرتبة وفي الدرجة. تتم الترقية بصفة منتظمة بناء على شبكة معايير موضوعية تحدد في الأنظمة الأساسية الخاصة المشار إليها في المادة 20 أعلاه، ونتائج التقييم المشار إليها في المادة 20 أعلاه والأقدمية”.

لذلك فإن أي موافقة للحكومة على مطالب التنسيق النقابي الوطني في ما يخص الترقي لا تعني شيئا، لأنها تظل محكومة بالإطار التشريعي القائم والذي يربطها بـ”التقييم الدوري للأداء”. وهو نفس ما جرى مع شغيلة قطاع التعليم العمومي بعد إصدار النظام الأساسي الجديد الذي ربط الترقي بالمردودية (مدرسة الريادة).

ثالثا- ملاحظات حول الخط النقابي للتنسيق الوطني

ليست قيادات التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة استثناءً عن باقي قيادات النقابات القائمة حاليا بالمغرب: خط نقابي قائم على التماس “الحوار الاجتماعي” والمطالبة بــ”مأسسته”، وحرص شديد على نا يسمى “السلم الاجتماعي”، وتفادي كل ما من شأنه أن يتحول من مناوشات نضالية إلى نضال شامل ضد مجمل النظام الاقتصادي والاجتماعي وحاميه السياسي: الاستبداد، وبالتالي سعي للتحكم من أعلى في النضالات المنبعثة من أسفل.

  • ورد في محضر اجتماع بين الوزارة وقيادات نقابات القطاع ما يلي: “وعيا بأهمية الحوار الاجتماعي ودوره في تحقيق السلم الاجتماعي”، “تعزيزا للتواصل المستمر بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وشركائها الاجتماعيين، باعتبارهم قوة اقتراحية وتأطيرية هامة من شأنها المساهمة في التنزيل السليم لمختلف البرامج والمخططات والقوانين المتعلقة بالمنظومة الصحية الوطنية، وكذا التنزيل السليم للنصوص التطبيقية ذات الصلة بهذا الإصلاح”.

ملاحظة 12: الدولة حريصة على تحقيق “السلم الاجتماعي” لأنه ضمانة أساسية لبقاء الشغيلة في حظيرة الطاعة. لذلك تعمل دائما على ربط أدوات نضال الشغيلة (أي النقابات) بآلية الحوار الاجتماعي كآلية مُلزمة لحل ما تُطلق عليه “النزاعات الاجتماعية”. ولهذا تعمل جاهدة على إصدار القانون المانع فعلا لحق الإضراب. لكن هذا شأن الدولة وأرباب العمل فذلك يخدم مصلحتهما، أما النقابات فدورها هو إذكاء النضال العمالي والشعبي لخلخلة ذاك “السلم الاجتماعي” الذي يعني بالضرورة في مجتمع منقسم طبقيا  “حربا اجتماعية” على الشغيلة من طرف الدولة وأرباب العمل.

ملاحظة 13: ليست النقابة “شريكا اجتماعيا” ولا “قوة اقتراحية”، وليست مهمتها “المساهمة في التنزيل السليم لمختلف البرامج والمخططات…”. النقابة هي أداة اخترعها الشغيلة لخدمة مصلحتهم بالنضال ضد “البرامج والمخططات” التي تضعها الدولة لخدمة أرباب العمل والشركات والقطاع الخاص في جميع القطاعات، بما فيها قطاع الصحة. 

إن حصيلة جعل النقابة “شريكا اجتماعيا” و”قوة اقتراحية وتأطيرية” كارثية: مدونة الشغل، ميثاق التربية والتكوين، النظام الأساسي الجديد في قطاع التعليم، الحماية الاجتماعية، قانون الوظيفة الصحية وقانون المجموعات الصحية الترابية وهلمجرا.

دور النقابة هو النضال من أجل المصالح المادية الآنية (استقرار الشغل، الأجور ومكملاتها… إلخ) والديمقراطية (الحق في الإضراب والاحتجاج)، وفي نفس الوقت النضال ضد مجمل النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم؛ أي الرأسمالية التابعة وخادمها السياسي: الاستبداد.

  • ورد في البلاغ التفصيلي للتنسيق النقابي الوطني ما يلي: “يؤكد لكافة موظفي الصحة بأنه متشبث بكل النقط المتضمنة في الاتفاق وفي المحاضر الموقعة، وأنه سيتابع عن كثب وسيسهر على التنزيل الفعلي والسليم والسريع لكل بنود الاتفاق وكل المحاضر الموقعة في شقيها المادي والاعتباري/ القانوني”.

ملاحظة 14: وهي عبارة شبيهة بالمعتاد إيرادُه في بلاغات الأجهزة التنفيذية: “يخوَّل للمكتب التنفيذي صلاحية البث في الخطوات النضالية…”. إن الذي من حقه “متابعة تنفيذ بنود الاتفاقات” هو الشغيلة ذاتهم عبر جموعهم العامة داخل أماكن العمل. وقد أعطى طلبة الطب دروسا تاريخية في هذه الآلية منذ انطلاق نضالهم سنة 2015.

تزرع مثل هذه الصيغ الانتظارية والسلبية في صفوف الشغيلة. وبدل أن يهبوا للدفاع عن حقوقهم- هن ومراقبة من يمثلهم- هن، تطالبهم- هن القيادات النقابية بتسليم “زمامهم- هن” للأجهزة. نفس الأجهزة والقيادات النقابية التي توقع على “السلم الاجتماعي” وتلتزم بـ”تنزيل البرنامج الحكومي” وبـ”الشراكة الاجتماعية”… إلخ.

لا بديل عن الدفاع على مجانية الخدمات العمومية وجودتها

دأبت القيادات النقابية في بياناتها على ادعاء الحرص على الخدمة العمومية. ولكن ممارستها العملية تدل على العكس. إن القبول بالميثاق الوطني للتربية والتكوين والنظام الأساسي الجديد في قطاع التعليم، والقبول بقانون المجموعات الصحية الترابية وقانون الوظيفة الصحية في قطاع الصحة، يعني أن القيادات النقابية قابلةٌ تماما بهجوم الدولة على الطابع المجاني والعمومي لتلك الخدمتين ومسايرة له.

وما التركيز في الملفات المطلبية وأثناء جولات “الحوار الاجتماعي” على “المطالب ذات الأثر المالي” إلا مطالَبةً بمقابل مادي تقايض به التخلي العملي على مجانية وعمومية الخدمات.

إن القبول بجعل الصحة خدمة مؤدى عنها سواء في المستشفى العمومي أو في المصحات الخاصة؛ مباشرة وبشكل فردي، أو عبر أنظمة التغطية الصحية/ الحماية الاجتماعية، هو أصل تفكيك أنظمة وقوانين الشغل القارة الموروثة عن حقبة مضت. وهي نفس السياسة التي يجري تطبيقها في قطاع التعليم مع الوظيفة الجهوية والأكاديميات الجهوية، رغم أن الهجوم أكثر تقدما في قطاع الصحة؛ حيث ثقافة الأداء أصبحت هي القاعدة، حتى مع الحماية الاجتماعية (خلق قدرة شرائية جماعية لتعويض غياب القدرة الشرائية الفردية) وقبلها راميد. وكل هذا تنفيذ لدستور 2011 حول دور الدولة في ما يخص تقديم الخدمات العمومية (الصحة والتعليم)، كما هو واضح فصله 31: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية، الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة”.

فالانتقال من دولة مقدمة للخدمات بشكل عمومي و”مجاني” إلى دولة تحصر دورها في تيسير سبل الاستفادة من تلك الخدمات (إلى جانب هيئات أخرى وأهمها القطاع الخاص) يقتضي تغييرا جذريا لهيكلة إدارة القطاع. لقد كانت الدولة المعالِجة هي نفسها الدولة الموظِّفة للممرضين- ات والأطباء- ات… في حين أن الدور الجديد للدولة القاضي باقتصارها على الأداور الاستراتيجية (التخطيط، التقنين، التنظيم، المراقبة)، يقتضي تخليها عن تلك الأدوار لصالح هيئات أدنى، وهي هنا “المجموعات الصحية الترابية”. ولن يستقيم نضال من أجل التوظيف القار دون النضال من أجل خدمات عمومية مجانية وجيدة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا