ضد المُؤسسات المَالية الدّولية أدواتُ السّيطرة الامبريالية، وضدّ التّبعية للاستعمار الجَديد، ولأجل حق الشّعوب في سيَادتها
بقلم: تيار المناضل-ة
تجري الدولة المغربية تحضيرات كثيفة لاستقبال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بمراكش من 9 إلى 15 أكتوبر 2023، وهي الأولى من نوعها في تاريخ هاتين المؤسستين ستنعقد ببلد إفريقي منذ 50 سنة (انعقد آخر في نيروبي سنة 1973).
إننا في تيار المناضل-ة نناهض هاتين المؤسستين اللتين تُعدان إحدى أدوات الإمبريالية الرئيسية لاستعباد الشعوب، ونهب ثرواتها، وتوسيع هيمنة الشركات متعددة الجنسيات والمقاولات الرأسمالية الكبرى، وتدمير بيئة كوكب الأرض. نضم صوتنا إلى الحركات الاجتماعية ببلادنا، وأيضا على المستويات العالمية والقارية ومنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وننخرط إلى جانبها في سيرورة التحضير للقمة المضادة لهذه الاجتماعات الرسمية.
مؤتمر أدوات الامبريالية لتنسيق الهيمنة على العالم
تأسس البنك العالمي وصندوق النقد الدولي سنة 1944، بقصد تفادي أزمة جديدة من طراز 1929. حرصت الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، على أن تكون المؤسستان ضمن آليات إدامة التبعية، والتي تنتج عنها كوارث اجتماعية وبيئية واقتصادية هائلة، من فقر ومجاعات وحروب ونزاعات وإرهاب وهجرة وتفكك للدول، الخ.
يبين تاريخ البنك العالمي وصندوق النقد الدولي إشرافهما المباشر على السياسات النيوليبرالية المدمرة للبشر والبيئة. كما يبين وقوفَهما إلى جانب الأنظمة الاستبدادية التي تفرض على شعوبها تطبيق نموذج «تنمية» يغذي التخلف.
في بلادنا، تدخَّل البنكُ العالمي، منذُ بداية الستينات، لدعم الرأسمالية التابعة، التي بدأت سيرورة تطورها منذُ حقبة الاستعمار، وإرساء آليات الاستعمار الجديد عبر الاستدانة، وذلك بموازاة تقوية الطابع الفردي للحكم بالمغرب.
سيتدخل صندوق النقد الدولي من جهته مع بداية الثمانينات بعد استفحال أزمة ديون المغرب وعجزه عن سدادها، ويملي برنامج التقويم الهيكلي الليبرالي الذي سيُضخم المَديُونية، ويفتح البلاد أمام غزو الرساميل والسلع الأجنبية، وكذا ترحيل الأرباح، لا سيما مع انضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية في أواسط التسعينات، وتعميم ما يُسمى بالتبادل الحر.
هكذا إذن يتعاون هذا الثالوث مع الطبقات الحاكمة لفتح المجال أمام الرأسمال الكبير الأجنبي والمحلي ليسطو على ثروات البلاد ويوطد الاستبداد السياسي. ويدخل التطبيع مع العدو الصهيوني ضمن استراتيجية الإمبريالية والنظام لتسريع التغلغل الرأسمالي الناهب في القارة الافريقية وتقوية دور المغرب كبوابة لذلك.
لذا نعتبر في تيار المناضل-ة أن مُناهضة الامبريالية اليوم تبدأ بالنضال الجذري ضد البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تتدخل بشكل مباشر لتتحكم في مصير بلادنا وعامة المنطقة. كما نناهض أيضا جميع مؤسسات الإمبريالية الأخرى، كحلف الناتو وغيرها، والتطبيع وكل أشكال علاقات السيطرة مع جميع الإمبرياليات باختلاف المعسكرات والأقطاب.
تبدو آفاق حركة جديدة مناهضة للإمبريالية ضعيفة، خصوصا على مستوى قارتنا الافريقية التي انقطع فيها حبل الاستمرارية مع جيل الرواد المقاتلين من أجل الاستقلال عن الاستعمار، ومن أجل تنمية لصالح الشعوب. وأيضا على مستوى منطقتنا (شمال افريقيا والشرق الأوسط)، حيث أبانت تجارب الانتفاضات الشعبية وقوف المطالب في حدود اجتماعية وسياسية غير مصادمة للإمبريالية بنحو مباشر. إلا أن شراسة التنافس لنهب ثروات قارتنا بين الكواسر الامبريالية سيُفجر مُقاومة جديدة لشعوب افريقيا ستستأنف معركة التحرر وستخوض الأجيال الجديدة معركة التحرر بنفس آخر.
رهانات الامبريالية بتنظيم الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش
ليس اختيار المغرب لاستضافة الاجتماعات السنوية للمؤسستين اعتباطيا، بل هو قرار سياسي من قبل الامبريالية. أولا، لدعم النظام، وثانيا، لتقديم المغرب كمثال ناجح في تطبيق السياسات النيوليبرالية، وثالثا، لحجب تاريخ المؤسستين الإجرامي في حق الشعوب وفي خراب اقتصادات بلدان عديدة وسِجِل المجاعات التي تحمل بصمتهما.
يَعتبر النظام المغربي أن نجاح الاجتماعات السنوية للمؤسسات المالية الدولية سيعود عليه بمنافع سياسية (حليف موثوق ومستقر)، واقتصادية (بوابة اقتصادية نحو افريقيا). لذلك، يحرص على تجنب كل تشويش على مسعاه ليس فقط على صعيد التحضير اللوجستيكي والأمني، بل أيضا على صعيد سياسي، لاسيما ما قد يظهر الوجه الآخر للكارثة الاجتماعية المقصود حجبها في الصورة، كالبطالة الجماهيرية والفقر المستشري، والتهميش، والبؤس الذي تعيش فيه الأغلبية والمترافق مع ثراء الأقلية الفاحش.
إن التعبئة الاستثنائية التي تقوم بها الدولة لاستقبال الاجتماعات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ليس برهانا جديدا على الخضوع لسياستها وتسويق تجربتهما للعالم فحسب، بل رسم لأفق قادم عنوانه تعميق التبعية ونقلة جديدة للسيطرة الامبريالية وتعميق الاستبداد السياسي بالبلد.
مهام الحركة العمالية والشعبية المناهضة للإمبريالية والاستبداد
تجرّعت الطبقة العاملة والفئات الشعبية الثمار المُرة لسياسة المؤسسات المالية الدولية المطبقة منذ الثمانينيات، حيث الفقر يسحقُ ملايين المغاربة، والبطالة تبتلع النساء والشباب الباحث عن فرصة للفرار عبر البحر، والأسر الشعبية غارقةٌ في مديونية خاصة دائمة، والخدمات العمومية عرضة لتقويض مستمر لجودتها ومجانيتها. وبالمقابل تتعزز قوة الرأسمال الخاص المحلي والأجنبي وجعل الثروات والمالية العمومية والعقار العمومي رهن إشارته لمراكمة أرباح طائلة.
يريد الرأسماليون الكبار المجتمعون بمراكش إظهار الوجه المتألق لرأس المال وحجب الآخر أي الخراب الاجتماعي.
دورنا، كمنظمات عمالية وشعبية وكحركات اجتماعية مُناضلة، إسماع صرخات جميع المتضررات والمتضررين من سياسات المؤسسات المالية الإمبريالية، ومن الاستبداد التي ينفذها بتعميم القمع الشرس لإسكات النضالات الشعبية التي لا زال معتقلو حراكها في السجون، وجميع الأصوات الأخرى المعارضة.
إننا في تيار المناضل-ة نُعلن مُساندتنا القوية للمبادرات المناضلة الداعية إلى تنظيم قمة للحركات الاجتماعية مضادة لاجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش. كما نُعلن استعدادنا الكامل لدعم والانخراط في جميع الأشكال والأنشطة التي ستنبثق عن سيرورة التحضير الجارية على الصُّعد الدولية وعلى صعيد افريقيا والشرق الأوسط وعلى مستوى المغرب.
نضم صوتنا إلى المنظمات العمالية والشعبية والشبابية والنسائية، ومختلف التنسيقيات والحركات الميدانية وغيرها، التي تريد الانخراط في هذه الدينامية النضالية لإنجاح القمة المضادة للعرس الذي يريد أن ينظمه أثرياء العالم بمراكش في أكتوبر، وكشف حقيقتهم كمستغلين واستعماريين.
يدعو تيار المناضل-ة جميع المنظمات والحركات السياسية اليسارية بالمغرب وبمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية، للشروع في دينامية سياسية معادية للمؤسسات الامبريالية عبر التحضير لمبادرات سياسية بالموازاة مع قمة الحركات الاجتماعية المضادة للاجتماعات الرسمية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش.
لن تفلح الدولة في دعايتها المُضادة وتسخير جزء من المجتمع المدني المعروف بخدماته للنظام والذي يريد احتواء المبادرة وتوجيهها نحو الخنوع للمؤسسات الامبريالية والاستبداد.
لا لقمة المؤسسات الامبريالية ببلادنا.
لا للخنوع الذي يريدنا النظام أن نتجرعه.
تيار المناضل-ة
27 ماي 2023
اقرأ أيضا