أحدث انفراد الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي بالتفاوض بشأن مطالب شغيلة التعليم مع الوزارة، خصوصا منذ الجمعة 22 ديسمبر 2023، ارتباكا واضحا في صفوف حراك شغيلة التعليم. فبعد إعلان رفض ذلك الانفراد، تباينت المواقف الفورية لسائر مكونات الحراك، بين داع إلى الإضراب أياما متتالية، وآخر ساعات في اليوم، وثالث ينتظر، والجميع يترقب ما سيسفر عنه التفاوض.

كان أكثرُ ما أضر بالحراك طيلة شهوره الثلاث بقاءَه برؤوس ثلاث، رغم كل الكلام عن الوحدة. وحدة لم تتحقق سوى في الميدان نسبيا، بفعل ضغط جماهير الشغيلة. لقد وجب تفادي الارتباك القائم بإعلان مكونات الحراك غير المدعوة للتفاوض، في بيان مشترك، عن موقف واحد موحد، وعن تشكيل قيادة واحدة بصفة نهائية. خطوة من شأنها أن تعزز تماسك الحراك، وتحتوي على الفور مفاعيل الضرر الناتج عن انفراد الجامعة الوطنية-ت.د بالتفاوض. إن عدم إقدام مكونات الحراك على هذه الخطوة البديهية زاد إرباكه فوق ما سببه انفراد طرف واحد بالتفاوض، وبالتالي تتحمل قيادات تلك المكونات قسطا من مسؤولية تاريخية جسيمة.

ومن جهة أخرى، يقتضي ترقب قاعدة الحراك، ولو النسبي، لنتائج الحوار تنظيم نقاش يخترق  كل مكوناته لبلوغ رؤية موحدة تكون أساسا لاستجماع القوى تأهبا للقادم من تطورات.

فقد عانى الحراك، بفعل كونه تجربة أولى بهذا الحجم لدى معظم الشغيلة، خاصة مع قلة المناضلات والمناضلين المجربين، من نقص كبير في نقاش ما العمل بعد اتضاح أن الحراك دخل منعطفا. فما جرى من نقاش قليل ظل منحصرا داخل كل مكون من مكونات الحراك من جانب، ومن جانب آخر لم يبلغ درجة التنظيم التي يتطلبها طابعه الحاسم. فانعدام صحافة عمالية منتشرة، وغياب تقاليد المناشير، وغياب طلائع سياسية منظمة تسهم بما راكمت من دراية، جعل النقاش مذررا لا يسد نقصَه اللجوءُ أحيانا الى استبيانات إحصائية.

إننا نجني ثمار تقاليد سيئة كرستها القوى السياسية التي مارست هيمنة داخل الحركة النقابية طيلة عقود. وأمَرُّ تلك الثمار مسايرةُ قسم من اليسار لتلك التقاليد، السيئة وتكيفه الانتهازي مع ما تُسَيِّدُه البيروقرطيات. ويجب، والحالة هذه، جعل الحراك الجاري تربة لاستنبات تقاليد الحركة العمالية الأصيلة: تقاليد الوفاء لعلة وجود أدوات النضال، بالقطع التام مع سياسة مجاراة الدولة باسم” الشراكة الاجتماعية”، وتفعيل الديمقراطية العمالية في تسيير النضال وأدواته- نقابة وتنسيقيات-بكل ما تعنيه من حرية التعبير وقبول الاختلاف وتنظيمه.

والآن، ونحن فيما نحن عليه، من ارتباك ملحوظ، ما الواجب لضمان التئام الحراك وتماسكه، بما يكسبه المقدرة على بلوغ أهدافه؟

يقتضي وضعُ مصلحة شغيلة التعليم بوجه العموم فوق أي اعتبار، أول ما يقتضي، نبذ الأنانية الفئوية وبالتالي التمسك الوحدوي بالمطالب. وثانيا: الدعوة الى اجتماع عاجل، اليوم قبل غد، لقيادات سائر مكونات الحراك غير المدعوة الى التفاوض، ينتج عنه بيان  إعلان تشكيل القيادة الموحدة، وتعيين أجل للبت في مدى تلبية التفاوض للمطالب ووضع برنامج النضال الموحد، مع الجامعة الوطنية –ت.د إن هي استمرت في صف الحراك، وبدونها إن انعزلت عنه.

اللحظة حرجة والمسؤولية جسيمة، فليس مصير حراك شغيلة التعليم وحده في الرهان، بل مجمل حركة النضال من أجل الحقوق بمختلف مكوناتها العمالية والشعبية.

فلنكن جميعا  على قدر المسؤولية التاريخية.

المناضل-ة