مقابلة مع الرفيقة فاطمة بلا حول المشاركة النسائية في الاحتجاجات والاضرابات التي يشهدها قطاع التعليم
كيف ترين ميدانيا مشاركة النساء في معركة شغيلة التعليم التاريخية الجارية، في الإضراب وفي أشكال الاحتجاج الأخرى، وقفات ومسيرات، قياسا بوزنهن في القطاع، وبتجارب إضرابات سابقة؟
تميزت الدينامية النضالية في قطاع التعليم منذ انطلاقها بتاريخ 5 أكتوبر 2023، بمشاركة وازنة لقسم يبلغ عدده حوالي نصف مجموع الشغيلة التعليمية، اقصد هنا النساء، سواء من خلال المشاركة في النقاش في الجموع العامة داخل المؤسسات التعليمية، أو عند تجسيد الإضرابات التي تساهم أيضا في اتخاذ القرار. كما نلاحظ حماسا وإصرارا بهدف إنجاح كل أشكال الاحتجاج التي تخوضها الإطارات المناضلة. صحيح أن مشاركة النساء كانت دائما قوية في بعض المعارك والتي شاركت فيها الأستاذات جنبا إلى جنبِ رفاقهن، ونلن نصيبهن من القمع. نفس الأمر حصل في معركة تنسيقية المفروض عليهم- هن التعاقد: شاركن في التنظيم والشعارات والإعلام ولم يسلمن من الاقتطاعات من أجورهن الهزيلة بسبب حقهن في الإضراب ومن المتابعات القضائية ايضا، ونذكر أساسا المناضلة نزهة مجدي التي حوكت بثلاثة أشهر سجن نافذ لأنها فضحت تحرش رجال القمع بها أثناء التحقيق، وهو ما أطلقت عليه النيابة العامة “إهانة هيئة منظمة”. ناهيك عن المضايقات التي تتعرض له الأستاذات كنساء داخل اسرهن بسبب انخراطهن النضالي، بالإضافة الى تعرضهن للتحرش وسط المسيرات الاحتجاجية وداخل مخافر الشرطة من طرف جهاز القمع.
كما أنه ومن خلال تتبعي للتعاليق في عدة مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو لي بأن أكثرهن ينادي بضرورة توحيد النضالات وعيا منهن بأنه ا السبيل الوحيد لإنجاح معركتنا.
يبدو أن عادة عدم تمثيل النساء في الأدوار القيادية راسخة، متجلية في الحراك الجاري، فما وزن نساء التعليم في هياكل قيادات النضال الجاري من نقابة وتنسيقيات؟
انخراط النساء في المعركة الجارية بنفس حماس وإصرار زملائهن لا يوازيه تمثيلية قوية في مختلف مراكز القرار بالهيئات التي تناضل في إطارها. نلاحظ حضورا محتشما لأستاذات أو أطر دعم كمنسقات لمؤسساتهن أو في لجن الشعارات وتمثيلية شبه منعدمة داخل الأجهزة التقريرية.
غيابهن أو بقاؤهن في الكواليس ليس استخفافا بتلك المهام أو رفضا لها، بل وحسب اعتقادي، فان السبب هو استبطانهن بشكل غير واع للصورة النمطية المنوطة بالأدوار القيادية. كما أن عدم خوض غالبيتهن لتجارب سابقة قد يجعلهن مترددات أو غير واثقات من مدى قدرتهن على تحمل المسؤولية إلى جانب رفاقهن الذكور. هذا التردد يقابله في نفس الوقت إعجاب بزميلاتهن المتواجدات بقيادة التنسيقيات ويغبطنهن على “شجاعتهن” ومدى “تمكنهن” من تفاصيل معركتهن. هذا بالإضافة إلى إنهن يبدين باستمرار تعطشهن للفهم والنقاش في مختلف القضايا.
لكن بشكل عام فإن مشاركة النساء في هذه المعركة أدنى بكثير من تلك التي شهدناها لدى تنسيقية المفروض عليهن- هن التعاقد. وربما يُعزى ذلك إلى كون القسم العريض من المفروض عليهن التعاقد في مقتبل العمر وغير مثقلات بالمهام الأسرية من جهة، وكون الناشطات في التنسيقية مررن بتجارب داخل الحركة الطلابية وجمعيات العاطلين- ات وبعض التجارب النسوية. فقد كنَّ يشاركن في المجالس الوطنية وفي اللجان الوطنية (لجنة الإعلام) ويتقدمن المسيرات والشعارات، ومع تراجع نضالات تنسيقية المفروض عليهم- هن تحت ضربات القمع والخطوات غير المحسوبة، تراجعت أيضا مشاركة الأستاذات بالشكل المنوه به أعلاه.
هل لوحظ توق من قسم من النساء إلى التقدم إلى الأدوار القيادية، ميدانيا على صعيد محلي وآخر وطني، أم أن قوة العادة لا تزال تمنع هذا التقدم؟
ليس هناك فرق كبير بين بداية هذه المعركة وما نراه اليوم بعد مرور شهرين من انطلاقها، لكن يبدو لي أنها، و بالنظر إلى ما يميزها تنظيميا ومطلبيا، ستفتح الباب لانضمام وتمرس نصف شغيلة القطاع ليكون فاعلا ويعطيها زخما كميا ونوعيا مستقبلا في حالة استمرارها، أو في حالة تحقيقها لانتصارات و لو جزئية.
هل برزت في خضم الحراك الجاري مطالب نسائية خاصة؟
لطالما شكل غياب المطالب النسائية في الملفات المطلبية النقابية الجانب السلبي للمعركة. تواجد النساء في الهياكل التنظيمية للإطارات النقابية وغيرها، و لو بالأغلبية، و انخراطهن في تجسيد و إنجاح الأشكال النضالية التي يقررونها جميعا، كل ذلك لم يجعل هذه المطالب موضوع نقاش يجب الترافع عليه، فرغم ما أشرنا إليه أعلاه م نمشاركة وازنة للأستاذات المفروضات عليهن التعاقد في الأجهزة المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية للتنسيقية، إلا أن ذلك لم ينعكس قط في الملف المطلبي للتنسيقية. وهذا التجاهل لا يقتصر على المنتمين إلى النقابات من الذكور فقط، بل إن النساء أيضا في حالة تماهٍ مع هذه الثقافة الذكورية. يعتبر هذا الوضع نتيجة لاستبطان الثقافة السائدة في المجتمع من جهة، و من جهة أخرى، تواجد بيروقراطية تهمش الديمقراطية داخل المنظمات العمالية لن تساهم أو تسمح برفع الوعي لدى قسم كبير من العاملات.
المعركة الحالية إذن فرصة من أجل تطوير المطالب النسائية في منظمات النضال العمالي، و من أجل تقوية نضال نسائي كفاحي وسط تربة ذكورية، أو بمعنى أدق، العمل على إيجاد السبل الكفيلة بإقناع النساء قبل زملائهن الذكور، بعدالة و مشروعية مطالبهن، و جعلها مفهومة لدى الجميع بدون استثناء.
مواقف قيادة جامعة الاتحاد المغربي للشغل في التعليم عاكست إرادة القاعدة العريضة، فكيف تصرف المناضلون والمناضلات، الرافضون- ات لموقفها، في هذا الحراك غير المسبوق؟
منذ توقيع القيادات النقابية على اتفاق 14 يناير2023 ومن بينها الجامعة الوطنية للتعليم- ا م ش، تخلل المجموعات الالكترونية نقاشات لم تتجاوز حدود التذمر الشفوي. وبمجرد إعلان الدولة سريان مفعول النظام الأساسي الجديد، ونشره في الجريدة الرسمية في شتنبر الماضي، ارتفع منسوب الغضب وتعرض جميع المنتسبين للأجهزة التنظيمية إلى وابل من الاتهامات بالمؤامرة، ناهيك عن الإحراج الذي تسبب فيه تواطؤ القيادة مع الوزارة في تمرير هذا النظام المشؤوم، نظام المآسي بامتياز. ستلتقي هذه المعطيات مع امتعاض بقية الشغيلة التعليمية وإعلان رفضها لهذا النظام الجديد لينضم الجميع إلى غمار هذه المعركة منذ 5 أكتوبر 2023 دون التخلي عن عضويتها في النقابة. من جهة أخرى، ولأول مرة في بعض المواقع، تصدر فروع اقليمية أو جهوية لبيانات معاكسة لما يصدر عن قيادة النقابة بعد تردد و تخوف من “تصدع الإطار النقابي” على حد تعبير بعض النقابيين. هذه خطوة إيجابية طبعا لأنه تلتها مباشرة دعوات ملحة للفروع الجهوية بإصدار بيانات تدعو إلى الانخراط و إنجاح الأشكال النضالية التي تخوضها الشغيلة التعليمية. و ذلك ما حصل فعلا.
كيف حاولت تلك القيادة المسايرة للحد من تضررها من سخط القاعدة؟
أول ما قامت به، كما قلت سابقا، هو إعلانها رفض النظام الأساسي بدعوى أنها، معية القيادات النقابية الأخرى الثلاث، لم تشارك في الصياغة النهائية لهذا المرسوم. ستدخل بعدها في سلسلة “حوارات” مع الحكومة والوزارة المعنية لتوهم الشغيلة التعليمية بأنها في صفها وبأنها تترافع على مطالبها موضوع الاحتجاج. بالرغم من استمرار الأساتذة و الأستاذات وأطر الدعم في تسطير البرامج النضالية لمعركتهم- هن، لكن يبدو أن الصنارة قد غرست فعلا ونحن نتابع اجتماعات تلو أخرى لقيادات نقابية مع ممثلين-ات عن تنسيقيات تناضل في الميدان. و هذا يجعلنا نتساءل عما استجد في موقف هذه البيروقراطيات النقابية من المرسوم الجديد (تطالب بتعديل ومراجعة مضامين النظام الأساسي)، و في موقفها من التعاقد (اتفقت مع اللجنة الثلاثية الوزارية على استثناء مباراة ولوج مراكز التربية والتكوين من التوقيف المؤقت للعمل بالنظام الأساسي الجديد)…الخ، ماذا استجد بخصوصها حتى تهرول التنسيقيات إلى مكاتبها مطالبة إياها بالتفاوض حول ملفاتها المطلبية.
ما مدى انضمام مناضلي جامعة التعليم- إم ش إلى مختلف التنسيقيات؟ وهل هم من القاعدة حصرا أم منهم قادة الأجهزة المحلية، وما دوافعهم بنظرك، وما موقف القيادة من ذلك؟
انضمام مناضلي -ات الجامعة الوطنية للتعليم-ا م ش إلى التنسيقيات الفئوية ليس وليد اليوم، قواعد و قادة أجهزة على السواء. انخراطهم- هن في الجامعة لم يمنعهم من المشاركة في تأسيس تنسيقيات و المشاركة والتعبئة لبرامجها النضالية. الجديد في هذه الدينامية النضالية الاستثنائية بكل المقاييس، هو انخراط الأغلبية في التنسيقية الجديدة “التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم” كقاعدة وكمنسقين- ات مكلفون- ات بمهام، مع العلم أنها ليست تنسيقية فئوية، بل هي نقابة قائمة بذاتها لدفاعها عن ملف مطلبي شامل يعني جميع الفئات المحتجة اليوم في قطاع التعليم. بل ويتم إعلان ذلك في المجموعات النقابية المحلية بشكل يبدو عاديا، لا يوحي بوجود تضارب في الانضمام أو تولي قيادة نقابتين في نفس الوقت. اعتقد أن الدافع الأساسي هو البحث عن بديل نقابي يستجيب لنداءات الشغيلة التعليمة منذ عقود تتمثل في وعاء نقابي موحد للشغيلة و للمطالب، تسود فيه ديمقراطية التسيير. هل وجدوا-ن فعلا ضالتهم- هن أم لا؟ سنترك الجواب للآتي من الأيام لكي تؤكد او تنفي واقع الامر.
أما بخصوص موقف القيادة من ذلك، فيبدو أنها منشغلة أكثر بإنجاح دورها الإطفائي لإخراج الدولة من المأزق الذي ورطتها فيه، وذلك عندما طمأنتها بنضج الشروط لتمرير هذا المرسوم الذي سيجهز على المدرسة والوظيفة العموميتين.
هل ينصاع أعضاء جامعة ام ش الملتحقون بمختلف التنسيقيات لما في هذه من أشكال ديمقراطية جنينية (بتفاوت)، أم أنهم نقلو إليها الأساليب غير الديمقراطية المتعود عليه؟
على ما يبدو إن غالبيتهم- هن راضون- ات على هامش الديمقراطية التي توفرها الأشكال التنظيمية من داخل الإطار المولود حديثا، و بالتالي فانضباطهم لها يبدو بديهيا. لكن هذا لا يعني بالتأكيد أنه تم القطع نهائيا مع بعض السلوكيات المكتسبة من داخل إطاراتهم- هن السابقة من قبيل الهجوم على من يخالفهم- هن الرأي، سحب أعضاء من مجموعات تنظيمية (واتساب) لمجرد تفاعل بايموجي! طرد أعضاء بتهمة تسريب أسرار التنظيم خلافا للأعراف التنظيمية النقابية،…الخ.
إذا استمرت قيادة الجامعة على نهجها، هل تتوقعين انسحابات والتحاقات بهيئات نضال أخرى؟
هذا احتمال وارد جدا خاصة إذا تمت معالجة و تدارك بعض الأخطاء (التي سبق ذكر بعضها) في التنسيقية- النقابة، وتوسيع مجال الديمقراطية فيها عبر إشراك القاعدة في نقاش كل صغيرة و كبيرة، و عدم حصر دورها في التقرير فقط في أمور تقنية أو هامشية. ستكون في اعتقادي قطب جذب لمن لم يلتحق بعد من أعضاء نقابة الجامعة-ا م ش وغيرها من النقابات الأخرى. أما إذا تغلبت مظاهر وأد الديمقراطية واستئثار الأجهزة بالقرار، فإن الشغيلة ستستنتج أن لا فرق بين “النقابات” و”التنسيقيات”، وسيكون ذلك هدرا كبيرا لطاقة نضال كبيرة شهدنا ميلادها مع الدينامية النضالية الجارية.
اقرأ أيضا