من أجل استعادة 8 مارس النضالي
باستثناء نقاط ضوء نادرة، كان يوم 8 مارس في بلدنا غريبا عن المفترض أن يمثله هذا اليوم للنساء العاملات وسائر الكادحات، ضحايا الرأسمالية البطريركية. فمعظم أشكال الاحتفاء بيوم المرأة العالمي رسميٌّ وشبه رسميٍّ، يمتد من اليوم الدراسي لمجلس النواب حول مدونة الأسرة، إلى ما تنظمه مختلف المؤسسات الرسمية ورجال السلطة، ونساؤها، على كل المستويات، من أنشطة “تكريم” للمرأة و”ما حققت من منجزات”، وما درجت عليه جمعيات “المجتمع المدني” لا سيما ذات الطابع النسائي من حفلات وحتى بهرجة، وكذا نفاق أرباب العمل إزاء شغيلتهم من النساء، بالورود و”الهدايا”، وصولا إلى ما اعتادت الجماعات الإسلامية ذاتها من تبنٍّ ليوم 8 مارس على طريقتها في لي عنقه ليا، في اضطرار للمسايرة متحفظ من الخلفية “الغربية” لهذه المناسبة النضالية.
بات 8 مارس يوما مبتذلا مفرغا من محتواه النضالي، نوعا من “التحية” الموجهة إلى المرأة، لحظةُ وتمر، من قبل نخبة مالكة وحاكمة. إنه سطو سياسي وإعلامي وحتى تجاري، ونموذج لنزع الطباع السياسي عن قضية النساء.
الجهات ذاتها المسؤولة عن أوضاع سواد النساء الأعظم المقهورات، بأماكن العمل، وبأوضاع البطالة، وتحت أثقال العمل المنزلي، والمستفيدة منها، والمعارضة لمُثل التحرر النسوي، استولت على 8 مارس، ذي الأصل البروليتاري، وراحت تستعمله لإفساد وعي النساء، وتاليا تكريس قهرهن. تشكل خطاب نسوي زائف بصدد حقوق النساء والمساواة، اغتصب 8 مارس، على حساب النضالات لجعل تلك الحقوق والمساواة فعلية.
جرت مأسسة 8 مارس، وإفقاده بعده السياسي، وتكرست النخبوية عبر إضفاء المهنية على العمل النضالي بتضخم ظاهرة المنظمات غير الحكومية. واستشرى الاستقطاب الى الدولة ايديولوجيا وتنظيميا، وبات استعمال حقوق النساء لبلوغ أهداف غير تحررية هو القاعدة.
ليس إفراغ 8 مارس من محتواه تفردا مغربيا، بل يشمل بتفاوت أقطار العالم بحسب ميزان القوى الطبقي بكل بلد. لكنه يبلغ أشده في بلدان الجنوب المُخضعة بإحكام للسياسات النيولبيرالية التي يرعاها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، والمعانية من ضعف الحركة النسوية المستقلة. بيد أن العقد الماضي شهد، ضمن وثبة الحركة النسوية عالميا، إحياء لجوهر 8 مارس الكفاحي بالإضراب النسوي الذي شمل أماكن العمل وامتد إلى مجمل الإكراهات التي تنيخ على كاهل النساء، مبرزا بقوة تفاوت تقسيم الأعباء المنزلية وكشف أبعاد عمل النساء الأخرى المطموسة أو المنجزة مجانا، وأكد على مركزية إعادة إنتاج قوة العمل وآلية تجديد النظام الرأسمالي.
هذا الانتعاش الكفاحي، الباعث لـ 8 مارس الحقيقي، لم تظهر أمارة عليه في بلدنا، ولا زلنا في قعر الهاويةـ وليس ثامن مارس الباهت، والمسروق، غير مؤشر ضمن أُخَر عن الحالة المؤسية للحركة النسائية المغربية، بعد أن تدحرجت من مواقع تقدمية ذات ميول ونوايا اشتراكية (جريدة 8 مارس في مطلع الثمانينات) إلى شبه اندماج تام في برامج الدولة /البنك العالمي. وليس الأمر غير وجه من مسار شمل معظم اليسار المنتسب إلى الاشتراكية.
الصعود من الهاوية يبدأ بإعادة تسلح فكري، أي امتلاك نظرية نسوية تحررية تستعيد أهداف 8 مارس الأصلية، وتكوين كادر نسوي بها، وفي الآن ذاته الإلمام بواقع النساء، وما فعلت بهن عقود النيولبرالية، وبحركتهن القائمة فعلا، لاستجلاء مطالب نضال وكيفيات تنظيم تسير بحركة النساء المضطهدات نحو الانعتاق من النظام الرأسمالي البطريريكي.
كفاحية النساء العاملات، والقرويات الكادحات، علامة بارزة طبعت نضالات العقود الأخيرة، العمالية والشعبية، وهي ما أتاح نقاط الضوء التي أنارت 8 مارس. فسواء داخل النقابات حيث يستمر صمود بؤر نسوية (انظر مثلا 8 مارس عاملات الزراعة بهذا العدد)، أو في المناطق المهملة، نظير كفاح نساء فكيك لصد الاستحواذ على خدمات الماء، ثمة أساس متين لبناء حركة نسوية وفية لمثل 8 مارس التحررية.
التنوير النسوي الثوري، بأرقى ما بلغ الفكر النسوي الاشتراكي الايكولوجي، والارتكاز إلى الأساس النضالي الملموس، الناجم عن القهر الرأسمالي الذكوري، لبناء حركة نسوية كفاحية وديمقراطية، هي المهمة التي انبرت لها نصيرات جريدة المناضل-ة وأنصارها، وأيديهن/هم ممدودةـ، توخيا للتعاون، إلى كافة مناهضي القهر والاستبداد بكافة الأصناف.
اقرأ أيضا