الثورة الشاملة والعميقة بمنطقتنا ضرورةٌ موضوعية لأجل خلاص شُعوبنا
مضت اثنتا عشرة سنة على انطلاق شرارة السيرورة الثورية التي زعزعت أركان أنظمة الحكم الاستبدادي التابع للإمبريالية بمنطقتنا. تجاهل الاعلام الرأسمالي الحدث، مبرزا الربيع الموعود كخراب ومأساة تستحق النسيان. وهو ما تريد الطبقات المسيطرة أن تستخلصه شعوبنا من تجرئها على تحدي مضطهديها. لكن تحت السطح، تستمر التناقضات في الاختمار بشكل أكثر حدة، وتتهيأ لتستأنف زلزلتها لبنية غير قابلة للاستمرار إلا بمفاقمة تناقضاتها وتقوية الانفجار الآتي.
استغل النظام المصري مسيرات 30 يونيو 2013 الشعبية الناقمة على حكم الإخوان، العاجز عن تلبية مطالب ثورة 25 يناير 2011، ليدبر انقلابا عسكريا ضدهم، بحجة نيله تفويضا شعبيا من تلك المسيرات. جرى التنكيل بالإخوان المسلمين المعترضين على تنحيتهم بقمع دموي لاسيما عند تفكيك اعتصامي رابعة والنهضة. كما دُفعت الثورة السورية نحو مزيد من العسكرة، وتراجع طابعها المدني الجماهيري، وظهرت ميليشيات مسلحة دينية معارضة وأخرى داعمة للنظام، ودخل الجيش الروسي في 30 شتنبر2015 الحرب بجانب نظام بشار الأسد فاتحا الباب امام كابوس دموي مرعب.
دخلنا حينها ليل الثورة المضادة الدامس، وتراجعت السيرورة الثورية التي أوحلت في حروب أهلية مدمرة ببعض البلدان: اليمن، وليبيا، وسوريا. استعملت فواجع الثورة المضادة لترهيب سائر الشعوب، سمحت أنظمة عديدة بِخُبث لأُسر سورية لاَجِئة بالتسول في الطرقات لجعلها عبرة.
صعدت موجة ثانية من السيرورة الثورية سنة 2019، في كل من السودان والعراق ولبنان والجزائر. اتبع النظامان في السودان والجزائر تكتيك التخلص من رأس النظام، مقرونا بإجراءات قمع وافتعال أزمات لتشتيت الكتلة المنتفضة، مع تنازلات جزئية لإضعاف الهجوم الشعبي. وكان لجائحة كوفيد-19 دور في إضعاف الدينامية، خصوصا بالجزائر. في حين ساهمت الخصائص الطائفية، وغياب تنظيمات نقابية وسياسية عابرة للطوائف، في حرمان الانتفاضة العراقية (ولبنان إلى حد ما) رغم تضحياتها الجسام وإقدام الثوار الاستثنائي، من ظهر اسناد وعمود فقري صلبْ لمواجهة نظام ديكتاتوري فاسد مدعم من نظام ملالي إيران.
بعد 12 سنة، ازداد تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة تضافر أزمات عالمية، من جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة، وارتفاع الأسعار العالمي، لاسيما الغذاء والمحروقات، وأخيرا جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتدفع الغلاء إلى أقصاه وتفاقم كل الأوضاع الاقتصادية لبلدان هشة أصلا. فباستثناء البلدان المصدرة للمحروقات التي حققت عائدات مالية هامة بسبب ارتفاع أسعارها، تغوص أغلب بلدان المنطقة في أزمة اقتصادية ومالية، وانهيار مفتوح للعملات الوطنية، وارتفاع سريع للمديونية، وبات التضخم طيارا. إنها على شفا الإفلاس، وباتت الشعوب تعاني للحصول على لقمة عيش أو دواء للعلاج.
لازالت جذوة الثورة متقدة في السودان بوجه الثورة المضادة التي يمثل جنرالات الجيش رأس رمحها. واهتز نظام ديكتاتورية رجال الدين في إيران بانتفاضة جديدة أعمق وأوسع سنة 2022، وكان للنساء والشباب والقوميات المضطهدة دور رئيس، لم يتردد الحكام القتلة في إسقاط مئات القتلى استمرارا لجرائمهم، المباشرة أو عبر وكلائهم، ضد المنتفضين في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ليست الديكتاتورية الإيرانية وتوابعها معسكر ممانعة بل ركنا أساسيا للثورة المضادة بمنطقتنا.
انهزمت الموجة السابقة للسيرورة الثورية رغم شجاعتها وتضحياتها، انهزمت بمقياس أنها لم تَبْنِ نظاماً بديلاً يُطبق شعارات الثوار ويكون قاعدة إسناد للثورات المشتعلة بباقي البلدان. أجل انتصرت الثورة المُضادة، واعادت ترميم أنظمتها على ركام الجثث وصبغتها بدماء الشهداء. لكنها لم تنتج، بعد عقد من ديكتاتورية قاسية، إلا فشلا ذريعا في حل الأسباب الموضوعية المفجرة للسيرورة الثورية. لقد ساءت أكثر أوضاع الشعوب المادية، وتمت خيانة قضاياها الحيوية بتبعية للإمبريالية أشد إذلالا، وبالتمادي في الخنوع أمام الكيان الصهيوني، وطعن قضيتها القومية، وتخطَّى النهب والفساد كلّ حدود، ما يدفع الشباب للفرار على دروب الهجرة بكل الوسائل.
السيرورة الثورية الشاملة في منطقتنا ضرورة موضوعية وفيها خلاص شعوبنا. هي ليست أمنية حالمين، بل خيار شقته الملايين في ساحات الاعتصامات ومظاهرات الشوارع وحواجز الاضراب ولجان المقاومة بالأحياء الشعبية.
السيرورة الثورية مُعطى موضوعي قائم، ستتواتر حلقاتها باستمرار تناقضات التنمية المعاقة في التفجر. والخيار الوحيد لتفادي تفسخ منطقتنا وللخروج من مستنقع الانحطاط الشامل والتفكك الذي تقودنا اليه أنظمة رجعية عميلة للإمبريالية، هو الإعداد الجدي للقادم من اندفاعات ثورية. إنها واجبات أنصار التحرر الشامل والعميق لعموم منطقتنا، منطلقين من استخلاص دروس جولات للسيرورة الثورية السابقة، والعمل بإصرار لعلاج أزمة العامل الذاتي (نقابات مستقلة-جمعيات جماهرية منغرسة-تنظيمات سياسية جذرية-اعلام اشتراكي) بروح نقدية منفتحة تتجاوز الانغلاق القطري الضيق.
المناضل-ة
اقرأ أيضا