أفريقيا كميدان ورهان للصراع بين الإمبرياليات
بقلم، بول مارسيال
تزيد الاضطرابات العالمية والهجمات الليبرالية المتطرفة من حدة المواجهة بين الدول الرأسمالية في أفريقيا التي تبقى ذات أهمية استراتيجية. فشعوب القارة هم أول الضحايا، مع تزايد الفقر نتيجة الأزمة الصحية والحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، تستغل الحكومات الأفريقية المنافسة بين الدول الرأسمالية المهيمنة لتعزيز سلطتها..
ثلاثة في المائة هو الرقم الذي يجب تذكره إذا لتقدير الوزن الاقتصادي للقارة في الاقتصاد العالمي. تمثل أفريقيا 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و3% من التجارة العالمية و3% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي.
المفارقة الأفريقية
لننظر إلى علاقة فرنسا الاقتصادية مع أفريقيا. في عام 2019، صدّرت فرنسا 29.5 مليار يورو إلى أفريقيا. إذا ركزنا على البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، نحتاج إلى طرح 13 مليار يورو التي تمثلها بلدان المغرب العربي الثلاثة، ليصبح المجموع 16.5 مليار يورو، مقارنة بإجمالي صادرات فرنسا البالغة 759 مليار يورو. بعبارة أخرى، تمثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما يزيد قليلاً عن 2% من صادرات فرنسا.
ومع ذلك، يجب ألا يحجب الضعف الاقتصادي لأفريقيا في العالم الأهمية الاستراتيجية لبعض المواد الخام، لا سيما بالنسبة للصناعات المتطورة، والتي هي على المحك في المواجهات بين الدول الغنية. وفيما يلي بعض الأمثلة. بالنسبة للبوكسيت، وهو ضروري لإنتاج الألومنيوم، فإن الدول المصدرة الرئيسية الثلاث هي أستراليا (104,000 طن) والصين (92,700 طن) وغينيا (82,000 طن). البلاتين: جنوب أفريقيا (130 طن) وروسيا (23) وزيمبابوي (15) وكندا (7). بالنسبة للكوبالت: جمهورية الكونغو الديمقراطية (100,000 طن)، وروسيا (6,300 طن)، وأستراليا (5,740 طن). بالنسبة إلى الماس الصناعي: روسيا (15 مليون قيراط)، وأستراليا (11 مليون قيراط)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (10 ملايين)، وبوتسوانا (5 ملايين)، وزيمبابوي وجنوب أفريقيا (2 مليون لكل منهما).
وبالتالي فإن أفريقيا هي إما أكبر مصدّر للمواد الخام الاستراتيجية، وهي قريبة من الاحتكار الفعلي كما رأينا في حالة الكوبالت والبلاتين – والكولتان والمنغنيز مثالان آخران – أو مصدر تنويع للبلدان الغنية، مما يضمن لها إمدادات آمنة.
وينطبق الأمر نفسه على إنتاج النفط والغاز مع نيجيريا وليبيا وأنغولا والكونغو برازافيل (للنفط فقط).
والعامل الآخر الذي يضع الوزن الاقتصادي المنخفض لأفريقيا في المنظور الصحيح هو أهميتها الجيوستراتيجية. حتى أن بعض البلدان، مثل جيبوتي، جعلت من ذلك أصلا تجارياً. فموقعها الجغرافي الاستثنائي على مضيق باب المندب – رابع أكبر ممر بحري لإمدادات الطاقة في العالم – يعني أنها تستطيع استضافة منشآت عسكرية من فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان والصين مقابل ثمن باهظ. يتفاوض السودان على إقامة قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان الواقعة على مسافة متساوية بين قناة السويس ومضيق باب المندب.
الحرب الباردة في أفريقيا
كانت الدول الرأسمالية الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من 1960 إلى 1989، مدفوعة قبل كل شيء بالرغبة في الحد من تقدم ”التهديد الشيوعي“ في القارة. فالبلدان الأفريقية التي كانت قد اتجهت بعد إنهاء الاستعمار نحو الاتحاد السوفيتي عادت تدريجيًا إلى الحظيرة الغربية، إما عن طريق الانقلابات التي دبرتها القوى الإمبريالية كما في مالي وبوركينا فاسو، أو بإرادة قادتها كما في غينيا مع سيكو توريه، والكونغو برازافيل مع ساسو نغيسو، وإثيوبيا مع ميليس زيناوي وأوغندا مع يوري موسيفيني. واجهت المعسكر الغربي الصعوبات أكثر بشأن عملية إنهاء استعمار في البلدان الأفريقية الناطقة بالبرتغالية. أدى عناد البرتغال بخصوص الحفاظ على الإمبراطورية بأي ثمن إلى تجدر عملية إنهاء الاستعمار. وستصبح دول مثل أنغولا وموزمبيق مدعاة للقلق، وكذلك ناميبيا وزيمبابوي في الجنوب الأفريقي.
أصبح جلب البلدان الأفريقية إلى المعسكر الغربي تحديًا جيوسياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، خاصة وأن بعض المواد الخام كانت حاسمة مثل اليورانيوم بالنسبة لفرنسا التي قررت أن تصبح رائدة في الصناعة النووية.
في هذا السياق جرى التوقيع على اتفاقية ياوندي بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية، سلف الاتحاد الأوروبي، و18 بلداً أفريقياً، وأدت فيما بعد إلى اتفاقية لومي. كانت هذه الاتفاقية مواتية إلى حد كبير للبلدان الأفريقية الموقعة عليها، إذ يمكنها الاستفادة من السوق الأوروبية دون حواجز ودون المعاملة بالمثل للبلدان الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن آلية الصندوق المعروفة باسم ”ستابكس“ لتثبيت عائدات الصادرات من المنتجات الزراعية تعوض عن الخسائر عند انخفاض أسعار الصادرات.
حينها، كان المنتقدون ينددون بالاتفاقية ذات الدوافع الاقتصادية التي تتجاهل الاحتياجات الاجتماعية لشعوب البلدان الخاضعة لصالح العلاقات التجارية مع أوروبا.
اندماج أفريقيا في العولمة الرأسمالية
أدى سقوط الاتحاد السوفيتي إلى تغيير المشهد الجيوسياسي على نحو عميق. فقد اختفى ”التهديد الشيوعي“ وبدأت الليبرالية الجديدة تكتسب أرضية في ظل سياسات ريغان وتاتشر. وجرى التنظير للتخلي عن دور الدولة في الاقتصاد بالبلدان الغنية، وبالتالي في البلدان الخاضعة. ومن ثم، أصبحت الدولة الاستراتيجية كأداة رئيسية لتنمية البلدان الأفريقية شيئًا من الماضي. ويصدق هذا الأمر بصورة أكبر بالنظر إلى النتائج الاقتصادية الكارثية. جرى تبديد الأموال على مشاريع مكلفة وعديمة الجدوى، الأفيال البيضاء الشهيرة. وأصبحت الديون في أقصى حالاتها. وبدأ عصر تسديد الديون، ما سمح للبلدان الغربية بإملاء السياسة الاقتصادية على البلدان الأفريقية بفرض سياسات التقويم الهيكلي التي لا تزال بادية آثارها الضارة على الوضع الاجتماعي للسكان. تقوم هذه السياسة على ثنائية. من ناحية، الليبرالية السياسية، مع نهاية الحزب الوحيد وتمجيد المجتمعات المدنية التي كان من المفترض أن تحل محل الدولة في المجالات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، ليبرالية اقتصادية، مع موجات خصخصة الشركات وتفكيك صناديق التقويم الخاصة بالصادرات الزراعية الرئيسية.
كان من الطبيعي أن تتطور اتفاقية لومي نحو سياسة ليبرالية جديدة، خاصة في نسختها الرابعة، لتحل محلها اتفاقيات كوتونو ثم اتفاقيات الشراكة الاقتصادية بين أوروبا ودول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ، لتؤسس لحرية اقتصادية متبادلة، أو بتعبير أكثر واقعية حرية الثعلب في حظيرة الدجاج. وبمجرد الانتهاء من الاتفاقية، وعلى الرغم من انتقادات القادة الأفارقة الليبراليين، جرى وضع إصلاح رئيسي ثانٍ. إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (CAFTA) . وتتمثل الفكرة في رفع الحواجز الجمركية لخلق سوق واسعة من شأنها إفادة البلدان الأفريقية. والأهم من ذلك كله، سيمكن ذلك الدول الغنية من الاستفادة من سوق واحدة تضم أكثر من مليار ونصف المليار نسمة.
ولا تزال أفريقيا رهانا رئيسيًا في عملية إعادة تنظيم عالمية للفاعلين الرأسماليين، والتي تتسم بصعود مدو للصين والهند بقدر أقل، وبدرجة أقل، تركيا ودول الخليج. يجب أن نلاحظ أيضًا عودة روسيا، مع استراتيجية فريدة لتثبيت وجودها، وفي الأخير، المحاولات المشتركة لأوروبا والولايات المتحدة للحفاظ على موقعهما.
الصين، لاعب رئيسي
لا شك أن العامل الأكثر أهمية هو الدور المهيمن الذي لعبته الصين في القارة. فقد صُمم مشروع ”استراتيجية الانفتاح على العالم“ الذي أطلقه الرئيس جيانغ زيمين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتشجيع الشركات الكبرى على الانفتاح على الأسواق الخارجية، لا سيما في القارة. ومنذ ذلك الحين، كان التقدم مذهلاً: في عام 2000، بلغت العلاقات التجارية الصينية الأفريقية 10 مليارات دولار أمريكي، وارتفعت إلى ما يقرب من 210 مليار دولار أمريكي في عام 2019. ويمكن تفسير هذه الزيادة باستمرارية هذه السياسة مع مبادرة الحزام والطريق (BRI)، والمعروفة أيضًا باسم طريق الحرير الجديد. هذا المشروع، الذي يجري تنفيذه بالفعل ومن المقرر أن يكتمل في عام 2049 بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، هو العنصر الأساسي في تأكيد قوة الصين على الساحة الدولية.
وفي حين أن هذه الاستراتيجية ليست فريدة من نوعها بالنسبة لأفريقيا، فقد انضمت جميع دول القارة تقريبًا إلى نظام طريق الحرير الجديد الذي من المفترض أن يساعدها على التنمية. يغازل بعض القادة الأفارقة فكرة الاستفادة من الترحيل الصناعي للإمبراطورية الوسطى. وفي الواقع، فإن المنافع الاقتصادية بعيدة كل البعد عن الواقع: فالبنية التحتية تستخدمها في المقام الأول الصناعات الصينية التي أنشئت هناك، وتدفع ثمنها في نهاية المطاف البلدان المستفيدة ما يزيد من ديونها. وتشهد بلدان مثل أنغولا والكاميرون وإثيوبيا وكينيا وزامبيا وجنوب أفريقيا زيادة كبيرة في اعتمادها الاقتصادي على الصين. وتخلق مناطق تجهيز الصادرات فرص عمل قليلة. تمتد قوة الصين أيضًا إلى الساحة العسكرية. فقد أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي وتشارك في بعثات الأمم المتحدة.
وتتمثل استراتيجية الصين في أفريقيا في تصدير السلع المصنعة، لا سيما مجموعتها الواسعة من المنتجات منخفضة التكلفة، واستيراد المواد الخام. في هذا المجال، هناك منافسة شرسة على المواد الأرضية النادرة، وهي مجموعة من المعادن الضرورية لصناعة التكنولوجيا الفائقة، وهي مرشحة للاستخدام أكثر فأكثر: تستحوذ الصين على 70% من الإنتاج العالمي، ويقال إن أفريقيا لديها احتياطيات كبيرة، لا سيما في جنوب أفريقيا وكذلك في الغابون وبوروندي، حيث بدأ التعدين بالفعل. وتخشى الدول الغربية أن تحتكر الصين هذه المواد الخام فعلياً على المدى المتوسط.
الفاعلون الجدد
تعمل بلدان مثل الهند وتركيا والإمارات العربية المتحدة على ترسيخ مكانتها في المجالات التي تفضلها. فالهند هي ثاني أكبر شريك تجاري لأفريقيا، إذ بلغت قيمة مبادلاتها التجارية مع القارة أكثر من 49 مليار يورو في عام 2017. وتتمتع الهند بنقاط قوة عديدة. فهي مثل الصين، تستحضر ماضيها كدولة مستعمرة ويمكنها الاعتماد على جالياتها القوية، خاصة في شرق وجنوب أفريقيا. وتتمثل مجالات تدخلها الرئيسية في الاتصالات السلكية واللاسلكية والأدوية والمركبات. وتسعى الهند لتطوير شبكتها الدبلوماسية وإلى تعزيز علاقاتها التجارية بما يتماشى مع روح مؤتمر باندونغ الذي كرس التضامن بين دول العالم الثالث. وترى تركيا في أفريقيا سوقاً واعدة جدا لتطوير صناعاتها في مجالي الطاقة والبنية التحتية الصحية.
زادت تجارتها خمسة أضعاف لتصل إلى 25.4 مليار دولار في عام 2020، ويعكس تدخلها في ليبيا الرغبة في الحصول على موطئ قدم دائم عبر المراهنة على حكومة طرابلس ضد الجنرال حفتر، وبالتالي الاستفادة من الثروة المعدنية الهائلة التي تتمتع بها البلاد. وأخيراً، دعونا نذكر الإمارات العربية المتحدة، لثلاثة أسباب على الأقل. أولاً، أهميتها كفاعل في البنى التحتية للموانئ: فهي موجودة في السنغال ومصر والصومال وموزمبيق وغينيا، ولديها مركز لوجستي في رواندا. ثانياً، انخراطها السياسي والعسكري. فهي الداعم الرئيسي للديكتاتورية في السودان، وهي متورطة في ليبيا، ولها نفوذ كبير في إريتريا وإثيوبيا. كما أنها تجسد شكلًا معينًا من أشكال النهب، بالاستيلاء على الأراضي الصالحة للزراعة لضمان سيادتها الغذائية: 400 ألف هكتار في السودان ومشروع بأكثر من 600 ألف هكتار في موزمبيق. بالطبع، ليست هذه الدول الوحيدة: فمعظم الدول الإمبريالية تواصل نهب الأراضي الأفريقية.
وأخيراً، من الصعب تجاهل عودة روسيا الملحوظة إلى القارة السمراء مع وجود مرتزقة فاغنر. فروسيا هي أولاً وقبل كل شيء مورد للقمح والأسلحة، وقد وقعت اتفاقيات عسكرية مع أكثر من نصف الدول الأفريقية. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من حصتها الصغيرة من التجارة مع أفريقيا، تظل روسيا شريكًا استراتيجيًا للعديد من حكومات القارة.
أما في أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا والسودان، فإن وجودها العسكري الدائم، وسيطرتها على السلطة وتنظيمها لقمع حركات المعارضة، ودعايتها الفجة لصالح ”منقذي البلاد“ وسياسة افتراس الموارد الطبيعية، هي أساليب لم يكن فوكارت ليتبرأ منها بالتأكيد.
فقدان الهيمنة من قبل الدول الغربية
لا يزال الاتحاد الأوروبي شريكًا اقتصاديًا مهمًا لأفريقيا: بلغت قيمة التجارة في عام 2020 زهاء 220 مليار يورو وقد زادت بنسبة 20% منذ عام 2016. تتمثل نقطة ضعف الاتحاد الأوروبي في افتقاره إلى سياسة مشتركة بشأن أفريقيا. وترتبط القوى الاستعمارية السابقة بعلاقة خاصة مع مستعمراتها، وليس للدبلوماسية الأوروبية وزن كبير في غياب اتفاق على الأولويات. وفي هذا السياق، تحاول فرنسا الاستمرار في لعب دورها الخاص. فأثناء الحرب الباردة، اعترف المعسكر الغربي بدور باريس كشرطي لأفريقيا.
فرنسا الآن غير قادرة على تنفيذ المهمة التي قامت بها منذ عقود. فالبلدان الثلاثة التي تدخلت فيها مؤخرًا–ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى–أصبحت جميعها تحت الهيمنة الروسية. لم تعد الإمبريالية الفرنسية تملك الموارد المالية والعسكرية اللازمة للقيام بدورها. وقد باءت محاولاتها لجر الاتحاد الأوروبي وراءها بالفشل، كما يتضح من عملية ”تاكوبا“ في الساحل، وهي عملية رمزية أكثر منها عملية حقيقية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن ثقلها الاقتصادي منخفض واهتمامها بالقارة آخذ في التضاؤل. فقد انخفضت التجارة مع أفريقيا بشكل مطرد منذ عام 2009، من 142 مليار دولار في عام 2008 إلى 64 مليار دولار في عام 2021. وفيما يتعلق بالقضايا الأمنية، لا تزال عقيدة أوباما المتمثلة في ”البصمة الخفيفة“ سارية المفعول. حيث تبقى الولايات المتحدة بعيدة قدر الإمكان وتتجنب التورط المباشر في النزاعات. وقد أكد ترامب على هذه السياسة في بداية ولايته الرئاسية عندما تساءل عن جدوى تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياسة تقديم المساعدات إلى الدول الأفريقية، معتبرًا أنها ”دول قذرة“.
إن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفريقيا مدفوعة قبل كل شيء بالرغبة في إحباط قوة الصين في القارة، وهي جزء من إطار عام من المنافسة، حتى لا نقول المواجهة، بين الصين والولايات المتحدة. وهذا يعطي انطباعًا لدى الأفارقة بوجود سياسة انتهازية لا تهتم بمصلحة القارة.
ولدرء خطر بسط الصين وروسيا سيطرتهما على القارة، تبنت الدول الإمبريالية الغربية السبع سياسة العصا والجزرة.
بالنسبة للعصا، أخذت الولايات المتحدة الأمريكية بزمام الأمور بواسطة قانون «مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في أفريقيا». جرى تمرير هذا القانون بأغلبية ساحقة من قبل كل من الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس النواب، ويعاقب هذا القانون أولئك الذين يدعمون سياسة بوتين في أفريقيا.
وبالنسبة للجزرة، جرى الإعلان مؤخرًا عن ثلاثة مشاريع اقتصادية. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، يتعلق الأمر بمشروع ”ازدهار أفريقيا نبني معًا“، لمساعدة الشركات الأمريكية على الاستثمار في أفريقيا. أما أوروبا فتتبنى مشروع ”البوابة العالمية“–والهدف هو جمع 300 مليار يورو بحلول عام 2027–والذي يهدف إلى الرد على طريق الحرير الذي أطلقه شي جين بينغ. وأخيرًا، تم الإعلان في قمة مجموعة السبع الأخيرة عن خطة ”الشراكة العالمية للبنية التحتية“ بقيمة 600 مليار دولار، مع إعطاء الأولوية لأفريقيا. هذا المشروع هو أيضًا رد على طريق الحرير. من الصعب معرفة كيف سيتم الجمع بين هذه البرامج المختلفة، وقبل كل شيء، ما إذا كانت المبالغ المذكورة سيتم تعبئتها بالفعل. وتبقى الحقيقة أن هناك رغبة واضحة في تعويض ما فات في أفريقيا.
التداعيات في أفريقيا
لدى هذه المواجهات بين الإمبرياليات عواقب على سياسات البلدان الأفريقية.
تغتنم النخب الحاكمة الفرص التي يوفرها هذا الوضع الجديد. فقد تغنت في الماضي بمكافحة الإرهاب الإسلامي الذي مكنها من الحصول على دعم سياسي واقتصادي وعسكري من الدول الغربية التي لا تولي اهتمامًا كبيرًا للأنظمة الاستبدادية والفاسدة مثل تلك الموجودة في تشاد وأوغندا ومصر وكينيا ونيجيريا.
واليوم، تستغل هذه النخب الانقسامات في البلدان الرأسمالية المهيمنة للمساومة على دعمها والتحرر من الوصاية الإمبريالية التقليدية وتعزيز تحولها الاستبدادي. فعلى سبيل المثال، رفضت 24 دولة من أصل 54 دولة أفريقية التصويت لإدانة العدوان الروسي على أوكرانيا. وتعتبر بعض هذه الدول، مثل الكاميرون والسنغال وتوغو وبوركينا فاسو، جزءًا من العمق الأفريقي الفرنسي… وبالتالي فإن هناك نقطة تحول جارية.
بالنسبة لشعوب أفريقيا، لا تجلب لها هذه النزاعات بين الدول الرأسمالية المهيمنة الخير. فالصراع بين روسيا والبلدان الغربية على الإمدادات الغذائية له عواقب مباشرة ومأساوية على 500 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في القارة.
يضاف إلى ذلك محاولات استغلال الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني التي تزيد الوضع السياسي سوءًا. لقد جرى استمالة بعض الحركات المناهضة للاستعمار من قبل نظام بوتين، وهذا يغذي النزعة المعسكرية (الاصطفافية) السائدة بالفعل في اليسار الدولي.
يبقى الحفاظ على مسار أممي، أي التضامن مع جميع الشعوب ضد اعتداءات الحكومات، هو الأولوية رغم الحروب والتخبط والاحباط.
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا