الحفاظ على قوة الحراك وتطويرها بالتنظيم الواعي للخطوات، تقدما وتراجعا
انضاف الإرباك الناتج عن موجة التوقيفات عن العمل، التي انهالت متم الأسبوع الماضي، إلى عناصر دالة على دخول حراكنا طور خفوت، بعد أن امتد برهة طويلة لم يسبقه إليها أي إضراب في القطاع في تاريخ المغرب.
مدة طويلة لم يحظ فيها حركنا بانضمام أي قطاع آخر من الوظيفة العمومية، ومن عامة شغيلة الدولة، إلى معركة جوهرها مشترك، متمثلٌ في أمرين: ألا وهما التصدي لتفكيك المدرسة والوظيفة العموميتين و السعي لتحسين القدرة الشرائية بوجه تسونامي الغلاء. وكذلك لم تتطور حالة تضامن أسر التلاميذ إلى قوة ضاغطة في ميزان القوى بيننا وبين الدولة. هذا فضلا عما مثله انفصال جامعة التوجه الديمقراطي عن الحراك من إضعاف له.
إن الوضع يتطلب المبادرة الفورية إلى وقفة لإعادة التفكير وتنظيم القوى، أي فترة استراحة المحارب، بصورة متفق عليها تحافظ على وحدتنا، بدل السير الحثيث إلى تحلل تدريجي، وحتى تعفن سيدمر، ولا شك، معنويات قسم عريض من الشغيلة، وسيخلف مشاعر إحباط تفقدنا القدرة مستقبلا على العودة إلى ساحة النضال، لا سيما أننا مستهدفون ومستهدفات بما يسمى “إصلاح” التقاعد، أي مزيد من النيل من مكاسبنا، وبما يسمى مشروع تقنين الإضراب الرامي إلى تجريدنا من سلاح الدفاع عن الذات للتمكن من استعبادنا التام وإلى الأبد.
ما لم نجمع قوانا، ونوحد الموقف بخطة، سيسير الوضع إلى مزيد من التراجعات المحلية، على صعيد المدارس، شذر مذر، بلا قرار وطني جامع، وما يترتب عن ذلك من مشاعر الخيبة ومن خسائر فادحة على صعيد المعنويات وشعور القوة المكتسب بكفاح لا يلين دام ثلاثة أشهر.
توقُّفنا لفترة بشكل منظم، بقرار مفكر فيه، وجماعي، هو الشكل الوحيد للحد من الأضرار، من أجل استخلاص دروس المعركة لتكون رافعة للقادم من أشواط دفاعنا عن مكاسبنا وحقوقنا. وستكون أنجع كيفية هي إعلانُ موحد لتنسيقيات حراكنا نهايةَ شوطٍ، والتوجهُ للاستعداد للشوط المقبل. فبهذا النحو سنحافظ على أهم مكاسب حراكنا، أي هذه الوحدة التي تبلورت في معمعان الكفاح. لقد أجبرنا الدولة على تقديم تنازلات ، لم يسبق لها أن اضطرت لتقديمها. ولو تضافر كفاحنا مع نضالات شغيلة قطاعات أخرى، مثل الجماعات الترابية والصحة، لكانت المكاسب نوعية وتاريخية. وهذا ما يجب أن نعمل مستقبلا لتأمينه. حراكنا مدرسة نضال لعشرات آلاف نساء التعليم ورجاله، فتح صفحة جديدة في تاريخ النضال المطلبي، ولن يكون ما بعده أبدا كما قبله.
كي تبقى راية حراكنا مرفوعة، بحماس ومعنويات مرتفعة، يتعين علينا الاعتزاز بمكسب الوحدة والمشاركة الجماهيرية العارمة الذي حققناه بنحو غير مسبوق، وننظم دخول حراكنا فترة راحة نهيئ خلالها استئنافه معززين بدروسه، على أسس أمتن ورؤية نضالية أشمل وأعمق. إننا مطالبون أساساً بإعمال العقل في أداة كفاحنا، أي التنسيقيات، مكامن قوتها ومواطن الضعف، هياكلها وآلياتها، ديمقراطيتها ودرجة نسونتها، ومن ثمة كيفيات تطويرها للسير نحو منظمة نضال واحدة موحِّدة لعموم شغيلة الحراكيين والحراكيات. وأول ما يقتضيه تفعيل النقد الذاتي هذا تفادي تسميم الأجواء بالتخوين وكيل الاتهامات والشتائم وغيرها من السلوكات غير الرفاقية وغير الديمقراطية، أي ضرورة إعلاء شأن روح الأخوة النضالية التي لازمت حراكنا، بوجه الإجمال، منذ انطلاقه.
هكذا، سنقلل الأضرار جديا، وكلنا اقتناع أن الهدنة مؤقتة، والعودة إلى ساحة المعركة محتمة، لأن في جعبة الخصم قذائف مُعَدَّة للعصف بمكاسبنا وتشديد استغلالنا وإلغاء حرياتنا. فلن يقتصر عدوان الدولة على سعي إلى إفراغ المنتزع منها من مكاسب جزئية من محتواه، بل ستنتقم لجعلنا عبرة لسوانا من أقسام الطبقة العاملة التواقة إلى الكفاح، ولعامة الجماهير الشعبية،وستستأنف هجومها على الصُّعد كافة، وبمقدمتها نزع سلاح الإضراب بـ”قانونه التنظيمي”، وتضييق أشد لحرية التنظيم ب”قانون النقابات”، ونيل إضافي من حقوقنا في التقاعد بما يسمى كذباً “إصلاحه”.
لقد أثبتنا طيلة ثلاثة أشهر مقدرتنا على وقف عدوان الدولة، مقدرة نحن مطالبون ومطالبات بالحفاظ عليها وبتطويرها نوعيا باستخلاص دروس حراكنا، وتصليب أدوات نضالنا، والتنظيم الواعي لخطواتنا، تقدما وتراجعا.
المناضل-ة.
اقرأ أيضا