لا ينكر بؤس حالتنا النقابية غير غافل أو مغرض. واقع لا نبكيه ولا نقاوم بؤسه بالسخرية، بل نُعمل فيه العقل، عقل النضال المستنير بالمصلحة الطبقية للشغيلة. تجربة النضال يعيشها كل فرد بطريقته ضمن تجربة جماعية لها أوجه صعود وأخرى تراجعات، تستلزم كلها التناول بميزان التقييم. المنظور الطبقي الكفاحي ثمرة جهود جماعية، منها النقاش الديمقراطي المستوعب للاختلاف. تسعى جريدة المناضل-ة إلى حفز النقاش في هذا المنعطف التاريخي الذي تجتازه الحركة العمالية المغربية، وإحدى أدواتها في ذلك منبر النقاش الذي يفسح المجال للمناضلين والمناضلات للإدلاء بتقييماتهم واقتراحاتهم. نعطي الكلمة للمناضل العربي الحافيظي في المقابلة التالية:

بصفتك ممارسا نقابيا منذ مدة طويلة، ما هو تقييمك العام للممارسة النقابية في قطاع التعليم في العقود الأخيرة ؟

اشتَغل بالعمل النقابي منذ الموسم 91/92 اي ثلاثون سنة. لم يتغير الجوهر، عندما بدأنا العمل النقابي كانت الهيمنة للاتحاد الاشتراكي الذي كان يسخر النقابة وفق مساعيه للضغط على الدولة وفق أجندة سياسية يتم فيها استعمال شغيلة التعليم وعموم المأجورين. ولكن في بداية التسعينات كان المجال يسمح لنا بالاشتغال إلى جانب الشغيلة التي لا زالت تعتبر النقابة أداة للدفاع عن مصالحها. ورغم التبقرط، كان هناك حد أدنى من الأعراف النقابية. بتفكك هذا الحزب واندحاره ووقوفه بوضوح تام إلى جانب النظام، وما تلا ذلك من بروز لمشتقاته (خصوصا المؤتمر الوطني الاتحادي) انعكس ذلك على النقابة أولا بتفككها وانشطارها وثانيا بتدني على جميع المستويات بات يتعمق أكثر فأكثر داخل النقابة. انعدم أي نقاش سياسي داخل النقابة وتحولت على المستويات المحلية، خاصة بالمدن الكبرى، إلى وكالة لتلبية حاجيات «الزبائن « أي المنخرطين. نتيجة لهذه الوضعية وظهور العديد من المنتفعين داخل النقابة بشكل فظ وواضح سقطت النقابة في عيون الكثيرين مما سمح بظهور تنسيقيات متعددة ترتبط بالفئات التعليمية والتي تكره الانضواء تحت راية أية نقابة.

خلاصة
أولا، بالنسبة للنقابة التي اشتغل بها وهي النقابة الوطنية للتعليم (كدش) فقد وصلت تحت هيمنة المؤتمر الوطني الاتحادي إلى هيئة خدمات مع غياب تام لأية رؤية ولو ليبرالية مستقلة، بخصوص القضايا الكبرى التي تؤرق الشغيلة لذلك يردد النقابيون نفس منطق الدولة بطعم نقابي مشوه.
ثانيا، من الصعب اليوم العمل داخل النقابة بخلفية إصلاحها، أي كسب العناصر المتقدمة إلى مشروع يخدم فعلا مصالح الشغيلة. في نظري أُغلقت جل المنافذ ولن ينجح ذلك إلا في هبة ثورية مناسبة كحالة 20 فبراير مثلا.
اقتناعنا يجب ألا يُقاس بمدى استعداد الشغيلة للنضال، إنهُ يرتبط بالصراع الطبقي، وهو موجود دائما . لكن فرص العمل داخل النقابة اصبحت ضعيفة جدا.

ما هي بحكم احتكاكك بشغيلة قطاع التعليم التصور الرائج لديهم عن النقابة؟
جل الشغيلة إن لم نقل كلهم (ليست لدي إحصائيات دقيقة ولكن اتكلم من ما هو ملاحظ) لا تربطهم، في الحقيقة، أية علاقة بالنقابة بمعنى الانتماء المرتكز على الاقتناعات. يرتبط المدرِّس أو المدرِّسة بالنقابة لحمايته من شطط ما أو للاستفادة من امتياز أو غير ذلك. يمكن أن نجد من بين الشغيلة من لا يعرف حتى الاسم الكامل للنقابة التي ينتمي إليها وبدلا من قوله إنه ينتمي مثلا للنقابة الوطنية للتعليم، يقول إنه ينتمي لنقابة فلان أو فلان، أي أحد البيروقراطيين المحليين النافذين. ويمكن أن نجد من ينتمي لعدة نقابات في نفس الوقت ليس بمنطق كسر حواجز البيرقراطيات النقابية ولكن من أجل ضمان المنافع.
التصور الشائع لدى الشغيلة تصور سلبي، مع الأسف، خاصة في المدن الكبرى (اشتغل بمدينة كبيرة بها حوالي 8000 من نساء ورجال التعليم)، تصور يرى في النقابة جماعة من المنتفعين ويمكن أن تصل إلى أهدافك بالتقرب منهم. وهنا كل شيء ممكن: علاقات القرابة والصداقة، الهدايا… الخ.

في حالك الراهنة، كيف هي نسبة الانتماء النقابي بين أجراء التعليم؟ رجالا ونساء؟ هل هناك اهتمام خاص بالمسائل النسائية؟

لا يوجد أي اهتمام بالقضايا النسائية ولجن المرأة التي يمكن أن تجدها على الأوراق يمكن أن تقوم بنشاط ما ولكنه فلكلوري وفيه أحيانا كثيرة، ابتزاز النساء أنفسهن. عموما لا اهتمام بقضايا النساء داخل القطاع.
بالنسبة للانخراط خلال السنة الماضية 2021 مثلا، انخرط بالنقابة الوطنية للتعليم 500 منخرط ومنخرطة من أصل 8000 أي بنسبة 6.25% ولكن هناك نقابات أخرى (خمس نقابات (*)) لا اتوفر على نسبة الانخراط لديها ولكنها ليست بأفضل حال. في أحسن الأحوال لن تتجاوز نسبة «الزبائن « بالنقابات 36% إذا افترضنا أن نسبة الانخراط بكل نقابة 6% وهذا أمر مستبعد.
يبدو الرقم 36% مرتفعا جدا مقارنة مع نسبة الانخراط العامة داخل النقابات ولكن هناك سببين يفسران هذا الأمر، الأول هو كثرة المشاكل اليومية لدى شغيلة التعليم (التكاليف، جداول الحصص…)، أما الثاني فالانخراط غير مكلف إطلاقا، يكفي شراء البطاقة وانتهى الامر.
(*): الجامعة الحرة للتعليم، النقابة الوطنية للتعليم(فدش)، الجامعة الوطنية للتعليم(امش)، الجامعة الوطنية للتعليم( التوجه الديمقراطي(، الجامعة الوطنية لموظفي التعليم (الاتحاد الوطني للشغل)

هل تشتغل بنيات النقابة بشكل دوري منتظم: لجنة المؤسسة، الفرع…؟ انعقاد جموع عامة؟
بالمدينة التي أشتغل بها وبالمدن الكبرى عموما وباستثناء بعض التجارب المحدودة جدا، فبنيات النقابة الوطنية للتعليم مجمدة، لا وجود فعلي للجنة المؤسسة، المجالس لا تنعقد وحتى المكاتب لا تعقد اجتماعاتها بشكل منتظم. عادة، يتوفر الكاتب الاقليمي على طابع النقابة ويفعل ما يشاء. أما الجموع العامة للشغيلة فاسأل عنها في الاحلام. أثناء تجديد المكاتب يتم استدعاء اتباع ينتهي دورهم بانتهاء «التصويت». بمدينة الرباط أحضر أحد البيروقراطيين عاملات خياطة للتصويت!!!

كيف تم التحضير لآخر مؤتمر وطني عقدته النقابة؟ وهل تحرك النقاش؟
يرتبط النقاش القاعدي بالتجربة النقابية للأشخاص وبالأهمية التي توليها القواعد لهذا النقاش. أولا القواعد غير مبالية للأسباب التي أشرت إليها أعلاه، ثانيا البيروقراطية تقوم بمؤتمرات شكلية لتجديد الأجهزة فقط لذلك فهي تَئِدُ أي نقاش. لهذه الأسباب لم تحظ مشاريع المقررات بأي نقاش جدي.
واهتم التحضير أساسا بانتداب المؤتمرين عبر توافقات حزبية بين الأحزاب النافذة بالنقابة (المؤتمر، الطليعة، الاشتراكي الموحد، النهج).

هل ثمة متفرغون نقابيا في القطاع محليا، وكيف يشتغلون؟
نعم هناك ثلاث متفرغين، ليست هناك اية خطة للاشتغال، كل حسب هواه دون اية محاسبة ولا تقديم للحصيلة. في أحسن الأحوال يقوم المتفرغ بمهام تخص حل بعض مشاكل الشغيلة لدى الإدارة. من بين الثلاثة واحد فقط (رجل) يقوم بهذه المهمة اما المتبقيين (رجل وامرأة) فلا يقومان بأي شيء.
كيف يتم التحضير للنضالات: أشكال التعبئة، اجتماعات…؟
النضالات شبه منعدمة خاصة المحلية منها، يتم التجاوب مع النضالات الوطنية عبر وضع الملصقات داخل قاعة الاساتذة وعلى السبورة النقابية. أما النقاش فهو ضعيف وقليل جدا.
كيف يُنظر إلى التعاون مع النقابات الأخرى؟
هل يمكن أن نتكلم أصلا عن تعاون، يمكن أن نتكلم عن تحالفات ظرفية لتحقيق هدف من الأهداف وهذه التحالفات تتحرك كالرمال بناء على الأهداف. مثلا يمكن أن تجد تحالفا خماسيا أو ثلاثيا أو ثنائيا… الخ. عموما التحالفات ظرفية، ليست مبدئية ولا ترتكز على خطة نقابية محددة.

كيف هي حالة التكوين و الاعلام النقابيين؟
لا أحد يهتم بالتكوين، فخلال السنوات الأخيرة ورغم المستجدات المتتالية التي تعرفها الساحة التعليمية، فلم ينعكس ذلك على تنشيط المجال الثقافي وفتح باب الندوات والعروض…الخ. أما التكوين المنظم فهو منعدم. ولا وجود للإعلام أيضا باستثناء التقاسم على واتساب وفايسبوك للحضور في وقفة أو في حوار أو غير ذلك.

كيف تنظر إلى آفاق العمل والحالة هذه؟
يطرح ما آلت إليه النقابات العمالية من تفكك على كل نصير للعمال وعموم الأجراء ما الذي يجب القيام به للمساهمة في إنقاذ هذه المنظمات من الهلاك المحتوم الذي تقودها إليه هذه القيادات. لا يعبر هذا الرأي عن موقف متطرف أو عصبوي أو بعيد عن واقع النقابات. بالعكس هو نتيجة لممارسة نقابية طويلة وإن كان واقع النقابات اليوم لا يحتاج لذكاء أو مجهود أو تحليل لمعرفة ما وصلت إليه. اصبحت النقابات، أهراما مقلوبة، قيادات بدون قواعد تقريبا، وتلك المنتسبة إليها لم تنخرط لإيمانها بخط نقابي معين، فكل الخطوط الحالية تلتقي في نقطة التعاون مع الدولة لتمرير مخططاتها أي أنها تتعاون طبقيا على حساب المصالح المباشرة لأولئك الذين يبيعون قوة عملهم لتحريك عجلة الاقتصاد وإنتاج الثروة. يكون الانخراط في النقابات، في معظم الحالات، إما لقضاء أغراض مباشرة وآنية أو لرد ضرر لحق أو قد يلحق المنخرط. وغالبا ما تتعامل القيادات المحلية مع هذا الواقع بشكل غير نضالي وغير مبدئي يراعي بشكل مبالغ جدا التوازنات المحيطة وقد يتطلب تدخل المسؤول النقابي مقابلا ماديا أو معنويا وفي القطاع الخاص قد يصل الأمر حد التواطؤ مع أرباب العمل، هذا السلوك الانتهازي يزيد من إبعاد الشغيلة عن النقابات ويجعلها تفقد الثقة فيها ولعل خير دليل على ذلك نسبة الانخراط المتدنية جدا.
هذا الوضع يطرح سؤال كيف نتدخل للمساهمة في الإنقاذ. هناك جواب جاهز وهو الانخراط في النقابات قصد المساهمة في إعادة بنائها بنفس ديمقراطي وكفاحي. هل هذا ممكن في الظرف الراهن؟ بسبب سيرورة الانحطاط الطويلة أصبح ركام الأطلال ضخما إلى درجة أن إزالته وإعادة البناء ستكلف أكثر من البناء الجديد نفسه. ولكن كيف سيكون هذا البناء الجديد وكيف سيتم بناؤه، تلك أسئلة يجب الإجابة عليها بنقاش جماعي مفتوح لكل مناصري ومناصرات الأجراء. وما يشجع على هذا التفكير هو ظهور حركات احتجاجية متنوعة، كفاحية وشبابية منفلتة من رقابة البيروقراطية فضلا عن ذلك فمعظم الشغيلة خارج كل النقابات ولا يمكن تفسير ذلك بخنوعهم واستسلامهم وقبولهم بالأمر الواقع. إننا نفسر ذلك بضعف تسييسهم وبتقززهم من الممارسات اليومية للبيروقراطية ولذلك قد يؤدي عمل جدي إلى توحيد صفوفهم لبناء قوة عمالية قادرة على إيقاف هجوم أصحاب رأس المال وانتزاع مكاسب ملموسة لتحسين شروط الحياة من أجل معركة تحررية شاملة. هذا هو التحدي المطروح، تلمس خيوط البناء والذي علينا أن نفكر فيه ونعمل على إنجاحه.