تعزيز مكاسبنا الذاتية ضامن مكاسبنا المادية وتعزيزها أولوية الأولويات
بقلم، سليم نعمان
ما كان لحراك شغيلة التعليم الجاري أن يحدث، وبهذا الحجم والامتداد الزمني الاستثنائيين، لولا صدمة ما سمي «النظام الأساسي الجديد»، ولاسيما صدمة أن هذا النظام لم يأتِ بالمكاسب المنتظرة منه، وجرى ذلك بفضل تعبئة من أسفل خارج إطار النقابات القائمة، ومع ذلك فقد استفادت الدينامية النضالية الحالية من وجود نشاط نقابي لا بأس به في قطاع التعليم مقارنة بقطاعات الوظيفة العمومية الأخرى، إما حيث التنظيم النقابي ضعيف أو أن حيوية النضال ضعيفة، هذا دون نسيان أن العمل النقابي منعدم الحيوية بالقطاع الخاص. وفضلا عن ذلك، استفاد الحراك الجاري من خبرات نضالات سابقة، وأفاد بدروس مهمة، أهمها إحياء مبادئ أساسية لعمل نقابي وحدوي وديمقراطي وكفاحي، مبادئ أقبرتها القيادات النقابية البيروقراطية منذ فترة طويلة.
تعبئة لم تكن متوقعة، فاجأت الجميع، وغالبية المضربين- ات اندفعت للنضال وضد أمر تريده الدولة وتصر على تمريره، وليست مستعدة للتنازل بسهولة، ما لم تجبر على ذلك بفعل عظمة الاحتجاج وصموده، وهو ما حصل فعلا.
مع ذلك، فالحراك تعتريه نواقص رئيسية، أهمها فئويته، أي في المحصلة شتاته، وسيادة الفردانية، وضعف الوعي السياسي، وكأن الإصرار على تكرار «لا شأن بالسياسة، ومطالبنا خبزية» من شأنه أن يقنع الدولة بعكس ما تقوده من تعديات على المكاسب والحقوق. أضف لذلك زيادة نبرة العداء للنقابة، وإن كان لها ما يبررها، فالأمر مضر بالنضال، فليس المشكل في النقابة كأداة نضال، بل في سطوة خيار سياسي غير عمالي، وناقص النزعة الديمقراطية على أجهزتها، وتوجيه النقابة بالتالي إلى «الشراكة» بدل الكفاح النقابي من أجل مصالح طبقة العمال والعاملات. وفضلا عن كل هذا لا تزال مكاسبنا الذاتية أولية وهي بحاجة للإنماء وجعلها أسس العمل النقابي الكفاحي الضروري.
طبعا، لم نشهد، منذ زمان، قتالية من هذا القبيل، والمطلوب حاليا توجيه هذه الطاقة إلى الحفاظ على الجمرة متقدة عبر صيانة المكاسب المعنوية (الوحدة والديمقراطية والكفاحية، وسيادة الجموع العامة، مكاسب تبقى حتى الآن أولية وبحاجة إلى تطوير) وتعزيزها بجر قطاعات أخرى للنضال، ومزيد من إقناع الشباب المتمدرس وأولياء أمور التلاميذ-ات بأهمية الحركة الإضرابية الجارية وأن المطلوب توسيعها بالتضامن والإصرار على الانتصار. نعم المهمة معقدة، بالنظر للسياق، لكن المهمة لم تكن في أي وقت مضى خلال العقود الأربعة الماضية، في متناول اليد.
الحرص على أهمية الجموع العامة كاملة السيادة أولوية الأولويات، فهي أداة لتحقيق الوحدة، والتمرن على الديمقراطية، وهي فضلا عن ذلك وسيلة تتيح بروز قيادة ذاتية للنضال، لا سيما في هذا السياق حيث لا تلتزم القيادات النقابية بعلة وجود النقابة، ولا تقوم بأي شيء لتعزيز الحراك، بل تضر به أيما ضرر. اعتادت القيادات قبول النكسات الواحدة تلو الأخرى، والإضراب الحالي أظهر إمكانية الكفاح ولا ضير أن يلحقه بعد كل هذه المدة بعض الوهن، غير أنه مع ذلك يحافظ على مستوى مشرف من الاستعداد النضالي، بالتالي يلزم وضع القرار بيد الجموع العامة كاملة السيادة، مع تقدير دقيق للسياق والمعنويات.
لقد آن أوان عقد اجتماع وطني لمندوبين-ات من مختلف المدن والمناطق (بما في ذلك مندوبين-ات عن القائم من تنسيقيات وفروع نقابية مناضلة…)، لوضع أفق للمعركة، وإعادة إرسائها على سكة الوحدة والديمقراطية والكفاح. ومن الضروري تحويل الطور الحالي من حراكنا إلى فترة تقرن أشكال النضال المعلنة بنقاش واسع ومعمق في مقرات عملنا لما سيصدر عن التفاوض، أي فرصة لعقد المئات من الجموع العامة لمناقشة إيجابيات وسلبيات ما يجري التوصل إليه.
ما من طريق مختصر لنيل المطالب، فقط بالنضال يمكن انتزاعها، وبالبقاء يقظين ومعبئين يمكن صيانتها. نعم، بقيت حركتنا الإضرابية معزولة، وتفسير ذلك يوجد في سياقها، نضال استثنائي بعد فترة ركود ممتدة، وحالة ركود سياسي مديدة، وبعد القمع الشرس لحركات نضال كبرى على رأسها حراك الريف المجيد، أضف لذلك الحالة النقابية البئيسة جراء سطوة قيادات بيروقراطية غير عمالية عليه، فضلا عن استمرار النزوع الفئوي الذي يمنع الشغيلة- لحدود اللحظة- من تملك منظور نضالي إجمالي لمواجهة استراتيجية الدولة الشاملة القائمة على تفكيك الوظيفة العمومية.
اقرأ أيضا