عامٌ بعد حُكومة الواجهة الجديدة …. آفاقُ نضال واعدة
أفلح النظام في ترتيب وضع مؤسسات الديمقراطية الزائفة بالتخلص من حزب العدالة والتنمية وقد انتفت الحاجة إليه، حيث جرى استعماله أساسا لامتصاص موجه احتجاج 2011-2012 غير المسبوقة. وقامت حكومة الواجهة الجديدة برئاسة “حزب الأحرار”، بأغلبية في البرلمان تتيح لها حرية تمرير ما يُسند لها من قبل أصحاب القرار الفعليين.
الآن وقد انصرم عام على بداية الدورة السياسية الرسمية الجديدة يتجلى نجاح النظام في ضبط الوضع بما يتيح مواصلة السياسة النيوليبرالية المدمرة اجتماعيا. ويقوم هذا الضبط على إشاعة الخوف، بممارسة قمع منهجي ومنتظم لكل الأصوات المعارضة. فموجه التنكيل بالصحافيين غير المنبطحين مستمرة، بتهم ملفقة كي لا يبدو الأمر سياسيا. وذوو الرأي المعارض بوسائل التواصل الاجتماعي طرائد لحملة مستمرة صارمة. وقد جرى استعمال كثيف لمبرر جائحة كوفيد-19 لمنع اشكال الاحتجاج، هذا فضلا عن بقاء معتقلي حراك الريف وراء القضبان بأحكام مديدة كي يستمر مفعول الضربة التي وُجهت لذلك الحراك. وهي ضربة أتت أكلها في المدى القصير كما يتجلى من انكفاء التعبير الشعبي عن الغضب بالمناطق المهملة. وإن كان قمع الريف قد ولد شكل الاحتجاج المقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، مجسدا في حملة المقاطعة في 2018، فإن حملة ارحل أخنوش… وبُعدها عن الميدان يؤكدان استمرار مفعول التخويف بالقمع.
يحظى النظام في سعيه لضبط الوضع الاجتماعي التفجري بدعم ثمين من قيادات المنظمات النقابية التي أبانت منذ صعود الثورة المضادة بالمنطقة حرصاً على “الاستقرار” لا يقل عما لدى النظام. وقد تجسد ذلك الحرص في مجمل تعاملها مع النضالات العمالية، وامتناعها عن أي خطة نضال، وتدبير الوضع النقابي عبر قناة “الحوار الاجتماعي”. وهذا ما اتخذ شكله المكتمل بالتوقيع على اتفاق 30 أبريل 2022، الذي يمثل استسلاما لما تسعى إليه الدولة [قانون الإضراب، قانون النقابات، تعديل مدونة الشغل، تدمير ما تبقى من مكاسب التقاعد] مقابل فتات لا وزن له في ظل موجة الغلاء غير المسبوقة.
يكمن خلف سلوك القيادات النقابية موقف سياسي، لا مجرد تطلع إلى امتيازات. فبيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل تخلت في عهد الميلودي موخارق عن الأقنعة المألوفة في عهد بن الصديق، أي ادعاء معارضة السياسات المطبقة باعتماد لغة رافضة وتيسير تنفيذ تلك السياسات بالامتناع عن مواجهتها نضاليا، ونسف ما يصعد من نضالات من تحت. فراح الأمين العام يعبر علانية عن تأييد أخنوش والتصفيق لِما تُنزل الدولة، باسم حكومة الواجهة، من تدابير معادية لمصلحة الشغيلة وعامة المقهورين. أما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فتعكس ما آل إليه اليسار ضعيف النزعة الديمقراطية [خط النضال الديمقراطي الذي جسده الاتحاد الاشتراكي طيلة عقود] من إفلاس ناجز بوجه متطلبات النضال ضد الاستبداد وضد السياسة النيوليبرالية. وإن كان دور البيروقراطية الكابح قد أتى أُكله، فلا يُستبعد أن يعبر الغضب العمالي عن نفسه ردا على التصعيد الجاري للهجوم البرجوازي بأشكال تنظيم خارج النقابات، لا سيما التنسيقيات، رغم أن هذه تكتسي طابعا قطاعيا، ومركزا على شأن واحد، ما يحد من قدرتها على النهوض بالرد الإجمالي الذي يقتضيه الوضع.
هذا وقد اشتد الخناق على الكادحين بفعل سنوات الجفاف المتتالية، ما يضيف عاملا آخر قويا إلى أسباب الغضب لاسيما إذا تواصل الجفاف هذه السنة.
ضمن لوحة ركود النضالات الحالية، والمرتقب من تصعيد برجوازي، يمثل انعدام تعبيرات منظمة عن رفض كارثة اتفاق 30 ابريل 2022 مع القيادات النقابية، وبقاء التعبير عن الرفض في حدود خجولة، مدعاة لأشد المخاوف. الطبيعة النوعية للهزيمة بلا معركة التي يمثلها ذلك الاتفاق، وانطلاق “الموسم النقابي” بدون أدنى برنامج نضالي، وركض القيادات خلف مزيد من مأسسة العمل النقابي، في ظل شبه صمت لقوى اليسار المنتسبة إلى القضية العمالية، كل هذا يمثل نذيرَ شؤم.
القوى المناضلة داخل النقابات من منطلق الوفاء لعلة وجودها [تحسين وضع الشغيلة الاجتماعي وإنماء مقدرتهم الكفاحية] مطالبَةٌ اليوم بهجر الانتظارية وكل مسايرة للقيادات التي تسير بالنقابات إلى الهلاك. هذا طبعا مع استعمال كل مزاعم النضال لديها للدفع قدما بخطوات نضالية فعلية بروح وحدوية.
الوضع خطير يتطلب إسقاط أسوار الصين التي تقيمها البيروقراطيات بين قواعد المركزيات النقابية، وحفز جميع أشكال التعاون العابر للإطارات، من نقابات وتنسيقيات في التصدي لمشروعي قانون الإضراب والنقابات، ولتفكيك ما تبقى من مكاسب في مدونة الشغل، وللإجهاز على حقوق التقاعد.
إن شراسة النظام، وما يعبر عنه من عدم اكتراث بتعبيرات الغضب العمالي والشعبي، وإصراره المستفز على التطبيع العميق مع الكيان الصهيوني، إنما يسعيان إلى إظهار القوة لزيادة إضعاف معنويات ضحايا سياسته. والواقع أن طاقة النضال الكامنة لدى الطبقة العاملة وسائر الفئات الشعبية بركان عظيم يقض مضاجع الظالمين، ولا ينقص سوى منافذ تنطلق منها الحمم ليتشكل سيلها الجارف.
لا يصعد حاليا من البركان سوى نزر قليل من الحمم، أبرزها في شهرنا هذا المسيرة الشعبية التي جابت شوارع مدينة أزمور(عدد سكانها 40 ألف في 2014) يوم 24 سبتمبر 2022. وقد سبق لشباب من المدينة ان احتجوا في حضور الحاجب الملكي قبل 3 أيام من هذه المسيرة.
مسيرة ازمور بشارة القادم من نهوض شعبي عارم سيكون تحررا لطاقة النضال بعد سنوات التدهور الاجتماعي المريع منذ بداية جائحة كوفيد-19، أي طيلة عامين ونصف العام، نتج عنه غضب واسع كبته القمع، ودفعته موجة الغلاء إلى مستوى يوشك على التفجر. إنها دورة نضالات قادمة، ولو بعد أحيان، تستوجب من منظمات النضال، وبمقدمتها نقابات الشغلية، النهوض بدورها في التعبئة والتنظيم. وإن كانت الدولة قد استوعبت قمم النقابات العمالية ودمجتها في عملية ضبط الجانب العمالي من الوضع الاجتماعي، فإن للتنظيمات النقابية المحلية دور رئيس قد تنهض به في تنظيم النضال العمالي وربطه بالنضال الشعبي العام. ويبدو، من خلال تجارب الماضي وامارات الوضع الراهن، أن الاحتجاج الشعبي في الشارع سيسبق التحرك النقابي، ما يفرض علينا العمل لضمان تضافرهما بتدخلنا كنقابيين ونقابيات في الحراكات الشعبية القادمة، بمطالب التشغيل وتعزيز القدرة الشرائية ومجانية الخدمات العمومية وجودتها… ، وكذا بروح التنظيم بحفز تشكيل لجان المواطنين والمواطنات في الأحياء وتنسيق عملها لتأمين استمرارية الحراكات وتطورها النوعي.
ويجب أن يكون افق السيرورة النضالية القادمة تركيز المطالب والكفاح في مشروع تغيير سياسي اجمالي يعيد بناء المغرب على أسس تلبية حاجات الجماهير الشعبية الديمقراطية والاجتماعية، أي تغيير جذري يحقق شعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
بقلم: رفيق الرامي
اقرأ أيضا