عاملات سيكوميك بمكناس: جريمة مُركَّبة، بين مطرقة رأس المال وسندان البيروقراطية النقابية
بقلم: م.ب
في أجواء محاطة بصمت نقابي شبه تام، تجري ببلدنا أطوار مصيبة في الساحة العمالية، مصيبة معبرة عن الحالة التي أصبحت عليها حركتنا النقابية. تتعرض عاملة ضحية للتشريد من طرف رب العمل، وللإهمال من طرف الدولة التي لم تجد حلا للمشكل القائم، لمتابعة قضائية دفع بهام قائد نقابي “كبير”، ليس سوى نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المدعو بوشتى بوخالفة.
قضت المحكمة بمعاقبة المناضلة الصرايدي بشهرين موقوفة التنفيذ وغرامة 10000 درهما. ويتابع 6 مناضلين آخرين سيمثلون أمام القضاء يوم 20 فبراير المقبل.
سيدخل هذا تاريخ الحركة النقابية نموذجا صارخا وفاضحا للتعسف البيروقراطي في أبشع صوره. مضمون المتابعات القضائية ليس إلا ذريعة لتصفية حساب بيروقراطي مع عاملات قررن الصمود والدفاع عن حقوقهن المهنية وعن حقهن في التنظيم النقابي في إطار نقابة شيَّدْن فيها تجربتهن النضالية.
ماذا يجري؟
عمال وعاملات سيكوميك العاملات متمسكون بحقوقهم، ويتحملون من أجلها، منذ توقف المصنع، معاناة مريرة، ومعهم أسرهم. كان أبسط واجبات المركزية النقابية أن تنهض بدورها وعلة وجودها في تنظيم تضامن وطني مع حالة عمالية نموذجية سواء من حيث:
– تهرب رب العمل وتجاهله التام للمطالب، وعدم جدوى كل الآليات المألوفة من لجنة بحث ومصالحة، وطرح للقضية في البرلمان او تداول الموضوع في دورات المجلس الجماعي لمدينة مكناس، وبعث مراسلات إلى مختلف الجهات، الخ
-صمود العاملات، واستماتتهن في النضال بمختلف الصيغ، وقفات احتجاجية، اعتصامات مسيرات محلية، مشاركة في وقفات ومسيرات وطنية أمام البرلمان، واستمرار حركتهن رغم القمع، وتعدد الوعود التي لم تجد طريقا إلى التنفيذ.
بدل النهوض بالواجب، تقاعست قيادة المركزية، مراهنة على عياء العاملات ويأسهن، ليكون فرصة للتخلص من هذا الملف الذي بات مزعجا للبيروقراطية النقابية في علاقتها مع دولة البرجوازيين. فالبيروقراطية النقابية ملتزمة مع الدولة بما يسمى كذبا “السلم الاجتماعي”. هو سلم من جانب واحد، حيث يُطلب من الطبقة العاملة أن تكف عن الإضرابات، بينما أرباب العمل ودولتهم يعتصرون الأرباح ويقمعون الشغيلة. وهذه الحرب الاجتماعية المسماة “السلم الاجتماعي” جانب مما يسمى “الشراكة الاجتماعية”، وهي اعتبار النقابات العمالية شريكا لأرباب العمل ودولتهم، هؤلاء الذين يسببون أوضاع البؤس والشقاء التي توجد فيها الطبقة العاملة. البرجوازية ودولتها ليسا شريكين للطبقة العاملة، بل هما خصم طبقي لها.
قيادات المركزيات النقابية كلها، بلا استثناء، تمارس نقابة “السلم الاجتماعي” و “الشراكة الاجتماعية”، أي معاونة الدولة على التحكم في الوضع الاجتماعي من جانبه العمالي. أي تفادي تطور الكفاحات العمالية وتضافرها بشكل يهدد أرباح الرأسماليين و”الاستقرار الاجتماعي” أي استقرار واقع الاستغلال المفرط والقهر والتحكم بالقمع.
لذلك لا تنظم القيادات النقابية تضامنا مع النضالات من أجل المطالب، ولا من أجل الدفاع عن الحق في التنظيم (مثال ذلك الأبرز ما يتعرض له شغيلة شركة حليب الجودة بكل من معملها قرب تارودانت والجديدة ومراكش وحاليا الرباط -سلا) … والأمثلة أكثر من أن تسرد. والنادر من جهود التضامن لا يكون بخطة، بل يفرضه ضغط الضحايا.
بتبني القيادات النقابية بالمغرب لأضاليل الشراكة الاجتماعية تكون قد تخلت عن روح النقابة، روح النضال من أجل حق الطبقة العاملة في عمل وحياة لائقين، وحولت النقابات إلى أدوات مساعدة للدولة عبارة عن ملحقات لوزارتي التشغيل والداخلية.
هذا الاستعمال المنحرف للنقابة العمالية هو الذي أوصلها إلى واقعها الحالي المتسم بالضعف الشديد. فليس القمع وحده هو الذي يضعف النقابة بطرد النقابيين وحتى سجنهم، بل ايضا تخلي النقابة عن دورها في توحيد القوة العمالية وتنظيم نضالاتها، لأن الهزائم التي يسببها التسيير البيروقراطي الفوقي والتحكمي يجعل الشغيلة ينفرون من النقابة، ويبحثون أحيانا عن مخارج أخرى كما جرى بالعديد من القطاعات حيث تأسست تنسيقيات، منها مؤخرا إبان إضراب شغيلة التعليم الذي دام 3 أشهر
أمثلة سابقة لتصرف بيروقراطي فوقي مخرب للنقابة
لو استسلمت عاملات سيكوميك أمام عدم تحمل المركزية النقابية مسؤوليتها النضالية المتمثلة في القيام بواجب التضامن، وانصرفن إلى حال سبيلهن كما جرى في تجارب مثيلة، منها ما جرى لأكثر من 500 عاملة في معمل مصبرات ضحى بايت ملول، لما جرى كل ما جرى في مكناس وصولا إلى متابعة النقابيين قضائيا من قبل القيادة النقابية الوطنية.
ليس التسلط البيروقراطي على النضالات العمالية جديدا في مسار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الجديد هو متابعة القيادة لمناضلي القاعدة أمام القضاء البرجوازي.
تعودت قيادة المركزية على توجيه المعارك العمالية الكبرى بانتزاع تسييرها من المعنيين، وقد سبق أن سبب ذلك كوارث لعل أخطرها العصف بمعركة عمال الفنادق وقطاعات أخرى بورززات سنة 2013 بإشراف مباشر من المكتب التنفيذي لك.د.ش. الفرق في حالة سيكوميك أن العاملات تمسكن بقرارهن الديمقراطي، فلولاه لتم طي الملف منذ زمان.
بدل النهوض بواجب تنظيم التضامن، تعمد القيادات النقابية إلى التدخل المباشر في التحكم في توجيه نضالات الشغيلة بانتزاعها من أجهزتهم النقابية المحلية. وحتى بالتدخل لإجهاض النضالات. وكل هذا نادرا ما يصل إلى الإعلام، نسوق منه بعض الأمثلة:
تدخل الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل لإلغاء إضراب قطاع الجماعات المحلية عام 2006، وذلك تلبية لطلب الوزير الأول جطو، ما سبب أزمة في هذه النقابة.
- تم رفض الترخيص لعمال ومستخدمي الطرق السيارة خوض إضراب للدفاع عن حقوقهم
- النقابة الوطنية لسكك الحديدية: تدخل المكتب التنفيذي في انتخابات أجهزتها في مؤتمرها الوطني.
- إدارة المراقبة الجوية بمطار الدار البيضاء تتصل بنائب الأموي انذاك ، الزاير عبد القادر، لتطلب منه إسقاط أحد أعضاء المكتب النقابي من اللائحة فقام بالاتصال بالاتحاد المحلي طالبا من تنفيذ رغبة الإدارة .
انها مجرد أمثلة أوردها بيروقراطي فاسد لما اختلف مع إخوته في الفساد [رسالة استقالة افرياط عبد المالك الى الاموي بجريدة الاتحاد الاشتراكي 15 اكتوبر 2008]
لكن يبقى ابرز مثال، المثال التاريخي، هو ما حصل بإقليم ورززات بإشراف المكتب التنفيذي الذي بعث احد أعضائه اليساريين، لتنفيذ مشيئة وزارة الداخلية، الأمر الذي حطم التنظيم النقابي الكونفدرالي هناك إلى يومنا هذا.
الشراسة البيروقراطية ضد شغيلة سيكوميك
نقابة “السلم الاجتماعي” لن تطيق تحمل تجربة نضالية مستميتة في الدفاع عن حقوق الشغيلة ببرامج نضالية مستمرة. فكان تسخير الجهاز البيروقراطي لدفع الشغيلة دفعا خارج النقابة. فكان استصدار قرار بالجهاز الكونفدرالي المحلي، يوم 9 يوليوز 2023، قضى بطرد المكتب النقابي لعمال وعاملات سيكوميك بكامله، ومعه أعضاء المجلس النقابي ومندوبي الأجراء ونوابهم، تحت مبرر التهجم على أحد قيادي النقابة محليا وعدم التقيد وتغيير في برنامج نضالي.
وجاءت بإيعاز مساندة لهذا القرار المتعسف من المكتب الوطني للنقابة الوطنية للنسيج الألبسة والجلد، في اليوم التالي لقرار الطرد. لكن صمود العاملات، ومكتبهن النقابي، والتمسك بالنقابة في إطار ك.د.ش، وما يسببه ذلك من إحراج وحتى فضح لحقيقة الديمقراطية في المركزية النقابية، فرض اعادة نظر في الأمر. فأرسلت قيادة الك.د.ش لجنة منتدبة لطي الملف اجتمعت يوم 8 غشت 2023 أولا مع المكتب النقابي، ثم مع العاملات انتهت بعودة المكتب النقابي و مندوبي الأجراء إلى أحضان النقابة مع رفع الاعتصام. استبشرت العاملات خيرا، لكن في نفس اليوم جرى تقديم شكاية ضد المناضلة أمينة الصرايدي.
لم يتوقف الأمر هنا، بل بلغ حد طرد العمال والعاملات من النقابة نهائيا منتصف شهر دجنبر 2023 بناء على مراسلة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى عامل إقليم مكناس. كان مبرر الطرد هو التهجم والتعرض لقيادي في النقابة محليا ونائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
النقابة أداة كفاح
تعاني النقابات العمالية بالمغرب كلها من نفس التسلط البيروقراطي الرامي إلى جر ها إلى خط التعاون الطبقي مع أرباب العمل ودولتهم، ومن ثمة التضحية بمصلحة الشغيلة. بوجه هذا التسلط، يسعى الشغيلة إلى التمسك بمطالبهم والنضال لتحقيقها، لكن ذلك يجري بشكل مشتت. تتعرض تجربة نضالية لخنق بيروقراطي هنا أو هناك، وغالبا ما تتمكن البيروقراطية من بلوغ أهدافها بتشتت التجربة بعد عزلة مديدة. وتأتي تجربة أخرى بعد مدة بقطاع آخر لتشهد نفس المصير. إنه نوع من النزيف يمنع تراكم تجارب كفاحية وديمقراطية حيث يقرر الشغيلة أنفسهم أشكال معاركهم ومددها والتفاوض حول مطالبهم بعيدا عن وصاية الأجهزة الفوقية وتحكمها.
لن يوقف هذا النزيف غير تعاون النقابيين الديمقراطيين في الدفاع عن جوهر النقابة العمالية بما هي أداة كفاح لأجل مصلحة الطبقة العاملة. ما يعني تشكيل معارضة واعية ومنظمة لخط القيادات البيروقراطية. التأكيد على حق العمال والعاملات في تسيير تنظيمهم ونضالهم تسييرا ذاتيا، حيث حرية التعبير عن الرأي والرأي المغاير، واتخاذ القرار بالتصويت، والتزام الأقلية بالقرار المتخذ بأغلبية، وضمان حق الأقلية في الدفاع عن رأيها وإيصاله إلى الجميع. وانتخاب المسؤولين النقابيين بشفافية وديمقراطية مع ضمان إمكان الإقالة عند وجود تقصير في القيام بالواجب، والتناوب على المسؤولية، وضمان مشاركة النساء وتمثيليتهن. واتخاذ القرارات بشأن سير النضال في جموع عامة ديمقراطية يشارك فيها كل المشاركين في النضال، مع تنظيم الإضراب بلجنة إضراب خاضعة لقرارات الجمع العام. وتنظيم كل أشكال النضال الأخرى بلجان: لجنة التموين في المعتصمات، ولجنة تنظيمية في المسيرات، وكل ما يقتضيه السير الديمقراطي للمعركة.
يتطلب هذا كله انفتاح نقابيي ونقابيات مختلف القطاعات على بعضهم البعض، واستعمال أدوات التواصل الحديثة لنسج علاقات تعاون وتضامن وتبادل الخبرات بين النقابيين داخل كل مركزية، بتجاوز الجدران القطاعية التي تنصبها البيروقراطية، وبين نقابيي مختلف المركزيات، بروح عمالية طبقية مكافحة وديمقراطية ووحدوية.
اقرأ أيضا