استنتاجات تجربة نقابية مديدة بقطاع التعليم: مقابلة مع الرفيق إبراهيم المحمدي
1 – بصفتك ممارسا نقابيا منذ34 سنة، ما هو انطباعك العام عن الممارسة النقابية بين الأمس واليوم؟
قبل المقارنة، عموما لم يتغير الجوهر العام. فالحركة النقابية المغربية في أسوأ حال ضعفا، كميا ونوعيا يعرفه المغرضون قبل الصادقون، ونفسر ذلك بثلاثة عوامل رئيسية:
* السيرورة المديدة من التبقرط المدبر لستة عقود، جوهرها، السياسة الخبزية لأول مركزية نقابية (ا.م.ش) منذ مطلع الستينات من القرن الماضي حولتها إلى أداة في خدمة الاستبداد والرأسمال وضبط الساحة العمالية وفق ذلك. فضلا عن سطو أحزاب غير عمالية على قسم من الحركة النقابية بعد ذلك، وتبديد طاقتها النضالية في مناوشتها للملكية (كدش – ا.ع.ش.م)، دون أن ننسى حدو قسم من الرجعية الدينية نفس الطريق نهاية التسعينيات (ا.و.ش.م)، وما إلى ذلك من انشطارات كتنويعات في الخط النقابي لنفس النمط. وفي سياق هذه السيرورة، انتقلت قيادات الحركة النقابية إلى منطق التعاون الطبقي – الشراكة الاجتماعية أي التدبير المشترك مع الدولة والباطرونا للهجوم النيوليبرالي بشكل معلن وعملي منذ أواسط التسعينيات(اتفاق /تصريح فاتح غشت 1996) وهو متواصل إلى اليوم. منطق خادم لدولة الرأسمال بالبلد ومصالح الدائنين والرأسمال الأجنبي في إعادة هيكلة الاقتصاد والخدمات الاجتماعية وعلاقات الشغل (سواء مع الدولة أو في القطاع الخاص) لصالحهم.
* سلاح القمع المادي و المعنوي المتواصل من طرف الدولة و الباطرونا. تعنيف الاعتصامات والمسيرات العمالية والطرد من العمل والتوقيفات العقابية بالقطاعين العام والخاص، اجتثاث أجنة العمل النقابي بالقطاع الخاص وحتى ببعض القطاعات العامة( باستعمال ترسانة القوانين الجنائية كالفصل 288 وبنود من مدونة الشغل والنظام الأساسي للوظيفة العمومية 73 و 75 …) واجتثاث تجارب اتحادات عمالية محلية(الاتحاد المحلي لكدش بورزازات)، بل وصل القمع المادي حد قتل نقابيين (عبد الله موناصر عامل بحري بأكادير، إدريس الفريزي موزع ماء بالغرب، مصطفى لعرج الجماعات الترابية بأسفي، عبد الله الحجيلي متضامن بمعركة للمفروض عليهم-ن التعاقد…). ثم التشنيع الاعلامي بالنضالات العمالية بإلاعلام العمومي وبعض صحافة المهام القذرة الخاصة. قمع لم تسلم منه حتى القيادات النقابية المبقرطة حال تنطعها لحظة ما وفي التاريخ أمثلة سواء مركزيا أو محليا (اعتقال المحجوب بن الصديق نهاية الستينات والاموي ولغليمي بداية التسعينات …).
هذا دون إغفال شدة قمع البيروقراطية لكل مناضل أو جماعة عمالية معارضة أو منتفضة ديمقراطيا وكفاحيا، حصارا أو طردا من النقابة (حالة عمر بنجلون كمثال لا الحصر)، واجهاض المعارك ومنعها من التجذر وعيا وتنظيما ومطالِباً (حالات كثيرة: البحارة والنقل الحضري والسككيين والمناجم والجماعات الترابية والفنادق والتعليم… الخ).
* غياب معارضة نقابية منظمة داخل النقابات ومخترقة لحدود “فخر الانتماء “المصطنع بينها. معارضة مبلورة ليسار نقابي آت ببديل لنهج خط البيروقراطية السائد الجاتم على قيادة الحركة النقابية. يسار نقابي منظم، مدافع عن علة وجود النقابة وهويتها الطبقية ومقاتل بنفس طويل لا يلين من أجل الديمقراطية في التنظيم وفي الفهم (الوعي الطبقي) وفي النضال، ذود حازم لا غنى عنه للانغراس والتمكين لمنطق الوحدة العمالية ومصالحها التضامنية المشتركة في اتجاه الوحدة الفعلية.
حصيلة ثلاثي التبقرط والقمع وغياب يسار نقابي هي التكلس الداخلي التنظيمي وهيمنة الفهم غير العمالي لمفاصل وأساليب الهجوم الليبرالي المتواصل على عقول الشغيلة (الفهم) والمكاسب (السير نحو القضاء على نزر عمومية الصحة والتعليم منذ مرسوم 30 مارس 98 وميثاق 99 وانحدار حر لعلاقات الشغل بالقطاع الخاص منذ مدونة 2003، الهجوم المتواصل على التقاعد والاضراب والحق النقابي والقوت اليومي بالغلاء وإنهاء دعم المقاصة وتفكيك الوظيفة العمومية وخدمتها…).
عودة إلى المقارنة بين الأمس واليوم على مستوى الممارسة اليومية وسأركز هنا على ما عايشته بزاكورة إلى حين مغادرتي إياها سنة 2002 وما هو سائد اليوم بجهة الرباط.
التحقت بالنضال النقابي سنة 1990 من خلال النقابة الوطنية للتعليم كدش بزاكورة، وضمن فريق شاب وانطلاقا من فرع التعليم تجاه بقية القطاعات التي انتظمت بعد في اتحاد نقابي محلي، تم العمل على بناء تجربة ديمقراطية كفاحية طموحة للتأثير جهويا ووطنيا، بالاستفادة من تراث الحركة العمالية وتجاربها. وفعلا تم ذلك إلى حد كبير، وكان التلاقي والتلاقح مع عدة فروع تعليمية وعمالية في الجهة (أقصد بالجهة هنا الأقاليم الثلاث لورززات حاليا تنغير وورززات وزاكورة) بل وبعيدة أيضا آنذاك كأسفي وبيوكرى وتمارة – الصخيرات وأخرى عمالية كبحارة أكادير، وتنظيم حملات تضامن محلية تجاه نضالات عمالية كجبل عوام 1994/1995 ومنجم ايميضر…وغيرها. وعموما كان الجو العام في التسعينات نقابيا بالمغرب(خاصة بكدش) ذو تقاليد وحياة داخلية نشطة(طبعا مع تقدم أكبر في فروع واتحادات قليلة ): جموع عامة، مجالس منتظمة، زيارات لأماكن العمل من طرف لجنة تواصل منبثقة عن المجالس، اجتماعات بمقرات العمل، إعلام عبر السبورات النقابية والنشرات، بناء ملفات مطلبية من أسفل مع استحضارها للمطالب الموحدة والانتقالية المتجاوزة البعد المحلي والقطاعي، عروض وندوات تكوينية حول قضايا التراث النقابي والعمالي العالمي والمحلي حول خطط الدولة وسياساتها ومهام الحركة النقابية، تنظيم الأرشيف والملفات بالمقر، مداومة و حياة أسبوعية نشطة بالمقر، انفتاح النقابة وانخراط في معارك المعطلين و مختلف أصناف المضطهدين وصغار المنتجين.
في جهة الرباط حاليا، ينذر أن تجد حد أدنى من حياة داخلية نشطة وحدود دنيا من اجتماعات تنظيمية مجرد طوابع بيد كاتب جهوي أو إقليمي (أما الحديث عن المحلي فلم يعد له أي دور) في خدمة زبائن وليس منخرطين في قضايا فردية تجاه الإدارة أو التعاضدية…وأكيد بأوجه سمسرة وغيرها مما لا يمكن تخيله (طبعا، لا نعمم أوجه القذارة النقابية، لكن جوهر العمل الفردي العقيم هو السائد). هذه السمات تهم كل بنيات النقابات الست وغيرها.
2 – ما هي بحكم احتكاكك بشغيلة قطاع التعليم التصور الرائج لديهم عن النقابة؟
عموما القاعدة الواسعة التعليمية اليوم مستبطنة لفهم متناقض للنقابة، فهم خاطئ ومفعم في نفس الوقت بأوهام. طبعا مظهره أنها، ترى في النقابات من جهة أدوات فاسدة والنقابيين انتهازيينوترى فيهاالعجز عن إتيان مكاسب وهو ما يبرر العزوف عن الانخراط النقابي وتناسل التنسيقيات الفئوية التي لا ترى إلا حدود أنف المطلب معزولا عن السياقات وشروط تدبير النضال ونجاحه،و من جهة أخرى ترى فيها دور المحامي أو الوسيط في القضايا الفردية (يتلقى أتعابا واجب الانخراط أو شيء آخر قد يكون قذرا بمقياس الحدود الدنيا للنزاهة النقابية) وهو ما يفسر صعود وهبوط عدد الانخراطات المحدود والمتراجع أصلا حسب السنوات لدى الفروع(لم تعد مصداقية التنظيم و القناعة جاذبة انخراط الشغيلة، بل حدق الزعيم النقابي في فك شفرات المشاكل الفردية الجزئية جدا- المختلقة اصلا-مع الادارة).
وعليه، خليط من عزوف واسع مع نزعة اتكالية لا قاعدة نشطة نضاليا ممن لا زال ينخرطون، بالتالي توفير مزيد من شروط التبقرط والسير بالحركة النقابية نحو الكارثة المحققة.
ومن أوجه انحطاط وعي الشغيلة إلى درك لا تعي مصلحة تملك أدوات نضالها النقابية، التماهي مع رأي الدولة من خلال رأي مجلسها الاقتصادي والاجتماعي حول مشروعها للتدخل في الشأن النقابي “اي قانون رقم 19.24 يتعلق والمنظمات النقابية” الذي يشخص عورات النقابات فيما يدعيه حول الحكامة والتسبيب وسؤال المتقاعدين بالقيادة وغياب الديمقراطية ومكانة النساء…، حيث راج بالحراك الأخير للشغيلة التعليم رأي واسع لضرورة اصدار قانون النقابات. إنه أحد أوجه نجاح القصف الليبرالي والاستبدادي للعقول للمطالبة بتنزيل الدولة لقيد سيحكم مستقبل أدوات نضالنا.
3 – في الحالة الراهنة، كيف هي نسبة الانتماء النقابي بين اجراء التعليم؟ رجالا ونساء؟ هل هناك اهتمام خاص بالمسائل النسائية؟
بالمجمل، وللأسباب المذكورة أعلاه وغيرها، نسبة الشغيلة المنقبين بالمغرب أصبحت أضعف، ففي تقرير للمندوبية السامية للتخطيط حول النشطين المشتغلين الذي صدر في فبراير 2020 يهم سنة 2019 يشير إلى أن 3،95 %من المغاربة النشطين المشتغلين غير منخرطين في أية منظمة مهنية، أي فقط 4.7 % منتمين نقابيا. وحتى إن كانت هذه الارقام مضللة، لكون أن كل نشيط مشتغل ليس بالضرورة أجير، فإن المتداول رسميا أن نسبة الشغيلة المنقبين لا يتجاوز نسبة 6 بالمائة.
وعودة لسؤال التعليم، فمثلا في المؤتمر السابع لنوت /كدش سنة 1995 كان عدد المنخرطين بها يقارب 90 ألفا بينما في مؤتمرها الأخير سنة 2022 لم يتجاوز العدد 15 ألفا، علما أنها لازالت أكبر نقابة تعليمية رغم سيل الانشقاقات واستبدال بعض قاعدتها للنقابة. هذا مع أن عدد الشغيلة صار أكثر. وفي السياق دائما، فعدد منخرطي النقابات الست في اقليم سيدي سليمان سنة 2023 لم يتجاوز 700 من أصل 3242 موظف أي بنسبة 21,59 بالمائة وأقول جازما بحكم المعرفة الدقيقة بالمجال أنه إذا استثنينا 5 بالمائة من هذه النسبة فالباقي مجرد زبناء بلا اقتناع يتحركون كالرمال حسب السنوات بين هذه النقابة أو تلك.
نسبة التنظيم النقابي وسط النساء تقريبا متساوية، أما بخصوص حضور المسائل النسائية في التنظيم والمطالب فهي ضعيفة جدا وشبه منعدمة، حضور ضعيف في الأجهزة وإن تم فلمجرد التأثيث
أشير هنا إلى الحضور النسائي القوي في الانخراط وبعض نضالات شغيلة الطبخ والنظافة والحراسة في إطار شركات التدبير المفوض والمناولة، لكن أيضا دون طرح الاتحادات المحلية لأي مطالب خاصة لهؤلاء النساء.
4 – هل تشتغل بنيات النقابة بشكل دوري منتظم: لجنة المؤسسة، الفرع، انعقاد جموع عامة؟
الحالة السائدة راهنا، حالة استبدالية الأجهزة بالكاتب العام الجهوي اتجاه الأكاديمية أو الإقليمي اتجاه المديرية، وعليه فاجتماعات الأجهزة نادرة والمكاتب المسيرة هي القائم الفعلي بوظيفتي التقرير والتنفيذ، أما شيء إسمه المجلس أو الجمع العام فلم يعد في قاموسها النقابي ولو عرفا. بل حتى اجتماعات المكاتب المسيرة المتمركزة حول الكاتب تعقد اجتماعاتها النادرة عن بعد.
مثلا لا حصرا، في فرع سيدي سليمان لنوت/ كدش منذ مارس 2018 إلى اليوم لم يعقد إلا مجلسان للفرع واحد في مارس 2021و اخر في مارس 2022 لتجديد المكتب. وعموما هي الحالة السائدة في معظم فروع النقابات التعليمية محليا.
طبعا على المستوى الوطني، هناك نماذج لفروع أسوء كالرباط مثلا، وهناك فروع لازالت مشرقة إلى هذا الحد أو ذاك في الجنوب الشرقي والشرق وفروع هنا وهناك، وغالبا يرتبط ذلك الإشراق بفعالية وفهم مناضلين بالأجهزة معارضين للبناء والممارسة البيروقراطيتين.
5 – كيف تم التحضير لأخر مؤتمر وطني عقدته النقابة؟ وهل تحرك النقاش؟
* مثلا بالنسبة لنوت/كدش كان أخر مؤتمر سنة 2022، تشكلت لجنة تحضيرية من أعضاء المجلس الوطني بما فيهم المكتب الوطني ، مراعية في تركيبها مكونات فيدرالية اليسار والنهج ، النواة الأساسية لهذه اللجنة ثلاثة أعضاء من القوة السياسية المهيمنة على النقابة يجمعهم التشبع بما يعتبرونه “العقل الكونفدرالي” أي الفهم النقابي الليبرالي القائم على التوافق الطبقي والشراكة الممؤسسة مع الدولة والباطرونا ورطانة كلامية “منافحة” حول المدرسة العمومية…الخ. عدد محدود من اجتماعات هذه اللجنة، لم تفرج عن مشاريع إلا شهر قبل المؤتمر للجنة الموسعة. وقد حدد الفروع أسبوع للنقاش ورفع تقارير.
فروع قليلة جدا نظمت ندوات للشغيلة المنخرطة (تقديم قراءات والمناقشة)، وكثير من الفروع إما أجرت نقاشا في دورة واحدة لمجلس فرع أو لجنة مناقشة (غالبا قراءة مقاطع وتعليقات شفوية)، وبعضها لم تكلف نفسها حتى النقاش ولو في المكاتب مثال عن الرباط وسلا… المحطة التي تم الحشد لها هي انتخاب المؤتمرين بغير صفة وأعضاء المجلس الوطني باسم الفروع.
* تقريبا نفس الملاحظة بالنسبة لمؤتمر الجامعة الوطنية للتعليم -التوجه الديموقراطي الاخير ، حيث دمجت أغلب الفروع بين نقاش المشاريع وانتخاب المؤتمرين ، و بعضها قام بذلك في اجتماعات عن بعد بمبرر غياب المقرات، و حظيت النقطة الثانية ايضا بالاهتمام مقارنة بالأولى.
6 – هل ثمة متفرغون نقابيا في القطاع محليا، وكيف يشتغلون؟
بالمناسبة يعتبر التفرغ النقابي الممنوح من طرف الدولة البورجوازية والباطرونا أحد أوجه عوامل سيرورة انحطاط وتبقرط المنظمات النقابية، رغم أنه في أوجه كثيرة انتزع بفضل النضال لكن ليس بالضرورة من نوع التفرغ الممنوح. معلوم أن فرز متفرغين لوظائف القيادة في معمعان الصراع الطبقي أي في بعده النقابي اليومي وللبحث النظري العمالي بما يضمن فعالية التنظيم والفهم والنضال يظل ضروريا بحكم ما يقتضيه من تحرر يومي من أعباء ومشاق والتزام بالعمل. غير أن غياب الرقابة الدائم واليقظ من القاعدة على القيادة والمتفرغين وإلزامية كشوف الحساب الدائمة، تجعل إنزلاقه إلى امتياز وتركيز لسلطة القيادة ومحافظتها بل واندماجها لاستراتيجية الدولة والباطرونا قائمة. يرجى هنا لكل مهتم الرجوع الى كتابات خلاصات مناضلين عماليين كهنري فيبير (البيروقراطية في المنظمات العمالية) واندري هنري (العمل النقابي الكفاحي و الحزب الثوري) وأرنست ماندل (الهجمات على الحريات النقابية) و اخرون و هي منشورة في كتيب “نصوص حول البيروقراطية” – دار الطليعة بيروت ط1 فبراير 1981 و كتيب “مسائل النضال النقابي “ضمن منشورات المناضل-ة ماي2016 .
- محليا كنموذج سيدي سليمان، هناك حاليا 5 متفرغين كلهم من قطاع التعليم، 3 ب ج.و.ت/إ.م.ش ضمنهم امرأة متفرغة لأمورها الخاصة وواحد بفدش وواحد بكدش. كلهم أوثق صلة بالقيادات النقابية بقطاع التعليم متفرغين للقضايا الفردية مع الإدارة وملفات التعاضدية أو ما شابه، وواحد منهم طبعا بحكم عضويته في مكتب وطني متابع منشغل بجلسات الحوار الاجتماعي القطاعي ولجانه التقنية. لكن إثنان منهم لهم دور في قيادة الاتحاد المحلي لإ.م.ش في صلة مع الباطرونا خاصة الزراعية وبالمنطقة الحرة وما “يستتبع ذلك من مغانم وفق ما يرشح”. أما على مستوى الإسهام النظري أو ما يتعلق برفع الوعي العمالي الطبقي أو تطوير الممارسة النضالية فلا صلة لهم بها إلا ” الخير والاحسان “.
7 – كيف يتم التحضير للنضالات: اشكال التعبئة، اجتماعات …؟
في اغلب الفروع والأقاليم والجهات بالتعليم لم تعد هناك نضالات خارج المتحكم به وطنيا، لأنه لم يعد هناك شيء اسمه الملف المطلبي المحلي. تبقى الاستثناءات بالشرق والجنوب الشرقي بالنسبة لكدش والفنو على الخصوص. وإن كانت هناك بعض النضالات فلم تعد مرفوقة بالتقاليد التي انتهت مع نهاية التسعينات، الجموع العامة وتنشيط السبورات… كما سبق ذكره، بل كل أمور التعبئة وايصال المعلومة تتم بمواقع التواصل الاجتماعي الواتساب الداخلي والفايسبوك.
8 – كيف تنظر إلى التعاون مع النقابات الأخرى؟
قطعا ليس هناك أي تعاون من فوق من زاوية المصلحة الطبقية، بل يبدو أن الدولة هي من توحي أحيانا بالتنسيقات مثلا التنسيق الخماسي فالرباعي عمليا في التعليم كان لأجل تيسير خطة تمرير النظام الأساسي دون ردات فعل، علما أنه سبق أن تفجرت تلك التنسيقيات الفوقية في عهد أمزازي وتتشظى في كل انتخابات مهنية. على مستوى الأقاليم غالبا ما تحكمها أيضا إن تمت بشكل نادر مصالح ضيقة لا علاقة لها بالحرص الطبقي على مصلحة الشغيلة وقناعة بتضامنها الطبقي. المطلوب طبعا هو تعاون يتجاوز فكرة “فخر الانتماء “لهذه النقابة أو تلك الى قناعة الانتماء الى الطبقة العاملة، وهذا يقتضي فهما عماليا مخلصا وخطا ديموقراطيا كفاحيا مناهضا للتبقرط العمالي وخط الشراكة والتعاون الطبقي. وهذه مهمة يسار نقابي عمالي عسى تساهم تراكم التجارب بنجاحاتها وانكساراتها في تلمس طلائع النضال من تحت للطريق.
9 – كيف هي حالة التكوين والاعلام النقابيين؟
قبل أيام من فاتح ماي للسنة الماضية 2023 افتتحت قيادة امش متحفا بالمدينة القديمة بالدار البيضاء حول الذاكرة النقابية بالمغرب، ومن بين مواد المتحف جريدة الطليعة التي لم تعد تصدر منذ زمان. إن الاعلام النقابي في المتحف وهي صورة معبرة. مثال ثان، نوت/كدش لم تعد تصدر نشرة التواصل النقابي، سنة 2020 أصدرت كتيب “الأوضاع السوسيو مهنية لنساء التعليم ورجاله، ومستقبل المهنة في المغرب” بدعم من مركز التضامن الأمريكي 104 صفحة وهي دراسة لسبعة أعضاء جلهم بالمكتب الوطني السابق. دون ذلك لا إعلام أو منشورات والسبورات النقابية بدورها لا تشتغل في أغلب الفروع إلا وقت الانتخابات. كما لم يعد هناك تكوين فعلي بكل النقابات، التكوينات تتكلف بها المركزيات، وهي تكوينات غالبا ممولة من مراكز ليبرالية خارجية كمركز التضامن الأمريكي والاتحاد الاوروبي ومراكز ألمانية أو من طرف الدولة والبنك العالمي حول مسائل العنف ضد المرأة والعمل اللائق والحقوق الشغلية. بل الأخطر هو خضوع قيادات نقابية للتكوينات في أمور محاور الهجوم البرجوازي (مثال التقاعد، الأنظمة في الوظيفة العمومية…) .
10 – سؤال أخير؛ ما الذي يمثله الحراك الأخير بنظرك في مسار العمل النقابي بقطاع التعليم ؟ وما هي تأثيراته ايجابا وسلبا على التنظيمات النقابية القائمة؟ وما المطلوب لاستمرار إيجابياته لبناء نقابي كفاحي وديمقراطي؟
كان حراك التعليم هذا الموسم الدراسي من بداية اكتوبر 2023 إلى نهاية دجنبر هبة نضالية نوعية بالقطاع منذ عقود (فاق اضرابات 1979/1978 التي رافقت زخم تأسيس كدش)، حراكا جماهيريا مكافحا من أسفل (رغم اقتصاره على المدرسين) ممتدا زمنيا و مرفوق بإضرابات و التظاهر بالشارع وجموع عامة مواكبة بأماكن العمل وانتخاب الممثلين في تنسيقات التأهيلي و الموحدة المخترقة لكل الأسلاك ومشاركة واسعة للنساء.
وهو على أية حال جواب على خليط متراكم غضب على الهجوم الليبرالي المتواصل (تعمق مشاكل فئوية لدى المرسمين، التعاقد كتهشيش لعلاقة الشغل ونسف مكاسب التوظيف العمومي، مسلسل نسف مكاسب التقاعد، انحدار الأجور والمستوى المعيشي بفعل التضخم والغلاء واختلالات قسمة فائض القيمة المنتجة لصالح الرأسمال، تدني شروط العمل بتكثيف الاستغلال واكتظاظ الأقسام …) وانقشاع حقيقة اوهام المراهنة على حوار سنتين بين النقابات والوزارة، شراكة اللجنة التقنية، والتي انتجت نظاما تراجعيا “للمآسي” كما سماه الحراك.
كانت من ايجابيات الحراك:
* نبذ الاتكالية واقتحام ميدان النضال من طرف “مجموع “قاعدة الشغيلة، و تجاوز الاضرابات النقابية المقررة من فوق والمتحكم بها تعبئة نضالات و أفقا، ونوع من التوحيد الطبقي المتجاوز لعقيدة “فخر الانتماء لهذا التنظيم النقابي أو ذاك “المشتتة للقوى والعزيزة على قلب القيادات النقابية. ونوع من تجاوز فئوية المطالب التي عمرت منذ 2004 في سياق الاحتجاج على محدودية النظام الأساسي ل 2003 وبروز ثغرات في ترقي فئات. وفك لعزلة نضال المفروض عليهم/ن التعاقد منذ سنة2018 .
* إعادة اكتشاف تقاليد الديمقراطية النقابية، الجموع العامة بأماكن العمل و المشاركة الجماعية في صياغة القرارات من القاعدة و انتداب المنسقين في هذه الجموع او عزلهم ثم التوظيف الواسع و المثمر لمواقع التواصل الاجتماعي الحديثة.
* المشاركة الواسعة للنساء في الحراك جموعا ونضالات.
لكن بالمقابل، كشف الحراك أيضا عن أوجه قصور حدت من انتزاع مكاسب بحجمه ومراكمة وديمومة أشكال تنظيم مناسبة لاستمرار زخمه لتحصين ما انتزع في ذروته ومواجهة القادم من هجمات الدولة، ونذكر هنا:
* ضعف الفهم النظري والتسيس العمالي الكفيل بسبر مخططات الدولة القطاعية أو التقائها مع مخططات أخرى من قبيل إعادة النظر في الخدمات العمومية و علاقات الشغل بها و علاقتها بنظام المديونية واختيارات الدولة في الخصخصة والدعم المطلق للتراكم الرأسمالي لصالح القطاع الخاص، وهو ما يفسر نهم الأغلبية لما يقدمه من أفكار طينة مضلله من أساتذة جامعيين وإعلاميين أثناء الحراك. أمر كاشف طبعا لإحدى أوجه الهزال والضعف النقابي من حيث الانتاج الأدبي المواكب.
* استمرار تأثير الأعراض المرضية للنزوع الفئوي و التشتت النقابي وانتهاء بدوس ديمقراطية الجموع العامة المعاد اكتشافها، حيث ظل قصور في التنسيق بين مكونات الحراك الثلاثة و ثقافة فخر الانتماء ضدا على منطوق و دعوات جموع القاعدة بالمؤسسات، و منذ اواسط دجنبر حلت قيادات التنسيقيات محل القاعدة في التقرير . فضلا عن غياب عمل تجاه باقي فئات القطاع وبالأحرى تجاه باقي موظفي قطاعات الدولة الأخرى التي تستهدفها نفس المخططات.
* عداء شديد واسع للنقابة، مبطن و علني في كثير من الأوجه، كشف عن انحطاط الوعي و الخلط بين النقابة كمكسب عمالي قبل قرنين و الخط النقابي المهيمن حاليا على تنظيماتها و شكل تدبيره للحياة النقابية. وللأسف كان ذلك أحد عوامل عدم تبلور طلائع نقابية منظمة معارضة بفهم صحيح في الحد الأدنى الضروري لإعادة بناء الحركة النقابية على أسس الوحدة والديمقراطية والكفاح، وحتى بالاتجاه لإحداث “نقابة جديدة”.
* قصور مشاركة النساء، خاصة في البنيات القيادية لأدوات الحراك. وغياب أي حضور لمطالبهن الخاصة بما يعكس دورهم الواسع والأساسي في جماهيرية الحراك وكفاحيته.
لكن، لا ينكر أثر الحراك إلا غافل أو مغرض، تأثير في النهوض النقابي بقطاعات الصحة والجماعات الترابية والعدل…، اهتمام وتتبع غير مسبوق للحوار المركزي وخاصة موضوعات التقاعد وقانون الإضراب والأجور والمواقف النقابية خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، استمرار مزاج النضال إلى حد مشجع كما برز في اضراب 22 ابريل 2024 التضامني مع الموقوفين/ات (التضامني، وهو شيء مهم) وما رافقه من تظاهر حوالي 2000 أو ما يزيد من الشغيلة بعد اعتقاد اليائسين أو المخادعين موت الحراك.
وعموما، سيكون ايضا من الصعب توقع تطورات تأثير الحراك على الوضع النقابي بقطاع التعليم خاصة انه لم يستطع تجاوز أعطاب المعضلة النقابية بما يليق، لم ينتزع أهم مطالبه حول التوظيف، لم بنته بشكل منظم وواع، لم يتجاوز بعض أعطاب الديمقراطية والفئوية ووحدة المطالب ولم يبدع مطالب أكثر عمقا وانتقالية بحجم عمق وأوجه هجوم الدولة المعمم، لم يبلور طلائع بفهم صحيح الجواب على المعضلة النقابية سواء مساهمة في جهود تصويب بوصلة ما هو قائم من أدوات أو إبداع شيء جديد متجه نحو الأفضل.
مع شكر وامتنان نضالي لجريدة المناضل-ة التي تفتح فرص للمناضلين النقابيين للتعبير عن رأيهم من زاوية المصلحة العمالية. تحياتي.
اقرأ أيضا