وداعا الرفيقة ماريك كول Marijke Colle: حياة كلها نشاط وتطلع إلى المعرفة
بقلم: الكس دو جونغ
يوم الأحد 16 أبريل 2023، بلغنا خبر محزن، خبر وفاة رفيقتنا ماريك كول، عن عمر خمسة وسبعين سنة. مناضلة نسوية واشتراكية راسخة الاقتناع، تكرست ماريك لمختلف الحركات طيلة سنوات عديدة، وظلت نشيطة سياسيا حتى النهاية. جعل منها تفانيها وذكاؤها وحماسها نموذجا لكثيرين/ات.
ولدت ماريك في العام 1947 في أسرة فلامانية محافظة، وعلى غرار العديد من مُجايليها، تسيّست في خضم موجه العام 1968. وكان لها دور هام في تلك الحركة. وأصبحت عضوا في مجموعة دول مينا Dolle Mina النسوية في سنوات 1970 ونشيطة في الحركة الاشتراكية النسوية. وبصفتها عضوا في المنظمة البلجيكية الأخت لمنظمة Grenzeloos (رابطة الشغيلة الثورية، اليسار المناهض للرأسمالية اليوم)، كان لماريك دور هام في الكفاح من أجل حق الإجهاض في بلجيكا.
كسبت ماريك في هذا النضال خبرة ومعارف ثمينة نقلتها لاحقا إلى الأجيال الجديدة، وطبقتها في حركات أخرى. كانت تدرك أن بوسع الاشتراكيين النهوض بدور محرك بجمع مطالب جذرية وتعبئات عريضة. أن تكون جذريا لم يكن يعني عند ماريك البقاء على الهامش، بل العمل بنشاط حيثما يمكن إقناع الناس وتغيير شيء ما. فكانت، على سبيل المثال، عضوا مناضلا في نقابة التعليم طيلة سنوات عديدة.
في بيان نعيها من قبل حزبها جاء أن ماريك تميزت بثلاثة أبعاد: الماركسية الثورية، والنسوية والايكولوجيا. درست ماريك علم البيولوجيا واشتغلت في تدرسيه طيلة سنوات عديدة. وكانت شغوفة بالإيكولوجيا وبتغير المناخ. وكان لها دور رائد كذلك في الأممية الرابعة، معتبرة الإيكولوجيا مسألة مركزية بالنسبة للاشتراكيين قبل ثلاثين سنة. أدركت ماريك مبكرا جدا أن تغير المناخ مسألة صراع طبقي: إذا لم يقترح اليسار إجاباته الخاصة، فشغيلة العالم برمته هم من سيتحمل كلفة هذه الأزمة بمعنى هذه الكلمة حتى المجازي.
بنظرها، تُبرِز الطريقة التي تدمر بها الرأسمالية المناخ والمنظومة البيئية ضرورة اعتبار الطبيعة بنحو مغاير، أي ألا يُنظر إليها فقط كمجموعة من المواد الأولية الموجهة للاستعمال البشري، بل الاعتراف بقيمتها وجمالها الخاصين. وبهذا الصدد، لا شك أن ماريك انتقدت الماركسية الكلاسيكية. وكانت ماريك تدرك أن النساء يواجهن أشكال اضطهاد مركبة، مَخفية في الغالب، وأن ثمة حتى داخل اليسار خطر إعادة انتاج ترسيمات الميز على أساس الجنس. وردا على ذلك، دافعت ماريك دوما عن حق النساء في تنظيم أنفسهن على حدة.
كانت ماريك مناضلة أممية الروح. كانت نشيطة في بلجيكا وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي هولندا، مدركة دوما المستتبعات العالمية لسيرورات مثل تغير المناخ والحاجة إلى تضامن عالمي. في أثناء زيارة للفلبين، حيث شهدت كيف كان النشطاء يدافعون عن زراعة مسؤولة إيكولوجيا كوسيلة لبقاء السكان وعيشهم، كانت على سجيتها تماما. كانت إحدى آخر ما أمكنها أن تشارك فيه من تحركات تضامنا مع شعب أوكرانيا.
من العام 2009 إلى 2013 عاشت ماريك في هولندا، وكانت مديرة لمعهد الدولي للبحث والتكوين l’IIRE بأمستردام التابع للأممية الرابعة. وكانت ذات موهبة تدريس، بوسعها أن تشرح مسائل معقدة بكيفية واضحة وأن تبث الحماس في النفوس. كانت لديها اقتناعات قوية ولا تخفي خلافاتها في الرأي. وتظل في الآن ذاته متطلعة إلى معرفة آراء جديدة وعلى استعداد دائم لمباشرة النقاش. كان لماريك، بفضل تكويناتها ومقالاتها ونقاشاتها تأثير على مناضلين/ات كُثر سيتذكرونها دوما بامتنان.
أدركت ماريك حجم الأزمات الاجتماعية والبيئية الراهنة والطابع المستعجل لتغيير جذري. ونهلت في ذات الآن أملا من حركات من قبيل حركة صغار المزارعين في الجنوب العالمي وفي جذرية الشباب المكافح من أجل المناخ. كان موقف ماريك من الحياة مثالا جميلا لما سماه غرامشي “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”، وكانت شديدة البساطة و قد ترى بالأحرى في الاستشهاد بشخص مثل غرامشي غرورا.
ولدت ماريك متمردة، شغوفة بالسياسة، وكانت أيضا تجد الوقت لاحتساء الجعة بين فينة وأخرى. إنه امتياز لمن أتيح له التعلم منها ومعرفتها. مشاعرنا الطيبة موصولة لأسرتها ورفاقها وأصدقائها لا سيما صاحبها بيبس.
اقرأ أيضا