النظام الأساسي… ونظام المآسي
كلمة افتتاح الندوة العمومية التي نظمتها جريدة المناضل-ة بالمركب الثقافي محمد خير الدين بأكادير يوم الاحد 24 ديسمبر 2023
النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، الصادر بالجريدة الرسمية يوم 6 أكتوبر 2023، أدخله ضحاياه، أي شغيلة التعليم، التاريخَ تحت اسم نظام المآسي، ادخلوه التاريخ بقوة حراكهم الاستثنائي.
هذا النظام جعل مئات آلاف الناس يكتشفون حقيقة النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد بالمغرب، وهو كله نظام مآس.
يندرج هذا النظام ضمن خطة عامة خاصة بالوظيفة العمومية. جوهرها تطبيق ما يعرف بالتدبير العمومي الجديد (new public management NPM) وهي تقنية تسيير تستهدف المرافق العمومية بقصد تكيفها وفق منظور الليبرالية الجديدة، أي وفق الشكل الراهن للرأسمالية عالميا، وكما هو معروف هو شكل بالغ الشراسة ضد حقوق الشغيلة وعامة الطبقات الشعبية.
التدبير العمومي الجديد تقنية في خدمة رأس المال، تُشيعها مؤسساته، الاتحاد الأوربي، الذي تربطه بالمغرب اتفاقية «شراكة» منذ ربع قرن، هي عبارة عن عقد حماية جديد، يتحكم في دواليب الدولة المغربية وسياستها. كما تُشيعه منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين، رأس رمح الرأسمال الاوربي، وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي (الثنائي الجهنمي الذي يمسك برقاب المغرب بآلية الديون). وهو يتخلل تقارير هاتين المؤسستين الاستعماريتين بانتظام. وقد تضمن ما يسمى الميثاق الوطني للتربية والتكوين منذ 1999 مفاهيمه. وأحد اكبر ابعاده تطبيق تقنيات تدبير اليد لعاملة في القطاع الخاص على شغيلة القطاع العام.
هذا التدبير العمومي الجديد (NPM) هو إذن إحدى أدوات الترسانة المهولة للرأسمالية الهاجمة، لا سيما منذ مطلع سنوات 1990. هي أداة تنضاف إلى الخوصصة، وتشجيع الرأسمال الخاص بمختلف الطرق، وجعل الخدمات العمومية من تعليم وصحة سلعة، وتعميم أشكال الهشاشة في عالم الشغل، وسائر السياسات التي تصب في خدمة مصلحة اقلية برجوازية.
ونجد مفاهيم التسيير العمومي الجديد في المذكرة التقديمية للنظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية لما كان مشروعا، حيث يشرح السيد بنموسى اهداف ومضامين نظام المآسي.
ومنهجية التسيير العمومي الجديد يجري تطبيقها على صعيد الوظيفة العمومية بمجملها، وتقدم رسالة رئيس الدولة إلى المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا في فبراير 2018 ملخصا مركزا وبليغا لهذا المنظور. هذا المنتدي المنظم بمناسبة مضي 60 سنة على سن النظام الأساسي للوظيفة العمومية (1958)، والتي كلف فيها المنوني عبد اللطيف (رئيس لجنة وضع دستور 2011) بقراءة الرسالة الملكية تلك، ما يدل على الأهمية المولاة للنيل من الوظيفة العمومية.
التسيير العمومي الجديد يطبق بالتدريج منذ عقود، ضمن السياسة النيوليبرالية العامة، ولم يتصد له ضحاياه بشكل جماعي لأنهم لم يجدوا من ينورهم، ويعمل على جمع قواهم، بعد أن جرت القيادات منظمات الشغيلة لتكون مساعدا للدولة لا مكافحا لها. ونتمنى أن يكون مثال شغيلة التعليم قدوة لسائر الضحايا الآخرين في الوظيفة العمومية.
إن كان هذا النظام الأساسي نظام مآس على صعيد حقوق شغيلة التعليم، فإن أصله أي النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد ببلدنا كله نظام مآس. فنحن نشهد التدمير الذي يستهدف المدرسة العمومية، خدمةً لتجار التعليم، وما يشهد قطاع الصحة العمومية من تخريب مقصود لتمهيد طريق تجار الصحة من كبار الرأسماليين، الذي يركضون للاستثمار في الخدمات الصحية بتشييد مستشفيات خاصة، ركضهم الى منجم ذهب. وإذا أضفنا البطالة والعمل الهش، والقاء مئات الاف الشباب خريج نظام التعليم الى أهوال البطالة والهشاشة، وموجة الغلاء الفاحش التي تطحننا، نتبين كم هو همجي نظام المآسي هذا، النظام النيوليبرالي الرأسمالي.
إن غايةَ إبراز أصل النظام الأساسي للتعليم البرهنةُ على أن الفرع لا يعالج إلا بمعالجة الأصل. ما يعني أن ضمان ظروف عمل وحياة لائقة لشغيلة التعليم، ولكافة الطبقة العاملة، يتطلب نضالا ضد مجمل النظام الاقتصادي والاجتماعي (الرأسمالي) السائد في بلدنا. وهذا أساسا دور النقابات العمالية، لكن قياداتها تجرنا منذ عقوق نحو التخلي عن هذا الدور، رغم كلامها المستمر عن النضال من أجل التغيير والديمقراطية.
سنتقدم فعلا نحو مستقبل عمل وحياة لائقين عندما تنهض الطبقة العاملة برمتها للنضال كما فعل شغيلة التعليم، في إطار وحدة وتسير ذاتي للنضالات.
اقرأ أيضا