طلبة/ات الطب يتقدمون النضال الشبابي دفاعا عن الخدمة العمومية
بقلم: أكوليز
عاد طلبة/ ات الطب منذ بداية الموسم الجامعي في العام 2023 للاحتجاج في الشارع. يخوض الطلبة/ات عبر إطارهم» التنسيقية الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب» إضرابا شاملا ومفتوحا عن التداريب الاستشفائية والدروس النظرية والتطبيقية ومقاطعة جميع الامتحانات. أتخذ طلبة/ات الطب قرار برنامج النضال هذا، في جموعات عامة وبنسبة مشاركة كبيرة تنم عن استمرارية تسيير ديمقراطية من أسفل، قل نظيرها لمنظمة شبابية في بلدنا منذ عقود. يحتج هؤلاء الطلبة/ ات على تقليص فترة التعليم الطبي من سبع إلى ست سنوات بناء على قرار وزاري ومن أجل تسريع وأجرأة طلبات الاعتماد الدولية لتكوينات الدكتوراه لدى المنظمات المعتمدة كـCIDMEF وWFME من طرف جميع الكليات العمومية دون استثناء. الخروج احتجاجا ضد تقليص سنوات التكوين ليس سوى مفجر لغضب كامن على الظروف الكارثية التي يتكونون فيها والتي لا تختلف عن باقي ظروف تعلم طلبة المغرب والتي نذكر منها: وجود اكتظاظ لأعداد الطلبة الوافدين، يوازي ضعفي أو ثلاثة أضعاف العدد المقرر وفصول مزدحمة وتعويضات مالية هزيلة وتأطير ضعيف خلال التدريب التطبيقي داخل المستشفيات واكتظاظ في الأقسام الناتج عن شح فضاءات الدراسة والتجهيزات. بينما تتزايد أفواج الطلبة سنة بعد أخرى، تقل الموارد البشرية المشرفة على التأطير في التداريب الاستشفائية.
تجارب نضال سابقة ضد ظروف وأوضاع التكوين
خاض طلبة/ات الطب في العام 2019، نضالا امتد لثلاثة أشهر (مقاطعة مفتوحة للدروس ومقاطعة امتحانات 10 يونيو) من أجل ملف مطلبي تضمن رفضِ إدماج طلبة الكليات الخاصة في المستشفيات الجامعية العمومية، خاصةَ، فيما يتعلق بالتدريبات الاستشفائية وخوض مباريات التخصص، علاوة على رفضهم إضافة سنة سادسة لدراسات طب الأسنان إلى جانب مطالب بيداغوجية ومادية.
كما نظم طلبة/ات الطب في العام 2015، خاصة في شهر شتنبر، إضرابا عن الدراسة (مقاطعة الدخول الجامعي) ومسيرة احتجاجية بالرباط، دعت إليها “التنسيقية الوطنية”، ولجنة “الأطباء الداخليين والمقيمين، انطلقت من مقر وزارة الصحة وصولا إلى مقر البرلمان. شكلت هذه المسيرة استمرار لأربعة أشهر من الاحتجاج على القرارات التي اتخذتها وزارة الصحة، في فرض العمل الإجباري على خريجي الطب الجدد لمدة سنتين دون الحق في الإدماج في سلك الوظيفة العمومية. ألزم هذا القانون كل متخرّج من كليات الطب العمومية بالعمل سنتين في المناطق النائية من المغرب، بنفس الشروط المادية والقانونية التي يضمنها القانون للأطباء العاملين في المناطق الحضرية، دون أن يضمن لهم ذلك عملًا دائمًا في القطاع العام بعد انتهاء فترة “الخدمة الإجبارية”.
إيجابيات
يقف طلبة/ات الطب، منذ العام 2015، بوجه سياسات الدولة القاضية على الخدمة الاجتماعية عامة والصحة العمومية بوجه خاص عبر مقاومة كل التعديات الرامية إلى القضاء على مكاسب التكوين والإجهاز على مكتسبات الممارسة المهنية من خلال رفض نقل منطق القطاع الخاص «الأداء مقابل الخدمة» إلى القطاع الصحي العمومي. إن صمود وكفاحية الطلبة في تنفيذ برنامجهم النضالي لأزيد من أربعة أشهر في وضع يتسم بالخوف من البطالة ووضع نضال ضعيف لا يفسره سوى الشجاعة والجرأة التي استمدوها من تجاربهم النضالية السابقة عبر تنظيمهم الطلابي « التنسيقية» ضامن انتقال الخبرات للأجيال الطلابية الملتحقة بالدراسة. يستمر هذا الحماس بوجه هجمات الدولة من خلال حفاظ هذا التنظيم الطلابي على أليات تسيير ديمقراطية تتجلى في برامج نضال تعبر عن قرار الطلبة/ات من خلال مشاركة واسعة في جموعات عامة من أسفل في جميع كليات البلد. يجيد الطلبة اختيار توقيت تنفيذ برامجهم النضالية التي تبدأ مع كل موسم جامعي وقد صادفت هذه السنة حراك شغيلة التعليم العمومي ما خلق نقاشا عاما حول سياسات الدولة الاجتماعية. كما تشهد معركة الطلبة النضالية انخراط أولياء الطلبة/ات، حيث جسد آباء وأمهات الطلبة/ات وقفة احتجاجية منتصف شهر فبراير 2024 أمام كلية الطب في مراكش تضامنا مع أبنائهم/هن وبناتهم/هن، رفعوا خلالها شعارات منددة بـ “مسلسل خوصصة الخدمات العمومية، وعلى رأسها الخدمة الصحية”.
الحوار والتنسيق مع الممرضين (زملاء/ات الغد في المستشفيات) من أجل تقوية المطالب والبرامج النضالية
تشكل نضالات طلبة/ات الطب منذ سنوات معارك مُقَاوِمة لهجمات الدولة دفاعا عن مكاسب، وليس لانتزاع أخرى جديدة. إن الوضع العام الذي يخوض فيه الطلبة معركتهم اليوم يتسم بالهجوم الحاد على المكتسبات الاجتماعية وبانخراط واستسلام تامين لقيادات النقابات وغياب تام لمعبر عن حقوق شغيلة الغد «تنظيم طلابي جامع». إن معركة الطلبة رغم صمودها إلا أنها تشهد عزلة تامة عن باقي النضالات المتفرقة الجارية من أجل مطالب تهم تحسين الوضع المهني.
يؤمن الطلبة بإمكانية الاستجابة للمطالب عبر الحوار في حين تنسى قيادة تنسيقية الطلبة بأن لا جدوى من طلب حوار. فالدولة تستعين بالحوار وقت تشاء، أي في اللحظة التي يظهر جدواه في وقف أي نضال. إن الدولة تستعمل الحوارات من أجل إيقاف الإضرابات مؤقتا في انتظار أول الفرصة السانحة لاستعادة باليد اليسرى ما اضطرت إلى التنازل عنه باليد اليمنى واستئناف الهجوم. ولا ننسى مصير معركة شغيلة التعليم البطولية الاخيرة، التي توقفت حين بدأت الدولة بإجراء الحوار (رغم تحقيقها بعض المكتسبات)، التي تميزت بالتراجع الفوري وغير المنظم. إن معركة الطلبة تستهدف سياسة الدولة في مجال الصحة ما يلزم البحث عن الحوار الحقيقي مع الضحايا الحقيقيين لسياسة الدولة في مجال الصحة. ففي نفس الوقت الذي يقاطع فيه الطلبة الدروس يخوض ممرضو الصحة الاضرابات منذ أشهر من أجل تحسين أوضاعهم المهنية وأيضا انطلاق معارك نضال طلبة وممرضي المعهد العالي للمهن التمريضية بالدار البيضاء في 12 فبراير 2024 من أجل تحسين أوضاع الدراسة والتكوين. هؤلاء هم الذين يجب مد اليد نحوهم من أجل حوار البحث عن كيفية رد هجمات الدولة بخوصصة قطاع الصحة وتحسين أوضاع المهنة مستقبلا.
كرد فعل على معركة الطلبة البطولية باشرت إدارة بعض الكليات بالقيام بإجراءات زجرية حيث أعلنت اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، توصل عدد 52 طالبا على الصعيد الوطني؛ يمثلون اللجنة الوطنية والمكاتب والمجالس المحلية باستدعاء من طرف عمادات كليات الطب والصيدلة العمومية وتوجيه تهم التحريض. لقد قامت اجهزة وزارة التعليم العالي بحلّ مكاتب الطلبة بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان وحظر أنشطتهم النقابية. لقد وجهت الوزارة تهم شل الكلية وعرقلة السير العادي للدراسة والتكوين ويأتي هذا الأجراء بعد إعلانها سابقا منح النقطة «صفر» لمن قاطع الامتحانات.
تهاطلت خلال الأسبوع الأخير مبادرات وساطة بين الوزارة والطلبة. إن هدفها هو نزع فتيل الاحتجاج ووقفه. إن الهدف منها هو القضاء على كل نضال قاوم وصمد وضحى وكافح طويلا من أجل مطالبه. غاية الوساطة كبح ومنع أي نضال من أن يصبح قدوة يقتدي بها مختلف شرائح وفئات عامة المقهورين من سياسات الدولة. يجب الحذر من منطق مبادرات الوساطة بالدفاع المستميث عن المطالب الحقيقية الآنية والمستقبلية للطلبة.
تُرغم الحركات المطلبية إلى اللجوء للتفاوض، أولا إذا ما ظهر لها استحالة مواصلة النضال بنفس الحماس والجرأة التي بدأت بها النضال. وثانيا لأن طول المعركة وضرورة تجميع القوى والتقاط الأنفاس وتقييم الخطوات النضالية السابقة. لا يكون عيبا التفاوض مع وضع نصب الأعين استئناف المعارك لاحقا.
اقرأ أيضا