إيض يناير 2024: ليكن محطة نضال، لا محطة تغنِّ بمنجزات الاستبداد
بعد أكثر من خمسة عقود من بدء المناداة بالمطالب الثقافية واللغوية والهوياتية الأمازيغية بالمغرب، تحت تأثير النضال الأمازيغي بالجزائر، خاصة الانتفاضة الجبارة في منطقة القبائل لسنة 1981 المسماة “ربيعا أمازيغيا”، لا يزال “ناشطو الحركة الأمازيغية”، يشتكون من الوضع المزري لتلك الحقوق.
في ماي 2023 أعلن الملك رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا وعطلة مؤدى عنها، وقد استقبلت الحركة الأمازيغية وناشطوها القرار باعتباره “تاريخيا”، واستمرارا لـ”عملية المصالحة” بين الدولة والمجتمع وتاريخه وهويته، وباعتباره استمرارا لما يُطلقون عليه “تقدم ورش إضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية لغة وثقافة وهوية”. ولكن في نفس الوقت تطلق الحركة وناشطوها استياء مما يُطلقون عليه “عددا من التراجعات والانتكاسات في ظل الحكومة الحالية، التي تخلت وتنصلت عن الالتزامات الواردة في القانون التنظيمي الخاص بتفعيل دستور 2011″، متناسين أن ذلك الدستور قد أطلقت عليه حركة 20 فبراير “دستور العبيد”، وأنه جاء لهزيمة أكبر حراك سياسي هز المغرب في العقود الأخيرة.
تمكن النظام منذ العقد الأول من الألفية الثالثة من احتواء جمعيات الحركة الأمازيغية (ومثقفيها وأكاديمييها) التي كان أقصى ما تطالب به هو “مأسسة الأمازيغية”. وقد كان ذلك للملكية عبر بوابة المعهد الملكي للأمازيغية وإطلاق صنبور التمويل وانخراط في عمل تنموي مُغر، فيما غرقت الحركة داخل الكلية في اقتتال فصائلي دموي مع فصائل من اليسار وفصائل ذات انتماءات قبلية أو إقليمية.
يُقر العديد من جمعيات الحركة ونشطائها بأن هناك تقدم في تفعيل تواجد الأمازيغية في الفضاء العمومي (الإعلام والواجهات الرسمية)، ولكن بتغافل عن أن إضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية، يوازيه ويتفوق عليه إضفاء الطابع التجاري عليها. وقد تمكنت العلاقات النقدية والتجارية من التغلغل في البوادي والقرى، التي كانت معقل اللغة والثقافة الأمازيغية. جرى تسليع الأنشطة الاقتصادية/ المعاشية التي كانت مورد رزق ملايين من الأسر الفلاحية. تغلغل الرأسمال- بداية عبر بوابة التعاونيات- ليغزو إنتاج الأركان والصبار وغيرها، وتقدمت الدولة في تنفيذ الخطة المملاة من البنك الدولي لتعبئة الوعاء العقاري (أراضي القبائل والأراضي السلالية) ووضعها رهن إشارة رأس المال.
تحولت القرى والبوادي، منذ منتصف عقد تسعينيات القرن العشرين، إلى مراكز الاحتجاج، وبلغت ذروتها في طاطا سنة 2005 وإيفني سنتي 2007- 2008، وأخيرا حراك الريف (2016- 2017)، والاحتجاجات ضد نزع الأراضي ورعي كبار مالكي قطعان المواشي والجمال. لم تتمكن الحركة الأمازيغية من أن تكون في صلب تلك النضالات، وحتى تلك التي تواجدت فيها (خاصة حركة أكال)، تصارعت لتضفي عليها طابعا هوياتيا مختزِلا، بدل توجيهها ضد أصل البلاء: كبار الملاكين وكبار المستثمريين الرأسماليين والدولة راعية مصالحهم.
طيلة العقود السابقة تجلى، بأسطع ما يمكن، قصور المنظور الامازيغي المحض الذي يختزل هوية المجموعات المضطهدة (بفتح الهاء) في صراعها مع مضطهدها (بكسر الهاء) في في بعدها الثقافي، متجاهلا (عن سذاجة أو عن قصد) أبعادها الأخرى: الطبقي وبعد النوع الاجتماعي. فجواب الحركة الامازيغية على تحديات ما يطرحه المجتمع وحاجيات الكادحين- ات الأمازيغ يضعها وجها لوجه مع جوهر منظورها الطبقي الذي يسعى معظمها تفادي معاداة الرأسمالية والاستبداد بالإغراق في عموميات البعد الثقافي والبحث عن توافقات مع الاستبداد واندماج في نفس النموذج التنموي القائم.
في هذا السياق يُحسَبُ إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها للاستبداد أكثر ما يُحسَب لنضال الحركة الأمازيغية، ما يُمكن النظام من إظهار نفسه أكثر “تقدمية” من الأحزاب وحكومة الواجهة، وهو ما لا تخفيه تصريحات وبيانات الحركة الأمازيغية ونشطائها.
لن يستقيم أي نضال من أجل إقرار الحقوق الأمازيغية دون اندراج هذا النضال في المسار العظيم لكفاح شعبنا ضد كل أشكال الاضطهاد الطبقي والجندري، من أجل مجتمع آخر؛ مجتمع المنتجين- ات المتشاركين- ات الأحرار- ات.
المناضل-ة.
اقرأ أيضا