التّغيرات المُناخية المُتطرفة تَستدعي البَديل الاشتراكي الايكولُوجي
حرارةٌ فائقةُ الارتفاع في فصل الخريف، وشحُّ أمطار بعد موسم جفاف حاد. يتساءل الكادحون عن أي ذنوب ارتكبوها لتعاقبهم السماء بقسوتها.
لقد أصبح التغيير المناخي ملموساً، وآثاره الخطيرة باديةً للعيان، لكن الوعي بأسباب هده التحولات المأساوية يظل متدنيا بمنطقتنا.
ان موجات الحرارة المتزايدة، والجفاف الشديد، وزيادة وتيرة الظواهر المناخية غير المعتادة، وارتفاع مياه مستوى البحر وحموضتها…الخ، هي من علامات التغيير المناخي المتسارع الناتج عن نظام اقتصادي مدمر للبيئة محركه الرئيس السعي إلى أرباح الأقلية، والمفضي إلى استنزاف لا محدود للثروات الطبيعية، وتلويث كثيف لكوكبنا، واجتثاث مخيف للغابات وهي خسارة لا تعوض لرئة الأرض.
رغم أن المغرب ضمن البلدان الأقل تسببا في انبعاث غازات الدفيئة، فإنه مهدد بعواقب تغير المناخ الوخيمة، فالوضع البيئي الوطني متضرر من السياسة الاقتصادية القائمة على انتاج موجه إلى التصدير لتلبية حاجيات المراكز الامبريالية والتخصص في تصدير المواد الأولية (الاستخراجية المدمرة للبيئة) والفلاحية (استنزاف الفرشة المائية وتلويث التربة بتكثيف السماد الصناعي) وبعض الأنشطة الصناعية (تصدير التلوث).
لقد تراجعت مساحة مناطق المغرب المصنفة رطبة وشبه رطبة في السبعين سنة الأخيرة، وتزايدت بالمقابل المناطق الجافة وشبه الجافة، ويعزى ذلك أساسا إلى ارتفاع المتوسط السنوي للحرارة وانخفاض حجم التساقطات المطرية.
يصنف المغرب ضمن بلدان الاجهاد المائي، والمناطق الهشة بوجه ارتفاع حرارة الأرض. فمن شأن كل ارتفاع لمتوسط الحرارة العالمية بدرجة مئوية أن يؤدى إلى انخفاض الأمطار بنسبة 4 %، حينها يتم استغلال كثيف للمياه الجوفية التي تنخفض مستوياتها، لا بل أكثر من ذلك تتدهور جودتها نتيجة الافراط في الاستغلال والتلوث وتسرب مياه البحر. فالموارد المائية مهددة حيث أن معدلات تجددها 40 % فقط من مجموع عمليات السحب ما يهدد أنظمة الواحات المعتمدة على مصدر المياه الوحيد هذا.
يستعمل الرأسماليون عالميا الكارثة البيئية المحدقة فرصةً لاقتناص مزيد من الأرباح، ويسير النظام المغربي على نفس النهج مسايرا الخطاب حول الاتفاق المتعدد الأطراف للحد من الاحتباس الحراري، لنيل حصة من الميزانيات المخصصة لدعم الطاقات البديلة.
وضعت دولة المغرب سنة 2009 خطة هدفها بلوغ انتاج 40% من الطاقة النظيفة سنة 2020 (أعلن عن تحقيق 37%)، كما خطط لتنفيذ مشاريع ضخمة تمكنه من تصدير الطاقة النظيفة إلى بلدان أوروبا، ما يعد اعادة انتاج العلاقة الكلاسيكية القائمة على نهب ثروات بلدان الجنوب. فإنتاج الطاقة المتجددة تتطلب استخراج كميات كثيرة من المياه في منطقة تعاني أصلا من ندرة خطيرة من المياه، وبالتالي فتصدير الطاقة يساوى تصدير المياه، دون الحديث عن اثار جانبية أخرى ستتكشف مع طول مدة الاستغلال. تتم مصادرة أراضي الساكنة وتستنزف مياهها النادرة، وتفوز شركات كبرى بإنجاز المشاريع، وتتلقى الدولة عائدات مالية زهيدة مقابل هدر ثروات طبيعية لا تعوض، ولا يتبقى للسكان من كل ذلك الا الثمار الضارة. واقع قاسي تسعى أبخرة الدعاية الرسمية إلى حجبه. لازالت الطاقة الأحفورية تمثل حوالي 40 % من انتاج الكهرباء بالمغرب وعوض التفكير في مشاريع محلية صغيرة تدبرها الجماعات المحلية وتسمح بإبداع طرق ناجعة صديقة للبيئة تحظى بدعم المالية العمومية وبالمساعدة التقنية تفضل الدولة على العكس المشاريع الضخمة الموجهة لإنتاج كهرباء تصديرية إلى المراكز الامبريالية.
ان نظام الإنتاج الرأسمالي يتسبب في التلوث الصناعي المجنون الذي طال كل أطراف كوكبنا (الأرض-البحر-السماء) وانتشرت سمومه في طعامنا وشرابنا وهوائنا، بل يعيث خرابا بالنظام البيئي مخلفا اضطرابا هائلا يكلف فقراء العالم غاليا، يموتون غرقا بسبب أمطار طوفانية هنا، ويمحقهم جفاف قاس هناك، وتُجتث غاباتهم في هذا الطرف وتتهدد أمواج البحر غمر مدن ساحلية وجزر في الطرف الآخر… ويهيم الملايين على وجوههم هاربين من مناخ متطرف ليسوا مسؤولين عن احتراره، بل خربه كبار الأغنياء المتحكمون في الثروات.
ان الحركة العالمية ضد تدمير البيئة، والتي اتخذت طابعا جماهيريا واسعا، تعبر عن وعي متصاعد بالمخاطر الجدية التي تهدد الحياة على كوكب الأرض. يصر كبار الملوثين، من شركات صناعية واستخراجية ودول كبرى، على رفض المس بأرباحهم لخفض نسب الانبعاثات الغازية، رغم أنها لا تحل أصل البلاء، ما يجعلنا أقرب إلى كارثة ايكولوجية غير قابلة للتدارك وسنكون نحن فقراء العالم من يدفع الثمن.
ان ما يعانيه الشعب المغربي من شح الأمطار، وارتفاع الحرارة، وحرائق الغابات والواحات، والفيضانات، الخ ليست ظواهر مؤقتة بل دليل على أننا دخلنا طورا جديدا من التحولات المناخية التي ستغير أوضاعنا البيئية العامة. ان وعي عمال وكادحي المغرب بأبعاد قضية البيئة والتغيرات المناخية، وادراجها في نضالهم ضد مستغليهم المباشرين الذين يسعون لجني أرباحهم دون اكتراث بآثارها على المحيط البيئة مسألة ملحة.
ان النضال لأجل مشروع اقتصادي بديل قائم على تلبية الحاجات الأساسية للإنسانية، وعلى الحفاظ على استدامة المحيط البيئي، أكثر واقعية من وهم استمرار الحياة على الأرض مع الاستنزاف المجنون للمحيط البيئي، وارتفاع معدلات التلويث الحالية. لم يعد النضال ضد النظام الرأسمالي مبرَّرا بعجزه الهيكلي عن تلبية الحاجات الأساسية وحسب، بل أيضا بحماية الحياة فوق الأرض المهددة بالتغيرات المناخية الناتجة عن منطق هذا النظام. ما يجعل أفق هذا النضال متمثلا في الاشتراكية الايكولوجية.
المناضل-ة
لتحميل إصدار المناضل-ة “الرأسمالية والأزمة البيئية، منظورات وبدائل اشتراكية
اقرأ أيضا