ما هي أجرة الشّهر الثالث عَشر؟ وكيف تندرج في الدفاع عن قدرة الأجراء الشرائية؟
ما هي أجرة الشهر الثالث عشر؟
أجرة الشّهر الثالث عشر هي واحدة من مَطالب الحركة العُمالية في نضالها من أجل تحسين الدخل السنوي وتغطية تزايد المصاريف وتلبية الحاجات، بوجه انهيار الأجور بسبب التضخم. هناك من يطلق عليها “الاجرة السنوية الإضافية”. وغالبا ما يتم منحها في اواخر ديسمبر من السنة.
في بعض البلدان يُحاول أرباب العَمل خلط هذا المطلب مع بعض مِنح آخر السنة الميلادية، كما هو الحال مع منحة الإنتاجية التي يروم بها أرباب العمل زرع التنافس بين العمال بإشاعة قيم الأنانية والفردانية بينهم، وخلق التمايز والتطاحن درءً لأية وحدة مُحتملة، ومنحة رأس السنة التي غالبا ما تأتي بسبب اتفاقيات جماعية بين المُشغل وأُجرائه، بفعل ميلان ميزان القوى لصالح الشغيلة، وفي بعض البلدان هو تقليد “استباقي” من قبل أرباب العمل لكسب العمال في بعض المناسبات الدينية بالخصوص.
أضحى مطلب “أجرة الشهر 13” أو “الأجرة السنوية الإضافية” حقا من حقوق الشغيلة تضمنه القوانين المنظمة للعلاقات الشغلية في العديد من الدول، على غرار الفلبين التي قنّنته وعممته على حد معين من الأجر منذ سبعينيات القرن الماضي. ويُعاقب القانون المتهربين من دفعها قبل 24 ديسمبر من كل سنة، ولو في عز وباء كوفيد. كما توجد في بعض البلدان كشكل عرفي على غرار فرنسا والمانيا وأمريكا… إذ لا تنص عليها القوانين الوطنية ولا تجرم عدم تطبيقها، ويتباين تطبيقها من مؤسسة لأخرى، وغالبا في ما تطبق في إطار اتفاقات جماعية، وحسب التقاليد التي فرضتها الطبقة العاملة وميزان القوى السائد بالمنطقة ومكان العمل.
رغم أن أجرة الشهر الثالث عشر عرفت طريقها إلى القوانين الشغلية منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات، لا زالت العديد من قوانين الشغل لا تعترف بها كحق للأجير، بل تعتبرها منحة أو عرفا تتركها في يد المشغل وميزان القوى بين المشغل وعماله-ته.
تعد الأجرة الشهر 13 من بين المطالب التي تطرح في الملفات المطلبية للأجراء عبر العالم من أجل تقنينها وتعميمها بدون قيد أو شرط مع تحديد قيمتها في “المعدل السنوي للأجرة”، دون خلطها مع أية منحة أخرى على غرار منحة رأس السنة “Christmas” أو “منحة الانتاجية” أو منحة السفر في آخر السنة. ورغم أن المطلب لا زال في حقل الصراع، فإن الملفات المطلبية للحركة العمالية اليوم تجاوزت هذا المطلب أمام الانهيارات التي تعرضت لها الأجور نتيجة السياسات النيوليبرالية… لطرح مطلب أجرة الشهر 14 وأجرة الشهر 15 في البلدان التي تعرف تقنين هذا المكسب مثل اليونان وايطاليا…
لا تركز الملفات المطلبية للمركزيات النقابية بالمغرب المقدمة في التفاوض مع الدولة على هذا المطلب، بل لا يندرج ضمن أجنداتها. وهذا ما يفسر ردود فعل بعض قيادات النقابية تجاه مقترح “أجرة الانتاجية” ضمن مقترحات الدولة في شخص وزارة التربية الوطنية ويخلط بينها وبين أجرة الشهر 13، أو ما أضحى يسمى في الأدبيات النقابية “أجرة الشهر الإضافي”، ويعتبرها “شيئا فريدا وغير مسبوق”. رغم أن “منحة الإنتاجية” تعطى بالمغرب في العديد من القطاعات كالبريد والقطاع البنكي وبعض المؤسسات الخاصة، لا يمكن مماثلتها بأجرة الشهر 13، لأنها مكسبٌ جماعيّ وفق متوسط أجور السنة. أما منحة المردودية فلا تكون جماعية بقدر ما تكون انتقائية وتختلف قيمتها من فرد لفرد حسب معايير تحقيق الأهداف والأداء و السلوك والتواصل وغيرها… أي ما يُطلق عليه في وثائق الدولة (وضمنها القانون- الإطار 51.17) الاستحقاق، بمعنى أن على الأجير/الموظَّف أن يكون جديرا بـ”منحة الإنتاجية” عبر تقديم المزيد من العمل أو تجويده. وقد قامت الدولة بحملة دعائية كبيرة (انظر تقرير المجلس الأعلى للتعليم: مهنة الأستاذ) جعلت العديد من أجراء قطاع التعليم يستحسنون ذلك، ومن هنا اعتبار القيادات النقابية لإقتراح الوزارة مكسبا إضافيا (انظر تقرير عبد الرزاق الإدريسي حول خلاصات أشغال اللجنة التقنية حول النظام الأساسي الجديد).
“منحة الانتاجية” أم أجرة الشهر الثالث عشر؟
إن ما تطرحه الدولة لا علاقة له بأجرة الشهر 13 أو “الأجر السنوي الاضافي”، بل يتعلق ب”منحة الإنتاجية”… وغايتها تحقيق الزيادة في الانتاج وتحقيق معدلات أرباح عليا وخلق الفئوية داخل المقاولة ومكان العمل بين فئة قليلة تحقق الأهداف بنسب أعلى من فئة واسعة من “العاجزين” عن مجاراة رفاقهم-تهم في العمل… والمبدأ الليبرالي واضح هنا: “إن الناجحين-ات يدينون بنجاحهم-ن لمثابرتهم” وهذا يعني أيضا أن الفاشلين مسؤولون عن فشلهم، وهو مبدأ عزيز على قلب البنك الدولي.
سيؤدي هذا إلى قتل أية إمكانية للتعاون بين الأجراء بالمقاولة، وإلى إعدام امكانية التنظيم الجماعي، والبحث عن حلول جماعية لمشاكلهم. وسيكرس الوصولية وغيرها من السلوكات الدنيئة… داخل فضاء مفترض أن يكون لتكريس قيم إنسانية وكونية. كما ستكون أيضا وسيلة لمعاقبة المناضلين/ات داخل المؤسسات… إن أخطر عاقبة لهذا النوع من “التحفيزات المادية” هو أنها ستجعل الأجير الفرد في مواجهة مشغِّله الذي يتمتع بموقعه الطبقي المتميز وما يمنحه ذلك من سلطة، في حين أن الأجراء لا يملكون من قوة إلا في حالة اجتماعهم وتنظمهم ووحدتهم.
علاقة منحة الانتاجية بأنظمة الترقي السابقة، فيروس سيفكك الانظمة السابقة
رغم أن مقترح اللجان التقنية يؤكد أنها ستحتفظ بنفس أنظمة الترقي السابقة من امتحان مهني والترقية بالاختيار والتسقيف وهذا ما أطرب القيادات النقابية… إلا أن هذا الأمر لن يدوم طويلا بعد تكريس “منحة الانتاجية” وفق معيار الأداء والانتقاء وذلك لسبب بسيط ومنطقي. فكيف يعقل أن يتنافس عشرة أجراء في نفس المدرسة على اجتياز الامتحان المهني، واحد منهم نالوا “منحة الإنتاجية” مرة او عدة مرات، والآخرون لم ينالوا “منحة الإنتاجية” أية مرة؟ من منهم أحق بالنجاح والترقية في الامتحان المهني؟ أليس الذي حقق منحة الإنتاجية أجدر من الناحية المنطقية الشكلية بالنجاح في الامتحان المهني؟ أليس من العبث- حسب منطق الدولة هذا- أن يترقى أجير لم يحقق أية منحة إنتاجية ويرسب ويبقى حبيس درجته أو رتبته؟ هكذا فمنحة الإنتاجية المبنية على الأداء والانتقاء القادمة من السوق والمقاولة، وإن ظلت غير مرتبطة وغير مؤثرة على المستوى النظري بأنظمة الترقية بجميع أشكالها، فإنها على المستوى العملي ستكون هي المحددة والحاسمة في باقي أشكال الترقية خاصة في الدرجة وبالتالي ستصبح أشكال الترقية القديمة التي تدعي الوزارة- ومعها القيادات النقابية- أنها حافظت عليها مبنية على منحة الانتاجية المعتمدة على الأداء والمردودية عاجلا أم آجلا، هذا بالطبع مع استحضار ميزان القوى.
منحة الإنتاجية: هجوم على حصة الأجراء من الثروة القومية
يندرج تغيير أنظمة الترقي في سعي إلى جعل أشكال التحفيز المبنية على الأداء والاستحقاق الفرديين المعيار الأساسي لتلك الأنظمة، في صلب هجوم الدولة (وبدعم من المؤسسات المالية) على نصيب الشغيلة من الثروة المنتَجة، هذا النصيب الذي يُعطى على شكل أجور ومكملاتها. والمبدأ الرئيسي لهذا الهجوم هو “نزع الضبط والتقنين”. فهذا المبدأ يسعى إلى جعل الأجور رهينة ليس باتفاقات جماعية أو قوانين شغل تضبط المعايير الجماعية والموحَّدة للحصول على الأجر، بل بناء على معايير فردية تأتي مردودية الأجير وإنتاجيته وأداؤه في مقدمتها.
يخدم هذا المبدأ التوصية الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول الوظيفة العمومية الصادر سنة 2017، والذي اعتبر الترقيات السريعة والتلقائية ثقلا يزيد من كتلة الأجور، يجب تخفيضها عبر “إصلاح شامل لمنظومة الأجور في ارتباط بنظام التقييم والترقية”، ومراجعة “نظام التقييم” في اتجاه التخلي عن المعايير الجماعية التي تكفل “الترقية السريعة”، و”اعتماد نظام تقييم جديد “يسمح بقياس أداء كل موظف أو تمييز الموظفين على أساس الكفاءات”.
وهذا الحرص على تقليص إمكانات الترقية يرتبط بمطالبة المجلس الأعلى للحسابات بإعادة مراجعة جذرية للأجر من خلال “إعادة النظر أولا في تركيبة الأجر بغاية إعطاء الأهمية الأكبر للراتب الأساسي وتوجيه التعويضات الأخرى لتناسب الغرض الحقيقي الذي أحدثت من أجله”، مع تأكيده على الحرص على ألا تتحول هذه التعويضات المرتبطة بالعمل والمردودية إلى “مكسب دائم ومعمم”. وقد تأكد هذا من اقتراح الوزارة سحب منحة المردودية في حالة تدني المردودية. فهل هو جهل أو تجاهل قبول القيادات النقابية مبدأ “منحة المردودية” مع نقاش تفاصيل مقدار مبلغ المنحة ونسبة من ستشملهم، ونسبة ما سيُسحَب منها في حالة تدني إنتاجية الموظف (انظر تقرير عبد الرزاق الإدريسي حول نتائج اللجنة التقنية لصياغة النظام الأساسي الجديد).
هجوم الدولة على حصة الأجراء من الثروة القومية شامل. ويشكل تقليص الأجر المباشر وضمنه الترقية بمعاييرها الجماعية أحد أوجهه، بينما تتمثل الأخرى في الهجوم على الأجور غير المباشرة (ما يسمى إصلاح التقاعد)، فضلا عن خوصصة الخدمات العمومية التي تقضم جزءا مهما من أجور الشغيلة.
من أجل مطالب ترفع أجور مجمل الشغيلة
لا يمت القبول بمنحة المردودية بأي علاقة برفع القدرة الشرائية للأجراء، بل هو آلية ماكرة لتقليص حصتهم من الثروة القومية، مع اعتصار أكبر قدر ممكن من العمل والمردود منهم.
إن النضال من أجل رفع قدرة الأجراء الشرائية ينطلق من مطالب تمس مجمل الطبقة (أجراء القطاع العام والخاص) وعلى رأسها:
– زيادة عامة في الأجور وليس فقط في الحد الأدنى للأجر، كما ورد في الاتفاق الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية الموقع في أبريل 2022.
– تطبيق السلم المتحرك للأسعار والأجور، بموجبه تزداد الأجور بنفس النسبة التي ارتفعت بها الأسعار.
– الدفاع عن عمومية ومجانية الخدمات العمومية وعلى رأسها التعليم والصحة والسكن.
– التراجع عن الإصلاحات المقياسية التي طالت أنظمة التقاعد.
ختاما، نرى أن تدقيق المطالب، والسير نحو ملف مطلبي اجمالي يوحد قوى الشغيلة، ويؤمن لهم تحسين أوضاعهم، ومعها مقدرتهم النضالية، شأن ينبغي أن يحظى باهتمام الفروع النقابية، ويمثل أحد رافعات بعث حيوية في الحياة الداخلية للتنظيمات النقابية، والرقي بها من كتلة سلبية تفوض أمرها للأجهزة نحو نقابة مشاركة فعالة من أوسع قاعدة ممكنة.
بقلم: ج. نقابي
اقرأ أيضا