البطالة وحركة النضال ضدها
من أبشع وجوه النظام الاقتصادي الاجتماعي –الرأسمالي-القائم ببلدنا حرمان ملايين البشر من أدنى مقومات حياة لائقة، فرصة عمل تتيح اندماجا في الحياة الاجتماعية. ومن أعظم الجهود التي تبذلها مؤسسات هذا النظام سعي حثيث لإخفاء حقيقة هذه البشاعة، بالتلاعب بأرقام أعداد المعطلين والمعطلات، وصنع أرقام ونسب كاذبة لا علاقة لها بالواقع.
تتخذ هذه البطالة أوجها سافرة وأخرى مقنَّعة، ملايين البشر بلا أي عمل/ مصدر رزق، وملايين أخرى تعيش من شتى صنوف أنشطة تدبر اللقمة اليومية، من تجارة الأرصفة حتى أنشطة التفسخ الاجتماعي من دعارة وسرقة وشبكات ترويج الممنوعات… وبفعل انعدام ملطف لويلات البطالة (التعويضات عنها) يقع عبء إضافي على العاملين- ات في شكل تضامن عائلي مع الضحايا.
وتغدو مصائب الرأسمالية الأخرى أشد وطأة في حالة الوجود في بطالة مديدة: لا صحة ولا تعليم ولا تأسيس أسرة… إلخ مع خطر إدمان المخدرات والدعارة والمخاطرة بهجرة أزهقت حتى الآن عشرات الآلاف من الأرواح…
ليس هذا غير ملمح من ملامح الوجه الآخر لاستثئار أقلية برجوازية بملكية وسائل الإنتاج، وفرض إخضاع كل شيء لمتطلبات الربح. البطالة معطى بنيوي في المجتمع الرأسمالي، تتخذ في البلدان التابعة بعدا جماهيريا بفعل تفكيك البنيات القديمة وضعف التصنيع.
تنتج البرجوازية المحلية كما هائلا من الأضاليل لتبنيج ضحايا البطالة، من قبيل ادعاء أنها مجرد اختلال بين العرض و الطلب في سوق العمل، إما لنقص في العرض ناتج عن انكماش اقتصادي أو نقص في التنافسية، أو من جانب العرض لنقص في التكوين وعدم ملاءمة “الموارد البشرية” المتوافرة لحاجات السوق… والحال أن البطالة خاصية ملازمة للرأسمالية، وآلية للضغط على الأجور وفرض ظروف عمل متردية، قد تتراجع ظرفيا لتعود بشكل أوسع، ولن تزول إلا بزوال هذا النظام.
مقاومة البطالة
لم تظهر حركة مناضلة واعية ضد البطالة بالمغرب سوى مع تدفق مئات آلاف خريجي نظام التعليم إلى سوق عمل ضامرة، زادتها سياسة “التقويم الهيكلي” ضمورا. فكانت الجمعية الوطنية للمعطلين، وتلتها صنوف أخرى من التنظيمات، وطنيا ومحليا. لكنها ظلت دون مقدرة كافية لانتزاع مكاسب نوعية ودائمة، وتمكت الدولة من نسف أساسها (التوظيف العمومي، لاسيما في أسفل هرمه). فآلت مقاومة بطالة الشباب المتمدرس (حاملي الشهادات) إلى تحركات ظرفية، في سياقات خاصة واستثنائية (المعركة ضد الاقصاء بمبرر السن من مباراة التعليم ومؤخرا ضد فضيحة مبارة المحاماة.)
الجيش الاحتياطي للعاطلين (اليدويين) الذي ما فتئ يتسع هو أيضا لم يشهد تجارب تنظيم، ولم يكن ضمن تقاليد القيادات النقابية اهتمام بمسألة البطالة التي تغذيها الرأسمالية لتقزيم مكاسب الطبقة العاملة.
وما نعيشه اليوم من شبه تلاشي للحركة المناضلة ضد البطالة إنما نتج عن تركها لحالها سياسيا ونقابيا، بفعل المنظورات القاصرة لقوى النضال، فكانت فريسة سهلة لقمع شرس من قبل الدولة، وكذا عن عيوب ذاتية منها الفئوية والتشتت الكبير والتنافس بدل الوحدة والتضامن. وأهلكتها بنحو خاص عوامل مرتبطة بعيوب اليسار المهيمن داخلها: تقاليد الفوقية والكولسة والمساهمة بشكل معين في فشل بعض معارك الحركة الكبرى (النضال الوطني خاصة ومشاكل القيادة، مجلسا وطنيا ومكتبا تنفيذيا في حالة جمعين المعطلين).
وينتج عن مآزق الحركة وهزائمها أشكال مقاومة سلبية مثل الانتحار الجماعي، والتهديد بالهجرة الجماعية عبر الحدود الجزائرية… عدا انتشار أمل الخلاص الفردي عبر المخدرات والإجرام الصغير والتنقل بين أعمال هشة بالغة الاستغلال والهجرة الى الخارج…
ما العمل؟
الطبقة العاملة برمتها عرضة لآفة البطالة، سواء ضحاياها المباشرون،أو من تضغط على أجورهم وظروف عملهم. وبوجه تعميم البؤس هذا، يجب أن تدافع طبقتنا عن نفسها بتطوير النضالات بكل مكان بروح وحدوية: العاملون- ات والعاطلون- ات ينتمون لنفس الطبقة، يجب أن يتحدوا في نفس المعركة.
تعاني طبقتنا راهنا من ضعف أدوات نضالها النقابي، ومن قلة طلائعها السياسية الواعية، ما يضفي صعوبة فائقة على تنظيم ضحايا البطالة. لكن هذا الوضع قابل للتغيير، بإعادة بناء حركة نقابية كفاحية، تضع مكافحة البطالة ضمن جبهات نضالها، وتمد جسور تعاون مع النضال الشعبي الذي أبان طيلة العقود الثلاثة الأخيرة عن كمون كفاحي كان فيه للمعطلين- ات، عطالة سافرة أو مقنعة، دور كبير. ولا ريب أن إعادة بناء الحركة النقابية وحركة مكافحة البطالة لن تنطلق من صفر بالنظر لدروس تجربة النضال ضد البطالة بما تشكله من ذاكرة.
فلتتكاتف جهود مناضلي طبقتنا ومناضلاتها من أجل حركة نضال ضد البطالة تكون الحركة النقابية في صلبها ومدعومة سياسيا بوجود يسار مناضل فعلا من أجل الانعتاق الضروري الشامل. وتيار المناضل-ة يعتبر نفسه فاعلا في خضم هذا النضال، ولم يتخلف أبدا عن الإسهام به وفق قدراته، وهو ملتزم بالسير على هذا الطريق من أجل تحرر شامل من الرأسمالية وشرورها التي تشكل البطالة أحد أعمدتها .
المناضل-ة
اقرأ أيضا