النظام الإيراني الرجعي ليس حليفا لفلسطين
بقلم، عمر حسن
20 مايو 2024
من الصعب ألا يشعر المرء بالعجز وهو يشاهد الجيش الإسرائيلي مطلقا العنان للمجازر في غزة. في ظل هذا الوضع المروع، من السهل أن نفهم سبب بحث الفلسطينيين ومؤيديهم اليائس عن حلفاء من أي نوع. لذلك عندما شنّت الحكومة الإيرانية هجومًا عسكريًا على إسرائيل قبل بضعة أسابيع، احتفل كثيرون بذلك كعمل تضامني مع الفلسطينيين. وهل تدخلت حكومة ما في مكان ما أخيراً لتقديم الدعم العملي لسكان غزة المحاصرين؟
ولكن هذه المروية تنطوي على مشاكل كبيرة.
تتمثل أولى المشكلات الأولى في الحقائق المباشرة للوضع. فقد أوضحت الحكومة الإيرانية أن ما قامت به لا علاقة له بغزة على الإطلاق. إذ أوضح وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، لصحيفة فاينانشيال تايمز، أن حكومته أبلغت واشنطن قبل الهجوم بأن «عمليتها ستقتصر على هدف الدفاع عن النفس ومعاقبة إسرائيل». وبعد ساعات قليلة فقط من الهجوم، نشرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة تغريدة على تويتر تقول فيها «يمكن اعتبار الأمر منتهياً». لم يكن ذلك رداً على إبادة غزة وسكانها، بل كان رد فعل تكتيكيا على هجوم إسرائيل على قنصلية إيران في دمشق.
أما المشكلة الثانية فأكثر عمومية وأهمية، وتتعلق بنوع المبادئ والسياسات التي يجب أن تدافع عنها حركتنا. فالقضية الفلسطينية تقوم على مبدأ تقرير المصير القومي، ومؤداه أنه لا يجوز أن يُحكم شعبٌ من قبل كيانٍ أجنبي أو مفروض. إن الحق في تقرير المصير القومي هو جزء من تقاليد ديمقراطية أوسع تؤكد على أنه ينبغي ألا يعاني أحد في ظل حكومة لم يخترها.
وبمعنى مهم للغاية، جميع الحكومات الرأسمالية هي ديكتاتورية أغنياء. لكن العديد من البلدان، مثل المملكة العربية السعودية وفيتنام وإيران والصين، تحرم العمال والفقراء من أي مساهمة في إدارة المجتمع. وهذا يعني حرمانهم من الحق في التظاهر والإضراب والتنظيم وحتى من التصويت.
ستكون ثمة نتائج عكسية إذا تحالفت حركة تناضل لتوسيع نطاق الحقوق الديمقراطية مع من يعادون علانية تلك المبادئ الديمقراطية نفسها. هذا من شأنه أن يجعلنا منافقين، مثل أولئك الذين ينددون بسخرية بانتهاكات حقوق الإنسان في الصين بينما يسمحون بها وينفذونها في غزة واليمن، مثل جو بايدن.
إن حكومة إيران نظام رأسمالي استبدادي يقمع شعبه بوحشية. ولا يمكن أن يكون لمثل هذه المؤسسة أي مصلحة صادقة في تحرير الفلسطينيين أو أي شخص آخر. وهذا صحيح حتى عندما ينتقد السياسيون الإيرانيون، لأسباب جيوسياسية عابرة، إسرائيل أو الولايات المتحدة أو حتى يواجهونهما عسكريًا.
الدولة الإيرانية الحالية هي نتاج مشوه لثورة 1978-1979. في تلك السنوات المجيدة، انتفض الشعب الإيراني ونجح في إطاحة ديكتاتورية مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الشاه الثري. قادت الحركة طبقة عاملة بالغة التنظيم، وسرعان ما انتشرت الحركة لتشمل جميع السكان تقريبًا. وتشكلت مجالس ثورية في أماكن العمل والجامعات والمجتمع برمته.
وفتحت الثورة نقاشًا سياسيًا واسع النطاق حول مستقبل إيران، حيث ناضلت مختلف الأحزاب والمنظمات لإقناع الأغلبية برؤيتها. لكن رجال الدين الرجعيين تمكنوا من استخدام قاعدتهم في المساجد و بين صغار أصحاب المتاجر وجزء من فقراء المدن للاستحواذ على الثورة واحتوائها. صعد آية الله روح الله الخميني ليصبح المتحدث الأبرز باسم الحركة، مستبعدًا الأصوات الأكثر راديكالية وداعيا على الديكتاتورية. وما سهّل ذلك هو السياسة الستالينية الرهيبة التي اتبعها جزء كبير من اليسار، والتي دافعت عن الخميني في إطار إصراره على أن إيران بحاجة إلى ثورة وطنية وليس إلى ثورة اشتراكية.
بعد الثورة مباشرة، قام الرئيس العراقي صدام حسين بغزو إيران على أمل الاستيلاء على أراضٍ. وكان أي إيراني يعارض الحرب أو ينتقد الحكومة لأي سبب من الأسباب يوصم بالخيانة ويزج به في السجن. وفي السجن، كان الناس يتعرضون للتعذيب حتى الموت. اختفى الكثير منهم ولم يظهر لهم أثر بعد ذلك.
تم القضاء على آلاف الشيوعيين والقوميين العرب والأكراد والنسويين والأقليات الدينية وغيرهم بسبب موجة القمع هذه. في غضون بضعة أشهر فقط، في عام 1988، أعدم النظام 30,000 سجين، وكان العديد منهم أعضاء في اليسار المنظم. شهدت هذه الفترة تطبيعًا لأساليب القمع القاسية المستخدمة ضد السكان منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الوحشية، لم ينجح الملالي في سحق المطالب الشعبية بالتغيير. فقد كانت هناك دورات لا حصر لها من المعارضة للحكومة، والمطالبة بتحسين سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ عام 2009، اتحدت هذه الحركات في عدة موجات من الاحتجاجات والإضرابات. وقد تعمقت هذه الحركات والمطالب مع مرور الوقت، حيث بدأت بدعوات معتدلة إلى حد ما لإضفاء ليبرالية على النظام، ثم تطورت إلى رفض تام للديكتاتورية الدينية. وانتقدت السياسة الاجتماعية للحكومة، لكنها أبرزت أيضًا الظلم الاقتصادي العميق للرأسمالية الإيرانية.
كانت حركة «المرأة ،الحياة ،الحرية» في عام 2022 رمزًا لهذه الدينامية. بدأت عندما قتلت شرطة الآداب المقيتة المرأة الكردية جينا أميني . تعرضت أميني للضرب حتى الموت لرفضها ارتداء الحجاب الإجباري. أشعل هذا الأمر شرارة حركة من النساء والشباب في جميع أنحاء البلد، حيث ندد بعض المشاركين فيها أيضًا بالقمع الخاص للأكراد والأقليات الأخرى. والأهم من ذلك، أضفى العمال الثوريون بُعدًا نضاليًا طبقيًا على الحركة.
حاول الملالي سحق الحركة، فأطلقوا العنان لميليشياتهم على المتظاهرين السلميين، وسجنوا آلاف المتظاهرين، بل وسمموا المئات من الناشطات في مجال حقوق المرأة في المدارس الثانوية والجامعات. ولكن عندما فشل ذلك في تحطيم معنويات النساء الملهمات ومؤيديهن، اضطر النظام في نهاية المطاف إلى تخفيف شرط الحجاب بقصد تهدئة التمرد.
وردًا على هذه موجات النضال المتنامية هذه، حاول المحافظون المتشددون في الحكومة حشد أنصارهم حول أجندة شعبوية رجعية. وقد جربوا الحيل الاقتصادية والسياسية على حد سواء لحشد الدعم. فقد طرح الجناح المحافظ في المؤسسة الحاكمة برامج رعاية اجتماعية موسعة لإرشاء قسم من الفقراء. ويمكن أن يكون ذلك فعالاً عندما تكون المعارضة الرسمية ملتزمة تماماً بآليات السوق النيوليبرالية.
لكن الحروب الثقافية لا تقل أهمية في تعزيز قبضة الكتلة المحافظة القائمة حاليًا في السلطة. فهم يروجون بشكل وقح نسختهم الرجعية من القيم الإسلامية «التقليدية»، ويهاجمون النسويات باعتبارهن «عميلات للغرب» وينددون بالأقليات العرقية والثقافية والدينية العديدة في إيران باعتبارها خائنة للأمة.
ويتمثل جزء من هذا البرنامج الدعائي في التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية هي خصم مبدئي وثابت للإمبريالية الأمريكية في المنطقة. واليمين المتشدد هو الأكثر التزامًا بهذا الموقف الخطابي الذي يبدو راديكاليًا، بينما يميل الليبراليون والإصلاحيون إلى الدفاع عن إعادة بناء العلاقات والتعايش السلمي. ويحظى الموقف الأول بشعبية نظراً للتاريخ الرهيب للتدخل الغربي في البلد. فالشاه نفسه تم تنصيبه ودعمه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بعد انقلاب على زعيم قومي تقدمي سابق. وفي المقابل، منح الشاه الشركات الغربية إمكانية الوصول بسخاء إلى حقول النفط الوفيرة في البلد.
ومن المهم فهم هذا الأمر بشكل خاص في الوقت الذي تحاول فيه إيران توسيع دائرة نفوذها في المنطقة، بادعاء انها تقود «محور المقاومة».
ويتجلى ذلك بوضوح أكبر في حالة حزب الله، المنظمة التي أصبحت الآن عنصرًا فاسدًا في المشهد السياسي اللبناني. فهو حزب مؤيد للرأسمالية، ومعادٍ للنضال العمالي وطائفي ومُحافظ للغاية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية. وقد انكشف مدى سياسة حزب الله المعادية للثورة خلال الربيع العربي، عندما تحالف مع الحكومات السورية والإيرانية والروسية لإغراق الثورة السورية في الدماء. و ليس الأمر مفاجئًا بالنظر إلى أن الحزب أسسه رجال دين منحازون تمامًا للتوجهات السياسية والتنظيمية الإيرانية، ويمثل الآن بعض أغنى الشخصيات اللبنانية.
ومع أن حزب الله هو الحليف الأكثر فاعلية لإيران، فإن لديها شبكة متنامية من الفاعلين في العراق والبحرين والسعودية واليمن. وحتى إن كانت هذه القوى تقدم نفسها في بعض الأحيان على أنها معادية للولايات المتحدة ومؤيدة للفلسطينيين، فإن سياساتها رجعية تمامًا. ففي العراق، قامت الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران بتخريب ونهب ما تبقى من البلد بعد الانسحاب الأمريكي في عام 2011. وكلما انتفض الشعب العراقي للمطالبة بالتغيير، واجهته السلطة القمعية للدولة، التي تميل هي الأخرى إلى التأثر بإيران – والميليشيات المختلفة. وفي هذا السياق، فإن الهجمات التي تشنها هذه الأخيرة بين الحين والآخر على آخر المواقع الأمريكية هي واجهة لقوة اجتماعية رجعية للغاية.
وعلى العموم، فإن الحكومة الإيرانية ليست جادة في معركتها ضد الإمبريالية. في الواقع، إيران هي ثاني أقوى لاعب إقليمي في الشرق الأوسط بعد إسرائيل. ومثلها مثل أي دولة إمبريالية إقليمية أخرى، تستخدم تدابير اقتصادية وعسكرية وثقافية لتوسيع نطاق نفوذها. ومبدأها الوحيد هو المصلحة الذاتية، وهو ما يفسر لماذا كان الملالي الذين يُفترض أنهم مناهضون للإمبريالية سعداء بدعم الحرب والعقوبات التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في عام 1991.
وهو ما يعيدنا إلى فلسطين. إن دعم إيران الخطابي لتحرير فلسطين هو إحدى الطرق التي تحاول من خلالها ديكتاتوريتها الوحشية كسب الشرعية الشعبية في الداخل والخارج. لكن ادعاءها الواهي بأنها محور مقاومة هو مجرد واجهة لأجندة محلية ودولية مضادة للثورة. ومن غير المبرر أن يدعمها أي شخص من اليسار.
المصدر: https://redflag.org.au/article/irans-reactionary-regime-is-no-ally-of-palestine
اقرأ أيضا