مقابلة مع المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه 8/12/2023 Ilan Pappé : «إننا نواجه أيديولوجية يهودية عنصرية تعتقد أن لديها رخصة أخلاقية للقتل»

المصدر:https://ujfp.org/interview-avec-lhistorien-israelien-ilan-pappe-nous-sommes-confrontes-a-une-ideologie-juive-raciste-qui-croit-quelle-a-un-permis-moral-de-tuer/

إيلان بابي هو مؤرخ إسرائيلي مناهض للصهيونية، وأستاذ في جامعة إكستر، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية، ورفيق درب في النضال من أجل تحرير الشعب الفلسطيني. وهو مؤلف العديد من الكتب، من ضمنها كتاب «التطهير العرقي لفلسطين» (فايار، 2006).
في يوم السبت 25 نوفمبر/تشرين الثاني، تشكل طابور طويل خارج مكتبة جامعة جنوة: ينتظر مئات الأشخاص من أجل حضورندوة نظمتها حركة مقاطعة إسرائيل مع المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، في جنوة وأسوباسAssopace وتامو إيديزيونيTamuEdizioni . تمكن سبعمائة شخص من الدخول، فيما اضطر الباقون إلى البقاء خارجا. كان حدثًا طال انتظاره مع أحد أبرز ممثلي العالم الأكاديمي الإسرائيلي ورواية مضادة ترتكزعلى أبحاث تاريخية قاطعة.
أعلن بابي في نهاية النقاش المطول: «يعلمنا التاريخ أن إنهاء الاستعمار ليس عملية سهلة بالنسبة للمستعمر»، «إنه يفقد امتيازاته، يجب أن يعيد الأراضي المحتلة، يجب أن يتخلى عن فكرة الدولة القومية أحادية العرق. يعتقد دعاة السلام الإسرائيليون أنهم سيستفيقون يومًا ما في دولة مساواة وديمقراطية. لن يكون الأمر بهذه السهولة، لأن عمليات إنهاء الاستعمار مؤلمة: يبدأ السلام عندما يُقبل المستعمر على التخلص عن مؤسساته الخاصة ودستوره وقوانينه والتوزيع الجاري لموارده. في اليوم الذي ينتهي فيه استعمار فلسطين، سيختار بعض الإسرائيليين المغادرة، وسيبقى آخرون في أرض حرة حيث لن يكونوا فيها سجّانين لأحد. كلما كان الإسرائيليون على علم بذلك، كلما كانت العملية أقل دموية. على كل حال، فإن التاريخ دائمًا في صف المضطهَدين، ومصير كل أشكال الاستعمار هو الزوال.
أجرت ChiaraCruciati، الصحفية في صحيفة البيانIl manifesto ، مقابلة مع البروفيسور بابيه على هامش الحدث.

ChiaraCruciati: خلال سنوات، كان هناك حديث عن تحويل الضفة الغربية إلى غزة: حصار غزة كنموذج لإدارة الجزر الفلسطينية التي قسمت إسرائيل الضفة الغربية إليها. هل سيحدث العكس الآن؟ هل ستصبح غزة هي الضفة الغربية؟
ألان بابيه: لا أعتقد أن لدى إسرائيل خطة في الوقت الراهن. هناك عدة خيارات. أحدها هو إنشاء ما يشبه المنطقة (أ) أو (ب) في غزة [جزأت اتفاقيات أوسلو المنطقة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى ثلاثة قطاعات إدارية تسمى المنطقة (أ) والمنطقة (ب) والمنطقة (ج)]: فكرة «المعتدلين»، مثل غانتس GantzوغالانتGallant، هي تسليم جزء من قطاع غزة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية وإنشاء منطقة عازلة بمساحة 5 إلى 7 كيلومترات. هذه فكرة سخيفة: يبلغ قطاع غزة بالكاد 12 كيلومترًا في أعرض نقطة فيه. أما الخيار الآخر، الخاصباليمين المتطرف في السلطة، فهو التطهير العرقي على أوسع نطاق ممكن، عبر طرد الفلسطينيين إلى مصر أو على الأقل إلى جنوب غزة، ونقل المستوطنين إلى الجزء الشمالي. من السابق لأوانه معرفة ما سيحدث، كما أنه من السابق لأوانه معرفة كيف سيكون رد فعل العالم، وما إذا كانت ستندلع حرب في الشمال مع لبنان أو ما إذا كانت ستثير انتفاضة في الضفة الغربية.

ChiaraCruciati: بعد إنكار لمدة 75 عامًا، تذكر الحكومة الإسرائيليةالنكبة الآن علنًا، تتحدث عن النكبة في العام 2023، وعن الضرورة التاريخية للطرد. من أين يأتي هذا التخلي عن كل أشكال ضبط النفس، حتى اللفظي، حين يتعلق الأمر بالتطهير العرقي كحل؟
ألان بابيه: إن الذين أنكروا النكبة هم الوسط واليسار. لم ينكرها اليمين أبدًا، بل على العكس تمامًا: كان فخورا بها. لذلك ليس من المستغرب أن استُخدم هذا المصطلح. السبب الآخر هو أن إسرائيل ترى في 7 أكتوبر حدثًا غيّر كل شيء؛ فهي لم تعد تشعر بأنها ملزمة بالحذر في خطابها العنصري، عندما تتحدث عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. فهي ترى في 7 أكتوبر ضوءًا أخضر للتحرك.

ChiaraCruciati: يدفعنا النمو التدريجي لليمين الإسرائيلي المتطرف والأكيد على مدى السنوات الثلاثين الماضية إلى ملاحظة تطور الصهيونية ذات الميل الديني. من خلال التصريحات التي أدلى بها أعضاء الحكومة، بدءًا من نتنياهو، التي تستحضر التوراة لتبرير فظائع وسياسات بن غفيرBen Gvir وسموتريتش Smotrich. ما هي الصهيونية اليوم؟ هل يمكننا أن نرى في هذا التطور عملية انهيار داخلي؟
ألان بابيه: حتى قبل 7 أكتوبر، لم يعد الأمر يتعلق بالصهيونية. كان الأمر يتعلق بالذهاب أبعد من ذلك، نحو يهودية مسيانية. هؤلاء الأشخاص، مثل المتعصبين الإسلاميين، يؤمنون بأن الله في صفهم. لقد كان تطورًا أيديولوجيًا تجاوز الصهيونية البراغماتية الليبرالية دافعا إياها إلى السقوط. واليوم، نحن أمام أيديولوجية يهودية مسيانية وعنصرية وأصولية يهودية لا تؤمن فقط بأن فلسطين ملك للشعب اليهودي فقط (كما أكد نتنياهو بقانون الدولة القومية لعام 2018)، بل تعتقد أن لها الحق الأخلاقي في قتل وطرد جميع الفلسطينيين. هذا تطور أيديولوجي خطير جدا. قبل السابع من أكتوبر، كان المجتمع الإسرائيلي فعلا في صراع مفتوح بين الصهيونية العلمانية والصهيونية الدينية. ستطفو هذه المواجهة إلى السطح وتُظهر أن الشيء الوحيد الذي يجمع الإسرائيليين هو رفض الفلسطينيين. بالنسبة للصهيونية، هذه هي بداية النهاية: عملية تستغرق عشرين أو ثلاثين عامًا من الناحية التاريخية. سيحدث ذلك لأنها أيديولوجية استعمارية في عالم يتطور الآن في اتجاه مختلف. لو كانت الصهيونية قد ظهرت قبل قرنين أو ثلاثة قرون، لكانت قد حققت على الأرجح هدف القضاء على السكان الأصليين، كما حدث في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. لكنها ظهرت في فترة كان العالم قد رفض بالفعل مفهوم الاستعمار، وحيث كان الفلسطينيون قد طوروا بالفعل هويتهم الوطنية.

ChiaraCruciati: كيف تفسر التحول إلى اليمين في المجتمع الإسرائيلي بعد اغتيال رابين Rabin والنزعة السلمية التي حركت قطاعًا كبيرًا من السكان؟
ألان بابيه: أن تكون صهيونيًا ليبراليًا طالما شكَّل مشكلا. عليك أن تكذب على نفسك طوال الوقت، لأنك لا تستطيع أن تكون اشتراكيًا ومستعمرًا في نفس الوقت. اكتفى المجتمع وأدرك أن عليه الاختيار بين أن يكون ديمقراطيًا ويهوديًا. فاختار الطبيعة اليهودية. قرر أن الأولوية هي إقامة دولة عنصرية، بدلًا من تقاسمها مع الفلسطينيين. كان ذلك أمرا لا مفر منه، هو نتيجة منطقية للمشروع الصهيوني. تعتبر إسرائيل اليوم أكثر أصالة من إسرائيل التسعينيات.
«أن تكون صهيونيًا ليبراليًا يعني أن تكذب على نفسك طوال الوقت؛ لا يمكنك أن تكون اشتراكيًا ومستعمرًا في نفس الوقت».

ChiaraCruciati: كان السابع من أكتوبر انفصالا صادما للمجتمع الإسرائيلي. كانت القضية الفلسطينية قد هبطت إلى المرتبة الثانية، يقول نتنياهو في كثير من الأحيان»مدبرة». هل يمكن أن يؤدي هذه الاضطراب إلى وعي جديد بالحاجة إلى حل سياسي؟
ألان بابيه: سيستغرق هذا الأمر وقتا. سيتسم المستقبل القريب بالكراهية والرغبة في الانتقام. سيكون من الصعب الحديث عن حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة. رغم ذلك، على المدى الطويل، من الممكن أن تدرك إسرائيل أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان وأنهم لن يهدأوا مهما فعلت تل أبيب. يعتمد هذا كثيرا على أوروبا والولايات المتحدة: إذا استمروا في عدم ممارسة الضغط، سيكون من الصعب إسماع المزيد من الأصوات المنطقية في إسرائيل. لا يكفي المجتمع المدني، نحن بحاجة إلى تغيير القادة السياسيين. تستغرق مثل هذه السيرورات وقتًا، لكن من الممكن أن يأتي شيء إيجابي من هذه المأساة الرهيبة. سيعتمد ذلك أيضًا على الفلسطينيين وعلى قدرتهم على التوحد وعلى إمكانية إعادة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. هناك طبعا اختلافات بينهم: أولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية يريدون إنهاء الاحتلال والقمع، وهم لا يؤيدون إقامة دولة. ومن جهة أخرى، أولئك الذين يعيشون داخل إسرائيل يؤيدون ذلك، مثل اللاجئين في الشتات الذين تعني لهم الدولة إمكانية أن يعودوا.

ChiaraCruciati: أثارت الحملة الشديدة للغاية ضد غزة والرغبة المعلنة في طرد الفلسطينيين غضباً شعبياً عارماً في جميع أنحاء العالم وفي دول الجنوب العالمي، في تناقض صارخ مع مواقف الدول الغربية. هل نشهد نقلة نوعية عالمية يكون لها آثار على المدى المتوسط والطويل؟
ألان بابيه: إننا نشهد عملية عولمة لفلسطين: فلسطين عالمية مكونة من المجتمع المدني والمواطنين والحركات المتنوعة مثل حركات السكان الأصليين وحياة السود مهمةوالحركات النسوية: بعبارات أخرى، كل الحركات المناهضة للاستعمار، التي قد لا تعرف الكثير عن القضية الفلسطينية، لكنها تعرف معنى الاضطهاد. يجب أن تكون فلسطين العالمية هذه قادرة على مواجهة إسرائيل العالمية، المكونة من الحكومات الغربية والصناعة العسكرية. كيف ذلك؟ من خلال ربط النضالات ضد الظلم في جميع أنحاء العالم في شبكة واحدة. هنا في إيطاليا، هذا يعني النضال ضد العنصرية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا