العدل و الاحسان، اية نقابة تريد؟
بقلم، الحافظ الأزدي
أصدرت الدائرة السياسية لجماعة العدل و الاحسان وثيقة سياسية بتاريخ22 أكتوبر 2023 وقدمتها بالرباط يوم 06 فبراير 2024 . تضمنت هذه الوثيقة ثلاثة محاور رئيسية وهي:
- المحور السياسي
- المحور الاقتصادي والاجتماعي.
- المحور المجتمعي.
في هذه الورقة نكتفي بمناقشة موقفها من العمل النقابي.
في الحديث عن النقابات، تعتبر العدل و الاحسان العمل النقابي” واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، والإسهام في تحقيق السلم الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية، والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل، وبين مؤسسات الدولة (برلمان وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام.” (ص 67-68 من الوثيقة). بهذه الجمل تلخص العدل و الاحسان رؤيتها للعمل النقابي و الدور الذي تنوي القيام به داخل النقابات. فبعد كلام عام حول الدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور و الظلم و الاستغلال والاقصاء الاقتصادي تعود في نفس الفقرة لتحاول ان تجمع بين ما لا يمكن جمعه وتقول “والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل وبين مؤسسات الدولة (برلمان وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام. ” أين يكمن التناقض لدى العدل والاحسان ؟ يكمن من خلال المقطع الأخير في ادعاء عام مضمونه الدفاع عن كل أطراف الانتاج مشغلين وعمال. غير ان هذا الامر غير ممكن على الاطلاق فالرأسمالية محكومة بالسعي الدائم لجني اقصى ما يمكن من الارباح ويرجع السبب في ذلك الى ضغط المنافسة المحلية والدولية، فالرأسمالي إما ان يتطور وينمو او سينمحي بسبب المزاحمة له من قبل الشركات المنافسة. لذلك يسعى الرأسماليون دوما الى خفض كلفة الانتاج، بتخفيض الأجور وتكثيف الاستغلال( رفع انتاجية العمال، تدهور شروط العمل…). هذه الحقيقة تجيب على تساؤلات العديد من العمال الطيبين الذين يتساءلون عن حق، لماذا لا يأخذون أجرا محترما والمشغلين يراكمون الملايير. إن ادعاء جماعة العدل والاحسان الدفاع عن الجميع هو تبني صريح لنقابة التعاون بين الطبقات الاجتماعية وهو التوجه النقابي الذي قاد الحركة النقابية للإفلاس لأنه يعمل في نهاية المطاف على جعل العمال في خدمة المقاولة الرأسمالية، ولن يغير المسحوق الاخلاقي الذي ستطلي به الجماعة ممارستها النقابية شيئا من سحق العمال للأسباب المشار اليها أعلاه. أما بخصوص دور البرلمان فهو دوما أداة في خدمة الطبقات السائدة ولن تغير من وظيفته جدية وحنكة النقابيين مهما كانت، ما يغير من دوره هو تحسن ميزان القوة لصالح طبقة الأجراء، كطبقة مستقلة، وهو ما ترفض الجماعة القيام به.
تاريخيا، أسس العمال النقابة كرد على تناقض المصالح بين العمال والرأسماليين: فالعمال يسعون الى تحسين شروط بؤسهم والرأسماليون يسعون إلى الحد من مكاسب العمال. وبهذا المعنى، فالنقابة أداة لفرض تنازل جزئي عن أرباح الرأسماليين ، ويرتبط حجم الجزء الذي يتم التنازل عنه بتنظيم وكفاحية العمال، والدولة لا تقف محايدة في هذا الصراع، لذلك يدل هذا المقطع ” فقد عمدت السلطة على مر عقود من الزمن إلى قمع المناضلين النقابيين والتضييق عليهم، وخنق حرية العمل النقابي، واستقطاب النقابات وإضعافها، والاستعانة ببعضها في تمرير سياساتها ضد العمال” من الوثيقة السياسية للعدل والاحسان عن جهل تام بطبيعة الدولة في المجتمعات الطبقية ، تتكلم الجماعة وكأن الدولة ستتخلى في يوم من الايام عن هذه الوظيفة. ففي هذه المجتمعات تخدم الدولة، دائما، مصلحة الطبقات السائدة وفي واقعنا الحالي فإنها تخدم مصلحة البورجوازيين، لذلك فلا غرابة في كون البرلمان يصادق على قوانين شغل في مصلحتهم، ولا غرابة في كون العمال وممثليهم يقادون الى السجن باسم عرقلة حرية العمل ( الفصل 288 من القانون الجنائي)و لا غرابة في قمع الاحتجاجات العمالية باسم الحفاظ على النظام. ولا غرابة في امكانية استعمال ادوات أخرى للهيمنة الطبقية كالمساجد لجعل الناس يقبلون بواقعهم باسم الوحدة و التآزر ومواجهة “الأعداء”.
أما بخصوص الديمقراطية فتشير الوثيقة الى ” …كما تشكو بعض النقابات من غياب الديمقراطية الداخلية، حيث تفرض القرارات بشكل فوقي، ويعمد إلى إسكات الأصوات المعارضة واستبعادها، وإلى التعامل بانتهازية مع المطالب العمالية…” أولا تشير الوثيقة إلى بعض النقابات بدلا من كل النقابات وهو موقف منافق، ثانيا تحصر الديمقراطية في فرض القرارات بشكل فوقي وإسكات الاصوات المعارضة واستبعادها، إنها اشكال فهم زائفة للديمقراطية تستجيب فقط لرغبة الجماعة المقصية لحد الآن من قيادات النقابات، وسبب ذلك يعود الى السيادة البيروقراطية داخل النقابات والى رفض الدولة منح وصول قانونية للمكاتب التي يوجد بها أعضاء من العدل و الاحسان ، لأن الدولة ترفض، في زمن النيوليبرالية، أي شكل جدي للعمل النقابي حتى وإن كان من منظور ليبرالي كما الحال بالنسبة للعدل و الاحسان لأنها تسعى الى تكريس مرونة الشغل والاستجابة الى طلبات الشركات المتعددة الجنسيات بتفكيك القوانين الموجودة، على علتها، حتى يستطيع الرأسماليون الاشتغال في ظروف مثلى: تكثيف الاستغلال وتخفيض الاجور. بالنسبة لنا الديمقراطية النقابية تعني حق العمال في التقرير و التسيير وكل ما يتعلق بحياة النقابة لضمان مصلحة العمال و العاملات، لذلك لابد للنقابة أن تلتزم بقرارات قواعدها عبر اتخاذ الجموع العامة فضاء لنقاش مفتوح للاستماع لآراء الشغيلة والاسترشاد بتلك الآراء في اتخاذ القرارات التي تهم التسيير اليومي و النضالي للنقابة. نقابة من هذا النوع تتطلب حق العمال/ت في مراقبة الزعماء النقابيين و محاسبتهم و امكانية اقالتهم كلما تبث انهم أخلوا بواجباتهم أو انحازوا الى جانب الباترونا. هكذا نقابة، يجب ان تكون واقفة بوضوح الى جانب الاجراء ولا مجال للعب الوساطة بينهم وبين الباترونا، إن المفاوضات يجب ان تكون مناسبة لانتزاع مكاسب معينة تتعلق بالأجور وشروط العمل وغير ذلك في انتظار ان تنضج الشروط لانتزاع مكاسب جديدة في أفق انتزاع السلطة الاقتصادية و السياسية من البورجوازية. إن ممارسة الزعماء النقابيين البيرقراطيين هي حصيلة عاملين مشتركين لكن بينهما علاقة ” السبب – النتيجة” (effet -cause ) فالأول يسبب الثاني ويكون نتيجته في نفس الوقت. العامل الأول و الأساسي هو خمول القاعدة العمالية وهيمنة قوى غير عمالية(ليبرالية) على قيادتها، أما الثاني فهو إفساد هذه القيادات النقابية بالإغداف عليها بالامتيازات المادية و المعنوية وفصلها عن وسطها الطبيعي. وهنا لا بد من الاشارة الى خبرة أصحاب رؤوس الاموال الذين يتقنون كيفية شراء ذمم القيادات النقابية وقد يستعينون بتقديم تكوينات تبعدهم عن أي فهم طبقي للعمل النقابي وتحصرهم في المنظور الليبرالي. ولذلك ليس من الغريب أن لا نجد أثناء حوار النقابات مع الدولة مشاريع مستقلة لدى النقابات تمثل رؤيتهم الخاصة بل يتم التفاوض على أرضية مشروع الدولة الذي يتم ادخال بعض التعديلات عليه. ومشروع الدولة هو بكل تأكيد مشروع أصحاب رؤوس الأموال.
من أجل تجديد روح الحركة النقابية تشير الجماعة في وثيقتها الى “…تجديد روح الحركة النقابية عبر وسائل الضغط والتفاوض وتجنيب الفعل النقابي وسائل التخريب أو شراء الذمم، وندعو لتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف…” وتقصد بالضغط طبعا اللجوء الى تحريك القواعد عند الحاجة، لكنها تفرغه من أي مضمون طبقي عندما تقول بتجاوز الصراع لصالح التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الاطراف وهو أمر مستحيل في زمن النيوليبرالية التي تعمل اليوم بشكل واضح على اعطاء التسهيلات الكثيرة للباترونا وسحق عالم الشغل وفق ما جاء في اتفاق واشنطن1989 بعد وصول ريغن بالولايات المتحدة الامريكية وتاشر بانكلترا الى السلطة . وتضيف لتدعيم هذا الاتجاه ” الأمر الذي يفرض ضرورة تنسيق الجهود بين النقابات والدولة والقطاع الخاص في إطار حوار اجتماعي حقيقي وعادل وممأسس ومنتج” ولكن السؤال المطروح هو لمصلحة من هذا التنسيق الثلاثي العجيب وما المقصود بالحوار العادل الممأسس؟ مرة أخرى تكشف الجماعة عن طبيعة العمل النقابي الذي تريده، إنها ترغب في عمل نقابي ممأسس بين الأطراف الثلاثة، يضمن السلم الاجتماعي الدائم، وربما سيكون عادلا في توزيع الفتات على الافواه الجائعة.
وللقيام بالأدوار المنوطة بها في أفق إعادة الاعتبار والجدية للعمل النقابي وتقويته، تقترح الجماعة عدة نقط على الصفحة 69 من بينها:
165 . “ضمان استقلالية النقابات في اتخاذ القرار من داخل هياكلها بشكل ديموقراطي، ومقاومة كل اختراق من طرف الإدارة، مما يعد شرطا لفعالية نضالها لتحقيق مطالب الشغيلة“. في هذه النقطة تشير الجماعة الى استقلالية النقابة عن الادارة فقط بينما لم تقل شيئا بخصوص استقلال النقابة عن الدولة وعن الاحزاب وهل يحق لحزب ما أن يفرض سيطرته على النقابة. وهل لديهم خطة لمجابهة سعي أصحاب الشركات إلى جعلها أداة طيعة يمكن التحكم فيها. بالطبع لا، لأن الجماعة واضحة وستكون مبادرة إلى فتح أبواب التعاون بين العمال والباترونا باسم “المصلحة المشتركة المزعومة”، إن الجماعة تعمل بوضوح على بناء نقابة بخلفية ليبرالية نقابة التعاون الطبقي التي ترتكز على تفويض أمر الشغيلة الى زمرة من النقابيين ، يفاوضون ويحلون مشاكل العمال/ت ويتدخلون في كل كبيرة وصغيرة ، عبر وساطة مقيتة تبعد عموم العمال عن كل نشاط فعال ولا يستنجدون بهم إلا لاستعمالهم كفزاعة لتخويف المشغلين. هذا التوجه النقابي يعمل على قتل كل فعل مستقل للعمال محاولا اقناعهم دوما بأن مصلحتهم تكمن في تقوية مشغلهم. وفي المقابل يحظى هؤلاء الزعماء بامتيازات عديدة تكرس فصلهم عن عموم الشغيلة.
166 . “تكريس ديمقراطية حقيقية داخل النقابات بشكل يقطع الطريق على الانتهازية والبيروقراطية، ويضمن تخليقا للممارسة النقابية”. الديمقراطية ليست فعلا إرادويا يأتي به الى النقابة أناس طيبون، بل هي ممارسة يومية تتطلب أولا مشاركة المعنيين في حياة النقابة وهذا ما يفترض وجود مناضلين نقابيين ملتزمين وقادرين على المساهمة في تشكيل طلائع نقابية تشتغل من أجل استقلال الشغيلة ومن أجل مصالحها، هذا شرط ضروري ولكنه غير كاف، لابد من وضع منهجية ديمقراطية بخصوص اتخاذ وتنفيذ القرار، لا بد من وضع شروط المحاسبة الرفاقية وآلياتها بما في ذلك تتبع المسؤولين النقابيين ومدى التزامهم بتنفيذ القرارات …الخ
167 . “التوجه نحو تأسيس جبهة نقابية مناضلة وموحدة، وذلك عن طريق تنسيق قوي ومؤثر بين النقابات….من أجل تجاوز عقبة التشرذم النقابي”
لابد من الاشارة إلى أن الجبهة النقابية ناجزة اليوم بالمغرب، فتعدد المركزيات النقابية لا يغير شيئا في كونها جبهة موحدة تشتغل لصالح الباترونا لأن كل النقابات( المختلفة في الهياكل والموحدة في الاهداف) تتبنى التعاون الطبقي، لذلك مرة أخرى مطروح من جديد أي نقابة نريد وعلى من تدافع النقابة التي نريد بناءها وهل بالفعل نحن في حاجة الى جبهة نقابية أو نقابة واحدة لكل الأجراء مع تعدد التيارات النقابية( وليس السياسية) بداخلها.
168″ تجديد الأطر النقابية، حيث لا يمكن أن يقوى العمل النقابي دون تشجيع المرأة العاملة على الانخراط الفاعل فيه، وتحمل المسؤولية في مؤسساته، ودون استيعاب أفواج اليد العاملة الشابة التي تلج سوق الشغل” من الجيد فتح المجال للطاقات الجديدة من النساء و الشباب للالتحاق بالعمل النقابي. غير ان هذا العمل سيكون مملا وروتينيا إذا كان مضمونه خدمة المشغلين. من جهة اخرى سكتت الجماعة عن كيفية تشجيع النساء للالتحاق بالعمل النقابي، فالشروط الحالية لا تشجع فعلا على التحاقهم نظرا لوضعهم الخاص كنساء و كأمهات وكزوجات. لاستقطاب النساء لابد من طرح مطالبهن الخاصة و الدفاع عنها باستماتة وتوفير شروط مناسبة لحضورهن للاجتماعات…الخ
169 . “الحفاظ على البعد التحرري للعمل النقابي” ، تشير الجماعة هنا الى الحفاظ على الجانب التحرري للعمل النقابي الذي اعتبرته خارجا من رحم الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، و اعتبرت أن الحركة النقابية المغربية قد دعمت الحركات التحررية والقضايا العادلة في العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. يشكو فهم العدل والاحسان التحرري من أعطاب كبيرة، فالجماعة تلوك نفس الكلام الذي مرت عليه عدة عقود. لا معنى للتحرر اليوم دون الدفاع عن سيادة بلادنا الغذائية والطاقية و السياسية، لا معنى للتحرر اليوم دون القطع مع نظام الديون ليس بتسديد ديون كريهة وإنما بافتحاصها ورفض أجزائها غير المشروعة كما يقول القانون الدولي نفسه، لا معنى للتحرر اليوم بقبول دورنا في التقسيم الدولي للعمل: بلاد لتصدير المنتجات الأولية واستيراد المواد المصنعة ذات القيمة المضافة العالية. لا معنى لعمل نقاب تحرري لا يدافع عن حق النساء في حياة لائقة، وبالطبع لامعنى لعمل نقابي تحرري لا يساند كل المضطهدين في العالم.
وفي الختام نشير الى انسجام رؤية العدل و الاحسان النقابية، وكما بينا أعلاه فهي تريد بناء نقابة للتعاون الطبقي، مع رؤيتها للمجتمع الذي تريد بناءه، “مجتمع العمران الأخوي” (ص21) وهو مجتمع للتكافل بين الاغنياء والفقراء: “فنؤسس في معنى العمران لتوليفة جامعة لمعاني الازدهار والتقدم والتنمية والحضارة مع دلالات التضامن والتكافل”(ص22). وتضيف الجماعة ” إن بناء الوطن المشترك يقتضي إلى جانب توفير سبل الرغد في العيش تتويجه بجوهر من الروابط المجتمعية الجامعة ذات البعد القيمي والاخلاقي المحصنة للحمة المجتمع…” إن الجماعة عاجزة على فهم استحالة بناء مجتمع الرغد للجميع وحتى إذا استحضرت تجارب أوربا الغربية فإنها تجارب في تراجع مستمر وأن ما كانت قد حققته من رغد لشعوبها فبسبب نهبها الاستخراجي لموارد طبيعية لبلدان جنوب الكوكب مسببة في كوارث انسانية وبيئية لا تعد ولا تحصى. إن بناء الاستجابة للحاجيات الانسانية الاساسية للجميع يجب النظر اليه بمنظور شامل، بمنظور الانسان الكوني وهذا يتطلب قطعا مع النظام الرأسمالي الربحي المرتكز على استنزاف قوة العمل والموارد الطبيعية و استبداله بنظام اجتماعي تشاركي، بيئ ونسوي يقرر فيه المنتجون المباشرون في مصير حياتهم في اطار تضامن انساني بين الشعوب و الامم وهذا التوجه الجديد يفترض إعادة النظر في طرق الانتاج و التوزيع و الاستهلاك التي تعتبر اليوم جنونية، مبذرة ومدمرة وتقود الانسانية الى الذمار.
اقرأ أيضا