تجسيد الوحدة والديمقراطية أفضل بكثير من تكرار الدعوة إليها
بقلم، الرفيق سين
دائما ما تتردد الوحدة النقابية وسط الحركة النقابية والعمالية، سواء في صورة وحدة الفعل النضالي أو وحدة تنظيمية. هي إذن ضرورية، وينبغي معالجتها على ضوء التجارب التاريخية مع تجديدها وابتكار ما يتوافق مع احتياجاتنا الراهنة، وكل هذا في مسعى البحث عن أفضل الوسائل لخلق ميزان قوى يتيح إحداث التحولات المرجوة.
يسود بين العمال/آت توق قوي إلى الوحدة النقابية، وأي نقابي ذو خبرة قليلة يعلم ذلك، أما الأكثر خبرة فلا يخفى عنهم ذلك. إن من يدعو إلى الوحدة النقابية هم أنفسهم من عليه فرضها. غير أن هذا يجري في واقع معقد. هناك خصوصية كل منظمة، ومدى تطور البيروقراطية داخلها، أو استيلاء قوة/ قوى سياسية غير عمالية على الأجهزة النقابية…
تهدف النقابات العمالية المناضلة أساسا إلى تعزيز ميزان القوى في وجه الدولة وأرباب العمل، ليس فقط خلال فترة المفاوضات، ولكن أيضا خلال فترة السلم. ومع ذلك، فإن قوة النقابة تتناسب طردا مع وعي وتعبئة أعضائها. فالنقابة، التي لا يقوم عملها إلا على عمل روتيني من قبل متفرغين دائمين، هي تجمع هياكل وأجهزة، بلا جسد وبدون حياة داخلية خاصة. كما أن تعزيز السلطة النقابية يعني إضفاء الطابع الديمقراطي عليها.
يأتي تعزيز ميزان القوى هذا في المقام الأول بتجسيد الوحدة، ويسهل فرض هذه الأخيرة من أسفل غالبا، ولاسيما حين يكون الأمر جزءا من عملية بناء حركة احتجاج ديمقراطية جماهيرية. إن التجرؤ على رفض وحدة العمل النقابي أمر سهل في غرفة لا يوجد فيها سوى عدد قليل من المسؤولين النقابيين، غير أنه أقل سهولة أمام جموع عامة تتمتع بسلطة بلورة القرارات النهائية، رغم كونها هيئات مرهقة ويصعب انعقادها. وللتغلب على هذه الصعوبة بشأن عقد جموع عامة تجمع جماهير عفيرة، من الضروري إنشاء مجالس نقابية تتمتع، بين جمعين عامين، بصلاحيات واسعة إلى جانب الجموع العامة والمكاتب التنفيذية وكل ما يلزم من لجان وظيفية.
العمل الوحدوي والديمقراطي هو قبل كل شيء تفاعل مع تطلعات جماهير الأجراء/آت، وهو أيضا وسيلة لزيادة ميزان القوى لصالحهم-هن. وإذا كانت الوحدة مصدر قوة وفعالية للعمال، فليس مستغربا أن تسعى الطبقات الحاكمة دائما لخلق الانقسام والحفاظ عليه. أما الديمقراطية فليست مجرد احترام شكليات معينة، بل هي الإقرار بالاختلاف واحترام التوجهات النقابية المتباينة، وحق جماهير الشغيلة في تقرير مسار ومآل معاركها، وليس حصر ذلك الحق بتفويضه للأجهزة. وتشكل الجموع العامة داخل المدارس إحدى آليات إعمال الديمقراطية تلك، آليات كانت في صلب التقاليد الكفاحية للحركة العمالية طيلة قرنين، وقد تمكن شغيلة التعليم من إعادة اكتشافها، ودورنا هو تعميمها وتصليبها.
بالتالي، ليس المطلوب «الوحدة من أجل الوحدة» و «ديمقراطية شكلية»، بل وحدة وديمقراطية تخدمان مصالح الديناميات المباشرة الجارية، ومصالح طبقتنا الاجتماعية عموما، وبالتالي في المقام الأول تتيحان العمل بشكل أكثر فعالية وقوة. إن البحث عن وحدة نقابية شاملة هو الخطوة الأولى. لكن لا ينبغي أن يجري ذلك بأي ثمن، فلا فائدة من وحدة تجبرنا على السير في خطى قيادات نقابية ترفض النضال، بل أكثر من ذلك تصطف مع أولائك الذين نقاتل ضدهم، فطيلة سنة 2019 كان هناك التنسيق النقابي الخماسي الذي ساهم في إطفاء معركة المفروض عليهم- هن التعاقد بلعب دور الوساطة بينهم- هن وبين الدولة، وطيلة سنة 2022 كان هناك التنسيق الرباعي الذي انخرط في اللجنة التقنية وساهم في صياغة النظام الأساسي الجديد، هذا تنسيق ووحدة مضرة بمصالح الشغيلة لذلك فهما مرفوضان. وطبعا لا يعني ذلك انتظار حسم كل شيء مسبقا كي يتم إنشاء الوحدة الضرورية، فقيام هذه الأخيرة، وبفضل الزخم المرافق لها، يحمل في ثناياه دينامية تخلق شروطا أرحب لتجاوز الاختلافات والمعيقات سواء الذاتية أو الموضوعية.
ولأن العزلة قاتلة، وبمناسبة الدينامية النضالية الجارية في قطاع التعليم حاليا، يلزم من أجل كسر العزلة التي تسعى الدولة لإدامتها، فإن على التنسيقيات أن تتوحد، وأن تمد الدينامية الجارية إلى مجموع قطاع الوظيفة العمومية الذي تشترك معه نفس المصير، وأن تلف حولها كل المعنيين الآخرين بالمدرسة العمومية ومجانيتها وجودتها؛ أسر التلاميذ في المقال الأول، لكن أيضا كل جمعيات ما يسمى مجتمعا مدنيا وجميع القوى السياسية المناصرة للعدالة الاجتماعية والحرية، والمساواة، والكرامة والحقوق الإنسانية… إنها مهمة مزدوجة: الوحدة وتوليد التضامن والحاضنة الشعبية.
ينبغي الاستفادة من هذه اللحظات النادرة من التعبئة والاندفاع الوحدوي واقتراح مبادرات جامعة من شأنها خلق أواصر التقارب وتقويتها، من قبيل عقد جموع عامة مشتركة، وإطلاق حملات تعبوية… والأكيد أنه من الضروري جدا أن يبادر المناضلون النقابيون الوحدويون، الكفاحيون، إلى إطلاق دعوات وأرضيات توفر أساسا ملموسا لإثارة النقاش داخل الجموع العامة من جهة، ومن جهة أخرى لأن من شأن ذلك أن يسمح بتجميع المناضلين النشيطين حول برنامج عمل موحد وديمقراطي.
إن النقابة العمالية المكافحة القائمة على أسس الوحدة والديمقراطية هي الجواب العملي الذي ابتكرته الحركة العمالية تاريخيا، وهو لا يزال راهنيا وضروريا، وهذا ما ينبغي تدقيقه وتطويره في السعي لخلق ميزان القوى اللازم لإجبار الدولة على التنازل وتلبية المطالب.
الجميع، يكره الانقسام، والكل يدعو للوحدة، والمطلوب هو فتح الآفاق وتهيئة الظروف كي يتغير الحال السيء للنقابات العمالية الذي ترعاه بيروقراطيات موالية للدولة ومسهلة لتعدياتها على الحقوق والمكاسب.
اقرأ أيضا