تضامننا وتضامنهم
مع إعلان الدولة إقليم كلميم منطقة منكوبة ، بدأت مبادرات الحملات التضامنية مع الضحايا ، وتحركت المشاعر الإنسانية لمساعدة الفقراء المعدمين الذين يعيشون النكبات طيلة حياتهم بين أصحاب الأحاسيس النبيلة وأمام عيونهم صباحا مساء. وخصصت بعض الإذاعات الوطنية المغربية برامج تضامنية ، وتجندت جمعيات وأحزاب وحركات معطلين وهيئات جماهيرية مختلفة، من حقول متعددة لجمع التبرعات ، جاء هذا التحرك بعد أن خرج الضحايا ساخطين على الجميع ومحتجين ضد سياسة الدولة الرأسمالية المفروضة عليهم بقوة الحديد والنار.
هذا المد من الصدقات والعطايا من طرف الأغنياء تجاه الفقراء في ظروف الفيضانات التي عرفتها المنطقة الشبه صحراوية ، استطاع أن يجر معه عدد من الشباب المتحمس للتضامن ، لكن الفرق بين التضامن الشعبي بين الفقراء في بينهم والذي يغلب عليه الطابع العفوي والتلقائي ، والتضامن الموجه والمنظم من طرف الأغنياء المدافعين على النظام الرأسمالي والساهرين على خدمة الاستبداد بكل تفاني فرق عظيم.
هذه الموجة التضامنية مع الفقراء والضحايا وتحميل المسؤولية للجماعات والمجالس المحلية المنتخبة بدل سياسة الدولة المنتهجة منذ أكثر من نصف قرن والتي تعاقب على تنفيذها ثلاثة ملوك ، وكثير من المجالس المحلية والنيابية والاستشارية ، وهي تطبيق تعاليم المؤسسات المالية المتحكم فيها من الدول الامبريالية . ان مهمة المناضل الديمقراطي هي قول الحقيقة للشباب الذي يشتغل في الميدان مباشرة مع الضحايا ، وهي أن الذين يريدون أن يكونوا محل المجالس سينفذون السياسة نفسها والجميع يتصارع من اجل إظهار أحسن طاعة وخشوع للنظام الاستبدادي . الرائد في الموضوع هي أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية التي تعاونت مع نظام الحكم على قهر الفقراء وظلت تتدخل لإطفاء غضب الكادحين واحتجاجاتهم من خلال تحكمها في منظمات النضال وعلى رأسها المركزيات النقابية ، أما الأحزاب التي شكلها القصر ودعمها بكل شيء لكي تلعب في دور الواجهة الديمقراطية المزعومة كانت تستغل جميع الأمور من اجل الوصول إلى المجالس المحلية والوطنية ، ولهذا فان الأحزاب البرجوازية تستعمل الدين والقبيلة واللغة والثقافة والجغرافية ..الخ ، من اجل خدعة الشباب في معاركهم السطحية في لعبة مؤطرة ومتفق عليها مع النظام ضد المطالب الشعبية الحقيقة التي رفعتها الجماهير يوم 20 فبراير سنة 2011. وكانوا جميعهم في صف الاستبداد ضد مطالب شعبية حقيقية انفجرت مع الثورة العربية المستمرة إلى اليوم . ودورنا هو كشفها وفضحها، لا تركها تلعب بعقول الشباب، باسم التضامن مع الفقراء وقضايا أخرى متعددة .
القرى المحيطة بكلميم ظلت تعاني وتقاسي المحن ،طيلة عهود، و عاشت الإقصاء والتهميش وتعرضت للقمع والحصار، عندما أرادت إيصال صوتها إلى المسؤولين والحكام . ولن ننسى خيمة الاعتصام لمعطلي ناحية اسرير وتغمرت وقرى أخرى مجاورة أمام مقر قيادة ومجلس جماعة اسرير لمدة أكثر من سنة تقريبا ، سنوات 2007/2008، الم تكون تحتاج هذه الأطر المعطلة المعتصمة لمثل هذا التضامن ؟ اسرير واحة قريبة من كلميم المدينة ظل سكانها يعانون من مطرح النفايات الصلبة التي ترميها السلطات المحلية بتعاون مع المجالس المنتخبة بأرض هذه الواحة وكان السكان يشتكون يوميا من أثار هذا المطرح صيفا وشتاء بسبب الروائح واكتساح التلوث الذي تسبب في مصائب كبيرة للسكان ، هذه المعانات مع أخرى عديدة الم تكن تحتاج إلى تضامن واسع مع أهل المنطقة؟ ظلت قرية واعرون وقرى أخرى مجاورة لها تعاني من كارثة الصرف الصحي لمدينة كلميم والذي يصب في قلبها وتسبب للسكان في أمراض مختلفة جلدية وتنفسية ، وتخربت فلاحتهم الفقيرة وقضي على ما تبقى لهم من حيوانات ، وكانوا يعانون من هجمات الحشرات خصوصا الناموس وواخزاته الحادة والمزعجة خصوصا للأطفال ، وقد وصلت مياه الصرف الصحي إلى واد فم اساكا تاركى وساي مخربة بذلك عدد من حقول الفلاحين المعدمين بالقرى المجاورة لواد صياد ، قبل إنشاء محطات المعالجة بمحيط واعرون، هذه المحطات التي اعتدت على السكان في قبل مياه الفيضانات ، في المغرب الشركات تربح الأموال والكادحين يغرقون في الكوارث والمصائب ، وحين تفضح الطبيعة حدة الفوارق الطبقية وفظاعة الظلم الاجتماعي يلتم الأغنياء المسيطرين على الأوضاع في محاولة على الأقل إخفاء جرائم الرأسمالية في بلدنا خلف حملات التضامن !
كانت قريتي اباينو وايكيسل وقرى أخرى مجاورة يعانون من أثار المقالع للكسر الحجر وطحنه لمدة عقود تتجلى هذه الآثار المصيبة في زعزعت البيوت وتشققها بسبب المتفجرات التي تستعمل في المقالع ، وعانى السكان من الغبار الكثيف الذي يتسبب في مشاكل كثيرة للإنسان والحيوان والنبات ، بالإضافة إلى المصيبة الكبرى وهي الاستغلال البشع للعمال في هذه المقالع ، نفس الوضعية تعيشها جماعة امي انفاست التي تبعد بأقل من 8 كلمترات من كلميم والتابعة لعمالة افني المدينة التي أعلنت الدولة بأنها هي الأخرى منطقة منكوبة بسبب الفيضانات والعالم اجمع اطلع على أسباب نكبتها الحقيقية، ولقد عبرت عن ذلك بالاحتجاجات الشعبية الواسعة منذ سنة 2005 قبل الفيضانات، وماذا حققت لهم الدولة في ذلك ؟ الم ترمي جل نشطاء الحراك الشعبي بالسجون ، والمتابعات إلى اليوم ؟ ومن بينهم رئيس المجلس البلدي وبرلماني الإقليم ؟ هكذا هي دولة الرأسماليين ، ويجب فضحها لا خدمتها ، ماهي تهمة نشطاء الحراك الشعبي بمدينة افني ؟ إنهم كانوا من أول المتضامنين مع الجماهير وفقراء المنطقة ضحايا الإقصاء والتهميش، هذه هي الحقيقة التي يجب قولها للشباب المتحمس لجمع التبرعات لضحايا الفيضانات. بين تضامننا في مابيننا وتضامنهم معنا فرق كبير جدا.
تغجيجت وافران الأطلس الصغير وتمولاي مناطق تعبر عن معانتها باحتجاجات شعبية، لكنها تتعرض للقمع الشرس ويتم اعتقال أبناء المنطقة بسبب تضامنهم مع نكبات سكان قراهم ؟ الم تحاصر السلطات قرية تغجيجت يوم احتج اهلها على سياسة الدولة في التنمية المزعومة؟ وكان فقراء المنطقة في حاجة إلى تضامن حينها ، وكانت عدالة الرأسماليين قدمت إلى المحكمة عدد من طلبة ومعطلي تخجيجت بسبب تزعمهم الاحتجاج.
الجماهير الشعبية الكادحة تحتاج إلى تضامن حقيقي يفسر لها أسباب الفقر وكيفية التخلص منه بشكل نهائي، وليس تضامن يمنحهم مواد غذائية وأغطية مع ضجيج كثير، والتقاط الصور لحظة المنح !، هذا التضامن الذي يكرس سياسة التفقير الأبدية ، وإبعاد الناس عن طريق الاحتجاج على المسؤول الحقيقي وتوجيههم إلى من يريد آخرون الوصول إلى مكانه واستغلاله والاغتناء من نفس المنبع ذاته أي من أموال الشعب. ان تحميل المسؤولية للمنتخبين بدل النظام كله في ما يعيشه الكادحين يكون وراءه دائما الطامحين لنفس الدور.
سياسة الصدقات هذه هي التي جعلت الأنظمة الدكتاتورية تجثم على رؤوس كادحي وفقراء بلدانها ، وتبعث الطائرات المحملة بالدعم إلى شعوب أخرى بمبرر دعم ضحايا الكوارث والنكبات بسبب الطبيعة ، هذه السياسة تربي الناس الجياع في البلد على القبول بسياسة الحكام المستبدين التضامنية ، ولا يخفى على احد أن الأنظمة الرجعية وحركات الإسلام السياسي تغلغلت في المجتمعات الفقيرة ونشرت إيديولوجيتها الظلامية في الأوساط المعدمة من خلال سياسة الخير والإحسان واليد العليا خير من اليد السفلى ، وان الفقر هو قدر مكتوب على الإنسان والأغنياء أفضل من الفقراء في الرزق . وان هذه الصدقات عليها اجر يغفر الذنوب.
الشباب المتحمس لعمل إنساني بسبب شدة الفقر المنتشر بالمنطقة ، والعاطفة الموجودة لديه يريد المساواة ويحب الخير لأخيه الإنسان ، لكن القضية سياسية والمشاكل أسبابها سياسية ويجب على المناضلين الحقيقيين أن يقولوا للشباب الحقيقة، بدل جرهم في عمل تضامني يقوده الحكام والسلطات والأغنياء.
الرأسماليين ليس لهم عواطف جياشة تجاه الفقراء مثل حماس الشباب والتلاميذ والطلبة من الجنسين ، الرأسماليين هم من يستغل العمال للسنوات عمر طويلة وحينما يريدون رميهم إلى الشوارع فإنهم يفعلون ذلك بلا رحمة ولا شفقة وحينما يعتصم العمال أمام شركاتهم ومصانعهم ومعاملهم فإنهم يطلبون من أجهزة الدولة بكاملها طردهم واعتقالهم وسجنهم ، وتشريد أبناءهم وبناتهم ، وهذا ما فعلوا ويفعلون في كل وقت وحين ، هذه هي الحقيقة ، التضامن الإنساني عند الكادحين ليس هو التضامن لدى الرأسماليين ، تاريخهم مملوء باغتيالات أنصار الفقراء والتنكر لجرائمهم.
لنذكر الشباب المتحمس للتضامن وجمع التبرعات لضحايا الفيضانات بكلميم باليوم الذي احتاجت الأسر الفقيرة لمن يقف بجانبها في محنة حقيقية وظلم واهانة كبيرين من طرف الدولة ، تعود القضية إلى يوم خرجت جماهير كلميم للشوارع تلبية لنداء حركة 20 فبراير 2011سنة ، وكانت طيلة الفترة الصباحية تلتحق الفئة الشبابية إلى الساحات أمام مؤسسات الدولة وتطور الأمر في الفترة المسائية وتحولت إلى مسيرات و مواجهات بين السلطات المحلية والشباب المحتج ، وكما هو معروف إن المحرومين وأبناء المعدمين والفقراء يحقدون على كل ما يمثل البدخ والمال وحينما تعطى لهم الفرصة يهجمون عليه ، لكن دولة الرأسماليين المسببة للشباب في الحرمان والبؤس تجرم كل عمل ضد سياستها المفروضة وترمي أبناء الفقراء في سجونها المخصصة لإخضاع البشر لطاعتها. في اليوم نفسه برز اسم مدينة كلميم بشكل واسع في وسائل الإعلام وشبكات التواصل والجرائد بأنها من المدن المنتفضة ، وقد اعتقل على اثر ذلك بشكل عشوائي عدد كبير من الناس وتم تقديم ما يقارب من 20 معتقل من أبناء الفقراء بالإحياء التي جرفتها مياه الفيضانات هذه السنة ، وإطلاق سراح الباقي ، الشرطة لانقبض على أبناء أجهزة الدولة وأبناء الأثرياء ، إنها تضحي بأبناء الكادحين.
المعتقلين كان من بينهم تلاميذ في مستوى إعدادي وثانوي وبعض الشباب المصابين بحالات نفسية تحتاج للعلاج لا السجن، وقدمتهم عدالة الأغنياء والرأسماليين إلى المحكمة وحكم عليهم بالسجن مختلفة من سنة ونصف وسنة . وظلت أسرهم تحتج تمام المحاكم وفي الساحات العمومية ضد النكبة وتطلب الدعم والمساندة في محنتها ، وقد أصدرت العائلات نداء يوم 10 ماي 2011 ووزعته بالمدينة ، جاء فيه : نحن عائلات معتقلي 20 فبراير بكلميم ضحايا الأحكام الجائرة التي أصدرت في حق أبنائنا … نجدد دعوتنا لجميع سكان كلميم لمساندتنا والتضامن معنا في سبيل حرية أبنائنا المظلومين ….وختم نداءهم بعاش التضامن الشعبي ويسقط الظلم والطغيان ..) الم تكن هؤلاء الأمهات في حاجة لمثل هذا التضامن اليوم مع ضحايا الفيضانات ؟ إن التضامن مبدأ نضالي عند كل ديمقراطي حقيقي.
نظام الاستبداد يخشى من التضامن الشعبي والاحتجاج على سياسته ، ولهذا يعمل مع الرأسماليين المحليين والأحزاب الليبرالية والرجعية والزوايا الدينية والجمعيات الشبه رسمية والرسمية وحتى القبائل والأعيان والسلطات المحلية مستعملين كل الوسائل للتدخل لدى اسر ضحايا الكوارث الطبيعية والفواجع الإنسانية من اجل إخفاء الفوارق الطبقية البشعة والتي لم تعد تطاق . في يوم بروز فاجعة موت الناس بواد تالمعدرت بمدخل كلميم وانتشار صور الفاجعة على شبكة الانترنيت تدخل القصر مباشرة وتكلف بعملية مراسيم الدفن وطقوسها ، وجر وراءه الموكب التضامني مع الضحايا ، من اجل ستر بشاعة الفقر المنتشر في كل شبر من المنطقة ـ وتوجيه المسؤولية للمنتخبين بدل الحكم الحقيقي ، ان المجالس المتخبة لا تتحرك الا في الاتجاه الذي رسمته لها الدولة يقوانين ولن تفعل شيء الا باذن النظام الاستبدادي ، والدولة متحكمة في كل شيء ، وتغيير مجلس باخر لن يغير شيء.
التضامن مع الكادحين مبدأ.
4/1/2015
حمودي
اقرأ أيضا