من أجل حقوقنا، وبوجه غلاء المعيشة… الحشد والتنظيم والنضال
بوجه استبداد مزمن يكرس نهجه النيوليبرالي القاسي، ويضاعف تعدياته على حقوقنا وشروط حياتنا، من الضروري جرأة الرد بواسطة التعبئة والحشد النضاليين، عن طريق إطلاق حراك نضالي واسع ومصر على النصر، نضال بدرجة عالية من التنظيم والوعي والقتالية لإجبار الحاكمين على التنازل، وإيقاف تعدياتهم.
بعد قرابة ثلاث سنوات من صدمات “خارجية” يبقى اقتصاد البلد أبعد ما يكون عن التعافي، نمو ضعيف، وجفاف، وتضخم، وتردي الوضع الاجتماعي للأغلبية الشعبية الساحقة. بلغ التضخم في شهر يناير 2023 نسبة 8.9 % في المئة، بحسب المندوبية السامية للتخطيط مدفوعا بتضخم مهول في أسعار مواد الغذاء الأساسية بنسبة 16.8% وأسعار النقل بنسبة 9.6 %.
إنه تضخم ينهش بشدة القدرة الشرائية للأجراء، والطبقات الشعبية الكادحة، فهم المستهلكون الرئيسيون للمواد التي يطالها الغلاء الفاحش، إذ تشكل أزيد من 40 % من استهلاكهم، وبإضافة زيادة أسعار الخدمات الرئيسية من قبيل التعليم والصحة والسكن…الخ يبرز إلى أي مدى تدهورت أحوال الأجراء المعيشية.
ليس التضخم قدرا محتوما، بل نتاج سياسات واعية تخدم في المقام الأول إنماء رأس المال وتراكمه وتوسيع مجالات استثماره. 40 عاما من سياسات نيوليبرالية أنتجت باحة بدخ ورفاهية في محيط بؤس ويأس لا ينفك يتوسع، منذرا بعواقب أوخم على حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…
تعد الدولة في هذا السياق التضخمي المنفلت تعديات جديدة لن تزيد الوضع سوى سوءا. “إصلاح” أنظمة التقاعد، تفكيك أوصال الوظيفة العمومية نحو تعميم الهشاشة ونقص الانفاق، والتخلي عن أهم الخدمات العمومية، وإجراءات مكافحة التضخم التي من شأنها خلق أوضاع بطالة ونقص إنفاق اجتماعي، وتراجع الاستثمارين العام والخاص، وزيادة المديونية… والتدهور البيئي، كل ذلك مع الحرص الشديد على عدم المساس بمصالح رأس المال الكبير الأجنبي والمحلي بالإبقاء على نهج نيوليبرالي صارم، بل تعزيزه.
لا مجال للتردد في مقاومة ما يجري تحضيره من هجمات باسم التضخم ومحاربته. إنها حرب طبقية متواصلة وتشتد، ولن تتراجع طالما لم نجبرها على ذلك. من أجل الزيادة في الأجور وربطها بمؤشر التضخم (سلم متحرك للأجور)، ومن أجل الإبقاء على سن التقاعد في 60 سنة، وفي أقل منها للمهن الشاقة بدنيا (55 سنة)، ومن أجل وظيفة عمومية واسعة ومستقرة، ومن أجل خدمات عمومية مجانية وذات جودة قائمة على أساس تضامني، ومن أجل سياسية ضريبية لإعادة توزيع الثروة لصالح طبقة الأجراء والطبقات المنتجة الكادحة… لا بد من خوض نضال حازم ومصر على النصر.
السخط قائم لكنه مشتت، والحاجة لتجميعه هو ما ينقص، فلنعمل على ذلك، وليكن شعارنا ” ضد غلاء المعيشة ومن أجل صيانة حقوقنا ومكاسبنا وتوسيعها”.
ليس بخطوات نضال رمزية، بل عبر مسلسل نضالي متنام حتى إجبار الحاكمين على التراجع. مسار نضال يتوجب البدء فورا في بنائه في إطار وحدوي بعيدا عن أساليب الهيمنة والفوقية المعتادين. نضال يجمع في نفس الوقت الحركات الاجتماعية والسياسية والنقابية… في خطة نضال تكون ثمرة نقاش وبلورة جماعية.
يفرض التضخم النضال ضده، كما تفرضه في المقام الأول أزمة الرأسمالية التابعة والمتخلفة، ومصائبها المتعددة، ورأس حربتها الاستبداد السياسي القائم المكشر على أنيابه.
ما من خيار سوى الحشد العمالي والشعبي القوي وإعادة بناء أدوات النضال وتنظيم طبقتنا ورفع درجة وعيها وكفاحها. لذا يتلخص كل شيء في البناء الوحدوي والتعبئة الاجتماعية الأوسع نطاقا وعلى مستوى وطني قبل فوات الأوان، وإطلاق نقاش هادئ بين مختلف وجهات النظر السياسية المنتسبة لقضية التحرر والانعتاق الشاملين.
إما نستسلم ونتلقى ضربات قاسية جديدة، تعديات مروعة على جميع حقوق الطبقات الشعبية الكادحة، أو ننتصب للرد وفرض ميزان قوى يستجيب لانتزاع حقوقنا وتوسيعها.
ينبغي أن نناقش سبل فرض حلول تحررية للأزمة متعددة الأبعاد التي نشهدها في الوقت الراهن، وفي صلبها مسألة التضخم وإنهاك القدرة الشرائية للأجراء، حلول تلبي احتياجاتنا الأكثر أولوية، وليس احتياجات الرأسماليين. أي نضال من أجل صندوق تقاعد موحد قائم على أساس توزيعي تضامني، ومعاشات تقاعد مرتبطة بتطور الأسعار، ومن أجل الزيادة في الأجور مع إقرار سلم تحركها وفقا لمؤشر التضخم، ومن أجل حملة توظيف كثيفة تستجيب للخصاص المهول في خدمات اجتماعية أساسية (تعليم وصحة وسكن…) وفي بنيات تحتية اجتماعية أولية (طرق ومسالك وإنارة وكهربة وماء صالح للشرب…)، ومن أجل إنقاص ساعات العمل اليومية كي يعمل الجميع وبحد أدنى أجري يصون الكرامة الإنسانية، ما من شأنه القضاء على البطالة الجماهيرية الدائمة، وتأميم البنوك وإعادة تأميم ما جرت خصخصته، وإلغاء الديون العمومية اللاشرعية وديون الأسر المفقرة بعقود زمن من القصف النيوليبرالي.
المناضل-ة
اقرأ أيضا