كارثة الزلزال، مزيد من الديون، مزيد من الكارثة الاجتماعية
بعد مُضيِّ أسبوعين على زلزال 8 سبتمبر 2023، لازالت تتفاعل ثلاثُ ديناميات مع الزلزال: استمرار من هم تحت في التضامن الشعبي المادي مع الضحايا، وإصرار من هم فوق على التعامل مع الكارثة بمنهجية وإجراءات جوهرها الاستمرار في تنفيذ نفس السياسات السابقة، ثم دعم القوى الإمبريالية والمؤسسات المالية لتلك السياسات وعزم على إسناد ما تقوم به الدولة للمضي في ذات الخطط الليبرالية وتعميقها.
أظهر التضامن الشعبي الكبير، وقوافل المساعدات الإنسانية المتوجهة من كل مناطق المغرب، أن قيم التضامن والتعاون لا تزال صامدة أمام غول قيم السوق والفردانية باحثة في نفس الآن عن تواؤمٍ ما معها. كما أنها أظهرت في عمقها أن المتضامنين- ات يعرفون حقيقة الأوضاع السيئة التي أنتجتها السياسات المطبقة، وبطبيعة الدولة بالمغرب التي لا يعول عليها لتنظيم تدخل فعال وسريع يقلص من أعداد الضحايا ويمد الناجين- ات بأسباب الحياة الأولية.
في المقابل، وعلى غرار جائحة كوفيد- 19، تصرفت الطبقات السائدة بالمغرب بثقة ورباطة جأش، واستثمرت التضامن الشعبي العارم ووجهته الوجهة التي تفيد خططها في التدخل، ولتقوية مشاعر شوفينية تحت عنوان “تميز” مغربي و”تمغربيت”، كما صفت بعضا من خصوماتها الخارجية خاصة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لقد كانت الغاية الأساسية إثبات قوة الدولة وصلابتها، وبالتالي طمأنة القوى الإمبريالية ومؤسساتها على أن الوضع متحكم فيه لكي يستمر دعمها.
قامت الدولة بتدخل مؤسساتي يعكس بنية الاستبداد على مستويات ثلاث: الملك باعتباره الفاعل الأول والموجه لكل الإجراءات، ثم الحكومة باعتبارها منفذة للتوجيهات الملكية، ثم القطاعات الوزارية المختلفة، فيما تم وضع البرلمان في حجمه الحقيقي الهامشي. كما جرى العمل على تسويق إعلامي لتدخل الدولة، موجه للاستهلاك الداخلي عبر القنوات الإعلامية المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ونجومه، والخارجي عبر فضائيات حليفة قامت بتغطيات موجهة من قبل مالكيها الذين ينتظرون حصصا ما من سوق الكارثة الذي انفتح، ليعطي صورة عن المغرب كبلد قوي لا تهزه الكوارث الطبيعية، في محاولة لإخفاء صور المأساة الاجتماعية بالبلد، التي كشفها الزلزال. كما جرى اللجوء للآلية العزيزة على الطبقات السائدة بالمغرب: التبرع بمئات الملايين من الدراهم من قبل كبريات المؤسسات الرأسمالية، وضخها في صندوق أُعد على عجل لهذا الغرض، تبرعات من قبل الرأسمال هي بمثابة استثمار في ورش “إعادة البناء” المسيل للعاب.
فيما تلقى النظام الدعم السياسي الأكبر من حلفائه الكبار: دول الخليج بقطبيه ممثلين في الإمارات وقطر، والحلفاء الأوروبيين المساندين لخطته في الصحراء عبر إسبانيا وبريطانيا، والولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني، فيما انتصبت المؤسستان الماليتان الإمبرياليتان الأكثر تأثيرا اقتصاديا مقدمة دعمها: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
تعمل الطبقات السائدة بشكل حثيث لتحويل كارثة الزلزال إلى فرصة كبرى. لم يمس الزلزال مصالح القوى الرأسمالية الكبرى، بل فتح آفاقا كبرى للاستثمار وجني الأرباح. جمع الحساب المعد لتلقي المساهمات حوالي عشرة ملايير درهم، بينما حددت الدولة خطة للتعافي من آثار الزلزال قوامها 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات، لكن من أين ستأتي كل هاته الاموال؟
أعلن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الإبقاء على اجتماعاتهما السنوية في موعدها بمراكش (9- 15 أكتوبر 2023)، فيما يعتبر عدم تعليق وكالات التنقيط على مدى تأثير الزلزال على تصنيف المغرب الائتماني، الذي تم تحسينه بعد أن تم إخراج المغرب من قبل مجموعة العمل المالي من اللائحة الرمادية، مؤشرا على الإبقاء على ذات التصنيف. يمثل هذا الدعم من قبل هاته المؤسسات علامة أساسية على ما سيجري في القادم من الأيام: تدفق قروض جديدة لدعم عملية “إعادة الإعمار”. ليس ذلك أمرا مفاجئا بالنسبة لبلد يعتمد بشكل كبير على مديونية لا تنتهي، ففي سياق الزلزال تلقى المغرب قرضا جديدا من البنك الدولي بقيمة 1,3 مليار دولار، لأجل مواجهة مخاطر التغيرات المناخية.
هي ذات الآلية المعروفة والمجربة: تشريك لخسائر الزلزال وخوصصة لأرباحه عبر أولا مأسسة التضامن عن طريق الصندوق المعد لهذا الغرض، حيث يساهم فيه الرأسماليون لضمان حصة مجزية من كعكة إعادة الإعمار، بينما سيساهم فيه الكادحون والأجراء تلبية لواجب التضامن، ثانيا الاعتماد على القروض الخارجية التي يؤدي الكادحون- ات أكلاف خدمتها من أجورهم- هن ومن خدماتهم- هن الاجتماعية بينما تستفيد الطبقات السائدة من تدفقاتها والفرص التي توفرها، ثالثا من خلال استغلال الكارثة للضغط أكثر على الأجور وعلى شروط العمل فيما ستعمل الطبقات السائدة على الدفع بإعفاءات ضريبية جديدة تحت ذريعة تعزيز موقع الرأسمال المحلي “المواطن” في عملية إعادة الإعمار.
سيواجه سكان المناطق المتضررة معاناة حقيقية في موسم الامطار والثلوج ما يفرض على حملة التضامن الشعبي أن تظل يقظة، فقد ينتج عن غياب التدفئة والغذاء والأدوية خسائر بشرية أكبر، يجب أن يتعبأ المتضامنون/ات لمواجهة أي محاولة لتراخي الدولة وأجهزتها في توفير الحاجيات الأساسية للمعنيين. لقد قدم زلزال الريف 2004 تجربة عما تؤول إليه المشاريع الرسمية المعلنة، فالفساد يتسلل والروتين البيروقراطي المعهود والعفن كفيلان بتبديد الأموال العمومية ، يجب على المتضررين/ات تتبع ما ينجز على أرض الواقع ورقابة دائمة لمطابقة ما يعلن مع ما ينفذ على الارض.
أثبتث الكارثة، من جديد، حاجة بلدنا إلى معارضة عمالية شعبية، تستند على ما يختزنه الشعب من طاقة تضامن ومواجهة، وتوجهها لخدمة مشروع يحرر البلد من فخ الديون ومن فخاخ التخلف والفقر وانعدام المساواة ومن كثافة الاستغلال وانعدام الحقوق. إن أزمة المعارضة السياسية بالمغرب عميقة وتمد جذورها في تاريخ هزائمها في مواجهة الاستبداد، وفي طبيعتها البرجوازية، أثبتها من جديد اصطفاف الجميع وراء إجراءات الدولة ورؤيتها ومنهجية تدخلها، وسيصطفون وراءها لتبرير الإخفاقات ولمواجهة الاحتجاجات الاجتماعية على تدبير “إعادة الإعمار” القادمة لا محالة.
ليعمل المناضلون/ات العماليون/ات، هؤلاء الذين يعتبر التضامن الشعبي بوجه الكوارث وبوجه الاستغلال وبوجه الاستبداد أساس وجودهم- هن، على توفير شروط ولادة هاته المعارضة ولتتبوأ موقعها الريادي في النضال ضد الاستبداد والاستغلال.
المناضل-ة
اقرأ أيضا