ما يجب أن يتعلمه العمال والشباب من دروس الهبات النضالية الشعبية بالمغرب
انفجر عدد كبير من الهبات النضالية الشعبية ببلدنا، منذ الانتفاضة الريفية 1958- 1959 مرورا ب 23 مارس 1965، و 20 يونيو 1981 ويناير 1984 و14 دجنبر 1990 و20 فبراير 2011 وصولا إلى حراكات المناطق بالريف وغيره وعديد الهبات الشعبية في مدن وقرى مهمشة، وبرغم كثافة أبخرة التضليل المعززة بأوهام المصالحة وطي صفحة الماضي، وانتقال عديد القوى السياسية إلى ضفة العمل اللامشروط تحت أجنحة الاستبداد، واستظلال قيادات نقابية بظلال شجرة التعاون الطبقي، تبقى ذكريات هاته النضالات الشعبية المجيدة، ضد سياسات الاستعمار الجديد المكرسة للتخلف والتجهيل والبطالة وتردي الخدمات العمومية والتنمية المعاقة عصية على النسيان.
كانت تلك الهبات، تعبيرا عن رفض نتائج الاستقلال السياسي باعتباره امتدادا للفترة التي سبقته، مع تغييرات شكلية لم تمس جوهر النظام باعتباره نظام طبقات مالكة أوكلت أمر الحكم باسمها لاستبداد سياسي مستند على نظام اقتصادي رأسمالي تابع. وارتبطت أساسا بمفاعيل تطبيق النظام الأمين لوصفات المؤسسات المالية الدولية، التي تملي على حاكمي البلد ما يجب أن يفعلوه، وخاصة رفع الدعم على مواد الاستهلاك الجماهيري وتقليص الإنفاق على قطاعات اجتماعية شتى نظير التعليم والصحة وإعادة هيكلة علاقات الشغل بما يعمم البطالة والعمل الهش.
كان الاتحاد الوطني/الاشتراكي للقوات الشعبية وتفرعاته معبرا سياسيا رئيسا على أماني إعطاء الاستقلال السياسي مضمونا ينشد بناء نظام رأسمالي غير تابع للإمبريالية، مستند على التصنيع والإصلاح الزراعي، وسياسيا على ديموقراطية برلمانية، وكل ذلك بتوافق مع المَلكية. انتصرت هذه الأخيرة والزمرة الملتفة حولها، المعبرة عن مصالح كبار الملاك والبورجوازيين المرتبطين بالاستعمار. وذهبت الأماني في إقامة نظام ديموقراطي برلماني أدراج الرياح واستأثر القصر بكل السلط: سياسيا واقتصاديا ودينيا وعسكريا وأمنيا. برغم استمرار جزء من القوى المرتبطة بالمشروع العام للاتحاد الوطني في العمل بوسائل سياسية وأحيانا مسلحة لأجل تجسيد برنامجه العام في أرض الواقع، بينما تم شراء ولاء بيروقراطية النقابة الأم (الاتحاد المغربي للشغل) بالامتيازات مقابل تعاونها الوثيق بل وخضوعها الكلي لسياسات النظام وتوجهاته.
كشفت الهبات الشعبية كل مرة الطبيعة الحقيقية للقوى السياسية المعارضة في المغرب، باعتبارها معارضة بورجوازية تحاول التعبير عن مصالح قسم من الطبقات المالكة متضرر من استحواذ قسم من البورجوازية بقيادة القصر على فرص أكبر لمراكمة رأس المال. هاته المعارضة التي استعملت كل الرطانة العمالية الممكنة لأجل الهيمنة على نضالات العمال ومنظماتهم وتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالح ذلك القسم المتضرر من البورجوازية.
تميز الانتفاض الشعبي بالمغرب، الذي ينفجر دوريا في وقت ولسبب لا يتوقعه حتى أنفذ الثوريين بصيرة، بكونه هبات نضالية عمالية/شبابية، لكن دون برنامج عمالي ودون قيادة سياسية من ذات الطبيعة. لقد كانت دوما تعبيرا عفويا على طاقة كفاح هائلة تظل كامنة مدة طويلة، قبل أن تنفجر، وأغرق بعضها في الدماء وأخرى تم اجتثاثها بالأحكام القضائية وفترات السجن الطويلة. ينحني النظام كل مرة للعاصفة بالتراجع عن بعض إجراءاته والالتفاف على المطالب، لكنه يبقى وفيا لجوهر سياساته: التطبيق التدريجي للوصفات ذات التأثير المباشر على حياة الناس، مقابل إصرار حذق على تطبيق الإجراءات الهيكلية المدمرة استراتيجيا لكل المكاسب العمالية والشعبية. بهذا المعنى، كانت تلك الهبات موعدا آخر مع البطولة الشعبية المعبرة عن معين طاقة للجماهير لا ينضب، لكن تلك الطاقة الهائلة تتبدد دون أن تترك الأثر المنشود والموازي لحجم التضحيات.
أتثبت دورات الانتفاض الشعبي بالمغرب درسا بليغا من دروس أزيد من قرن ونيف من تجارب النضال العمالي والشعبي عبر العالم، ” بدون منظمة ثورية رائدة تتبدد طاقة الجماهير مثل البخار غير المحصور قي اسطوانة المكبس. علما بأن الحركة لا تأتي من الأسطوانة أو المكبس، ولكنها تنجم عن البخار”، لقد أبانت بما لا يدع مجالا للشك أنه وحدها منظمة سياسية، تجسد المشروع العمالي وتقود نضالاته وتلف عليها النضالات الشعبية، قادرة على أن توجه النضال والانتفاض الشعبي من ضمنه نحو النصر. مثلما لم يعد مجال للشك في الحاجة لبناء أدوات نضال منغرسة في الأحياء العمالية والشعبية، خاصة نقابات مكافحة وجمعيات للتثقيف السياسي ولتأطير النضال من أجل مطالب جزئية: محلية ومناطقية وقطاعية وربطها بالنضال العام. هاته الأدوات يمثل وجودها ضمانة لاستمرار النضال رغم ضراوة القمع، ورغم الهزائم المرحلية المحتملة. لقد كان مصير حراكي الريف وجرادة، باعتبارهما أحدث الهبات الشعبية التي اندلعت في المغرب، أحد التعبيرات الصارخة لغياب مثل هاته الأدوات، وعلى ملحاحية السعي لبناءها باعتبارها المهمة الدائمة واليومية لكل منتسب لمشروع التحرر الديموقراطي العمالي الشعبي.
جذور الانتفاض الشعبي لازالت قائمة بل أضحت أكثر بروزا، وستتعزز بفعل تطور الأزمة الرأسمالية، وتغول الرأسمال في فرض حلول لها على حساب الطبقات الشعبية، في ظل ضمور كل الأدوات الموروثة عن فترات النضال السابقة. مما يفرض على معسكر المستغَلين، خاصة منهم العمال/ات والشباب/ات، العمل بلا كلل على تجسيد فهمهم- هن لأسباب إخفاق الهبات النضالية السابقة وهزيمتها. والانطلاق بعقل حي وإرادة لا تلين في البناء البرنامجي والمادي للأدوات الكفيلة بضمان النجاح في قادم الهبات الشعبية وتحويلها لانتفاضات ظافرة، باعتبارها أحد أشكال النضال المتوجة لمحطات الإضراب العمالي عندما ينطلق هؤلاء للنضال أولا أو الممهدة له عندما تتدخل شرائح شعبية شتى للنضال في الشوارع ممهدة الطريق للإضراب العمالي العام المسير ذاتيا.
يمثل ذلك النضال اليومي، الرتيب والمتعب خاصة في فترات الجزر، علة وجود من هم- هن أكثر تصميما على النضال وأكثر إيمانا بضرورة التغيير العميق، نضال يمتد من العمل الدؤوب لرفع مستويات الفهم الإجمالي لطبيعة السياق الذي نناضل فيه، إلى الارتباط بمختلف النضالات القائمة وبطلائعها، واستغلال كل فرصة ممكنة لتوسيع التثقيف السياسي والتشهير بالسياسات الطبقية وبالقائمين عليها مع الدعاوة للمشروع البديل الاشتراكي البيئي. نضال يومي يستهدف الاستفادة من الدرس الأساسي المستنبط من سيرورة طويلة من النضال والانتفاض الشعبي: صهر كل العمل لأجل بناء أداة سياسية لقيادة النضال العمالي والشعبي وضمان انتصاره.
المناضل-ة
اقرأ أيضا