سنة بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية الانتخابية: عجلة احتياط الاستبداد والنيوليبرلية
مضت سنة على هزيمة العدالة والتنمية في دورة الانتخابات التي تُنظم بالمغرب لتنصيب مؤسسات واجهة من أجل تمويه استبداد الحكم. تدحرج الحزب من أعلى الدولاب ليتولى دور حكومة الواجهة صنيعة الملكية حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة رب عمل (عزيز أخنوش).
حاول مثقفو الحزب “الإسلامي” تقييم تلك الهزيمة، مركزين، لتفسيرها على دور “الدولة العميقة” وجهازها الضارب (وزارة الداخلية)، وعلى استعمال “المال الحرام”. في حين أشار آخرون إلى دور السياسات الاقتصادية القاسية التي سهر الحزب (تحت زعامة بنكيران والعثماني على السواء) على تنفيذها.
مباشرة بعد تلك الهزيمة بأيام، كتب بلال التليدي أحد مثقفي الحزب،: “تقديري أن مهمة إصلاح الحزب، واستعادته للمبادرة، لن تحسم فيها خطوات تنظيمية في المدى القريب، ولا حتى إفراز قيادة جديدة، أو تبني أطروحة جديدة. مهمة بناء الحزب، تشترط كل ذلك، لكنها ستتطلب زمنا أبعد، لإعادة النظر في كل مفاصل المشروع، ومراجعة المواقف المرجعية والهوياتية والسياسية والحقوقية في سياق ممتد من الزمن، مع تقديم نقد ذاتي معلن”[1].
لكن يبدو أن عبارات مثل “إعادة النظر في كل مفاصل المشروع” و”مراجعة المواقف المرجعية…”، لا تؤخذ على محمل الجد، سواء من طرف مثقفي الحزب أو من طرف قيادييه السياسيين.
فبعد ما يقارب العام من كتابة بلال التليدي مقاله أعلاه، نشر مقالا بعنوان “ثورة البسطاء أم أدوار الإسلاميين المرتقبة؟”. قدم فيه تقييما لتجربة مشاركة حزب العدالة والتنمية في حكومة الواجهة السابقة بقول: “والذين تدرجوا في العمل السياسي بشكل انسيابي في المؤسسات (حزب العدالة والتنمية) وجدوا الظرفية مناسبة للتفاوض مع السلطة لبناء شراكة تمنع المغرب من السقوط في المجهول”، في إشارة إلى لجوء الملكية إلى الحزب من أجل تجاوز ما مثل امتدادا بالمغرب للعاصفة الثورية الإقليمية: حركة 20 فبراير ودينامية النضالية الشعبية الموازية.
يشير بلال التليدي إلى إمكان العود لتلك السابقة، إذ يستحضر تطورات الأوضاع على خلفية تداعيات أزمة كوفيد- 19 وحرب روسيا على أوكرانيا، متحدثا بلكنة الهلع مما تحبل به، إذ قال: “المؤشرات لحد الآن مقلقة، لكنها ليست حاسمة، لكن إذا تعمقت أزمة الغذاء وتزايدت نسب التضخم، واستمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، وسارت أسعار المحروقات في نسق تزايد مطرد، فإن انتفاضة البسطاء ستكون قدرا اقتصاديا واجتماعيا. لكن خيارات تجديد التعاقدات السياسية لتجاوز الأزمة، ستكون محفوفة بالعديد من المخاطر، وسيكون على الإسلاميين وبقية المعارضات، أن ترفع تحدي تجاوز الأدواء الذاتية، للقيام بدور ما في المرحلة المقبلة”[2].
هكذا تحولت عبارات “النظر في كل مفاصل المشروع” و”ومراجعة المواقف المرجعية” إلى تعويل على أن “ثورة البسطاء القادمة” ستدفع الملكية مرة أخرى إلى الاستنجاد بحزب العدالة والتنمية وإسناد “دور ما له في المرحلة المقبلة”، كما كان الشأن في سنة 2011.
ليس الأمر خاصا بهذا المثقف، بل هو جوهر الخط السياسي لحزب العدالة والتنمية. وقد عبر عنه عبد الإله بنكيران في ملتقى الحزب الوطني للكتاب الجهويين والاقليميين يوم 10 سبتمبر 2023 بقول: “إن حزب العدالة والتنمية اختار المشاركة السياسية رغم جميع الظروف، لأنه ليس حزبا ثوريا ولا حزب خوارج أو حزب هامش أو سطحي، بل هو حزب سياسي حقيقي يعمل في إطار المشروعية والقانون، ويتحمل مسؤوليته في إصلاح أوضاع البلاد والمساهمة على أقل تقدير في هذا الإصلاح”[3].
حزب العدالة والتنمية معاديٌّ لكل نضال عمالي وشعبي، إذ سبق له معاداة أي مشاركة في حراك 20 فبراير، وقطف ثمار ذلك بإشراكه في حكومة الواجهة. وفي عز الاحتجاج ضد جريمة طحن محسن فكري في أكتوبر 2016 التي أطلقت شرارة حراك الريف اصطف حزب العدالة والتنمية إلى جانب النظام ودعا زعيمه بنكيران، يوم 30 أكتوبر 2016، أعضاء حزبه والمتعاطفين معه إلى عدم الاستجابة لأي احتجاج بخصوص شهيد الحسيمة. ولم يشارك أعضاء الحزب وأنصاره في مسيرات التضامن مع الحراك. هذا ما يسميه بنكيران بأنه حزبه “ليس حزبا ثوريا ولا حزب خوارج”. إنه، كما عبر عن ذلك بنكيران منذ سنة 2007، “هبة من السماء للدولة المغربية”.
يجد هذا السلوك السياسي تفسيره في طبيعة الحزب الطبقية، ولا فرق جوهري بين ما يُطلَق عليه أجنحة داخل الحزب (أنصار بنكيران وجناح المستوزرين). فحزب العدالة والتنمية ينتمي جوهريا إلى نفس الصنف السياسي الذي يتناوب على الواجهة الحكومية التي تموه حكم الفرد. “فهو حزب ملكي برجوازي مؤيد للسياسة البرجوازية المطبقة في ظل التبعية للإمبريالية، وقد تولى تنفيذَها حكوميا بكل تفان منذ العام 2011. لا يتميز هذا الحزب سوى بأصوله التاريخية، وطبيعة قاعدته الاجتماعية، إذ يُعبر عن جزء من الموجة الاسلامية التي اجتاحت المنطقة منذ سيطرة رجال الدين على السلطة في إيران بعد ثورة 1979. لم يصنع النظام حزبَ العدالة والتنمية، إنما دمجه في اللعبة السياسية وطوَّعه”[4].
ويلعب الحزب دوره بإتقان: التركيز على الواجهة والأشخاص الذين ينصبهم الحاكم الفعلي من أجل تدبير تلك الواجهة. بل أكثر من ذلك يزايد زعيم الحزب، عبد الإله بنكيران، على رئيس حكومة الواجهة الحالي، بأنه هو من نفذ ما يقطف عزيز أخنوش ثماره حاليا. في اللقاء الوطني للكتاب الجهويين والإقليميين للحزب، ساجل بنكيران أخنوش قائلا: “يقول إنه لم يتحقق أي شيء في 10 سنوات، ولكن أقول له لو لم نقم بما قمنا به، لما كان بإمكانك اليوم تحقيق أي شيء، نحن من أصلحنا صندوق المقاصة بخصوص المحروقات لتجد اليوم الأموال لتواجه بها الكوارث”. وأضاف مشيرا إلى “الفوضى التي وجدنا في البلاد والإضرابات التي أوقفناها، وإصلاح التقاعد”[5].
دلالة تصريحات بنكيران هذه واضحة، فهو يخاطب الملكية متوددا ومنتظرا استدعاءه مرة أخرى للعمل “في إطار المشروعية والقانون، ويتحمل مسؤوليته في إصلاح أوضاع البلاد والمساهمة على أقل تقدير في هذا الإصلاح”، وفي نفس الوقت يؤكد لها بأنه في حالة تم ذلك سيطبق السياسات النيوليبرالية بنفس الشراسة التي عمل بها أثناء “ولايته الحكومية”.
هذا هو مآل الحزب بعد سنة من هزيمته الانتخابية الساحقة: التودد لنفس النظام الذي ألقاه أرضا بعد أن استوفى المهمة الموكولة إليه، من خداع الشعب المتعطش للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عبر شعار “الإصلاح عبر الاستقرار”، وتمرير أقسى التعديات على الحقوق العمالية والشعبية.
لا يشكل العدالة والتنمية إلا فصيلا من أحد أقطاب الثورة المضادة المكونة من الحركات الرجعية الدينية، ولا شك ستواجه “ثورة البسطاء القادمة” فعلا عقبة هذه الحركات التي يتفاوت سلوكها السياسي بين التحالف مع النظام أو تحريف النضالات الشعبية والعمالية نحو أهداف رجعية، لا تقوض أركان النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يحكم بالبؤس والبطالة والجوع والمرض على ملايين البشر.
يحتاج عمال- ات المغرب وكادحو- ات حزبا من طينة طبقية مغايرة للطيف السياسي القائم حاليا، والذي تُجمع كل فصائله على استمرارية نفس السياسات النيوليبرالية وخدمة مصالح الطبقة السائدة: الرأسماليون المحليون والأجانب. يحتاج المغرب إلى حزب عمال اشتراكي ثوري ينظم الطليعة الأكثر تجربة من الطبقة العاملة ويمركز خبرة النضالات العمالية والشعبية ويوجهها نحو الهدف النهائي: الظفر بالحرية السياسية وإقامة مجتمع خال من كل صنوف الاضطهاد والاستغلال.
بقلم: أزنزار
[1]– “إسلاميو العدالة والتنمية إلى أين؟”، بلال التليدي، القدس العربي 16 سبتمبر 2021.
[2]– “ثورة البسطاء أم أدوار الإسلاميين المرتقبة؟”، بلال التليدي، القدس العربي، 14 – يوليو – 2022
[3]– https://www.pjd.ma/node/84675، 11. سبتمبر 2022.
[4]– “تقييم أولي لـ”انتخابات” 8 سبتمبر 2021: نجاح الحزب الوحيد”، https://www.almounadila.info/archives/10295.
[5]– https://www.pjd.ma/node/84671، 10. سبتمبر 2022.
اقرأ أيضا