القطاع الصحي: تململ نضالي في مواجهة سياسة بورجوازية زاحفة على الخدمات العمومية وعلى مكاسب الشغيلة
بقلم، ع.أ
تأثير الإضراب التعليمي
قبل الإضراب التعليمي الكبير الذي عرفه الربع الأخير من سنة 2023، كانت النقابات الصحية تساير مقترحات الوزارة فيما يخص التشريعات الجديدة التي ترغب الحكومة في تنزيلها لإعادة هيكلة القطاع من خلال تنزيل المجموعات الصحية الترابية gst واستكمال تنزيل النصوص القانونية المفككة للوظيفة العمومية. كانت النقابات مكتفية بجلسات الحوار الفارغة ولا تعمل على تعبئة الشغيلة وتوحيدها للدفاع عن الخدمة وعن الوظيفة العموميتين ومواجهة تدهور القدرة الشرائية.
بعد الإضراب التعليمي، ورفض الشغيلة التعليمية للنظام الأساسي الصادر في مطلع أكتوبر 2023، وهو نظام يكرس السير نحو تفكيك التعليم العمومي وتعميم الهشاشة في التوظيف وتكثيف الاستغلال مع أجور هزيلة في ظل ارتفاع متواصل في الأسعار على امتداد الثلاث سنوات السابقة.
أعطت الشغيلة التعليمية درسا في النضالية والتنظيم لبيروقراطيات نقابية منغمسة في حوار مرطوني تملي فيه الوزارة ما تريد، بينما تكتفي هي بتدبيج بيانات تكرر كل مرة فيها أسفها على انفراد وزارة التربية الوطنية بتقرير كل شيء، دون انخراط جدي في النضالات ودون سعي لتوحيد القوى وتجميع المطالب. بيروقراطيات النقابات التعليمية كانت تستغل نضال بعض التنسيقيات لكي تحذر الوزارة من انفلات الوضع. وهي نفس الحالة السائدة وسط النقابات الصحية.
هكذا ألهمت إضرابات ومسيرات ونقاشات شغيلة التعليم شغيلة قطاع الصحة، وبدأت سيرورة نقاش في القواعد الصحية رافضة للمجوعات الصحية الترابية وذلك من خلال تشكيل مجموعات وتسابية للنقاش وتأسيس تنسيقيات رافضة لها.
تعاون البيروقراطيات النقابية مع وزارة الصحة لاحتواء الوضع
مخافة من انفلات الوضع من بين يدي البيروقراطيات النقابية، التقطت المكاتب النقابية الوطنية الإشارة، وتوجهت للوزارة بدعوة لتحسين الأوضاع المادية لمهنيي الصحة قبل مناقشة تنزيل القوانين الجديدة، كما جاء في مراسلة 10 دجنبر 2023 للوزارة الصادرة عن النقابة الوطنية للصحة/ كدش ومراسلة النقابة المستقلة للممرضين ليوم 11 دجنبر مثلا. هكذا تم توقيع اتفاق عام يوم 29 دجنبر 2023 بين الوزارة الوصية والنقابات الصحية نتج عنه تعليق كل الأشكال النضالية المبرمجة.
اغتنمت النقابات الصحية الموقعة على الاتفاق، الإضراب التعليمي الكبير «للرفع» من سقف مطالبها المادية دون المساس بأسس المشروع الحكومي الرامي لاستكمال تفكيك الوظيفة العمومية. حيث جاء في نص الاتفاق أنها ملتزمة بمضامين البرنامج الحكومي 2021-2026 وهو برنامج في جوهره معادي لمصالح الشغيلة.
شكل امتحان الكفاءة المهنية للممرضين لولوج الدرجة الأولى الذي جرى يوم 31 دجنبر 2023 مناسبة للوزارة لضرب المصداقية النقابية على أوسع نطاق بعد توقيعها على اتفاق في مصلحتها وتمكنها من عزل الشغيلة الصحية عن نضالات الشغيلة التعليمية، فقد قامت:
أولا بتقديم جواب هزيل على المطالب ذات الكلفة المالية المباشرة يوم 16 يناير 2024 وهو عرض رفضته النقابات نضرا لعدم قدرتها على تبريره للشغيلة الساخطة مما اضطرها للإعلان عن إضراب وطني يوم 24 يناير 2024 وهو ما سارعت الوزارة باحتوائه بتوقيع محضر اجتماع مع النقابات يوم 23 يناير 2024، نتج عن ذلك تعليق كل الأشكال النضالية.
ثانيا في يوم 29 يناير 2024 نشرت الوزارة نتائج امتحان الكفاءة المهنية، فكانت النتائج صادمة وغير مسبوقة، تمثلت في أن أغلب الناجحين والناجحات هم أعضاء في المكاتب النقابية الإقليمية والجهوية الشيء الذي خلف حالة من الاستغراب والسخط لدى عموم الشغيلة خصوصا مع معرفتهم بمستوى بعض الأعضاء الناجحين.
النضال وحده يجدي
رغم هذه المناورات وجدت الشغيلة الصحية نفسها أمام خيار وحيد هو التوجه للنضال، هكذا بعد تهرب الحكومة من تنفيذ بنود محضر اجتماع 23 يناير 2024 الهزيل أصلا، وجدت النقابات الصحية نفسها مجبرة على الدعوة إلى إضراب وطني وهو ما تم يوم 29 فبراير 2024 بينما دعت النقابة المستقلة للممرضين إلى إضراب يومي 28 و29 فبراير 2024، المشاركة في إضراب 28 فبراير كانت ضعيفة. هذا الضعف يمكن تفسيره بنتائج الامتحان المهني، الشغيلة اعتبرت أن بعض النقابات تستعمل القواعد من أجل ربح شخصي، خصوصا أن هذه القواعد كانت تأمل في النقابة المستقلة للمرضين تجاوز السلبيات المنتشرة في الوسط النقابي. لكن حصول بعض أعضائها على التفرغ النقابي ونجاحهم المشكوك فيه وغير المسبوق في امتحان الكفاءة المهنية أحبط جل الشغلية الصحية المنتمية لهذه النقابة.
الوزارة لم تستجيب لمطالب الشغيلة الصحية فما كان من النقابات إلا تجديد الدعوة للإضراب لمدة يومين، الأربعاء 6 والخميس 7 مارس 2024، بكل المؤسسات الصحية الاستشفائية الوقائية والإدارية باستثناء المستعجلات والإنعاش، مصحوبة بوقفات احتجاجية إقليمية أو جهوية.
تتمحور مطالب هذه الإضرابات حول الزيادة العامة في الأجور وإعادة النظر في نظام التعويضات حول الحراسة والإلزامية وسن تعويضات جديدة عن العمل في المناطق النائية والتعويض عن التنقل… كما تشمل المطالب محور الترقية، ومطلب إلحاق العاملين بالمراكز الاستشفائية الجامعية بالصندوق المغربي للتقاعد بالإضافة لمطالب تهم فئات متنوعة من الجسم الصحي.
غير أن مطلب النقابات الصحية بتحسين الأوضاع المادية قبل تنزيل المجموعات الصحية الترابية، يجعلها تساير الوزارة في جوهر سياستها. فهي موافقة على تدمير الخدمة العمومية الصحية بشكل شبه كلي، من خلال ضرب ما تبقى من مجانية الخدمات التي تقدمها المستشفيات العمومية وكذا تفكيك الوظيفة العمومية الصحية وإدخال التعاقد والهشاشة وإعادة صياغة تركيبة الأجر ومدة العمل الفعلية من خلال الرفع من ساعات العمل تحت غطاء الساعات الإضافية بمبرر الرفع من الأجر، في ضل خصاص دائم في الأطر الصحية بمختلف تخصصاتها وهو ما يعني تكثيف الاستغلال.
من اجل توفير شروط نجاح أي نضال يجب توحيد البرنامج النضالي والملف المطلبي لمواجهة وزارة موحدة وتعرف ما تريد. من أولى أولويات النضال حاليا العمل على توحيد الشغيلة من خلال لجان الإضراب والعمل على فتح جسور مع القطاعات الأخرى بالوظيفة العمومية وإلا ما جدوى الانتماء لمركزية نقابية.
من أجل حركة نقابية في خدمة مصالح الشغيلة
السياسة الصحية المتبعة بالبلد، التي لا يخفى على أحد أنها في خدمة كبريات المجموعات المالية، وتتم بدعم من المؤسسات المالية الدولية وبمباركة منها، وهي سياسة تمول بقروض كان آخرها ذاك الذي قدمه البنك العالمي يوم 15 يونيو 2023 بهدف «توسيع نطاق الحماية الاجتماعية على جانب الطلب» و «إعادة تصميم النظام الصحي القائم على جانب العرض» وزاد منتشيا «فالمغرب ينفذ حاليا واحدا من أكثر إصلاحات النظام الصحي طموحا وشمولا في العالم» حسب بلاغ البنك الدولي ليوم 19 يونيو 2023. الإصلاحات في عرف البنك العالمي تعني تفكيك القطاع العمومي وخوصصة خدماته وتمكين القطاع الخاص الدولي والمحلي من الاستثمار وجني الأرباح وكذا تعميق الفوارق الطبقية والمجالية.
ليست عملية بيع المؤسسات الصحية من جهة، بما فيها المراكز الاستشفائية الجامعية وإعادة كرائها من قبل الوزارة، غير عملية مقنعة لخوصصة القطاع الشاملة التي يرعاها البنك العالمي. ومن جهة أخرى تدعيم الشراكة بين القطاع العام والخاص سوى وسيلة لتمكين المقاولين من الموارد العمومية عبر استغلال البنيات والتجهيزات والموظفين. إن هذه السياسة الصحية مندرجة في إطار سياسة أوسع نطاقا تعمل على تكثيف استغلال الطبقة العاملة بمجملها ومن ضمنها شغيلة قطاع الصحة، وهي سياسة في خدمة طبقة بورجوازية نهابة تثقل البلاد بمديونية لا يستفيد الشعب منها.
دور النقابة في مجتمع طبقي مبني على الاستغلال هو الدفاع عن مصالح الشغيلة أولا وأخيرا ورفض تسليع الخدمات الصحية وجعلها تجارة يحصل على خدمتها من هو أغنى أولا.
توفير الخدمة العمومية الصحية، يقتضي القطع مع السياسة الخادمة للأقلية البورجوازية والعمل على بلورة مشروع مجتمعي مبني على تلبية الحاجات الأساسية للشعب العامل، مشروع مبني على التضامن وإبعاد الرأسمال عن الاستثمار في القطاع الصحي وبناء منظومة صحية عمومية حصرا سيرا على درب القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
كما أن النقابة الصحية لا يجب أن تقبل بإدخال معايير المقاولات الرأسمالية لتدبير القطاع الصحي، حيث لا يوجد إلا منطق الربح المالي للرأسماليين، مقابل انحطاط نسبي في الخدمات مقابل غلاء كلفتها، هذا المنطق التجاري الخالي في جوهره من أية إنسانية ينذر بتكثيف الاستغلال وتدهور في شروط العمل، ولنا فيما يحدث في المستشفيات الخاصة أسطع مثال.
طنجة في: 18 مارس 2024
ملاحظة 1: النقابات العاملة بقطاع الصحة هي: النقابة الوطنية للصحة / كدش والجامعة الوطنية للصحة/ امش والنقابة الوطنية للصحة العمومية / فدش والجامعة الوطنية للصحة / اعشم والجامعة الوطنية لقطاع الصحة/ اوشم والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام والمنظمة الديمقراطية للصحة والنقابة المستقلة للأطر الإدارية والتقنية للصحة والحماية الاجتماعية والنقابة المستقلة للممرضين
ملاحظة 2: إضراب 29 يناير دعت له النقابات التالية بالقطاع الصحي العمومي: الجامعة الوطنية للصحة/ امش والنقابة الوطنية للصحة العمومية / فدش والجامعة الوطنية للصحة / اعشم والجامعة الوطنية لقطاع الصحة/ اوشم والنقابة الوطنية للصحة / كدش. هذا الإضراب عرف مشاركة واسعة في وسط الممرضين رغم انه فيما سبق كانت النقابة المستقلة للممرضين تعرف دعوتها للإضراب مشاركة واسعة.
ملاحظة 3: عملية الإنجاح في الامتحان المهني يمكن إرجاعه إلى قيام الوزارة بهذه العملية من جانب واحد من اجل تسميم الأجواء في الوسط النقابي ووسط الشغيلة وإفقاد النقابة أي اعتبار بهدف ضرب الدينامية النضالية. أو بوجود تواطؤ بين الوزارة وبعض القيادات النقابية المركزية بهدف ضرب تجدر نضالي في الفروع عبر إفقاد القيادات النقابية المحلية الاعتبار في عيون الشغيلة ومعها جدوى النضال والتنظيم.
يجب على النقابات والفروع النقابية رفض هذا الإنجاح والمطالبة بالتحقيق وترتيب الجزاءات والتشهير بهذا الفساد. وما دام أن المكاتب الوطنية لم تقوم بالتشهير بنتائج الامتحان المهني المشبوهة في نظر الشغيلة ورفضها، يبقى هناك تشويش للمعلومات المتداولة حول وجود اتفاق ضمني بين بعض القيادات النقابية الوطنية في قطاع الصحة والوزارة مفاده إنجاح أعضاء المكاتب الإقليمية مقابل التراجع عن البرنامج النضالي المعلن عنه يوم 16 يناير 2024 وعدم الانسياق وراء خطاب التنسيقيات المناهضة للمجموعات الصحية الترابية.
ملاحظة 4: القطاع مقبل عل إضرابات أخرى يومي 20 و21 مارس ويومي 3 و4 أبريل بدعوة من النقابة الوطنية للصحة / كدش والنقابة الوطنية للصحة العمومية / فدش والجامعة الوطنية لقطاع الصحة/ اوشم بينما دعت والمنظمة الديمقراطية للصحة والجامعة الوطنية للصحة / اعشم يومي 20 و21 مارس في حين دعت النقابة المستقلة للممرضين للإضراب أيام 26 و27 و28 مارس 2024.
اقرأ أيضا