غرق مصنع/مرآب النسيج بطنجة: حادثة-كارثة شغلٍ قتل فيها عشرات العاملات والعمال صعقاً بالكهرباء، واختناقاً تحت سيول الأمطار…

أخبار عمالية7 فبراير، 2025

 بقلم : م.أ.الجباري

التقديم
اليوم 8 فبراير نتذكر بنات طبقتنا و أبنائها الذي ماتوا في مصنع /قبو غمرته مياه المطر بطنجة . نبكيهم ونبكيهن مرة اخرى لا سيما ان ظروف استغلال قوة العمل بالمغرب بالغة السوء ، لدرجة جعلت هذا البلد الاكثر خطورة على الشغيلة ضمن بلدان المنطقة. لان رأس المال منشغل بامتصاص المزيد من الدماء بأرخص السبل، ودولته مصرة على تسهيل مسعاه بالامتناع العنيد عن تقوية جهاز تفتيش الشغل وتوسيع صلاحياته، وبالامعان في رفض سن سياسة حقيقية لتحسين ظروف العمل واتاحة وسائل الوقاية من المخاطر المهنية، ورفض فرض التأمين عن الامراض المهنية، لا بل لا تريد حتى دمج تأمين مخاطر الشغل في الضمان الاجتماعي.
وان كان من طبيعة الدولة البرجوازية ان ترعى رأس المال وتمهد له طرق التراكم، بما يستدعي ذلك من أقصى تقليص ممكن لتكاليف الصحة والسلامة في اماكن العمل، فان ما يدمي القلوب هو عدم اكثرات منظمات الشغيلة النقابية بصحة الشغيلة وسلامتهم بالنحو الواجب ، من ضمن اهمالها لمجمل جوانب المسألة الاجتماعية ، مقتصرة على تناول سطحي وانطباعي همه الاول والأخير التماس “الحوار الاجتماعي” ..
وإننا اذ نبكي قتلانا ، ونتذكر أسرهم المفجوعة، نزداد عزما على التشهير بجرائم رأس المال ودولته، وبذل القصارى لتنوير الشغيلة في مضمار الصحة والسلامة باماكن العمل، وتقوية التنظيم وحفز التضامن . ونحيي مناضلات طبقتنا ومناضليها على الصمود بمواقع المقاومة في وضع نضالي يزداد صعوبة مع الضربة الشديدة التي يمثلها قانون المنع العملي للإضراب الذي صادق عليها يوم الاربعاء الماضي برلمان الاستبداد .
على هذا الدرب نعيد نشر المقال التالي المعد قبل سنة في ذكرى فاجعة طنجة

جريدة المناضل-ة

*********************

يوم الخميس 08 فبراير 2024، تكون قد انقضت ثلاث سنوات على حادثة غرق مصنع/مرآب النسيج “A&M Confection” بطنجة، حادثة-كارثة شغل قتل فيها عشرات العاملات والعمال اختناقا تحت سيول الأمطار وصعقا بالكهرباء، يوم الاثنين 08 فبراير 2021.

إنها فقط واحدة من حوادث-كوارث الشغل الصارخة، يجري فيها تقتيل عاملات وعمال المغرب من طرف أرباب العمل وبتواطؤٍ من الدولة…

ألف- عودةٌ إلى بعض تفاصيل الحادثة-الفاجعة:

في صباح يوم الاثنين 08 فبراير 2021، حوالي الساعة العاشرة، عرفت مدينة طنجة تساقطات مطرية مهمة لحوالي ربع ساعة. مدةٌ كانت كافية لأن تستحم فيها عروس الشمال، لكن عوض أن تأخذ مياه الاستحمام هاته طريقها إلى شبكات الصرف الصحي للمدينة، كانت ترتفع أكثر، فأكثر، فأكثر، في شوارع المدينة ودروبها، مشكلة سيولاً متسخةً وفيضانات، ما تسبب في غرق عدد من الأحياء، وشلل كبير في الحركة، مع توقف اضطراري للدراسة في بعض المؤسسات التعليمية.

في نفس ذلك اليوم، ومنذ الصباح الباكر، كان عشرات من العاملات والعمال (المعلومات تشير إلى حوالي 50 عامل(ة)) يكدحون بمصنع النسيج “A&M Confection”، الكائن بمرآب تحت أرضي للفيلا رقم 16 (فيلا سكنية) بحي بن ديبان بطنجة، وجدت السيول طريقها إلى ذلك المصنع/المرآب، فداهمت العاملات والعمال، وحاصرتهم داخله، إذ غمرت المياه المصنع/المرآب حتى السقف.

“في حوالي 10 دقائق حاصرتهم المياه؛ كان المواطنون المتواجدون بمكان الحادثة أول من بدأ في إنقاذ بعض الضحايا” (من شهادة أحد أهالي الضحايا)؛ وعدد قليل من العاملات والعمال استطاع النجاة قبل وصول الإنقاذ والسلطات، فيما أغلبهم علق داخل المصنع/المرآب وقد غمرته المياه، ما تسبب في مصرع كثيرين.

كان وصول السلطات المحلية والأمنية ومصالح الوقاية المدنية متأخراً، حسب ما نقلته وسائل إعلام حينها عن مواطنين تواجدوا بمكان الحادثة، وحين أرادت الوقاية المدنية إفراغ المصنع/القبو، وقد أصبح تحت الماء، بواسطة مضخة، كان محركها لا يعمل، الأمر الذي لو تحقق لتم إنقاذ عدد أكبر ممَّا تم إنقاذه، حسب شهادة أحد العاملات الناجيات لتواجدها بالطابق الأرضي للفلا، شاهدة على الفاجعة، وأم لأربعة عاملات شقيقات بين 23 و35 سنة من بين ضحايا الفاجعة لقين حتفهم.

“تَدخُّل السلطات المحلية والأمنية ساهم في إنقاذ 10 أشخاص، نقلوا إلى المستشفى الجهوي لتلقي الإسعافات الضرورية،…” (وكالة أنباء المغرب الرسمية عن بيان صدر عن سلطات مدينة طنجة).

في حين تم انتشال جثث 28 عامل(ة)، أغلبهم نساء، 19 عاملة. عروس الشمال مساء يوم الاثنين 08 فبراير 2021 حزينة، وأرملة، كما ترملت نساء وتيتم أطفال جراء هذه الفاجعة.

ولم يشر البيان إلى سبب الوفاة، إلا أن وسائل إعلام نقلت آنذاك عن ناجين قولهم إن مياه الأمطار ملأت الطابق السفلي بسرعة، ما أدى إلى تضرر تجهيزات كهربائية، مما نتج عنه صعق عدد من العاملين، وتسبب في سقوط ضحايا (وفيات وإصابات…) بهذا العدد.

من يومها نال هذا المصنع/المرآب “A&M Confection” اسم “مصنع الموت” في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام…

باء- “مصنع الموت” A&M Confection: وضعيتة القانونية، ظروف العمل، وشروط الصحة والسلامة المهنية

عقب الفاجعة مباشرة، صرحت السلطات أن المصنع/المرآب تحت الأرض “سريّ”!، وهو ما أثار حينها موجة انتقادات وتعليقات واسعة غاضبة ومستهزئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدد من الجرائد…

“معمل سريّ بطنجة، لم يعلم به أحد، لا لمقدم، لا القايد، رغم صوت الآلات، والعمال بلعلالي شي داخل شي خارج.. ويجي بنادم يحط جوج ياجورات وشوية رملة قدام دار، يلقا المقدم فوق راسو…”: هذه واحدة من العديد من تلك التعليقات الغاضبة المستهزئة…

والحقيقة، أرادت السلطات أن تتنصل من مسؤوليتها عن الفاجعة، بالتصريح أن المصنع “غير قانوني”، “غير مرخص”، أي أنه يدخل في إطار وحدات الاقتصاد غير المهيكل.

والشيء نفسه حاوله آنذاك وزير الشغل والإدماج المهني سابقا، محمد أمكراز، إذ قال يومها لجريدة “العربي الجديد”، عقب الفاجعة، إن صاحب العمل كان يتوجب عليه عمل إجراء مسطري يتمثل في “التصريح بعنوان مقر الشركة التي تشغل يداً عاملة”، ووضع إشعار مكتوب لدى مندوبية وزارة الشغل. إذ ينص قانون الشغل، في المادة 135 على “أنه يجب على كل شخص، طبيعياً كان أو اعتبارياً، يريد فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش، يشغل فيه أجراء، أن يقدم تصريحاً بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، وفق الشروط والشكليات المحددة بنص تنظيمي”.

لكن ابراهيم البليلي، شقيق عادل البليلي مالك شركة “A&M Confection”، يدحض رواية السلطات بأن المصنع كان “سرياً” بتقديمه وثائق تثبت تسجيل الشركة باسم “A&M Confection”، ونشاطها الأساسي صناعة النسيج، بالإضافة إلى القانون الأساسي للشركة، كما يمتلك سجلا تجاريا مستخرجا من المحكمة التجارية في طنجة، وشهادة الهوية الضريبية، وشهادة الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعقد كراء المحل لغرض الاستغلال الصناعي، منذ 16 يناير/كانون الثاني عام 2017.

كما أن “لجان المراقبة التابعة لوزارة الداخلية كانت تتردد على الشركة خلال فترة الطوارئ الصحية التي تزامنت مع تفشي جائحة كورونا لمراقبة مدى الالتزام بالتباعد الاجتماعي فقط”، حسب شهادات عدد من العمال بمصنع الموت هذا.

وهو ما يؤكد تغاضي أجهزة الدولة عن النشاط الصناعي لهذا المصنع في قبوٍ لفيلا سكنية، وفي أماكن سكنية غير مهيأة لمثل هذه الأنشطة، وإهمالها للمخاطر المحدقة بحياة وسلامة وصحة عشرات العاملين به، وكذا المواطنين بمحيطه…

وفي هكذا مصانع، غير خاضعة للقوانين، إضافة إلى تملصها وتهربها من الضرائب، تنعدم بها أبسط شروط الصحة والسلامة المهنية والوقاية من المخاطر، التي يفترض تطبيقها لتحمي العاملات والعمال، فكون وجوده في قبو يجعل العاملين به معرضين بدرجة عالية للإصابة بأمراض مهنية، وللمخاطر عند كل حادثة، حيث صعوبة التهوية، وغياب المنافذ، ما يُصعِّب الإخلاء والانقاذ عند الخطر، وما احتجاز العاملات والعمال داخل مصنع الموت، والمياه تتدفق إلى داخله، إلا دليل على غياب منافذ للهرب والنحاة…

كما لا يتم بها تمتيع العاملات والعمال بالحقوق المنصوص عليها في قوانين الشغل، على قلة تلك الحقوق وبساطتها: تشغيل في ظروف بالغة السوء، بأجور زهيدة، ساعات عمل طوال، ولا تأمين لفائدتهم عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، ولا تسجيل لهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)…

باختصار، يجري تشغيل العاملات والعمال في مثل هذه المصانع بما يشبه “نظام الموقف”، يتم تشغيلهم في “النوار”.

جيم- بماذا قامت الدولة عقب وقوع فاجعة “منع الموت”: حصر التحقيق والمتابعة والمحاكمة في مالك المصنع وشركة “أمانديس”

إثر الحادثة-الفاجعة مباشرة، أعلنت الدولة عن فتح تحقيق جنائي من قبل السلطات المختصة تحت إشراف النيابة العامة للكشف عن ظروف وملابسات وحيثيات الحادثة وتحديد المسؤوليات…

لكنها عملت منذ البداية على حصر المسؤولية، ومن ثمة التحقيق والمتابعة حول صاحب “مصنع الموت”، وأن الملف “جنحي تلبسي”، وشركة “أمانديس” المفوّض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء في المدينة.

ويوم الثلاثاء 11 ماي 2021، أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بمدينة طنجة قراراً يقضي بمتابعة عادل البليلي مالك “مصنع الموت” “A&M Confection” في حالة اعتقال بالسجن المحلي بطنجة، على خلفية انتهاء البحث معه حول الفاجعة، بعد تأجيلها مرات عديدة بسبب الوضع الصحي الذي كان يمر به.

وبخصوص التهم التي يُتابع بها، فهي: التسبب في القتل غير العمد والجرح بدون عمد، بسبب عدم مراعاة النظم والقوانين وخرق مقتضيات قانون الطوارئ الصحية، وفتح مقاولة بدون ترخيص، وتشغيل القاصرين دون إذن (للأسف، قوانين البلاد تسمح بتشغيل القاصرين)، وعدم مراعاة شروط الصحة والسلامة داخل المقاولة، طبقا للفصلين 432 و433 من القانون الجنائي، والفصل الرابع من مرسوم 23/03/2020 والفصول 135 و137 و143 و147 و150 و281 و296 و548 من مدونة الشغل.

في السياق ذاته، قرر قاضي التحقيق فصل الملف بخصوص مسطرة التحقيق الجارية في مواجهة شركة “أمانديس”؛ هذا، وكان الممثل القانوني لهذه الشركة قد حمّل المسؤولية لحائط شُيِّد بمنطقة قريبة من المصنع، وكشف أنه “تسبب في حجز المياه مما أدى لدخولها المصنع”.

ويوم الخميس 09 دجنبر 2021، أنهى القضاء فصول المحاكمة الابتدائية في قضية “مصنع الموت”، إذ قضت المحكمة الابتدائية بطنجة بإدانة صاحب المصنع بسنة ونصف سنة حبساً نافذاً وغرامة قدرها ألف درهم، وذلك بعد نحو تسعة أشهر من اعتقاله.

كما قضت بتغريم شركة “أمانديس” بتقديم تعويض مدني لعائلات الضحايا حُدِّدت قيمته في 200 ألف درهم.

وأما الأسئلة الأولية التي تم طرحها منذ اليوم الأول للحادثة من طرف العاملات والعمال والمواطنين، وانتظروا أن يجيب عنها التحقيق: ماذا وقع للعاملات والعمال؟ توفوا غرقا؟ أم صعقا بالكهرباء؟ فبقيت بلا جواب.

تمَّ تحميل مسؤولية الفاجعة وحصرها في صاحب المعمل فقط!، فيما لم يَطَل التحقيق والمتابعة أي مسؤول في أجهزة الدولة، كبيراً أو صغيراً، لا امقدم، لا باشا، لا عامل، لا والي، لا مفتشي الشغل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)…

في حين لم تصدر أية غرامة على المصنع، ولا حجز على أملاكه وأمواله، قصد إنصاف الضحايا (هالكين و”ناجين”) وذوي حقوقهم، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار إثر الكارثة، وتمتيعهم بحقوقهم التي جرى هضمها أثناء تشغيلهم.

وأما البرلمان، في الجلسة العامة لمجلس النواب التي أعقبت الفاجعة، طالبت الفرق البرلمانية بقراءة الفاتحة ترحما على الضحايا، مكتفية بتحميل المسؤولية للحكومة، مطالبة بفتح تحقيق دقيق، والتعجيل به، لمحاسبة من كانوا سببا في وفاة هؤلاء العاملات والعمال ضحايا لقمة عيش، وقطاع غير مهيكل، مع ترتيب المسؤوليات الكاملة، وضرورة أن لا يتم تجاوز هذه الفاجعة…

لكن ذلك ظل كلاما فارغا، وكان الغرض منه حينها امتصاص غضب وتذمر العاملات والعمال، والرأي العام؛ إذ لم يطالب النواب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، ليس فقط حول هذه الحادثة-الفاجعة، بل حول مختلف مصائب وأهوال العمل التي تلحق العاملات والعمال، ليطرح سبل وضع حدٍّ لها.

لكن البرلمان لا صلاحيات حقيقة له، فضلا عن عدم تواجد أحزاب عمالية به تدافع حقا عن مصالح العاملات والعمال. بل إن نوابه يمثلون أحزابا تدافع عن أرباب العمل ومصالحهم.

فيما منظمات الطبقة العاملة، خاصة منظماتها النقابية الغارقة في وحل التعاون والشراكة مع أرباب العمل والدولة، فلم ترق، بل لم تسع إلى استنهاض قوى العاملات والعمال للاحتجاج والنضال من أجل إنصاف ضحايا هذه الفاجعة بفرض إجراء تحقيق شامل موضوعي، يحدد الأسباب الحقيقية، والمسؤوليات، وإصدار حكم يقضي بتعويض حقيقي للضحايا وذويهم، أقله: غرامة على المصنع تضمن تسجيل العاملات والعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (بتأدية مساهمة المشغل والعامل(ة) معا من مجموع الأجور التي صرفها لهم طيلة فترة عملهم لديه، شريطة أن لا تقل عن الحد الأدنى القانوني للأجر) تدفع للصندوق، وشمولهم وذوي حقوقهم بأحكام قانون الضمان الاجتماعي منذ تاريخ التحاقهم بالعمل لديه، ودفع الاشتراكات المترتبة وفوائدها وغراماتها المنصوص عليها في القانون؛ والشيء نفسه بالنسبة للتأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية. وفرض اتخاذ إجراءات توفر بيئة عمل آمنة ولائقة…

دال- مصنع الموت “A&M Confection” ليس حالة معزولة: مصانع مماثلة تنتشر في طول البلاد وعرضها تحت أنظار الدولة وحمايتها: أرباح طائلة لشركات وساطة كبيرة ولعلامات “ماركات” تجارية عالمية، موت وأمراض للعاملات والعمال…

جولة ميدانية بسيطة في حي بن ديبان بطنجة، حيث الفيلا رقم 16 التي شهدت الفاجعة، تكشف أن “مصنع الموت” “A&M Confection” ليس حالة معزولة، وأن الفاجعة التي وقعت به، يمكن أن تقع مجدداً في سلسلة منازل متلاصقة تضم سراديب تحت الأرض، يستغل بعضها كمخازن للسلع، وأخرى فيها أنشطة مهنية وصناعية، بعضها منذ 10 سنوات، ورفع السكان بالحي شكاوى إلى جمعيات محلية نبهت إلى خطر تحويل المنطقة السكنية إلى حي صناعي.

“في حال اعترض الجيران على تجمع مهني لأي سبب من الأسباب، فإن أقصى ما يمكن أن تفعله البلدية هو تحرير محضر وإحالته إلى الجهات المختصة للتعامل مع الأنشطة المصنفة في خانة القطاع غير المهيكل” (مما قاله رئيس بلدية بني مكادة، محمد خيي، التابع لها الحي الذي وقعت فيه الفاجعة).

كما تنتشر مثل هذه المصانع بالأقبية، المفتقرة إلى أدنى شروط الصحة والسلامة، وحيث لا منافذ للنجاة والتهوية، بباقي أحياء المدينة، ويُطلق عليها العاملات والعمال اسم “معامل الحفرة“.

تنتشر أيضاً مصانع النسيج “غير القانونية”، أو”غير المرخصة”، التي تسمى وحدات القطاع غير المهيكل، بشكل ملحوظ، في الدار البيضاء، وسيدي بنور، ومراكش، وفاس، وسلا، والقنيطرة، تشغل بين 10 إلى 50 عاملاً(ة)، بعضها لديه رخصة مزاولة النشاط  الصناعي، لكن ليس لديها إطار قانوني خاص بالشركة أو العكس. وهذه المعامل غير “سرية”، وتعلم عنها الجهات المسؤولة (حسب عبد الرزاق بوهرماش، نائب رئيس جمعية المقاولات المتوسطة والصغرى لصناعة النسيج).

وتتركز 40% من هذه المعامل في الأقبية، خاصة في الدار البيضاء وطنجة، وأخرى في الطوابق السفلية للمحلات (وفق تقديرات عبد الرزاق بوهرماش)؛ “معامل الحفرة” إذن لا تخص مدينة طنجة وحدها، بل منتشرة في كل المدن.

وأن 10% من الشركات الصغيرة في طنجة والدار البيضاء تصنع الألبسة لصالح شركات عالمية عن طريق شركات وسيطة.

وفي مدينة طنجة وحدها يشغل قطاع النسيج نحو 100 ألف من اليد العاملة، 15% منها تعمل في القطاع غير المهيكل، وبلغ مجموع المعامل غير المهيكلة وسط الأحياء السكنية في طنجة بعد الفاجعة 450 معملاً (حسب عمر مورو، رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الشمال).

لكن أرباب الشركات العاملة في هذا المجال يؤكدون أن عددها أكبر من ذلك، ويقدره بعضهم بـ2000 وحدة صناعية تنتشر في الطوابق السفلية للمنازل.

وفي مدينة الدار البيضاء يصل عددها إلى 5206، منها 1868 لديها رخص لمزاولة النشاط المهني، بينما لم يحصل 3338 معملاً على الرخص (حسب عبد المالك الكحيلي، نائب عمدة الدار البيضاء ورئيس مقاطعة عين الشق).

ونحو 54% من إنتاج قطاع النسيج تحققه مصانع “لا تحترم المعايير القانونية”، وفق دراسة لاتحاد مقاولات المغرب (نقابة أرباب العمل) في عام 2018. والحقيقة أن معامل النسيج، سواء بالقطاع المهيكل، أو تلك التي بالقطاع غير المهيكل، لا تتوفر فيها شروط الصحة السلامة المهنية…

هكذا، فالدولة بالمغرب، بعدم إغلاقها لهذه المصانع، وتغاضيها عن أنشطتها، رغم ما تشكله على العاملين بها، والمواطنين بمحيطها، من مخاطر وأمراض، توفر لها ولشركات الوساطة المتعاملة معها، ولعلامات “ماركات” تجارية عالمية كل الظروف لتخفيض تكاليف الإنتاج، وتحقيق أعلى الأرباح: أماكن عمل غير مهيأة وسط مناطق سكنية (وأحيانا هذه المناطق نفسها مناطق سكن عشوائي)، مقابل إيجار رخيص، وأجور زهيدة، بدون سداد لاشتراكات التأمينات والحماية الاجتماعية (لا تأمين للعاملات والعمال عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، ولا تسجيل لهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، ولا التزامات ضريبية…

وفي حال وقوع حادثة-كارثة شغل يصعب التستر عليها، لا متابعات حقيقية تطال المسؤولين عنها، ولا غرامات حقيقية تفرض على أرباب العمل تُمَكِّن من إنصاف ضحاياها من العاملات والعمال وذويهم، وتضمن تعويضا حقيقيا لهم؛ أما ما تسببه ظروف تشغيل هذه المصانع من أمراض مهنية فلا حديث عنها إلى الآن.

هاء- فاجعة “مصنع الموت” بطنجة ليست سوى حلقة في سلسلة أهوال وكوارث حوادث الشغل بالمغرب:

فاجعة غرق مصنع الموت بطنجة، يوم الاثنين 08 فبراير 2021، تعيد إلى الأذهان العديد من حوادث شغل مماثلة لها في العديد من الجوانب، أبرزها «محرقة روزامور» (حادثة احتراق مصنع روزامور بالدار البيضاء وبداخله ما يزيد عن 100 عامل-ة-) المقترفة من طرف طبقة برجوازية المغرب والدولة في حق طبقة عاملاته وعماله، يوم السبت 26 أبريل”نيسان” 2008، التي أدّت إلى مقتل 56 عاملاً(ة)، وجرح 17 آخرين.

وسواء قبلها، أو بعدها، مات العديد من العاملات والعمال، فرادى وجماعات، أثناء الذهاب إلى العمل، أو العودة منه، أو في أماكن العمل، وهم يكدحون لفائدة أرباب العمل ودولتهم مقابل أجر زهيد عَلَّه يؤمن لهم ولأسرهم لقمة عيش يومهم.

نذكر منها، على سبيل المثال، لا الحصر، وفاة 10 عمال وعاملات من شغيلة الزراعة، يوم 20 دجنبر 2023، وإصابة 8 آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة في حادث شغل على الطريق، أثناء نقلهم على متن شاحنة فلاحية على الطريق الجهوية الرابطة بين الحاجب وإفران؛ ذوو الإصابات الخطيرة من العمال والعاملات نقلوا يومها إلى مستشفى فاس .

وفاجعة يوم الأربعاء 29 مارس 2023، التي نتج عنها وفاة 11 عامل(ة) زراعة على الأقل، فيما أصيب باقي العاملات والعمال: 24 عامل(ة)، من بينهم ما لا يقل عن 10 إصابات بليغة، وذلك نتيجة حادثة سير خطيرة لعربة نقل العاملات والعمال “سطافيط” كانت محملة بأكثر من 35 عامل(ة)، قبل آذان المغرب (خلال شهر رمضان) بجماعة البراشوة، إقليم الخميسات، أثناء عودتهم من العمل بضيعة إلى محل إقامتهم.

ويعاني العمال الذين يتعرضون لحوادث شغل بالإضافة لانعدام التأمين من صعوبة تنفيذ الأحكام، إضافة إلى تكلفة التقاضي وطول مدة إصدارها.

ما تزال الدولة بالمغرب ترفض تحويل التأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،، إسوة بعديد دول العالم، وتماشيا مع توصيات منظمة العمل الدولية في هذا الباب، كما أنها واحدة من بين توصيات أحد مؤسسات الدولة الرسمية “المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي”، وجعل الاستفادة مضمونة لكل ضحية، مع تبسيط مساطر الاستفادة، ومجانيتها.

واو- المغرب ذو سمعة سيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال شروط الصحة والسلامة المهنية…

هذا، وللمغرب سمعة سيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال شروط الصحة والسلامة المهنية، حيث يسجل أعلى الأرقام والمعدلات في حوادث الشغل مقارنة بدول المنطقة بوقوع 47.8 حادثة شغل مميتة لكل 100.000 عامل(ة)، ومعدل مخاطر في مجال حوادث الشغل أكبر 2.5 مرة من معدل المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (حسب تقديرات منظمة العمل الدولية سنة 2019).

وأثبتت تحقيقات وزارة التشغيل، بعد محرقة روزامور، أن 14% فقط من المقاولات والمصانع تحترم مقتضيات السلامة التي ينص عليها قانون الشغل.

وأظهرت الدراسات أن حوالي:

80 ألف حادثة شغل تحصل في سنويا، 20% منها خطيرة، و80% منها تحدث بسبب تجاهل معايير السلامة والوقاية.

25% فقط من المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجيراً تتوفر على مصلحة مستقلة لطب الشغل.

%17 فقط من المقاولات تتوفر على لجنة للصحة والسلامة المهنية.

كما تبينت نقائص ومعيقات جهاز تفتيش الشغل: قانونية، تنظيمية، قلة العنصر البشري…، وعجزه عن القيام بمهامه.

ووجود نقص كبير في مفتشي وأطباء الشغل الذين لا يتعدى عددهم الإجمالي 12 طبيبا يتمركز معظمهم في مدينتي الرباط والدار البيضاء.

ووجود نقص كبير في عدد المهندسين المتخصصين في الوقاية، إضافة إلى مشكل عدم التنسيق بين مختلف المتدخلين في عملية التفتيش.

ولا يتعدى العدد الإجمالي لمفتشي الشغل في المغرب 350 مفتشاً على المستوى الوطني، في حين يوجد أكثر من 250 ألف مقاولة مصرح بها، إلى جانب شركات القطاع غير المهيكل، التي لا تمتلك وزارة الشغل والإدماج المهني معلومات بشأن أماكن تواجدها، إلا إذا وردت عليها شكوى نزاع بين العمال والمشغل (حسب توضيح الوزير أمكراز لـ”العربي الجديد” عقب فاجعة غرق مصنع الموت).

واقع لم يتغير، إن لم يكن قد تدهور، وازداد سوءً، لذا تواصل تكرار حوادث الشغل المفجعة في أماكن العمل، وفي الطريق منه أو إليه؛ أما عدد من فتكت بهم الأمراض المهنية فلا معطيات عنهم.

لن يوقف الموت بسبب العمل غير نضال العاملات والعمال.

لن يقوم أرباب العمل ولا الدولة بتوفير شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، ما لم تتوحد صفوف العاملات والعمال للمطالبة بإعادة نظر شاملة وجذرية في قوانين الشغل، خاصة شروط الصحة والسلامة المهنية، وجعلها في مقدمة مطالبهم، واعتبارها مطلبا لا يقل أهمية عن المطالب الأخرى.

– لا للموت في أماكن العمل!

– لا للموت في الطريق من أو إلى العمل!

– لا للموت بسبب أمراض العمل المهنية!

——————–انتهى———————

شارك المقالة

اقرأ أيضا