عودة إلى فانون: عن فلسطين وسيكولوجيا الاضطهاد والتحرّر

الثورة1 يوليو، 2024

بقلم: حمزة حموشان*

“من أجل أوروبا، ومن أجل أنفسنا، ومن أجل الإنسانية… يجب علينا أن ننشئ فكراً جديداً، أن نحاول خلق إنسان جديد”. (فرانز فانون، “معذّبو الأرض”)

لم يزل فِكر فرانز فانون الديناميكي والثوري، المتمحور دائماً حول الإبداع والحركة والصيرورة، استشرافياً تماماً، حيوياً وملهماً، ثاقباً تحليلياً وملتزماً أخلاقياً بنزع الاستلاب والانعتاق من جميع أشكال الاضطهاد. حاجج فانون بشكل قويّ ومقنع من أجل طريقٍ نحو مستقبل يمكّن الإنسانية من “التقدم ولو خطوةً إلى الأمام”، والانفصال عن عالم الاستعمار وعن قالب “الكونية” الأوروبية (European universalism). وقد مثّل نضوج الوعي المناهض للاستعمار، وكان مفكراً ديكولونيالياً بامتياز. لقد أحدث فانون، بما كان من تجسيدٍ حقيقيّ لِـ “المثقّف المشتبك”، نقلة نوعية في النقاش حول العرق والاستعمار والإمبريالية والآخَريّة (otherness)، وما يعنيه اضطهادُ إنسان لإنسان آخر.

وعلى الرغم من عمره الوجيز (إذ توفي بسرطان الدم عن 36 عاماً فقط)، إلا أنّ فكر فانون شديد الثراء وأعماله غزيرة، من الكتب والمقالات العلمية إلى المقالات الصحافية والخُطب. أنجز فانون كتابه الأول، “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء”، قبل عامين من معركة “ديان بيان فو” في فيتنام (1954). أمّا كتابه الأخير والشهير، “معذّبو الأرض”، وهو عملٌ مرجعي عن مناهضة الاستعمار والنضال العالم-ثالثي، فقد كتبه قبل سنة واحدة من استقلال الجزائر (1962)، وذلك خلال فترة تحصيل الدول الأفريقية لاستقلالها من الاستعمار. على امتداد مسيرة فانون، وفي كلّ أعماله يمكن لنا رؤية التفاعلات بين أمريكا السوداء وأفريقيا، وبين المثقف والمناضل، وبين الفكر/النظرية والفعل/الممارسة، وبين المثالية والبراغماتية، وبين التحليل الفردي والحركات الجماعية، بين الحياة النفسية (وقد تدرّب فانون كطبيب نفسي) والنضال الجسدي، وبين القومية والوحدة الأفريقية (Pan-Africanism)، وأخيراً بين مسائل الكولونيالية ومسائل النيوكولونيالية.

ليس من قبيل الصدفة أو من المفاجئ إذاً أن نشهد اهتماماً متجدداً بفانون وأفكاره منذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التي شنتها “حماس” على الكيان الصهيوني ومُستعمرة إسرائيل الاستيطانية المحتلّة، وما تبعها من إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. من دون أدنى شك، يبقى فِكر فانون شديد الصلة بما يحدث اليوم، وتنويرياً بسبب استمرارية الاستعمار (الذي حلّله فانون) بأشكاله المتعددة، من الاستعمار الاستيطاني في فلسطين إلى الاستعمار الجديد (النيوكولونيالية) في أماكن مختلفة في الجنوب العالمي. غير أن بعض هذا الاهتمام المتجدد بفانون – خاصة في ما يتعلق بالوضع في فلسطين – ينزلق إلى النقد التبسيطي وإلى قراءات مغلوطة، بل مضلِّلة لأعماله، تميل إلى تحريف هذه الأعمال وفصلها عن ممارسة الكاتب الثورية والمناهِضة للاستعمار، وعن التزامه الراسخ تجاه تحرّر معذّبي الأرض. لا يمكن فصل هذه المحاولات “النقدية” المفترضة عن الهجمات الأوسع على حق الفلسطينيين في مقاومة الاستعمار بأيّ وسيلة ضرورية أو عن السلوك الازدرائي تجاه الأشخاص الذي يبدون تضامناً لا يقبل المساومة مع مقاومة الفلسطينيين ونضالهم التحرري. بل أنه في بعض الحالات، يصل الموضوع برمّته إلى مستوى العنصرية المتنكّرة في هيئة خطاب فكري.

ليس هذا بالأمر الجديد: ثمة تأويلات عديدة اختزالية لفانون، وهي تأويلات تلغي إما البعد التاريخي/السياسي أو ذاك الفلسفي/السايكولوجي، حسب المقتضيات الاجتماعية للّحظة. كان فانون مفكراً سياسياً، مناضلاً ثورياً، وطبيباً نفسياً، وشكّلت هذه الجوانب من حياته مجتمِعةً كُلّاً متماسِكاً: ديالكتيكياً، متكاملاً، يثري كلّ جانب منه الآخر. فقد كان مشروع فانون في نهاية المطاف تفكيك الاستلاب (disalienation) بكل أشكاله: الاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية. عاش فانون حياة الثائر والسفير والصحفي، لكن من المستحيل فصل هذه الحيوات المتعددة (التي عاش كلاً منها بالكامل) عن ممارسته العلمية والطبية. وكذلك الأمر، لم تكن تعبيراته ومقولاته مجرّد تعبيرات ومقولات طبيب نفسي، بل كانت أيضاً تعبيرات ومقولات فيلسوف وعالم نفس وعالم اجتماع. لقد كان فانون رائداً بالذات لأنه جمع بين الالتزام بالتحوّل الاجتماعي والالتزام بالتحرر النفسي للأفراد. كان هدفه الأساس التفكير في الحرية وبناء هياكلها باعتبارها نزعاً للاستلاب، يجري ضمن سيرورة تاريخية وسياسية بالضرورة.

فانون: الطبيب النفسي الثوري

أدرك فانون بسرعة، بعيد وصوله إلى مستشفى البليدة-جوانفيل للأمراض النفسية في الجزائر عام 1953، أن الاستعمار هو في جوهره مولّد رئيسي للجنون، فأدرك بالتالي الحاجة إلى مستشفيات الأمراض النفسية في البلدان المستعمَرة. بحماسٍ، أخذ فانون على عاتقه مهمة تثوير الممارسة السائدة للطب النفسي، بما يتّسق مع أساليب مصحّ سان-ألبان والبروفيسور توسكيل، المرتكزة على نزع الاستلاب. لاحظ فانون كيف أن الطب النفسي الاستعماري يطبِّع الاضطرابات النفسية التي تحددها واقعاً العوامل الاجتماعية والثقافية. ازدهرت الاختزالية العلمية في المستعمرات، خاصة تحت سلطة أنطوان بورو الذي ترأس “مدرسة الجزائر العاصمة” واسعة التأثير. قدم فانون نقداً لاذعاً للطب الإثنو-نفسي الاستعماري من خلال فضح عنصريته الفجّة وتبريره للاضطهاد الاستعماري، قائلاً بوجوب التخلّص من الاستلاب الطبي النفسي الاستعماري بمجمله.

ارتكز نشاط فانون السياسي – كما قدّمه جان خلفا وروبرت ج. س. يونغ – على ابستيمولوجيا واعية بشكل لافت وعلى بحثٍ علمي وممارسة طبية مبتَكرَين. قدّمت مقالاته العلمية نقداً لبيولوجية الطب الإثنو-نفسي الاستعماري، ومكّنته من إعادة تقييم الثقافة في علاقتها مع الجسد والتاريخ. يبدو ذلك جليّاً في محاضرته الشهيرة حول “الثقافة القومية” التي ألقاها في “المؤتمر الثاني للفنانين والكتاب السود” الذي انعقد في روما في العام 1959.

خلال تلك الفترة، كان فانون يقوم باختبار عدة مقاربات كانت لتجعل منه أحد روّاد الطب الإثنو-النفسي الحديث، غير أنه اتجه إلى النأي بنفسه عن العلاجات المؤسسية، وذلك بعد توصّله إلى قناعة راسخة مفادها أن على العلاج، قبل أي شيء آخر، أن يعيد الحرية للمرضى، وأن يتم داخل البيئة الثقافية والاجتماعية الطبيعية للمريض. وبرأيه، فمؤسسات الطب النفسي والصحة العقلية القائمة “تبتر، وتعاقب… وترفض، وتستبعد، وتعزل” المرضى.

هدف مشروع فانون إلى جعل الأنشطة الإبداعية والثقافية واليدوية في متناول المرضى بشكلٍ يتيح تمكينهم من أن يعودوا بشراً ذوي تطلعات شخصية. أراد لمرضاه أن يستعيدوا التحكّم في حياتهم وأن يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم. مبقياً هذا الهدف نصب عينيه، أنشأ فانون في مستشفى البليدة-جوانفيل ورش عمل لصناعة السلال والفخار، وأقام احتفالات بالأعياد الدينية (الإسلامية والمسيحية على حد سواء)، وأدارَ نادياً للسينما، ونظّم فعاليات رياضية ورحلات. ولعلّ الأهم من ذلك كله تأسيسه لمجلة أسبوعية صغيرة باسم “مجلّتنا” (Notre Journal) في كانون الاول/ ديسمبر 1953، سجّلت صفحاتها تطوّر وتقدّم علاج مرضى المستشفى

خلال سنواته الأخيرة التي قضاها في تونس العاصمة، كرّس فانون، علاوة على أنشطته السياسية، جهداً كبيراً لتأسيس وإدارة مركز نهاري للأمراض النفسية والعصبية، ترأسه من العام 1957 حتى العام 1959. كان المركز من أوائل العيادات النفسية التي افتُتحت في العالم الفرانكوفوني. وقد أصبح الاستشفاء النهاري اليوم مكوِّناً عادياً جداً في الرعاية الصحية النفسية في البلدان الصناعية، بحيث يصعب منح التقدير الكافي لأهمية اعتماد هذه المقاربة في تونس خلال الخمسينيات من القرن الماضي.

فانون والعنف وعلم النفس المانوي الاضطهادي

لا يمكننا التكلم عن فانون دون التطرق لتحليله للعنف وسايكولوجيا الاضطهاد، خصوصاً خلال الحقبة الحالية التي يطبعها الدمار والموت. ماذا كان فانون ليقول عن الإبادة الاستعمارية و”سيل القتل” اللذين يحدثان الآن في غزة وفي أماكن أخرى في العالم؟ ماذا كان ليقول عن التأثيرات الصادمة وعذابات الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين؟ كيف كان ليحلّل العنف المستمر والعنف المضاد؟

يصف فانون في أعماله بدقّة ميكانيزمات العنف التي أرساها الاستعمار لإخضاع الشعوب التي يضطهدها. يكتب: “ليس الاستعمار آلةً مفكِّرة، ولا جسداً يتمتع بملكات المنطق. إنه العنف في حالته الطبيعية”. بالنسبة لفانون، فالعالم الاستعماري هو عالمٌ مانوي يسير نحو نهايته المنطقية: إنه “ينزع الإنسانية عن الأصليين، أو بكلامٍ أكثر صراحة، يحوّلهم إلى حيوانات”. الاستعمار عند فانون هو إنكار منهجيّ للآخر ورفضٌ محموم لأيّ من صفاته الإنسانية. وعنفه، على عكس أشكال أخرى من الهيمنة، شاملٌ ومنتشرٌ ودائمٌ وكلّيّ. خلال معالجته الجلادين والضحايا في المستشفى على حد سواء، لم يتمكن فانون من الإفلات من هذا العنف الشامل الذي حلّل بجرأة أبعاده البنيوية والمؤسسيّة والشخصية. دفعه ذلك إلى الاستقالة من منصبه كرئيس لقسم الطب النفسي في مستشفى البليدة-جوانفيل في العام 1956 والانضمام إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

كانت ظروف الحياة والعمل في الجزائر المستعمَرة، بالإضافة إلى الطريقة الوحشية التي أديرت فيها حرب الجزائر بعنفها وعنفها المضاد وخسائرها البشرية الهائلة، تدفع فانون إلى إعادة صياغة أفكاره حول القمع والصحة النفسية، جاعلاً من سؤال العنف محطّ اهتمامه الرئيسي وموضوع الفصل الأول من عمله الشهير الأخير، “معذّبو الأرض”. في هذا الكتاب، يصف فانون نوعاً محدداً من علم النفس، هو علم النفس المانوي، الذي يستبطن الاضطهاد البشري والعنف.

كما أشار حسين عبد الله بولهان، فملاحظات فانون في الجزائر وفي أماكن أخرى تؤكد حقيقة أن الاستعمار، كما الرجال الذين يديرون آلته العنيفة، لا يتأثر بالمنطق ويرفض بعناد الاعتراف بإنسانية الآخر، مولّداً بالتالي أعمال عنفٍ لا توصَف. لا يكتفي فانون باستعراض المظاهر البشعة لهذا العنف، بل يذهب كذلك إلى شرحِ دور العنف التحرّري في الظروف التي تفشلُ فيها كلّ وسيلة أخرى. يعتمد المستعمِر فقط على العنف، ولا يفهم سواه أيضاً، ولذلك فعليه أن يُقابَل بعنفٍ أكبر: “العنف وحده، العنف الذي يرتكبه الناس، العنف الذي ينظّمه ويثقفه قادتهم، يجعل من الممكن للجماهير فهم الحقائق الاجتماعية ويعطيهم المفتاح لذلك”. خلال ثورة التحرير الجزائرية، صار واضحاً لفانون وللشعب الجزائري، بعد فشل كل التدابير السلمية، لم يبقَ سوى خيار واحد: أن يحاربوا. هذا بالضبط ما يفعله الفلسطينيون اليوم بشجاعة وبطولةٍ مذهلتين، ولكن بأثمانٍ باهظة جداً.

لقد اتُّهم فانون ظلماً وافتراءً بأنه رسول العنف. لكنّ ما يفعله واقعاً هو ببساطة وصف وتحليل عنف النظام الاستعماري. لا يقدم فانون أعذاراً للعنف، إنّما يعتبره ردّ فعلٍ لا مفرّ منه على عنف الاستعمار والهيمنة واستغلال الإنسان للإنسان.

يمثّل خطاب استقالة فانون من مستشفى البليدة-جوانفيل وثيقة مؤثِرة ومبدئية ندر مثيلها في الأدب النفسي. تُظهر الوثيقة نزاهة الرجل وشجاعته وتلخِّص التوجّه الثوري والإنساني في طبه النفسي. يكتب فانون فيها: “يعيش العربي، هذا المستلَب الدائم في وطنه، في حالة تجريدٍ مطلقٍ من ذاته (depersonalization)”. ويضيف أن حرب الجزائر كانت “نتيجة منطقية لمحاولة مبتورة لمصادرة عقل الشعب”.

تحدّى فانون على امتداد عمله المهني وكتاباته النضالية المقاربات والخطابات الثقافوية والعنصرية السائدة حول أهل البلد الأصليين، مثل ما يُسمّى بـ”الأعراض الشمال أفريقيّة” التي تصف سكان شمال أفريقيا بـ”الكسالى، الكذابين، المخادعين، اللصوص…”. وقدم تفسيراً مادياً يُدرِج الأعراض والسلوكيات وكراهية الذات وعُقد النقص في سياق حياة الاضطهاد والعلاقات الاستعمارية غير المتكافئة، مفسراً أنّ حلّ هذه القضايا يكمن في العمل على إحداث تغييرٍ جذريٍّ في البُنى الاجتماعية.

فانون وعلم النفس التحرري

كان فانون يعي أن على الطب النفسي أن يكون سياسياً، وكانت مساعيه لوضع الجنون في سياقه الاجتماعي والتاريخي والثقافي وجهوده لترميم سلامة جسد وعقل المواطن الأصلي متسقة مع مشروعه الأكبر لإرساء العدالة السياسية والاجتماعية. لذلك دعا فانون إلى طبٍّ نفسي تحرّري.

ثّلت حرب التحرير الجزائرية نقطة تحوّل جليّ في عمل فانون كطبيب نفسي. رسّخت الخسائر الجسدية والاضطرابات النفسية الناجمة عن الحرب قناعة فانون بأن مؤسسات الطب النفسي ومؤسسات الصحة النفسية في المجتمعات القمعية هي أماكن للعنف، لا للشفاء، وقادته تلك القناعة إلى دمج طبه النفسي الراديكالي مع النّقد العمليّ الأسمى للهيمنة، بالذات من خلال النضال الشعبي للتحرير.

كان التزام فانون النشِط بالتحرر الاجتماعي يستلزم كذلك التزاماً بالتحرر النفسي. وما يجعل فانون رائداً في مجال الطب النفسي الراديكالي هو بالفعل قدرته على ربط الطب النفسي بالسياسة وربط المصاعب الشخصية بالمشاكل الاجتماعية، ثم العمل بناء على ذلك الربط. عزز كلّ ما شهده فانون في المراكز الصحية لجبهة التحرير الوطني، ومن ضمنه كل تلك المعاناة المتراكمة للاجئين والنازحين الجزائريين، قناعته بأن مركزية التحرر والحرية للمرضى النفسيين وللأشخاص المستعمَرين وجهان لعملة واحدة. هكذا مارس طبّه النفسي حتى وفاته: كمشروع نبيل في سبيل إعادة الحرية لأسرى الاستعمار والمؤسسة الطبية النفسية، وبإخلاص تام للبشرية، ملتزماً بأيّ نشاط/ممارسة طبية وبأي كتابةٍ وعنفٍ ثوري يمكن أن يعيدَ لحياة الناس وللقيم الإنسانية الأساسية حُرمتها.

لخّص حسين عبد الله بولهان مقاربة فانون للطب النفسي ببلاغة قائلاً: “إن الممارسة الطبية النفسية التي تأخذ في الاعتبار حاجات المضطهَدين تعطي الأولوية القصوى لتحقيق “التحرر الجماعي”. وبما أنّ هذا النوع من التحرر لا يمكن تحقيقه إلا عبر الجماعات، فإن هذه المقاربة تركّز على كيفية الارتقاء بالوعي الجماعي والعمل الجمعي المنظّم”. بالتالي، فالتكافل والتعاون بين البشر، لا الفردانية، يجب أن يكونا في صُلب علم النفس التحرري، الذي بدوره يضع نصب عينيه هدف تمكين الناس من إحداث تغيير في المؤسسات وتحويل البنى الاجتماعية بشكلٍ جذري، عوضاً عن التكيّف والخضوع للأمر الواقع.

حسب فانون، في حالات الاضطهاد علينا أن نعالج الأسباب الرئيسية، لا العوارض فقط. علينا أن نمنع الأمراض، لا أن نعالجها فقط. علينا أن نُمكِّن الضحايا من معالجة مشاكلهم، عوضاً عن تركهم في حالة الاتّكالية وانعدام الحيلة. علينا أن نؤمّن بيئة حاضنة للعمل الجماعي، عوضاً عن فردَنة المشاكل التي تعطي نتائج عكسية. وهنا تكمن إحدى أهمّ مساهمات فانون. علم نفس تحرّري من النوع الذي شجّع عليه فانون يعطي الأولوية القصوى لتمكين المضطَهَدين، عبر العمل الجمعي المنظّم، وذلك بهدف استرداد التاريخ الفردي والجماعي الذي تمّ حرفه وإعاقته بواسطة الاضطهاد والاستعمار. فقط من خلال النضال المنظّم، سلمياً كانَ أم عنفياً، يمكن للمضطهَدين أن يتعافوا ويتخطوا المِحَن التي يواجهونها.

__________________________________________________________

المصدر: https://assafirarabi.com/ar/59993/2024/06/24/%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%81%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%83%d9%88%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84/

المراجع:

.Bouamama, S. (2017) Figures de la révolution africaine: de Kenyatta a Sankara. Paris: La Découverte-

.Bulhan, H.A. (1985) Frantz Fanon and the Psychology of Oppression. New York and London: Plenum Press-

.Fanon, F. (1965) A Dying Colonialism. New York: Grove Press-

.Fanon, F. (1967a) The Wretched of the Earth. London: Penguin Books-

.Fanon, F. (1967b) Toward the African Revolution. New York: Grove Press-

.Fanon, F. (1986) Black Skin, White Masks. London: Pluto Press-

.Gibson, N. (2021) Fanon Today: The Revolt and Reason of the Wretched of the Earth. Quebec: Daraja Press-

.Khalfa, J. and Young, R.J.C. (2018) Frantz Fanon: Alienation and Freedom. London: Bloomsbury-

______________________

*حمزة حموشان باحث ومناضل جزائري مقيم في لندن، وهو حالياً منسق برنامج شمال أفريقيا في “المعهد العابر للقوميات”( “TNI “)

شارك المقالة

اقرأ أيضا