من أجل تعبئة شعبية لإلغاء الديون
بعد زهاء أربعة عقود، صارت أزمة البلد الاقتصادية أكثر حدة، لاسيما وأن تدبير الأزمة منذ ثمانينيات القرن المنصرم اتخذ صورة إغراق البلد في ديون تتزايد مخاطرها يوم بعد آخر. في سنة 2021، بلغ إجمالي المديونية العمومية 93 في المئة من الناتج الداخلي الخام بعد أن مثل 96 في المئة سنة 2020 (سنة كوفيد) التي زاد فيها الدين العمومي الخارجي.
تستنزف الديون المالية العمومية لصالح الدائنين الخواص في السوق المالية العالمية والمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها البنك العالمي ثم الدول الإمبريالية مثل فرنسا. إنها ديون مشروطة بتنفيذ سياسات ليبرالية قاسية لصالح الرأسمال الكبير والشركات متعددة الجنسيات، ويجري تحميل أعبائها للطبقات الشعبية عبر إنقاص الإنفاق الاجتماعي. هكذا، امتصت خدمة الديون العمومية سنويا 173 مليار درهم (معدل الثلاث سنوات الأخيرة)، أي ما يعادل 9 مرات ميزانية الصحة على سبيل المثال. وطبعا، يستفيد الرأسمال الكبير أيضا من خدمة الديون العمومية الداخلية التي تمثل نسبة كبيرة من الدين العمومي الإجمالي.
سيصل الدين العمومي للخزينة ما يعادل 77.1٪ من الناتج الداخلي الإجمالي هذا العام، مقابل 76.3٪ في عام 2021 و76.4٪ في عام 2020. وفي عام 2023، ستبلغ نسبته 77.5 ٪ قبل أن ترتفع إلى 78٪ في عام 2024. عموما، في غضون عشر سنوات، بين عامي 2013 و2022، ازداد الدين العمومي بمقدار 15.4 نقطة مئوية.
المغرب واحد من أقدم “عملاء” صندوق النقد الدولي على الأقل منذ شهد أزمة اقتصادية حادة بداية سنوات 1980. حينها ارتفع دينه الخارجي إلى 70٪ من ناتجه الداخلي الإجمالي سنة 1981؛ وامتصت خدمته 36٪ من عائدات التصدير. واعتبر صندوق النقد الدولي هذه النسب مثيرة للقلق. ومنذ ذلك الحين، دأب المغرب على طلب تدخلات صندوق النقد الدولي ويواصل بإخلاص ممارسة جميع التدابير التي يمليها عليه. ويرى صندوق النقد الدولي في المغرب مثالا جيدا جدا على ما يجب القيام به اقتصاديا وماليا.
فإما أن الدين الذي يعادل 76 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، والذي تتطلب خدمته ثلث عائدات التصدير، يشكل “أزمة” – وهذا بالفعل ما قدره صندوق النقد الدولي عام 1980 – أو أن دينا يعادل 76 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2022 هو علامة على تنفيذ سياسات سليمة وفعالة، يمليها نفس الصندوق.
يحتل البنك العالمي المرتبة الأولى ضمن مُقرضي المغرب بحوالي 77.6 مليارات درهم، ثم الإفريقي للتنمية في المرتبة الثانية بأكثر من 44 مليار درهم. وهذا ما يمنح هاتين المؤسستين التوأمان دورا رياديا في إملاء السياسات النيوليبرالية ومتابعة تنفيذها، طبعا إلى جانب مؤسسات أخرى على رأسها صندوق النقد الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، والاتحاد الأوروبي…
كل شيء يدل بأن المغرب عاد بالفعل إلى نقطة الصفر، مقارنة بالوضع المالي قبل أزيد من أربعة عقود، بل إنه يغوص في أزمة بنيوية متعددة الأبعاد يتكبد مصائبها الأغلبية الشعبية المقهورة.
السمة البنيوية للمديونية العمومية مكرسة في ميزانية الدولة، ويخلق سدادها التزامات طويلة الأمد تؤثر سلبا على حياة الجماهير الشعبية، والأجيال اللاحقة. فبعد المجهود المضني الذي فرض أداؤه على فقراء البلد خلال أربعة عقود بذريعة الخروج من دوامة الديون، سيفرض ارتفاع المديونية الجاري سنة تلو أخرى على المتضررين/ات منها تضحيات قاسية مرة أخرى.
اقتصاد البلد مبني على مديونية هيكلية يديمها استبداد سياسي ويسددها على حساب الأغلبية المقهورة على شكل ضرائب مباشرة تقتطع من المنبع وضرائب غير مباشرة على استهلاكها، في وقت يواصل فيه دعم أقلية مستفيدة من الميزانية العمومية ومنحها امتيازات ضريبية (زهاء 30 مليار درهم سنويا من الإعفاءات برسم ما يسمى نفقات جبائية).
وبالفعل، يتعين على الدولة المغربية وفقا لصندوق النقد الدولي توسيع القاعدة الضريبية وزيادة تصاعديتها، وفقا للمبادئ المنصوص عليها في القانون الإطار، ومواصلة الجهود لترشيد الإنفاق العام وتحسينه. بعبارة أخرى، تطبيق سياسة تقويم هيكلي غير معلن.
فقط، التعبئة الجماهيرية في مواجهة حكومة الأغنياء التي تغرق البلد في الديون تتيح إمكانية قلب الوضع لصالح الأغلبية المفقرة.
ينبغي من أجل الخروج من هذا الوضع بلورة بدائل ملموسة تحملها حركة واسعة من النضال العمالي والشعبي تفضي لانتزاع مكاسب فعلية. أولى مطالبها؛ تدقيق الديون العمومية لتحديد من يقرر مبالغ هذه الديون، ومن يمنحها، وما هي شروط منحها، وكم تكلف، وكيف صرفت، ومن استفاد منها، وما هي نتائجها اقتصاديا واجتماعيا…
سيتيح هذا التدقيق إبراز ضرورة وقف سداد الديون والتبرؤ منها بشكل نهائي. وستفضي التعبئة العمالية-الشعبية الواسعة أيضا إلى ملحاحية إحداث قطيعة مع المؤسسات المالية الدولية والدول الامبريالية، وإرساء أسس سيادة عمالية-شعبية تقوم على تلبية الحاجيات الأساسية للبشر بعيدا عن منطق الربح الرأسمالي المقدس، وسن سياسات عمومية تضمن العيش اللائق، وتربط الأجور بضرورات الحياة، وتوفر السكن اللائق والخدمات العمومية مجانا، وتصون حقوق النساء، وتفرض ضريبية تصاعدية على الثروات، وتؤمم جميع مؤسسات القطاع المالي، وتحترم البيئة، إلخ. ولابد لذلك من إرساء مؤسسات ديمقراطية حقيقية تضمن هذه السيادة وتفرض رقابة على تنفيذ برامجها.
يبقى الرهان الجوهري مرتبط بقدرة منظمات النضال على وضع مطلب تدقيق الديون من أجل إلغائها في قلب الاحتجاجات الشعبية والعمالية والنضالات ضد الغلاء والتقشف والقمع… بالتالي يلزم بذل جهود نضالية جبارة وتثقيف كي يمتلك ضحايا الديون المباشرين المختلفين ضرورة إلغائها كخطوة ضرورية نحو الانعتاق من نير التبعية والاستبداد. وهذا ما تسعى جريدة المناضل-ة الى المساهمة فيه.
المناضل-ة
اقرأ أيضا