دفاعا عن النزاهة الفكرية والنضالية… دفاعا عن النقابة المناضلة
منذ أن سارت قيادة الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي،مع التنسيق الوطني لقطاع التعليم يوم 15 ديسمبر على طريق التفاوض، فيما التنسيقيتان الأخريان القائدتان هما أيضا لحراك شغيلة التعليم تم إقصاؤهما من طرف الدولة بمبررات واهية، ومع ما راج من نتائج ذلك التفاوض الذي عَدَّته قواعد الشغيلة فاشلا، انهالت على الجامعة (FNE) موجة عامة من الاعتراضات، منها الغث ومنها السمين، ومنها ما يفسد السمين بالغث.
التعبير عن رأي في موقف أمر عادي ومطلوب في حركة نضالية تجمع آلاف الشغيلة، وستقرر مصيرهم. وإتيان حجة الموقف المتخذ، والرد عليها بالحجة هو القاعدة السليمة للنقاش و التداول، في مناخ ديمقراطية واحترام متبادل. هذه هي تقاليد الحركة العمالية الأصيلة. لكن مع الأسف كان سلوك قيادة الجامعة الوطنية للتعليم مثارا لردود فعل غير سليمة بتاتا، ولا تمت بصلة لهذه التقاليد الأصيلة.
فالتحامل، والانحطاط بالكلام إلى مستوى القذف وتعابير الاستهزاء والتحقير، والعنف اللفظي (الذي قد يتحول بيُسر الى عنف مادي)وحتى التخوين، على نطاق واسع تساعد عليه وسائل التواصل الحديثة،أساليب لن تفيد حراك شغيلة التعليم في شيء. فهي إنما تسمم الأجواء وتعمق شقة الخلاف، وتخلق حواجز نفسية بين الشغيلة المناضلة في الجامعة من جهة وبين قواعد التنسيقيتين.
لم يجد منظمو حملة تشنيع النقابة تحت أيديهم سلاحا، لنقد موقف الجامعة الوطنية Fne، غير قاموس الصحافة السائدة، وهي صحافة برجوازية رديئة، لينهلوا منه، وذلك بسبب ضعف الإعلام العمالي وقلة رواجه، وشبه انعدام تقاليد نقاش فكري ونضالي. ومن جهتهم أدلى أنصار البيروقراطيات الأكثر امتثالية بدلوهم في التهجم على النقابة المناضلة مؤججين الحملة المتحاملة.
النزاهة الفكرية والنضالية تقتضي في جميع الأحوال إبداء الرأي في الموقف موضوع الانتقاد بإحاطته بحجج وتحليل بمقياس مصلحة الشغيلة. فالاختلاف بشأن الخطوة النضالية التي تقتضيها اللحظة وارد بين تنظيمات مختلفة وحتى داخل التنظيم الواحد.
وإن كان قسم ولو ضئيل من الشغيلة يرد بكيفيات متعارضة مع قاعدة النقاش في منظمات النضال العمالي، فالواجب يتطلب كبح الجماح والإعادة إلى جادة الصواب، وليس مسايرة كل ما يصب في الاعتراض على الموقف بغثه وسمينه.
الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطية منظمة نضال بيد شغيلة التعليم، تضم نخبة من أفضل ما انجبتهم ساحة النضال، وكان لها شرف إنقاذ الهوية النقابية من الاتساخ وفقدان الاعتبار الذي جرت إليه قيادات أخرى اختارت مجاراة الدولة في موضوع النظام الأساسي الجديد وغيره من قضايا حقوق الشغيلة.
وما تعبر عنه قيادتها، بما وُهبت من مقدرات تقدير الوضع واتخاذ الموقف اللازم منه، لا يعبر حتما عن رأي جميع أعضاء هذه المنظمة. وقد ارتفعت فعلا من داخلها، وهذه ليست المرة الأولى، أصوات ناقدة رافضة لموقف متخذأو ممارسة لاديمقراطية. وعدم تمييز هذا إنما ينم عن نية النيل من فكرة النقابة ذاتها، أي فكرة التنظيم الدائم للشغيلة للنضال من أجل حقوقها. ولا ريب أن التهجم على فكرة النقابة قد يغري بعضا ممن يعتقدون، خطأ،أن أشكال تنظيم مثل التنسيقيات تغني عن التنظيم النقابي، غافلا عن الحاجة إلى منظمات نقابية دائمة وفي نفس الوقت إلى تنسيقيات كأداتين متكاملتين لا متعارضتين.
إن من ينساق وراء حملة لا مبدئية على النقابة، لأن مضمون تلك الحملة يوافق ما يراه مناسبا في هذه اللحظة [أي رفض موقف الجامعة]، سينقلب عليه المنطق الذي يحرك تلك الحملة غير المتعقلة، منطق تغييب النقاش بالحجة والسعي إلى الإقناع، والاستعاضة عنهما بالشتائم والتحامل دون تمييز .
إن من يشجع الأساليب الرديئة في التعامل مع المواقف داخل الحركة العمالية لا يخدمها بأي وجه، ولا يساعد على التربية النضالية التي يجب أن تسود داخل هذه الحركة. وفوق هذا وذاك، ليست منظمة النضال هذه أو تلك [نقابة كانت أم تنسيقية] هي الخصم، بل الخصم هو الدولة التي تجهز على الحقوق، وأي منظمة نضال هي حليف في كفاح مشترك لا يفسد الخلاف معه أواصر التعاون والتضامن الواجبة خدمة لمصلحة الشغيلة.
فلنتمسك بقواعد الديمقراطية وتدبير الخلاف داخل الحركة العمالية، فهذا من أسباب نجاح حراكنا المجيد
بقلم:جنين داود
اقرأ أيضا