اتحاد نقابات الكونفدرالية العامة للشغل CGT بالمغرب (1919-1955) قسم اول من دراسة مختصرة قدم بها البير عياش قاموس الاعلام النقابية
منظمة فرنسية ذات ميول اشتراكية
الملامح الأولى: تجمعات وجمعيات مهنية. ظهور فروع اشتراكية. تكوين اتحاد نقابات المغرب، فرع الكونفدرالية العامة للشغل [1](22 يونيو 1930)
وُلدت الحركة العمالية في منطقة النفوذ الفرنسي بالمغرب من جراء الاستعمار . فقد استوردت غداة الحرب العالمية الأولى من طرف عمال وموظفين فرنسيين تواقين إلى الدفاع عن شروط عملهم وحياتهم . لكن كان ممنوعا عليهم تكوين منظمات نقابية أو سياسية. بيد أنه جرى الترخيص لـ«تعاضديات» و«تجمعات » و«جمعيات مهنية». هكذا ظهرت «تعاضدية عمال البريد»(1916) وتجمعات مهنية أخرى ، وبوجه خاص الجمعية العامة للموظفين (1919)، وهي نواة لما سيصبح الفيدرالية المغربية للموظفين والتعاضدية الابتدائية (1922) وهي تجمع لمعلمين كفاحيين، عاد بعضهم من الحرب، عاقدين العزم على السير قدما.
وكان رحيل المارشال ليوطي([2])، أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب ، الذي كان مناهضا لكل شكل من الحياة السياسية والاجتماعية شبيه بما يمارس في المتروبول ، وكذا قدوم المقيم ستيغ الذي كان راديكاليا وماسونيا ([3]) (أكتوبر 1925)، عنصرين شجعا تطور التنظيم المهني وتكاثر جمعيات الموظفين والمستخدمين وحتى العمال في مدن عديدة. ولم يتردد بعضها في اعتماد اسم «نقابة» والانضمام إلى نقابات أو فيدراليات ( جامعات) الكونفدرالية العامة للشغل CGT بفرنسا. ذلك كان شأن المعلمين(1926) وعمال البريد (1927) والجمعية العامة للموظفين، وهي منظمات كانت تحظى بتسامح الإقامة العامة التي كانت في حاجة إلى موظفيها. وسمحت بقدوم ليون جوهو كاتب س ج ت ، الذي ترأس في 2 مارس 1930 تأسيس الاتحاد المحلي لنقابات الدار البيضاء، مما أتاح توسعا أكبر للتنظيم النقابي وتكوين الاتحاد المغربي للمنظمات النقابية المتحدة المشهور أكثر باسم اتحاد النقابات بالمغرب CGT وذلك يوم 22 يونيو من نفس السنة بالدار البيضاء. ويمكن اعتبار هذا المؤتمر عقد تأسيس المنظمة النقابية التي جرَّت ، بنجاح متفاوت، كتلة متعاظمة من العمال الفرنسيين ثم المغاربة وصولا الى ضربة الإقامة العامة يوم 8 دجنبر 1952 التي قضت بحلها.
بدءا من 1925، وبموازاة هذا التطور في تنظيم المهن وبارتباط به، تم السماح ببعض الممارسات السياسية الفرنسية، لا سيما إنشاء فروع لأحزاب فرنسية باستثناء الحزب الشيوعي والنقابات الوحدوية ( CGTU) . كان ذلك شأن الحزب الاشتراكي الفرنسي ( الفرع الفرنسي للأممية العمالية SFIO) والحزب الراديكالي الاشتراكي في سنوات 1925-1926. وقد تجمع أعضاؤها، وأغلبهم موظفون ومستخدمون، في فروع وفيدراليات وكانوا يوجدون بالنقابات بل أيضا داخل المحافل الماسونية النشيطة في المدن التي بها أنوية أوربية قوية. وكان «الخارجون عن القانون» من نقابيين وحدويين وشيوعيين وتروتسكيين وفوضويين يعتبرون أنفسهم اشتراكيين ويذهبون الى فروع الأممية الاشتراكية sfio والنقابات ليطبعوها براديكالية أكثر.
أزمات اجتماعية وسياسية (1934-1936) : المغاربة يضربون
لكن أدى ازدهار وتنوع الأنشطة الحديثة، وهي أنشطة من نوع رأسمالي، إنتاجا وتبادلا وتسييرا، في مغرب عتيق الاقتصاد، إلى ارتفاع، عن طريق الهجرة، لعدد الأجانب والفرنسيين المستخدمين في الخدمات العمومية: البريد و ورشات الطيران و الحرب والبحرية وسكك الحديد والطاقة الكهربائية أو في القطاعات الخاصة: التجارة والصناعة والمناجم والبناء والأشغال العمومية وضيعات المعمرين كتقنيين وأعوان ريازة وعمال مؤهلين. وكانت اليد العاملة متوافرة بسعر رخيص في أبواب المدن وأسواقها التي زودتها، بالخصوص بدءا من 1929، بأفواج القرويين الذين أصابهم الإملاق أو الإفلاس من جراء مصادرة أراضيهم الأكثر غنى وثقل الاقتطاعات وتقلب المحاصيل وانهيار أسعار الحبوب (1932-1937) والتي تتغذى أيضا من حرفيين حضريين أصابهم الإفلاس من جراء تقلص السوق القروية ومنافسة المنتجات اليابانية والإيطالية التي تصل بأسعار تغرق السوق. هذه اليد العاملة المغربية المأجورة، التي كانت مؤلفة من بضعة آلاف سنة 1919 ، اقتربت على ما يبدو من 150 الى 180 ألف بين 1936-و1939. كان السكان الأوروبيون المأجورون في إحصاء1936 يقدرون بـ50 ألف منهم 12 ألف موظف ومساعد و5 آلاف من أعوان المصالح ذات الامتياز و21 ألف عامل منهم 6500 عاطل.
في اتحاد النقابات هذا، الذي كان فرعا لـ س ج ت في وسط مستعمر في بلد خاضع للسيطرة، طرح المشكل على الفور: كيف يجب معاملة العمال المغاربة ؟ وعلى الفور جاء الجواب في مؤتمره الثاني عام 1931: دور النقابات هو تجميع عمال مهنة ما كيفما كانت أصولهم ومعتقداتهم. وجرت المطالبة بالحق النقابي للجميع لأنه لم يكن لدى أي منهم. كان ذلك أمنية واهمة فالاتحاد والنقابات في سبات.
وعام 1934 استيقظ الجميع بفعل ما أقدم عليه اليمين في فرنسا وتفاقم الركود الاقتصادي وتأكيد الوطنيين المغاربة المجتمعين في إطار كتلة العمل الوطني على المطالب الوطنية، علما أنهم، إن كانوا لا مبالين، فقد كانوا يجدون راحتهم أكثر وسط عوام المدن العتيقة في فاس والرباط وسلا أكثر مما لدى عمال المصانع أو الأوراش أو المناجم. وسعى مناضلو الاتحاد إلى تنظيم المغاربة في النقابات. واتخذت المطالب طابعا حادا. وفازت الجبهة الشعبية في انتخابات أبريل –ماي1936 بفرنسا. واندلعت إضرابات بالمغرب مثل فرنسا والجزائر المجاورة (11 يونيو –16 يوليوز1936). ورغم كونها محدودة الاتساع مقارنة بالأخريات، فإنها مع ذلك جرت بضع آلاف العمال، منهم أغلبية من المغاربة الذين انخرطوا إلى جانب رفاقهم الأوربيين وأحيانا لوحدهم. كانت تلك هي الإضرابات الكبرى الأولى التي شهدها المغرب، وقد طبعت أيضا نهوض التضامن الطبقي في ما كان آنذاك شكلا أوليا للبروليتاريا.
إغلاق النقابات بوجه المغاربة: ظهير 26 يونيو 1938
ماذا كانت نتائج الإضراب؟ إنها بداية تشريع اجتماعي لفائدة الجميع في بلد لم يكن يتوفر عليه. وإعلان الحق النقابي للأوروبيين (دجنبر 1936) وليس للمغاربة، ومع ذلك قرر المناضلون الفرنسيون تنظيم المغاربة نقابيا. وعام 1938 كان اتحاد النقابات المتحدة بالمغرب CGT – تلك كانت تسميته منذ ذاك–يضم 20 ألف عضو منهم 5 آلاف مغربي. وبما أن سنتا 1937-1938 شهدتا إضرابات كثيرة، خاصة في الدار البيضاء والمناجم، فقد هددت الإقامة العامة بمعاقبة الأوروبيين والمغاربة الذين لا يلتزمون بالمنع (ظهير 26 يونيو 1938). وفي باريس تشتتت الجبهة الشعبية وبعدها كانت الحرب ونظام فيشي مما جعل كل حياة نقابية تزول عمليا.
[1] CGT الكونفدرالية العامة للشغل: نقابة فرنسية تأسست عام 1895. سادت فيها الميول الثورية حتى الحرب العالمية الاولى . انشقت عنها س ج ت الوحدوية عام 1920، وأعيد توحيدها سنة 1936. يهيمن فيها الشيوعيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
[2] المارشال ليوطي: (1854-1934) اشتغل اغلب مشواره في المستعمرات (الجزائر، الهند الصينية، مدغشقر ). احتل مدينة وجدة عام 1907. تم تعيينه مقيما عاما للجمهورية الفرنسية بالمغرب. وكان وزيرا للحرب في 1916-1917. بعدها عاد الى المغرب.
[3] : الماسونية جمعية عالمية تقوم بأعمال الإسعاف المتبادل والبر والإحسان.
اقرأ أيضا