أوضاع عمال شركة أشغال كبرى: نموذج عبودية العمل المأجور
التقرير أسفله يحكي عن أوضاع زملاء عمل، شاءت الظروف ان نكدح معا في إحدى مدن جهة سوس ماسة في العام 2022، لدى مقاولة عائلية متخصصة في بناء الطرق العمومية والجسور والأزقة والمباني الحكومية (حدائق…). ساعات العمل وظروفه.
تتجاوز أقدمية عمال المقاولة خمس سنوات، منهم سائقو الآليات المختلفة، وعمال باقي الأشغال المتحدرون بخاصة من قرى تنغير وأزيلال. تجري المناداة عليهم من قبل رئيس الورش عند بدء كل ورش جديد للقيام بكل الأشغال التي تتطلب قوة بدنية وتحمل. ولا يُوقع مع العمال، وأغلبهم شباب (قدامى أو جدد) أي عقد عمل، ويتمتعون بقدرات بدنية (الضعيف لا مكان له في أوراش الأشغال العمومية) وبمستوى تعليمي ضعيف: تعليم ابتدائي. يشتغل الجميع 10ساعات يوميا، وساعة راحة للغذاء.
ويشتغلون في البرد القارس والحار على حد سواء. أحيانا في درجة حرارة تفوق 45 درجة خاصة صيفا. أما الأشغال فتجري في ظروف صعبة سمتها الغبار، وسقوط الصخور، وخطر الصعق بالكهرباء، وخطر السقوط في الحفر وخطر الآلات… أخطار جمة دون مستلزمات الوقاية والسلامة.
لا يوفر رب العمل وسائل الوقاية أو السلامة للعمال من قبيل الأحدية الواقية، أو خوذات الأمان… كل فرد عامل مسؤول عن توفير وسائل وقايته التي لا تكون في مستوى الأخطار المحدقة (أحذية مهترئة، وملابس عادية…).
تحصل حوادث شغل بين الفينة والأخرى بالنظر لطبيعة الأشغال. بعضها ليست خطيرة وربما لا تستدعي تدخلا علاجيا عاجلا، ويتلقى العامل التطبيب والأدوية على حساب المقاولة وأيام الاستشفاء تكون على حساب رب العمل. لكن في حالة حوادث الشغل الخطيرة، التي تحدث أحيانا، مثل قتل شاحنة إعداد الاسمنت la bétonnière عاملا حين دهسته وهو خلفها، فإن رب العمل يلقي المسؤولية على العمال في حين أن الحوادث تكون ناتجة عن ضعف صيانة بعض الآلات أو اهتراء قطع غيار…
الأجور والعطل والتغيب
ليست الأجور منتظمة، إذ يجري الحصول عليها بتأخر يصل الشهرين أحيانا. يقدم رب العمل تسبيقات على الأجور لا تتجاوز 200 درهم حين يطالب بها العمال رغم حاجتهم الكبيرة للسيولة. يحصل مثلا سائقو الشاحنات على 135 درهم في اليوم وإذا عمل يوم الاحد يحصل على 15 درهم إضافية أي أنه سيتقاضى 150 درهم!!! بينما يتقاضى حارس الورش 90 درهما مقابل 14 ساعة عمل ليلا! كما يتقاضى العمال العاديون 90 درهم عن كل يوم عمل، وقد يحصل بعضهم من ذوي الخبرة على زيادة يومية.
لا يحصل العمال العاديون على أي زيادة مقابل العمل يوم الأحد، بل يحصلون على أجر يوم عادي. علما أن هؤلاء العمال القادمون من البوادي يفضلون العمل يوم الأحد لحاجتهم للنقود. قد يعمل هؤلاء دون راحة اسبوعية فهم جاؤوا لجمع المال. ماذا سيفعل يوم الأحد إذا جلس دون عمل؟
يستفيد هؤلاء العمال من عطل لا تتجاوز 10 أيام عند كل عيد ديني، ولا يؤدي عنها رب العمل أي تعويض. وقبل كل عطلة يتوجب على رب العمل أداء ما بذمته من أجور لفائدة العمال (تقليد) أولا لدلالته الدينية وأيضا لأن بعض العمال لا يعودون بعد العطل.
الغياب لعذر مرضي أو عائلي أو إداري مقبول من قبل رئيس الورش شريطة أن يقوم العامل بتوفير من يعوضه في العمل بمقابل يؤديه العامل من ماله الخاص. هذا ينطبق على الكل حتى المرسمين.
لا ذكر للعمل النقابي هنا بفعل غياب صدى تجارب نقابية في قطاع الاوراش العمومية. وتجدر الإشارة بأن المستوى التعليمي للشغيلة ضعيف جدا، فالأمية سائدة بشكل كبير لدرجة أن العمال في بداية مشوراهم لا يعرفون بالضبط مبلغ الأجر الذي سيقبضونه نهاية كل شهر، خاصة بوجود التسبيقات. يصرح رب العمل بالسائقين لدى الضمان الاجتماعي ب 26 يوم عمل، في حين لا يصرح ببقية العمال بمرر قضائهم فترة قصيرة مع المقاولة. لا تأمين على العمال ولا يعلمون عنه شيئا. ولا يعلم العمال ما يقره قانون شغل أو أي زيادات في أجورهم حين يتم إقرار زيادة الحد الأدنى القانوني للأجر.
السكن والتغذية
توفر الشركة سكن متواضع لفائدة العمال في المناطق التي تجري بها أشغال الورش. وسمته الرداءة وانعدام النظافة؛ أولا لأن مناطق التي يكتري فيها رب العمل المنازل تكون رخيصة وهامشية، وثانيا لأن العمال لا يجدون الوقت الكافي للنظافة بفعل التعب والإنهاك بعد ساعات العمل الطويلة والقاسية.
تنتشر روائح الأحذية الكريهة والملابس المتسخة لشهور عديدة. لا وقت للكنس أو التنظيف، أقل ما يمكنهم فعله بعد العودة مساء من العمل هو أخذ دوش خفيف ولقمة لسد الرمق بعدها يغطون في نوم عميق. في المنزل المشترك لا يحتاج العامل إلى غرف وصالون، فمرقده يكفيه ومقعد مكسور وصندوق قديم كمنضدة وقليل من أواني وأطباق الطبخ تكفيه وإذا لم يجد يقوم باستعارة بعضها.
يتكلف أحد العمال مناوبة على إعداد وجبة العشاء بحيث يشكل العشاء الوجبة الأساسية في اليوم، لأنهم يعدونه في سكناهم ولأنه حسبهم مغذي (بطاطس والقليل من الدجاج).
يحدث ألا يفطر العمال صباحا بسبب التأخر في الاستيقاظ بفعل التعب، ويبدؤون العمل دون تغذية. وحتى إن تناولوا تلك الوجبة فلا تعدو أن تكون سوى خبزا غير طري لانعدام الثلاجة أو بعد الأفران عن مقرات سكناهم.
يعتمد العمال في أكلهم اليومي نهارا على ما يجود به السكان، أو إذا اقتضى الحال أن يتكلف أحدهم بإعداد الطعام في مستودع الورش إذا كانت الأشغال بمقربة منه. في حين يتناول أغلب العمال دائما علب السردين ما يشكل خطرا على صحتهم.
يتيح العمل في الأوراش العمومية للعمال هجر قراهم من أجل الكسب والتوفير. لأن البعد عن العائلة حسب العمال يتيح لهم الاقتصاد في كل شيء (الأكل، الملبس، السكن…) لكن هذا يكون على حساب تغذية جيدة وملبس أنيق ومسكن مناسب… ولأن هذا يتيح لهم، رغم قساوته، أن يوفروا المال كي يضمنوا مسكنا متواضعا وحياة لائقة لأسرهم.
يقطن الحارس في المستودع، بلا كهرباء أو حمام أو مرحاض أو غرفة مبيت مجهزة. القاعة المجهزة في المستودع هي القاعة المعدة لاجتماعات رب العمل.
تتدهور صحة العمال جراء الأشغال القاسية اليومية، وتخور قواهم الجسدية ما ينتج عنه قلة وبطئ التفاعل والملل، ما يقود أغلبهم بحثا عن النسيان لتعاطي المخدرات والكحول المفرط. كما يسود نتيجة الانهاك عنف لفظي بكثرة قد يصل إلى عنف جسدي.
إن عدم استقرار العمال وطبيعة قاعدتهم الاجتماعية هو ما يعيق أيه محاولة لحفزهم على التنظيم النقابي في مقاولات الأوراش العمومية.
بقلم، العاصي
اقرأ أيضا