أقانوانين- إملشيل: احتجاج ضد استنزاف ثروات المنطقة حوار مع مناضل من المنطقة
تقديم
أصبح المغرب محطَّ شركات صينية عديدة لاستغلال المعادن، وبالأخص المعادن الاستراتيجية والحرجة والأتربة النادرة الموجهة أساسا لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية لتصديرها إلى السوق الأوروبي والأمريكي. يشتد التنافس على ثروات المغرب المعدنية (والأفريقية) بين الشركات العملاقة الصينية والأمريكية والأوروبية. وبين شقي رحى هذا التنافس الشرس يجري طحن سكان المجتمعات المحلية، بحرمانهم من الأراضي وتدمير سبل الإنتاج المعاشية (فلاحة صغيرة وغراسة ورعي) الموروثة عن قرون.
بقرية أقانوانين حلت الشركة الصينية “Sino-maroc mining investment management”، لاستغلال المكمن المعدني بها (منجم بوُزَّال). وقد لقيت ترحيب السكان المعتقِدين فعلا (تحت تأثير الدعاية الكثيفة والفقر المدقع) أن الشركة حاملة لمناصب الشغل والتنمية، كما هو ظاهر في كلمة ممثل تغيغاشت بجماعة إملشيل بمناسبة إنطلاق أشغال منجم أقا نوانين: “السادة الأصدقاء الصينيين والسادة ممثلي السلطة، أود بداية أن أرحب بكم كل باسمه وصفته. أتمنى أن تتوفقوا- كل من موقعه- في مشروع استغلال المكمن المعدني الكائن ببُوزَّال، في إطار سياسة رابح- رابح، تعزيزا للتعاون القائم بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية… لا يخفى عليكم أن الساكنة المحلية تعتمد الفلاحة المعاشية والرعي كنشاطين اقتصاديين رئيسيين لكسب القوت اليومي، لذا المرجو من السيد مدير الشركة المعنية بالاستغلال تفادي إلحاق الأضرار بمصالح السكان ومعالجة أي آثار قد تُحدثها الأشغال (كانجراف التربة وكذلك الغبار الذي قد يصاحب الأشغال). كما أود أن أشير إلى ضرورة إصلاح الطريق المؤدية إلى المكمن خاصة من خلال قنوات لتصريف مياه الأمطار لتفادي الأضرار التي قد تنتج عن غيابها. كما أدعو الشركة المعنية أن تأخذ بعين الاعتبار الأراضي المستغلة فلاحيا في مكان تواجد المكمن المعدني صونا لحقوق مستغلِّيها. والتمس كذلك من السيد المدير أن تعطى الأولوية للسكان المحليي في الشغل. وأناشد الشركة أن تساهم في التنمية المحلية عبر إنجاز مشاريع ذات وقع إيجابي على السكان”[1].
لكن لم يمر على هذا الترحيب من الشهور سوى ثلاثة ليهب سكان القرية مطالبين نفس الشركة- التي رحبوا بها في البداية- بالرحيل. فما أسباب هذا الاحتجاج؟ ومطالب السكان؟ هذا ما سنتناوله في هذا الحوار مع مناضل من المنطقة.
* سؤال: هل يمكنك أن تقدم معطيات موجزة عن المنطقة التي توجد فيها الاحتجاجات: الاسم، إداريا، عدد السكان، نوع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها؟
* جواب: تقع منطقة أقانوانين في قلب جبال الاطلس الكبير الشرقي تابعة إداريا لجماعة وقيادة ودائرة إملشيل عمالة إقليم ميدالت جهه درعه تافيلالت.
يعتمد سكان هذه المنطقة (البالغ عددهم ألف نسمة) على الفلاحة المعيشية والرعي. وتنقسم الأنشطه الفلاحية الى مسقية والزراعة البورية.
سكان دوار أقانوانين هم أنفسهم سكان دوار تغيغاشت أي نفس السكان يقطنون في الدوارين معا. منهم مستقرون ومن يتنقل من دوار لآخر حسب الأعمال الفلاحية.
* سؤال: ما اسم الشركة الصينية التي أتت للاستثمار في المنطقة؟ تاريخ قدومها؟
* جواب: الشركة شركة صينية اسمها “Sino-maroc mining investment management”، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة ذات الشريك الوحيد، ويوجد مقرها الاجتماعي بالدار البيضاء، سُجِّلت بالسجل التجاري بمقتضى قرار الشريك الوحيد المؤرخ في 06 أبريل 2021[2]. ورأسمالها المسجل هو مليون درهم[3].
قدِمت الشرمة إلى المنطقة سنة 2022، وعاينت مكان الاستغلال دون أن تقدم أي معطيات للسكان حول نوع المعادن أو طبيعة النشاط.
* سؤال: نوع المواد التي تقوم باستخراجها؟ هل هي موجهة للسوق المحلية أم للتصدير؟
* جواب: بداية وجب التنويه بغنى المنطقة المعدني. فحسب المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، يضم الموقع والسياق الجيولوجي لنطاق إميلشيل مؤشرات مهمة عن وجود النحاس والنيكل.
بالنسبة لمنجم بُوزَّال (الكائن يقرية أقانوانين) فلحدود الآن لم تقدم الشركة أي عقد حقيقي للعمل أو تصريح الاستغلال، نفس الشيء بالنسبة للسلطات من جانبها، ما يسائل ما يروَّج حول “الحق في الولوج إلى المعلومة”. حتى لوحة التوصيف فيها فقط اسم الشركة Sino-maroc mining investment management دون تحديد نوع المعادن وكميتها ومدة استغلال. لكن الكلام المتداول هو النحاس والنيكل والرصاص. وحسب موقع المكتب الوطني الهيدروكاربورات والمعادن فإن الرخص المنشورة هناك للاستغلال في حوض إملشيل للمعادن لا تحمل اسم منطقة أقانوانين و هي رخص تخص النحاس والنيكل و الرصاص.
* سؤال: متى ولماذا بدأ احتجاج سكان المنطقة ضد الشركة؟
* جواب: باشرت الشركة عملها عبر تعبيد الطريق إلى عين المكان سنة 2023، وألحقت بعض الأضرار ببعض الحقول والسواقي المجاورة، مما أثار بعض السكان وقدموا شكاية لدى السلطات المحلية لكنها لم تجد آذان صاغية.
في صيف 2023، وبعد وصول الشركة إلى القرية انتفض أصحاب الحقول الموجودة هناك وقاموا بوقفها ومنعها من الشروع في الأشغال. هذا سنة 2023 الصيف الماضي. قدموا كذلك شكاية للسلطات في هذا الشأن دون تلقي أية أجوبة. باستثناء بعض الحوارات ومحاولات إقناعهم بالكراء والتعويض. إلا أن الساكنة بعدما رأت حجم الأضرار التي ستلحقها بها انتفضت مجددا عبر حلقيات نقاش ثم مسيرات لعين المكان.
كانت المسيرة الأولى يوم 25 يونيو 2024، حيث نُظم اعتصام ومبيت ليل، وجرى رفع الاعتصام مقابل توقيف أشغال الشركة. وأجري حوار يوم 02 يوليو 2024 بمدينة ميدلت. لكن الشركة عادت واستأنفت الأشغال وإدخال آلات الحفر وطحن الأحجار دون تقديم أي إجابات لمطالب السكان، الذين عادوا إلى الاحتجاج والاعتصام وتوقيف أشغال الشركة يوم 8 يوليوز 2024. قامت الشركة بإحضار مفوض قضائي بمبرر معاينة ما سيطلقون عليه أضرارا يلحقها المعتصمون بأشغال الشركة.
- سؤال: ماذا كان رد فعل السلطات؟
* جواب: بالنسبة للسلطات: هناك حوارات مع السلطات المحلية ومع ممثلي العمالة، لا استجابة فعلية فقط كلام، ولا شيء موثق يرضي السكان أو يطمئنهم بأن حقوقههم مضمونة. هذا ما دفع السكان للانتفاض في الأيام الأخيرة. ولا يزال المعتصم مستمرا، وتفاجئوا بإحضار الشركة للمفوض القضائي لمعاينة ما سيسمونه الأضرار.
بعد يومين من إحضار الشركة للمفوض القضائي (08 يوليوز 2024) توصل عشرة أفراد من المعتصمين باستدعاءات من الدرك الملكي يوم 10 يوليو 2024، ما زاد من تأجيج الأوضاع وخروج النساء في مسيرات احتجاجية بكل من دوراي تغيغاشت وأقانوانين.
* سؤال: ما هي الأضرار التي تسببت فيها الشركة؟ على ماذا يحتج السكان بالضبط؟ وما هي مطالبهم؟
* جواب: لم يجرِ إشراك السكان، الذين ليس لديهم أي علم حول رخص الاستغلال من طرف الشركة. ويتساءل السكان هل هناك دفتر تحملات يحتوي تعويضا حول الأضرار التي ستلحق سبل معيشتهم.
وعكس ما يجري تداوله حول مناصب الشغل المستحدَثة، وباستثناء حارسين من أبناء المنطقة، تشغل الشركة عمالا مستقدَمين من الصين، ومعهم مترجِم ومترجِمة مغربيين.
يعتبر السكان الشركة وأعمالها ترحيلا قسريا لهم من منطقة استوطنها أجدادهم لقرون. ليس السكان ضد الاستثمار، لكنهم يطالبون بإنصافهم وضمان حقوقهم وتعويضهم فعليا حقيقيا يجبر الضرر الذي سيلحق معيشتهم.
أما أصحاب الأراضي البورية التزمت معهم الشركة بكراء سنوي، ولكن لا شيء موثق لا من طرف السلطات ولا من طرف الشركة.
أما بالنسبة للأضرار، فهذه المنطقة منطقة رعوية (الأغنام والمعز)، وبالتالي فالغبار الناتج عن التنقيب وطحن الأحجار، سيكون له تأثير على العشب والمراعي. الضرر الثاني هو تدمير البنية الطرقية المهترئة أصلا من طرف شاحنات الشركة، فضلا عن الغبار الذي تثيره وتتأثر به منازل السكان والأشجار التي تشكل الفلاحةَ المعيشية (الخوخ مثلا). الضرر الثالث هو انجراف التربة بعد إزالة الأحجار. الضرر الرابع متعلق بالفلاحة المسقية، إلى جانب التلوث، فمدخل القرية حيث تمر الشاحنات يتواجد فيه منبع الماء، وهو ما يعرضه للتلوث.
حسب متابعة صحفية لموقع “العاصمة”: “تطالب الساكنة بضرورة أن يستفيد أبناؤهم وبناتهم من ثروات المنطقة، وتطرح تساؤلات حول مصير الفلاحين والكسابة في ظل تلوث المنطقة، وتتوجه بنداء إلى الشركة المسؤولة والنصالح المختصة للتفاوض مع ممثلي الأراضي السلالية بشأن طبيعة التعويض المناسب، وتؤكد على ضرورة منح أولوية التشغيل لشباب المنطقة، كونهم الأكثر تأثرًا واستحقاقًا للاستفادة من موارد المنطقة”[4]. كما يطالب سكان القرية بما يطالب بهم مجمل العالم القروي بالمغرب: بنية تحتية طرقية ومدارس ومستشفيات واهتمام بالفلاحة الصغيرة… إلخ
* سؤال: ما الواجب فعله خاصة من طرف الإطارات الجمعوية والنقابية والحزبية؟
* جواب: بداية أسجل غياب هذه القوى المشار إليها، طبعا نتحدث عن غيابها كتنظيمات وليس كأشخاص بانتماءات يتواجدون في الاحتجاج، ولكن كتنظيمات فهي غائبة. وبالطبع يجب على القوى السياسية والنقابية والجمعوية، خاصة المدافعة عن حقوق الإنسان أن تقوم بواجبها تجاه مثل هذه القضايا، لأنها تستهدف الحق في الحياة والحق في استقرار السكان.
احالات:
[1] – 05-05-2024، https://web.facebook.com/watch/?v=2105386903163373.
[2] – الجريدة الرسمية، السنة العاشرة بعد المئة، 9 يونيو 2021، العدد 5667.
[3] – https://www.charika.ma/societe-sino-maroc-mining-investment-management-885062.
[4] – 09-07-2024، https://l3assima.ma/ar/16772.
اقرأ أيضا