افتتاحية العدد 79/ دجنبر 2022: المُناضل-ة بعد 18 سنة …. حصيلة ومهام المستقبل
قبل 18 سنة، مطلع شهر أكتوبر، أطل العدد الأول من جريدة المناضلة مفعما بالتفاؤل لمستقبل النضال العمالي والشعبي. تفاؤل لم يخب، إذ شهد النضال الشعبي وثبات نوعية في حراكات متعددة امتدت من طاطا إلى ايفني وبوعرفة، وظهرت تنسيقية مناهضة الغلاء، وانتفضت مدينة صفرو، وخاضت حركة المعطلين- ات جولات كفاح غير مسبوقة. وانبجست ديناميات نضالية بالساحة العمالية حاملة لإمكانات واعدة لولا اصطدامها بالسدود البيروقراطية، وحتى تجارب مصارعة لتلك البيروقراطية لم يحل دون تطورها سوى افتقادها لبوصلة سياسية. وتوج هذا بانبثاق دينامية العام 2011، المتأثرة بالمناخ الثوري الإقليمي، ليبرهن أن الدفاع عن الثورة ليس جنون أقليات “متطرفة” منقطعة عن الواقع، كما يدعي المدافعون عن المآزق الإصلاحية، بل إمكانا واقعيا تماما يحبل به هذا الواقع بالذات.
في خضم هذا كله كانت جريدة المناضل-ة الصوت العمالي والشعبي الذي مد المناضلين- ات بمواكبة للكفاحات العمالية والشعبية بمنطق التقييم البناء لتطوير الإيجابي في التجارب والتخلص من النواقص الكابحة. ولم يفوت فرصة لتسليط أضواء التحليل الملموس لواقع الحركة العمالية بالمغرب، كاشفا جذور أزمتها، عارضا سبل السير بها قدما لبناء ذاتها والتحامها بالكفاحات الشعبية لكادحي القرى. كانت خطوة نوعية في الإعلام العمالي، زودت المناضل-ة طلائع نضال طبقتنا بالعدة في قضايا النضال العمالي اليومي، بالرد على أضاليل الدولة البرجوازية وفضح مراميها الطبقية المبلورة في مشاريع قوانين و”إصلاحات” (“الميثاق الوطني” للتعليم، التغطية الصحية، حق الإضراب، التقاعد، قانون النقابات، …)
وعلى صعيد سياسي مباشر، الدفاع عن منظور عمالي ثوري لقضايا النضال السياسي ضد الاستبداد في سجال مع قوى اليسار الجذري والإصلاحي على السواء.
أتاحت الجريدة وإصداراتها العدة الفكرية للمناضلين/ت في المسألتين النسائية والبيئية، بنحو مجدد للمنظورات المنتسبة إلى الاشتراكية، وذلك بفضل استناد الجريدة إلى تيار ثوري عالمي من مكاسبه الأساسية منظار ماركسية منفتحة متسلحة بدروس انتصارات طبقتنا وهزائما، مستخلصة الدروس من انهيار اشتراكية البيروقراطيات المغتصبة سلطة الطبقة العاملة.
باختصار برهنت المناضل-ة على جدواها لكل من يعي واقع اليسار الجذري ويتطلع إلى مخارج من أزمة العامل الذاتي بالمغرب.
كما أغنت الجريدة ساحة النضال، اغتنت منها بأن أتاح إعداد الجريدة، وتوزيعها، للمناضلين/ات الملتفين حولها تدقيق رؤاهم، وتصحيحها عند الضرورة. وأبرزت سنوات إعلام المناضل-ة، جريدةً وموقعاً، الحاجة إلى سد ثغرات، وإضفاء مزيد من التوازن على توجه الجريدة، بايلاء المسائل النسوية والبيئة والثقافية/ القومية مكانتها في التمفصل العام لمجمل قضايا نضال التحرر من الاستبداد والرأسمالية.
والآن وبخبرة أكبر، يواجه مناضلو الطبقة العاملة ومناضلاتها بالمغرب نفس مهام بناء أدوات النضال العمالي والشعبي، إذ لم يتحقق تحسن نوعي في أي مضامير هذا البناء، لا بل احتدت أزمة الحركة النقابية بتنامي اندماجها في الدولة بمنطق الشراكة الاجتماعية، ودلت مجريات الحياة السياسية انعدام تدخل مستقل للشغيلة باستمرار سير قسم مسيس منهم في ذيل أحزاب برجوازية ولا مبالاة القسم الأعظم. ومن جانبها لم تفلح الحركات الشعبية بالمناطق المهملة في التزود ببنيات تنظيم وبالمنظور الكفاحي الاجمالي، وانتفت حركة الشباب المعطل، وتواصل غياب شبه كلي للطلاب من ساحة النضال، وما أبعد واقع النسيج المنتسب لقضية النساء عن مستلزمات وضع قهرهن.
بناء أدوات النضال هذه، ووحدة طلائعها الأرقى وعيا في حزب عمال اشتراكي هو العنوان العريض للمهمة التاريخية التي قامت جريدة المناضل-ة للإسهام فيها، وما دلت قرابة العقدين المنصرمين سوى على ملحاحيتها.
ملحاحية تضع على كاهل الجريدة تطوير أدائها، بتدقيق الإلمام بطبيعة البنية المجتمعية، وخصائص المرحلة، بقصد استنباط ما يتعين من مهام آنية واستراتيجية، ومع هذا إيجاد الطريق إلى وعي جيل الشغيلة الشاب غير المثقل بهزائم الماضي، ومجمل مقهوري/ات البلد، بأماكن العمل والعيش بالمدن والقرى. إيجاد ذلك الطريق بوسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث يكاد لا يخلو جيب عامل أو كادح من هاتف ذكي، وبالصلة المباشرة التي لا تغني عنها تلك الوسائل.
جماهير عمالية وشعبية مفقرة، في حالة دائمة من الاختمار، تفضي إلى فورات عرضية وحالات عابرة من التمرد التلقائي الفاشل، مفتقرة بصفتها كتلة جماعية الى قوة مركزية تعبر عن تطلعاتها واحتياجاتها وتقود نضالها. هذه هي معضلتنا التي تمثل جريدة المناضل-ة أداة لا غنى عنها لحلها. فمزيدا من العزيمة والإقدام… إلى أمام
المناضل-ة
اقرأ أيضا