غرق مصنع/مرآب النسيج بطنجة: حادثة-كارثة شغلٍ قتل فيها عشرات العاملات والعمال صعقاً بالكهرباء، واختناقاً تحت سيول الأمطار… [جزء ثالث وأخير]
بقلم : م.أ.الجباري
ه- فاجعة “مصنع الموت” بطنجة ليست سوى حلقة في سلسلة أهوال وكوارث حوادث الشغل بالمغرب:
فاجعة غرق مصنع الموت بطنجة، يوم الاثنين 08 فبراير 2021، تعيد إلى الأذهان العديد من حوادث شغل مماثلة لها في العديد من الجوانب، أبرزها «محرقة روزامور» (حادثة احتراق مصنع روزامور بالدار البيضاء وبداخله ما يزيد عن 100 عامل-ة-) المقترفة من طرف طبقة برجوازية المغرب والدولة في حق طبقة عاملاته وعماله، يوم السبت 26 أبريل”نيسان” 2008، التي أدّت إلى مقتل 56 عاملاً(ة)، وجرح 17 آخرين.
وسواء قبلها، أو بعدها، مات العديد من العاملات والعمال، فرادى وجماعات، أثناء الذهاب إلى العمل، أو العودة منه، أو في أماكن العمل، وهم يكدحون لفائدة أرباب العمل ودولتهم مقابل أجر زهيد عَلَّه يؤمن لهم ولأسرهم لقمة عيش.
نذكر منها، على سبيل المثال، لا الحصر، وفاة 10 عمال وعاملات من شغيلة الزراعة، يوم 20 دجنبر 2023، وإصابة 8 آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة في حادث شغل على الطريق، أثناء نقلهم على متن شاحنة فلاحية على الطريق الجهوية الرابطة بين الحاجب وإفران؛ ذوو الإصابات الخطيرة من العمال والعاملات نقلوا يومها إلى مستشفى فاس .
وفاجعة يوم الأربعاء 29 مارس 2023، التي نتج عنها وفاة 11عامل(ة) زراعة على الأقل، فيما أصيب باقي العاملات والعمال: 24 عامل(ة)، من بينهم ما لا يقل عن 10 إصابات بليغة، وذلك نتيجة حادثة سير خطيرة لعربة نقل العاملات والعمال “سطافيط” كانت محملة بأكثر من 35 عامل(ة)، قبل آذان المغرب (خلال شهر رمضان) بجماعة البراشوة، إقليم الخميسات، أثناء عودتهم من العمل بضيعة إلى محل إقامتهم.
ويعاني العمال الذين يتعرضون لحوادث شغل بالإضافة لانعدام التأمين من صعوبة تنفيذ الأحكام، إضافة إلى تكلفة التقاضي وطول مدة إصدارها.
ما تزال الدولة بالمغرب ترفض تحويل التأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إسوة بعديد دول العالم، وتماشيا مع توصيات منظمة العمل الدولية في هذا الباب، كما أنها واحدة من بين توصيات أحد مؤسسات الدولة الرسمية “المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي”، وجعل الاستفادة مضمونة لكل ضحية، مع تبسيط مساطر الاستفادة، ومجانيتها.
و- المغرب ذو سمعة سيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال شروط الصحة والسلامة المهنية…
هذا، وللمغرب سمعة سيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال شروط الصحة والسلامة المهنية، حيث يسجل أعلى الأرقام والمعدلات في حوادث الشغل مقارنة بدول المنطقة بوقوع 47.8 حادثة شغل مميتة لكل 100.000 عامل(ة)،ومعدل مخاطر في مجال حوادث الشغل أكبر 2.5 مرة من معدل المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (حسب تقديرات منظمة العمل الدولية سنة 2019).
وأثبتت تحقيقات وزارة التشغيل، بعد محرقة روزامور، أن 14% فقط من المقاولات والمصانع تحترم مقتضيات السلامة التي ينص عليها قانون الشغل.
وأظهرت الدراسات أن حوالي:
80 ألف حادثة شغل تحصل في سنويا، 20% منها خطيرة، و80% منها تحدث بسبب تجاهل معايير السلامة والوقاية.
25% فقط من المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجيراً تتوفر على مصلحة مستقلة لطب الشغل.
%17فقط من المقاولات تتوفر على لجنة للصحة والسلامة المهنية.
كما تبينت نقائص ومعيقات جهاز تفتيش الشغل: قانونية، تنظيمية، قلة العنصر البشري…، وعجزه عن القيام بمهامه.
ووجود نقص كبير في مفتشي وأطباء الشغل الذين لا يتعدى عددهم الإجمالي 12 طبيبا يتمركز معظمهم في مدينتي الرباط والدار البيضاء.
ووجود نقص كبير في عدد المهندسين المتخصصين في الوقاية، إضافة إلى مشكل عدم التنسيق بين مختلف المتدخلين في عملية التفتيش.
ولا يتعدى العدد الإجمالي لمفتشي الشغل في المغرب 350 مفتشاً على المستوى الوطني، في حين يوجد أكثر من 250 ألف مقاولة مصرح بها، إلى جانب شركات القطاع غير المهيكل، التي لا تمتلك وزارة الشغل والإدماج المهني معلومات بشأن أماكن تواجدها، إلا إذا وردت عليها شكوى نزاع بين العمال والمشغل(حسب توضيح الوزير أمكراز لـ “العربي الجديد” عقب فاجعة غرق مصنع الموت).
واقع لم يتغير، إن لم يكن قد تدهور، وازداد سوءً، لذا تواصل تكرار حوادث الشغل المفجعة في أماكن العمل، وفي الطريق منه أو إليه؛ أما عدد من فتكت بهم الأمراض المهنية فلا معطيات عنهم.
لن يوقف الموت بسبب العمل غير نضال العاملات والعمال.
لن يقوم أرباب العمل ولا الدولة بتوفير شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، ما لم تتوحد صفوف العاملات والعمال للمطالبة بإعادة نظر شاملة وجذرية في قوانين الشغل، خاصة شروط الصحة والسلامة المهنية، وجعلها في مقدمة مطالبهم، واعتبارها مطلبا لا يقل أهمية عن المطالب الأخرى.
ويستدعي الأمر عناية خاصة من قبل مناضلات الطبقة العاملة ومناضليها بمسألة السلامة في أماكن العمل، وفي الطريق إليها. ويتعين تنظيم هذا الواجب بواسطة لجان داخل النقابات، وحتى خارجها. وفي الحالة التي أتينا على تفصيلها، كانت تأسست لجنة جمعت بعضا من أسر الضحايا وناشطين وناشطات عماليين/ات. بيد أنها انحلت رغم ان ثمة ضرورة قصوى لاستمرارها، نابعة من استمرار، لا بل تفاقم، مشاكل ومصائب انعدام السلامة في أماكن العمل. ثمة مهام تشهير بجرائم ارباب العمل في المصانع “السرية” والعلنية، ومهام تنوير الشغيلة بمختلف الأخطار، ومعها تنظيم التضامن مع ضحايا الحوادث والأمراض المهنية والسعي الى تنظيمهم. مهام جسيمة يجب أن تجد لها إطار لتوحيد الجهود وتوجيهها تـأمينا لصحة وسلامة أبناء طبقتنا وبناتها ، وتعزيزا لمقدراتهم النضالية والتنظيمية.
– لا للموت في أماكن العمل!
– لا للموت في الطريق من أو إلى العمل!
– لا للموت بسبب أمراض العمل المهنية!
اقرأ أيضا