دُخول مدرسي كارثي: واجبنا تحويل الغضب الشعبي، واحتجاجات أجراء التعليم إلى رد جماعي وفق خطة نضالية
نزل الدخول المدرسي على الأسر العمالية والشعبية بوقع مهول، في سياق تصاعد الغلاء، ووضع عام مطبوع بتفاقم الأزمة الاجتماعية بتضافر ثلاث عوامل: استمرار تداعيات الأزمة التي فجرها كوفيد- 19، تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، أثار الجفاف الحاد.
تُفاقم هذه الأزمة الخرابَ الاجتماعي الذي سببته سياسة حاكمي البلد الاقتصادية والاجتماعية، المملاة من المؤسسات المالية الدولية، وقوامها التقشف فيما يخص الشغيلة والكادحين باسم “الحفاظ على التوازنات الكبرى”، بمقابل فتح صنابير المالية العمومية لحفز القطاع الخاص واستقطاب الاستثمار الأجنبي. وهي السياسة نفسها المتخذة سرعةً وتوسيعاً أعظمين تحت اسم “النموذج التنموي الجديد”.
جوهر إجراءات الدولة في قطاع التعليم التي عرضها وزيره في ندوة صحفية بمناسبة الدخول المدرسي يوم 06 شتنبر الماضي ما يلي
* تشجيع القطاع الخاص باستعمال المالية العمومية، حيث حصل ناشرو/ طابعو الكتب المدرسية على 105 مليون درهم من الدولة لإبقاء الأسعار على ما هي عليه. كما يستولي هؤلاء على جزء من المالية العمومية عبر ما يسمى “المبادرة الملكية- مليون محفظة”، ذات الكلفة البالغة 500 مليون درهم، (لفائدة 4,755 مليون و755 ألف تلميذة وتلميذ). إسناد إعداد وطبع ونشر الكتاب المدرسي للمطابع الخاصة، بدل العمومية، كما كان سابقا، هدر للمال العمومي ونهب لجيوب الاسر الشعبية.
* تحرير الأسعار: رغم نفي الوزير أي نقص في عرض الكتب والأدوات المدرسية، عصفت موجة الغلاء بجيوب ملايين الأسر الكادحة، أمر برره الوزير بتداعيات “الحرب الورسية- الأوكرانية” سعيا لطمس السبب الحقيقي ألا وهو سياسة التحرير/ الخوصصة. ولم تستطع سياسة الترقيع الاجتماعي (مليون محفظة، تيسير) درء تأثيرات الغلاء على القدرة الشرائية الشعبية. فتحرير الأسعار يعني ترك الأقل دخلا فريسة لجشع السوق.
* مراجعة دور الدولة: ورد كثيرا في وثائق لجنة النموذج التنموي، وقد عبر عنه الوزير في تصريحه الصحفي بقول: “نحن لا نتدخل في تحديد أسعار ولوج التعليم الخصوصي”، حاصرا دور الدولة على رقابة مدى احترام “أخلاقيات المنافسة والسوق” والحال أنه أفسح في المجال للرأسمالين تجار التعليم لفرض شروطهم المجحفة على الأسر وشغيلة التعليم الخصوصى.
* تفكيك علاقات الشغل القارة: فيما تستمر قيادات النقابات في استجداء مواصلة الشراكة في بناء “نظام أساسي جديد موحَّد”، حيث تُغرق الدولة القطاع بعلاقات شغل جديدة خارج النظام الأساسي القديم (2003) الخاضع للنظام الأساسي للوظيفة العمومية (1958): توظيف 20 ألف مما تسميهم الوزارة “أطر الأكاديميات”، تشغيل أكثر من 5000 مربي ومربية في التعليم الأولي عبر شراكة مع الجمعيات، الدعم المدرسي عبر برنامج أوراش، فضلا عن مواصلة تفويض تدبير خدمات النظافة والحراسة الإطعام والإيواء لشركات القطاع الخاص.
* تضميد جراح أشد الضحايا بؤسا: استعرض الوزير أرقام “مبادرة مليون محفظة” و”برنامج تيسير”… مشيرا إلى أن كل هذه المبادرات سيجري توحيدها في إطار صندوق الحماية الاجتماعية. والحال أن ما يسمى “حماية اجتماعية”، وقبلها مبادرات عديدة مثل مبادرة التنمية البشرية، راميد… إلخ، ليست إلا تدخلا لتضميد جراح ـأشد ضحايا السياسات النيوليبرالية بؤسا.
لن تفي الدولة بما اعتادت التضليل به، وجدده الوزير في ندوته الصحفية بقول : “إن ما يجب القيام به حاليا هو دعم وحفز المدرسة العمومية لجعلها جذابة”. فمجمل السياسة المعروضة في “النموذج التنموي الجديد” متعارضة معه على طول الخط.
وسيستمر واقع التعليم الشعبي بنفس خصائص الدخول المدرسي الحالي: نقص الأطر وفي نفس الوقت التلاعب المتعمد بالخريطة المدرسية عبر إجراءات إعادة الانتشار (خصاص مهول هنا وتفيض كبير هناك)، اكتظاظ كبير في الأقسام (أكثر من 40 تلميذ)، واستمرار رفض الاستجابة لمطالب شغيلة التعليم تحت ذريعة الضائقة المالية… إلخ.
الاختيار النضالي
يقع هذا في سياق تراجع ملحوظ للمقاومتين العمالية والشعبية. جزر فظيع في النضال الطلابي، وانعدام التلاميذي منذ 2018 (النضال ضد الساعة الإدارية)، ودور جمعيات الآباء والأمهات المرافق عمليا لسياسة الدولة، واقتصار تحركات الأسر على الشكوى دون تطور ذلك إلى فعل نضالي منظم، وقيادات نقابية اختارت “الشراكة الاجتماعية” مع الدولة، وتراجع عملي للتنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد عما كانت عليه قبل كورونا.
طالما انعدم ضغط نضالي يجبر الدولة على التراجع عن سياسة تدمير الخدمة العمومية وتفكيك علاقات الشغل القارة داخلها، سيستمر نفس المنحى التنازلي، وستتقدم الوزارة مرة كل خمس سنوات بخارطة طريق جديدة، تتضمن التأكيد على مواصلة نفس السياسة النيوليبرالية مع عبارات خداعة.
إن النضال لأجل مدرسة عمومية مجانية وجيدة مسألة تتعارض مع السياسة النيوليبرالية الجاري تطبيقها بالمغرب. يترافق تقويض أسس الخدمات العمومية لصالح التدبير المؤدي عنه مع تدمير أسس الوظيفة العمومية باعتماد ما سبق تجريبه بالمقاولات الخاصة.
معركة النضال لأجل مدرسة عمومية حقيقية ممكنةٌ عبر جبهة نضال عمالي شعبي يلف شغيلة التعليم وشبيبته والأسر الشعبية. جبهة تعيد وضع أسس للمدرسة العمومية المنشودة في قطيعة مع النيوليبرالية، وقادرة على فرض إعادة تأميم كلي للقطاع و إلغاء لسياسة خوصصة أرست نظاما تعليميا ثنائيا طبقيا: تعليم جيد مؤدى عنه موجه للطبقة البرجوازية والطبقات الوسطى، ومدرسة عمومية موجهة لتأمين حدود دنيا من محو الأمية لأسر الكادحين والعمال- ات.
نضالنا وفق هذا المنظور المناهض للرأسمالية، كل في موقعه اليومي، في النقابة، وفي جمعيات اباء التلاميذ، وفي أماكن الدراسة والسكن، وفي جمعيات السكان بالأحياء الشعبية والقرى، مع العمل لبناء القوة السياسية التي ستوحد كفاحات ضحايا الرأسمالية تحت راية التغيير الجذري، سبيلنا الوحيد للفكاك من الأهوال التي يفرضها علينا الحاكمون في التعليم وفي كل مناحي الحياة.
المناضل-ة
اقرأ أيضا