واقع إعدام الحُريات الديمقراطية بين قرار البرلمان الأوربي وردود النّظام المغربي
أطلق النظام المغربي بعدد من مؤسساته حملة مضادة لقرار غير ملزم أصدره البرلمان الأوروبي يوم 19 يناير 2023، بشأن انتهاك حرية الصحافة مطالبا باحترامها.
ركزت حملة النظام المغربي على اعتبار قرار البرلمان الأوروبي تدخلا في شؤون البلد الداخلية ومسا بسيادته الوطنية وجحودا للإنجازات الحقوقية طيلة عقود. يشتكي النظام من مثل هذه التدخلات التي تعكر الصورة التي يروج في الخارج عن كونه واحة ديمقراطية في صحراء استبداد إقليمي.
يستعمل النظام هذه الصورة داخليا لتمويه الاستبداد وقمع حريات التعبير والحق في الاحتجاج، وخارجيا لاستدرار الدعم الإمبريالي وجعل البلد وجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية سواء الموجهة للداخل أو التي تتخذه منصة تصدير للخارج.
تأتي هذه التقارير والقرارات الدولية لتفتح ثغرة تنسل منها الصورة الفعلية للوضع السياسي للبلد: نظام حكم فردي تمكن عبر القمع والخداع (مسرحية “الإنصاف والمصالحة، واستمالة المعارضة التاريخية… إلخ)، من ضبط وتدبير الوضع السياسي لما فيه مصلحة الرأسمال المحلي والأجنبي.
ولإدامة هذا الحكم الفردي الذي يحكم نيابة عن مجمل طبقة الرأسماليين، تشتغل آلية القمع المادي (محاربة التنظيم النقابي وقمع الاحتجاجات) والقانوني (إخراس الصحافة المنتقدة)، والأيديولوجي (قصف عقول ملايين الكادحين بأن لا بديل عما هو قائم). حبكت الدولة خيوط إخراس الصحافة بنحو يدرك به الجميع أن الدولة ستفتك بكل من يشق عصا الطاعة. انتقم النظام من صحفيين مُعارضين وآخرين نشروا معلومات عن فساد، وانتقد بعضهم أجهزة ورؤسائها، فنالوا عقاب الاستبداد بجريرة إصرارهم على عدم الخضوع.
أما السيادة الوطنية التي تدعي حملة النظام الإعلامية الدفاع عنها فمجرد إدعاء باطل من الذين باعوا تلك السيادة، إذ أن السياسة الاقتصادية يجري تقريرها في تبعية شبه مطلقة لمراكز القرار الإمبريالية وعلى رأسها مؤسستي البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وعبر اتفاقيات شراكة وتبادل حر مع أقطاب الرأسمال العالمي وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وعبر آليات التبعية هذه يجري نقل الثروة من أسفل الهرم الاجتماعي (الشغيلة وصغار المنتجين- ات) إلى أعلاه (الرأسماليون وكبار الملاك العقاريين وملاكهم السياسي)، ومن الداخل إلى الخارج عبر نظام الديون والتبادل الحر ونقل أرباح الشركات الأجنبية إلى مواطنها الأصلية.
لا تعترض مؤسسة البرلمان الأوروبي على هذا النهب الاقتصادي، بل تصادق على اتفاقاته. ولا تندد بسياسة نهب لثروات بلداننا ودعم الأنظمة الديكتاتورية طالما تنفد أوامر الاتحاد الأوربي الاستعمارية.
يندرج هذا القرار في مساعي الاتحاد الأوربي، كمؤسسة لقوى امبريالية، للتدافع مع حليفه النظام المغربي لحسابات بينهما فيستعمل ما بوسعه للضغط على النظام هنا، وكلاهما –اتحاد اوربي ونظام مغربي- عَدُوَّان للشعب المغربي (استعمار جديد واستبداد).
إن ما يقصده النظام المغربي بالسيادة الوطنية هو تركه يفعل ما يشاء داخليا مع أي صوت معارض، وهو ما تتفق معه الدول الإمبريالية ومؤسساتها وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي. إذ لقي منها مطلق الدعم في المنعطفات الكبرى للنضال السياسي والاجتماعي وعلى رأسها 20 فبراير 2011 وحراك الريف. فأثناء قمع هذا الأخير شهدت عواصم أوروبا، وخصوصا أمام البرلمان الأوربي تظاهرات ضخمة تنديدا بقمع نضال شعبي وحصار أمني خطير، وكان البرلمان الأوربي طيلتها صنما جاثما.
لا يزال الاستقلال الوطني الحقيقي على جدول أعمال النضال اليوم، طالما أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية تفرضها مؤسسات إمبريالية. واجب المناضلين-ات العماليين-ات الثوريين-ات، وكل أنصار الديمقراطية الفعلية، استعمال مثل هذه اللحظات للتشهير ليس فقط بالاستبداد السياسي، ولكن أيضا بما يخدمه، أي نظام اقتصادي تغتني منه الأقلية الرأسمالية المحلية وحلفائها الأجانب، والنضال من أجل سيادة وطنية فعلية إزاء كل المؤسسات الإمبريالية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي.
سيكون نيل الحريات الشاملة وتقرير مصير الشعب ثمرة ميزان قوى هائل يعيد التأسيس لبناء البلد على أسس اقتصادية وسياسية تستجيب لحاجيات الأغلبية المفقرة على حساب أقلية من كبار الرأسماليين المحليين والأجانب تلتقي مصلحتهم مع دعم سلطة القمع الاستبدادي مقابل حماية مصالحهم من أي مساس.
الحرية الفورية لجميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الريف الشامخ وجميع الصحفيين والمدونين المعتقلين ظلما وبهتانا.
لن تحجب المتابعات الكيدية وافتعال المتابعات وتلفيق التهم حقيقة إعدام الحريات.
المناضل-ة
اقرأ أيضا