إلى الأمام… من أجل جبهة عمالية وشعبية موحدة لصد العدوان الثلاثي: على حرية الإضراب ومكاسب التقاعد ومدونة الشغل
أكد اتفاق العار الذي وقعته القيادات النقابية المتعاونة مع أرباب العمل ودولتهم، يوم 29 أبريل 2024، العزم على النيل من حرية شغيلة المغرب في ممارسة الإضراب عن العمل. إنه عزم على التنازل عن حق الشغيلة في الامتناع عن العمل في شروط غير ملائمة، سواء على صعيد المقابل، المباشر وغير المباشر، الذي يحصل عليه الأجير ثمنا لبيع قوة عمله، أو فيما يخص ظروف الصحة والسلامة بمكان العمل، وكذلك حقهم في الحريات الديمقراطية.
طيلة عقود، ظلت حرية الإضراب هدفا لهجمات مستمرة، تتفاوت ضراوتها تبعا لتموجات الصراع الذي يشتد تارة ويفتر طورا بين طرفي علاقة الاستغلال التي يقوم على أساسها المجتمع الرأسمالي. فكانت ممارسة هذه الحرية عرضة للتضييق بترسانة قانونية تشمل الفصل 288 من القانون الجنائي (ما يسمى عرقلة حرية العمل)، ومرسوم فبراير 1958 بشأن إضراب الموظفين، وظهير 1938 حول التسخير، فضلا عن العسف الذي لا يتقنع بالقانون حيث تنكر الدولة الحق في الإضراب العام، وتتدخل بآلتها القمعية لمنع ممارسته.
وقد أفلحت الطبقة العاملة في صون حرية نسبية للإضراب بممارسته فعلا وتحمل التضحيات المترتبة، سواء اقتطاع أجور أيام الإضراب أو عقوبات السجن وضروب التنكيل القمعي، من سجن وتشريد واغتيال. ما جعل الجملة الواردة في دستور الاستبداد، بصيغه المتتالية منذ أكثر من ستة عقود، بشأن إصدار قانون خاص بالإضراب، تبقى حبرا على ورق.
وقد تنامى سعي الدولة إلى سن قانون يفرغ حرية الإضراب من محتواها في ربع قرن الأخير بإعداد مشاريع قوانين متتالية “لتنظيم ممارسة حق الإضراب”، مواكبة ذلك بحملة تضليل إعلامية لتبرير مسعاها القمعي، بحجج مخادعة متنوعة: من قبيل ضمان حرية العمل (في مجتمع يحرم ملايين ضحايا البطالة من أي عمل)، وتأمين خدمات للمواطنين (فيما يتسارع الإجهاز على الحق في تلك الخدمات بتحويلها إلى سلعة)، وتهديد “السلم الاجتماعي” (هكذا يسمون الحرب الاجتماعية الدائمة التي يشنونها على الشغيلة وعامة المقهورين/ات).
وقد تمكنت الدولة فعلا من تقليص حاد لممارسة الإضراب بإطلاق يد شركات السمسرة في اليد العاملة التي تفرض العمل بعقود محدودة المدة تجعل الأجراء يعملون وسيف الطرد بدون تعويض فوق رقابهم، إذ يكفي للتخلص منهم عدم تجديد العقود الوجيزة. وها هي اليوم تعمل لإلغاء كلي لحرية الإضراب بتقييدها بشتى صنوف الأغلال وبتجريم ممارستها. ويمثل مشروع قانون الإضراب المحال على “البرلمان” بعد مصادقة مجلس الوزراء عليه، مثالا لا يُضاهى لما يمكن أن يكونه الإلغاء الفعلي لحرية من الحريات. إذ بلغ ذلك المشروع درجة من التضييق والمنع حدت بمنظمة أرباب العمل إلى سحب مشروعها لتقنين الإضراب وتبني مشروع الدولة الأشد قمعاً.
بمشروع المنع العملي للإضراب، وبمشروع ما يسمى “قانون النقابات”، المؤجل عملا بتكتيك التدرج في الهجوم، تسعى الدولة البرجوازية إلى تضييق فائق للحرية النقابية التي انتزعت الطبقة العاملة المغربية اعترافا بها منذ زهاء 70 عاما. إننا والحالة هذه مقبلون على معركة تاريخية حاسمة. معركة مصيرية تتطلب استنهاضا لمقدرة طبقتنا على الدفاع عن ذاتها.
وإن كانت البيروقراطيات النقابية المركزية متواطئة من العدو لتمرير مشروع نزع سلاح الشغيلة بقبول وضع حرية الإضراب موضع نقاش وتفاوض، وبامتناع عن تنظيم أي تصد للعدوان يترجم مزاعم رفض ما تسميه بيانات القيادات”القانون التكبيلي”، فليس محتما أن يمر هذا القانون، ومعركة إسقاطه لا تزال أمامنا، وما علينا إلا التجند لخوضها والانتصار فيها. فما تختزنه طبقتنا من مقدرات كفاح كفيل بإبطال هجمة قانون منع الإضراب. واجبنا تحويل تلك المقدرات الهائلة من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل. ولا أدل على إمكان هذا التحويل من آيات القتالية التي أبان عنها شغيلة التعليم في حراك تاريخي، بكل المقاييس، دام شهورا ثلاثة. وفضلا عن هذا، تمثل كل النضالات الجارية بالعديد من قطاعات الدولة، والقدر الهائل من الغضب المتراكم في أعماق طبقتنا، أساسا متينا لتنظيم معركة الدفاع عن الذات المصيرية، معركة إبطال نزع سلاحنا.
لقد تخلت القيادات المركزية عن مهمة تنظيم هذا الدفاع عن الذات، وانتقلت إلى الجهة الأخرى من الخندق، الأمر الذي يستوجب إمساكنا بزمام أمرنا بأيدينا. واجب كافة مناضلي طبقتنا ومناضلاتها الإسراع إلى توحيد جهود التصدي لقانون منع الإضراب وتجريمه، توحيدا داخل النقابات وخارجها. فقد أدت سياسة تعاون القيادات مع العدو إلى نفور أقسام عريضة من الشغيلة من المنظمات النقابية لكن دون هجر ساحة المواجهة، حيث تنشأ تنسيقيات متنوعة يستعملها الشغيلة، رغم ما يشوبها من نواقص، أداة لتسيير نضالهم رغم أنف البيروقراطيات، ولا أدل على الأهمية التي باتت للتنسيقيات من الدور الحاسم الذي نهضت به في حراك التعليم. وإن المهمة العظمى تقع على كاهل مناضلي النقابات ومناضلاتها، مهمة المبادرة إلى تنظيم الرد العمالي في جبهة موحدة من داخل النقابات ومع التنسيقيات. كل انتظارية، وكل تردد مهما كان مبرره، وكل إضاعة للوقت، سيصيب طبقتنا في مقتل.
لهذا يمثل التجاوب الايجابي والفعال مع مبادرة تشكيل جبهة دعت إليها لحد الآن نقابات في قطاع الصحة والتعليم وتفتيش الشغل والفلاحة وهيئة تقنيين، للتصدي لمشروع منع الإضراب، ولمشروع هدم ما تبقى من مكاسب التقاعد أوجب واجبات كل مناضل/ة نقابي في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة. وعلينا العمل لشمولها موضوع مدونة الشغل لأجل خرط المعنيين به من شغيلة القطاع الخاص. وأن نضع أيضا نصب أعيينا من جهة ضرورة إضفاء طابع شعبي على هذه الجبهة بمشاركة قوى نضال أخرى غير نقابية، ومن جهة أخرى الاستفادة من دروس تجارب تعاون نضالي سابقة، وبمقدمتها إعمال الديمقراطية والبناء في أسفل، والتحلي بروح المسؤولية والنضج النضالي اللازمين. ومن نافل القول أن أي اختلاف في الرأي، أو أي مؤاخذة على هذا الموقف أو ذاك، في أمر آخر من أمور النضال النقابي، ليست مبررا بأي وجه لعدم تأييد مبادرة الجبهة ضد العدوان الثلاثي والانخراط الفعال فيها. المسؤولية تاريخية، وزاوية النظر الوحيدة الصائبة هي مصلحة الطبقة العاملة. وعلى غرار كل تعاون نضالي، لا يسقط التعاون إبداء الرأي المغاير والاقتراح البديل في خطة عمل الجبهة وسير عملها.
فحي على العمل الجماعي الموحد… سبيلنا إلى النصر
اقرأ أيضا