الطبعة الثانية من ثلاثية إسحاق دويتشر عن تروتسكي: النبي المسلح والنبي الأعزل والنبي المنبوذ
صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، في العام 2019، طبعة ثانية من سيرة تروتسكي بقلم اسحاق دويتشر، وترجمة كميل قيصر داغر. تروج بمكتبات بالمغرب، يمكن طلب نسخة من مكتبة دان الأمان بالرباط.
تعريفا بهذا السلاح الفكري، نعرض تعريفا إجماليا به، وبصانعه.
يقول إسحاق دويتشر، مؤلف سيرة تروتسكي، في مجلدها الأخير: ”كانت مسيرة تروتسكي غزيرة ورائعة لدرجة أن جزءًا أو جزءًا بسيطًا منها كان يكفي لملء حياة شخصية تاريخية استثنائية“.
تتألف السيرة من ثلاثة مجلدات: النبي المسلح (1954)، والنبي الأعزل (1959)، والنبي المنبوذ (1963). وقد استندت هذه الكتب على أعمال بحث مفصلة في أرشيف تروتسكي في جامعة هارفارد، بعد إذن من أرملة تروتسكي، ناتاليا سيدوفا، لولوج القسم المغلق آنذاك من الأرشيف. وقد تم الاعتراف بالكتاب منذ ذلك الحين كأفضل سيرة لحياة الثوري الروسي ومنجزه. كان دويتشر كاتبًا وصحفيًا ومؤرخًا متخصصًا في الثورة الروسية، وكان ناشطًا سياسيًا شيوعيًا بولنديًا. كانت سيرته عن ليون تروتسكي–الذي كان متعاطفًا معه وكان جزءًا من حركته الأممية حتى تأسيس الأممية الرابعة- أكثر أعماله طموحًا.
تنقسم الثلاثية إلى ثلاث فترات. يغطي المجلد الأول، النبي المسلح، عام ميلاد تروتسكي حتى عام 1921، وهو العام الذي انتهت فيه الحرب الأهلية بانتصار الثورة الروسية. يتتبع الكتاب بدقة تطور حياة تروتسكي المبكرة: أنشطته، وتكوين وبلورة فكرته المميزة والأساسية–الثورة الدائمة–والمناظرات والتقارب مع لينين والبلشفية، ودوره في انتفاضة أكتوبر 1917. يبرز دوره أيضًا باعتباره أول دبلوماسي للثورة ومؤسس ومنظم الجيش الأحمر الذي هزم هجوم الروس البيض والجيوش الإمبريالية الأربعة عشر التي انضمت إليه.
يغطي المجلد الثاني، النبي الأعزل (1921-1929)، سنوات ما يمكن اعتباره تشكل الاتحاد السوفيتي. بدءًا من عام 1921 وفي أعقاب الحرب الأهلية، عندما كان بطل السيرة في أوج قوته؛ حيث الصراع ضد البيروقراطية السوفييتية، أولاً بالاشتراك مع لينين وبعد وفاته مع ظهور المعارضة اليسارية. كانت المناقشات التي دارت خلال هذه السنوات أساسية في تحديد مستقبل الاتحاد السوفييتي حول منظور الاشتراكية في بلد واحد الذي فرضه ستالين ومنظور الثورة العالمية الذي دعا إليه تروتسكي والمعارضة. وينتهي المجلد بطرد تروتسكي من الاتحاد السوفيتي في عام 1929 وبداية للتصنيع والتجميع القسري من قبل ستالين.
ويغطي المجلد الثالث، النبي المنبوذ (1929-1940)، السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة لأحد أهم قادة الماركسية الثورية المرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الثورة الروسية. خلال هذه السنوات، اكتمل التوطيد المونوليتي للنظام الستاليني. لقد حارب تروتسكي، المنفي إلى الأبد، بلا هوادة ضد بيروقراطية الاتحاد السوفييتي والأممية الثالثة في عهد ستالين، والتي أدت في خضم السنوات الحرجة بين انهيار عام 1929 والحرب العالمية الثانية إلى هزيمة سيرورات ثورية مهمة في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها. ناضل ضد الفاشية والجبهة الشعبية ومحاكمات موسكو، كما كرس نفسه لبناء الأممية الرابعة وفروعها المختلفة، وأهمها فرع أمريكا الشمالية. وقد ترك مؤلفات عن مختلف الأحداث التي سيلخصها إسحاق دويتشر بالثراء الذي يميز هذه السيرة الفريدة.
وتعتبر هذه السيرة الأكثر شمولاً وتأثيراً منذ طبعتها الأولى، وقد أصبحت مرجعا لكبار المثقفين.
قال مايك ديفيس Mike Davis ، مؤلف كتاب ”كوكب العشوائيات“ [ترجمة عربية للتحميل بالرابط: https://kolalkotob.com/book2166.html]، عن الثوري الروسي وعمل دويتشر: ”في ثلاثينيات القرن العشرين، حاول تروتسكي، مع حفنة من الأتباع، سدّ طريق إعصار الخيانة والاغتيال الستاليني الذي لا هوادة فيه. كان دفاعه الملحمي عن روح الثورة ضد جلاديها البيروقراطيين منارة في العاصفة. في واحدة من أرقى السير الحديثة، يستعيد إسحاق دويتشر إرث هذا المفكر الثوري والإنساني المذهل.
بالنسبة لغراهام غرين، الكاتب البريطاني المرموق الراحل، ”كانت المجلدات الثلاثة التي كتبها إسحاق دويتشر عن حياة تروتسكي… بالنسبة لي أكثر الكتب إثارة للقراءة خلال العام. ويجب أن تُعد بالتأكيد من بين أفضل السير».
وقبل بضع سنوات ذكّر طارق علي أنه ”بعد قراءة ثلاثية دويتشر، انجذبت بطبيعة الحال إلى كتابات بطل هذه السيرة الرائعة وغير المسبوقة. فبدأت بكتاب ”حياتي“، سيرة تروتسكي الذاتية ، وهو نص مكتوب بشكل جميل يبدو وكأنه رواية خيالية عالية المستوى. لقد تركت جودة تروتسكي الأدبية انطباعًا كبيرًا في نفسي. وقادني ذلك إلى كتاباته الأخرى. بالنسبة لجيلي، كان كاتبًا مهمًا للغاية، لأنه اقترح بديلًا لنظام لم يكن يعمل في ذلك الوقت وكان يسير في الاتجاه الخاطئ. هذا النوع من القراءة هو الذي جعلني تروتسكيًا في الستينيات والسبعينيات».
ومؤخرًا، قال ليوناردو بادورا Leonardo Padura إنه حصل على ثلاثية إسحاق دويتشر سرًا بالصدفة تقريبًا وبدأ اهتمامه بملحمة الإنسان الأكثر عرضة للاضطهاد في القرن العشرين. اهتمام أثمر ، كما نعلم، روايته ”الرجل الذي كان يحب الكلاب» [ترجمة عربية للتحميل بالرابط : https://www.bookleaks.com/files/fhrst7/53.pdf].
لقد تركت حياة ليون تروتسكي الاستثنائية وكتاباته الغزيرة أثرًا لا يمحى في القرن العشرين. عندما نُشرت الطبعة الأولى من الثلاثية، كان هناك خطر من أن تُحال حياته وتأثيره إلى حواشي التاريخ. ونُشرت سيرة دويتشر على مدى عشر سنوات، بدءًا من عام 1954، وقد خالفت سيرة دويتشر اتجاه الدعاية الستالينية وحظيت منذ ذلك الحين بإشادة واسعة النطاق. ”سيكون من الصعب أن نجد في تاريخ هذا القرن شخصية أثارت جدلًا محتدما مثل ليون تروتسكي“.
ويمكن قول الشيء نفسه عن القرن الحادي والعشرين. ويضاف إلى نوايا الدفن التي حكمت سيرة روبرت سيرفيس Robert Service المزعومة، مسلسل نتفليكس ”تروتسكي: وجه الثورة“ الذي أنتجته الحكومة الروسية بمناسبة الذكرى المئوية على التلفزيون الرسمي في ذلك البلد. وأثارت الصورة التي عرضها عن الثوري رفض مثقفين مشهورين مثل سلافوي جيجيك وفريدريك جيمسون وروبرت برينر ونانسي فريزر ومايك ديفيس ومايكل لوي وغيرهم، الذين وقعوا بيانا نشره حفيد الثوري الروسي إستيبان فولكوف ومركز دراسات ”ليون تروتسكي“ (الأرجنتيني المكسيكي).
وقد نُشرت سير أخرى، مثل تلك التي كتبها بيير برويه Pierre Broué وجان جاك ماري J.J.Marie، لكن سيرة ”سيرفيس“ ومسلسل ”نيتفليكس“ الذي شوه صورة ليون تروتسكي حظيا بانتشار على نطاق أوسع.
اليوم، وفي وقت تظهر فيه الرأسمالية وجهها الأكثر توحشًا وانحطاطًا، وهي تجد في الاجهاز على مكاسب تاريخية فرضت عليها في حقب أخرى، نعتقد أن تمكننا من تقريب القراء من سيرة أحد أهم الشخصيات الثورية في القرن العشرين يساهم في التفكير والسعي إلى تغيير عالم تتحرر فيه البشرية من قيود الاستغلال والاضطهاد.
اقرأ أيضا