الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني
بقلم: جوزيف ضاهر
أمدنا الرّفيق جُوزيف ضاهر، مشكُورا، بنص مقدمة كتابه الموسُوم “الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني”. أهمية الكتاب غنية عن الإشارة، مُستمدة من أهمية مكانة ذلك الحزب في الواقع الاقتصادي-الاجتماعي وكذا السياسي في لبنان، وفي عموم المنطقة الناطقة بالعربية. يُسعدنا أن نتيح للقارئ/ة العربي مطالعة هذا النص بما يحفز لدراسة الكتاب.
المقدمة
تأسَّس حزب الله في العام 1985 خلال فترة أزمةٍ سياسية حادة اتسمت بنشوب الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي في العام 1982. فكان أنْ تأسَّس بوصفه جماعةً سياسية إسلامية، مقرها المناطق الشيعية اللبنانية، مع تركيز الاهتمام على المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وبمرور السنوات، بات الحزب في نظر العديدين –في لبنان والعالم العربي على السواء–، القوة الوحيدة القادرة على مقاومة العدوان الغربي والإسرائيلي على البلد. عقب الحروب العدوانية المختلفة لإسرائيل على لبنان، وبالذات عدوان 2006، جرى الاحتفاء بالحزب لقواته العسكرية المنضبطة وقدراته الدعائية ومقدرته على مقاومة الدولة الإسرائيلية بكفاءة. فصار بالإمكان رؤية صور حسن نصرالله، الأمين العام للحركة، مرفوعةً في مظاهراتٍ تجوب العواصم العربية الكبرى. بل في دول الخليج أيضًا –حيث تُعرِب الأنظمة الحاكمة تقليديًا عن عدائها للحزب–، أغدقَت شخصياتٌ بارزة، كرجل الأعمال الكويتي ناصر الخرافي، المديحَ والثناء على الجماعة علانيةً عقب حرب 2006 (Farid 2001; Wehbe B. 2011)[1].
بالإضافة إلى قدراته العسكرية ومكانته في العالم العربي، أصبح الحزب أحد أهم الجهات السياسية الفاعلة في لبنان، إذْ يمتلك كتلةً نيابية كبيرة لا تقِل عن عشر نواب منذ أول انتخابات نيابية أعقبت الحرب الأهلية في 1992، ووزيرَين على الأقل في كل حكومة لبنانية بعد العام 2005. وقد دلَّل الحزب على شعبيته بفوزه بالعديد من الانتخابات البلدية ويسيطر اليوم على أهم المناطق الشيعية في جنوب بيروت الكبرى وجنوب لبنان وسهل البقاع. يُعَدُّ التنظيم حركة جماهيرية لها شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية ومؤسساتٍ أخرى تلبي احتياجات الناس وتوفر لهم الخدمات. في الواقع، يفوق تأثير الحزب الاجتماعي والسياسي بين الشيعة تأثير حليفه «حركة أمل».
تمثِّل عقيدة الحزب الطبعة الشيعية من حركة الإسلام السياسي. والحال أنَّ هذه الحركات موجودة في جميع أنحاء العالم –من الإخوان المسلمين في مصر وأماكن أخرى، و«الجماعات الإسلامية»، وجمعيات العلماء المتعددة، وحركة آيات الله في إيران. يقف الإسلام، في كل هذه الأمثلة، كمبدأ مطلق تنصاع له جميع المطالب والنضالات والإصلاحات. أما القاسم المشترك بين كل حركات الإسلام السياسي فهو، بحسب جلبير الأشقر، «الأصولية الإسلامية»، “بعبارة أخرى، إرادة العودة إلى الإسلام، والتطلع إلى طوباوية إسلامية لا تقتصر على أمةٍ واحدة، بل لا بد أنْ تشمل جميع المسلمين، إنْ لم يكن العالم أجمع” (Achcar 1981:2). يمكن ملاحظة هذا التعريف في كلام محمد خيرت الشاطر، النائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر:
“يعمل الإخوان على إعادة الإسلام بمفهومه الشامل إلى حياة الناس، وآمنوا أنّ هذا لا يتأتى إلا من خلال الجماعة القوية. فإذًا المهمة واضحة: استعادة الإسلام بمفهومه الشامل إلى حياة الناس؛ تعبيد الناس لله؛ إقامة دين الله؛ أسلمة الحياة؛ التمكين لدين الله؛ بناء نهضة الأمة على أساس الإسلام… فتعلمنا [أن نبدأ بـ] بناء الفرد المسلم؛ البيت المسلم؛ المجتمع المسلم؛ الحكومة الإسلامية؛ دولة الإسلام العالمية…”[2] (Amal al-Ummah TV 2011 and Bargisi, Mohameed and Pieretti 2012)
لا تقتصر الأصولية الدينية على الدين الإسلامي، وبوسعنا رؤية عناصر مشتركة بين مختلف الحركات الأصولية الدينية في جميع أنحاء العالم. لكن من الأهمية بمكان ملاحظة أنَّها وإنْ كانت تدعو إلى العودة إلى زمنٍ فات، لا ينبغي النظر إليها على أنَّها مستحاثات من الماضي. ففي حين أنَّها قد توظّف رموزًا وسردياتٍ من فترات سابقة، غير أنَّها تنبض بالحياة وتتسم بالدينامية وتُمثِّل اتجاهات معاصرة رئيسة تستهدف تلبية حاجات ثقافية (Marty 1988:17). لذا لا بد من وضع نشأتها ضمن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحقبة المعاصرة.
بدأ صعود حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، سواء السني أو الشيعي، في فترةٍ –خلال الثمانينات والتسعينات– كانت فيها القوى اليسارية والقومية قد أُضعِفت إلى حدٍ كبير لأسباب مختلفة: انتكاسات القومية العربية؛ ودعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية التي ساعدت بدورها على تعزيز ورعاية مختلف الحركات الأصولية السُنّية، على الأخص الإخوان المسلمين، بوصفها قوة مقابلة للقومية العربية؛ والأحداث الإقليمية التي بدأت مع طفرة النفط عام 1973 التي سمحت للممالك الخليجية بزيادة تمويلها الإقليمي؛ وإضعاف القوى التقدمية في بداية السبعينيات بفعل القمع الشديد الذي مارسته الأنظمة العربية مثل مصر وسورية والعراق بعد تخليها عن سياساتها الاجتماعية الراديكالية السابقة وتبنيها بشكل متزايد التقارب مع الدول الغربية وممالك الخليج؛ وإضعاف القوى الوطنية التقدمية الفلسطينية والعربية بفعل هجمات الدول العربية وإسرائيل المتعددة على الحركة الوطنية الفلسطينية؛ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979.
كان هذا السياق الإقليمي الذي تشكَّل فيه حزب الله. في البداية، تركَّزت قاعدة الحزب الاجتماعية حول فقراء الشيعة وبعض مكونات البرجوازية الصغيرة، لكنها توسَّعت لاحقًا بين الشيعة اللبنانيين لتشمل جميع الطبقات الاجتماعية كافة. فاليوم، يحظى الحزب بتأييد سياسي واجتماعي كبير وسط البرجوازية الشيعية النامية والمتواجدة في الداخل اللبناني والمغترب.
بالنظر إلى عملية الاندماج هذه في النظام السياسي والقاعدة الاجتماعية الموسعة للتنظيم، يمكن طرح مجموعة من الأسئلة حول طبيعة حزب الله كحزب سياسي وكقوة اجتماعية. كيف لنا أن نفسر سياسة الحزب وممارسته فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي للبنان وشيعته؟ كيف استطاع الحزب بناء مثل هذه القاعدة المؤيدة وسط الشيعة في لبنان؟ ما طبيعة العلاقة بينه وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ بأيّ دورٍ تضطلع قدرات الحزب العسكرية في هيمنته على شيعة لبنان؟ كيف لنا أن نفسر التطور السياسي والاجتماعي للحزب؟
تتسم الإجابة على هذه الأسئلة بالأهمية سواء من زاوية ما تقدمه من تبصرات في الإسلام السياسي كعقيدة، أو من حيث تداعياتها على فهم الاقتصاد السياسي الأوسع للبنان والشرق الأوسط.
من هنا، يهدف هذا العمل إلى فهم حزب الله من خلال فهمٍ تاريخي ومادي للإسلام السياسي، وتتبع تطور بُنى التنظيم وعلاقته ضمن النظام السياسي الأوسع، ووضع هذا التطور في إطار التشكّل الطبقي وبناء الدولة المتغيران في لبنان. بهذه الطريقة، يذهب الكتاب بالنقاش إلى ما هو أبعد من التركيز المعتاد على العقيدة باعتبارها وسيلة لتحديد وفهم سياسات حركات الإسلام السياسي. ليجادل بأنَّه في حين قد يكون الهدف المعلن للحزب هو «نمط الحياة الإسلامي»، إلَّا أنَّه من الأفضل فهم ممارساته الفعلية بوصفها متناغمة مع طبيعة البيئة الرأسمالية التي يعمل بها ويعكسها.
بالإضافة إلى المساعدة على تصوُّر تطور حزب الله ومكانته ضمن السياسة المعاصرة للمنطقة، نسعى إلى التصدي للاستشراق السائد في قسمٍ كبير من دراسات العالم العربي. إذْ يميل هذا الاستشراق إلى اعتبار المنطقة عصية على استيعاب الأطر الاجتماعية العلمية المستخدمة عادةً لفهم عمليات التغيير السياسي في مناطق أُخُر من العالم. بهذا الصدد، يتفق هذا الكتاب مع خلاصة الكاتب عزيز العظمة بأنَّ “فهم الظاهرة الإسلامية السياسية يستلزم [استخدام –م] عُدَّة العلوم الاجتماعية والإنسانية المعتادة، لا تجاهلها” (Al-Azmeh 2003:39).
بنية الكتاب
نُظِم هذا الكتاب في ثمانية فصول رئيسة.
يتناول الفصل الأول جذور الطائفية في لبنان منذ عهد الانتداب الفرنسي وحتى نهاية الحرب الأهلية (1975-1990). ويتتبع موقف مختلف الطوائف خلال هذه الفترة، ويحلل تأثير الحرب الأهلية على الظروف السياسية والاجتماعية للشيعة على وجه الخصوص. تتزامن هذه الفترة مع تأسيس حزب الله عام 1985، وتوفِّر رؤى مهمة حول تطوره اللاحق. في هذا الفصل، يُنظر إلى الطائفية على أنّها أداة تستخدمها البرجوازية اللبنانية للتدخل أيديولوجيًا في الصراع الطبقي، لإحكام سيطرتها على الطبقات الشعبية وإبقائها في حالة من التبعية بزعمائها الطائفيين (Amel 1986: 323, 326-327). يجب النظر إلى الطائفية على أنَّها مكوِّنٌ أساسي من مكونات الأشكال الحالية من الدولة والسلطة الطبقية، ومعزِّزة لها. وعلى هذا الأساس، نرى الطائفية على أنَّها منتج العصر الحديث لا موروثًا من زمن خلا. وكما يلاحظ الباحث اللبناني أسامة مقدسي، فإنَّ “الطائفية قصّة حديثة. بل إنّها الـ قصة الحديثة بالنّسبة إلى أولئك الذين تتكشّف عبرهم وينخرطون في ذلك التكشّف؛ قصَّةٌ كانت ولا تزال تحدِّد حيواتهم وتتحكّم بها”[3].
يدرس الفصل الثاني تطور الاقتصاد السياسي اللبناني منذ 1990 وحتى 2020، وتغطي هذه الفترة نهاية الحرب الأهلية وحتى العام 2020. ويركّز بالذات على الشيعة، الذين كانت مكانتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية أدنى على نحوٍ ملحوظ من بقية الطوائف اللبنانية عند نهاية الحرب الأهلية، ثم تغيرت مذاك بشكل كبير. سنرى التغيرات في موقع الشيعة وتقسيمهم الطبقي كنتيجة للسياسات النيوليبرالية، وعلاقة هذه التغيرات بتطور حزب الله كتنظيم سياسي. قهذه السياسات النيوليبرالية أدَّت إلى تعميق سمات الاقتصاد اللبناني التي تشكلت تاريخيًا: نموذجُ نموٍ موجّه نحو التمويل والخدمات، كانت فيه عدم المساواة الاجتماعية والتفاوتات المناطقية جد واضحة. ويناقش الفصل تبعات هذه السمات أثناء تطورها خلال الفترة النيوليبرالية، والتوجه السياسي اللاحق للحزب نحو كل من السياسة الاقتصادية والنظام السياسي الطائفي. ويختم باستقصاء ثلاث دراسات حالة في مناطق يتمتع فيها الحزب بنفوذٍ وسيطرة كبيرين: (1) إدارة السياسة العمرانية في بلدية الغبيري، (2) المواقف من قوانين ضبط الإيجارات في بيروت، (3) السياسة الزراعية في سهل البقاع.
بعد تحديد هذه الاتجاهات التنموية خلال الفترة النيوليبرالية، يبحث الفصل الثالث آثارها على البنية الطبقية في لبنان، لا سيما وسط الشيعة. ليبيّن الفصل أنَّ الفترة النيوليبرالية قد شهدت ظهورَ برجوازيةٍ شيعية جديدة ضمن مختلف قطاعات الاقتصاد، ما نتج عنه إعادة توازن السلطة الطائفية على مستوى البلد. لكن لم تكن هذه العملية موزَّعة بالتساوي، فقد ظل العديد من الشيعة في حالةِ تهميشٍ في جميع المناطق الريفية والحضرية الهامة. بعد ذاك، ينتقل الفصل إلى رسم خريطة ملموسة للبرجوازية الشيعية الجديدة عبر تحليل كبرى مجموعات الأعمال الشيعية وعلاقتها بالحزب نفسه. ثم تُجدَل هذه العوامل في تحليل القاعدة الاجتماعية المتغيرة للحزب.
يتتبع الفصل الرابع نمو الحزب كحركة جماهيرية ويحاول فهم كيفية تمكن الحزب من بلوغ موقع هيمنةٍ في المناطق الشيعية رغم ما تولده طبيعة قاعدته الاجتماعية من توترات. ويبحث هذا الفصل بالتفصيل التنظيم الداخلي للحزب وشبكته الكبيرة من المؤسسات. إذْ كان لهذه الشبكة دورٌ هام في بث أفكار الحزب داخل المجتمع الشيعي وبسط هيمنته عبر توفير الخدمات الضرورية. ويحلل الفصل كيف أتاح نجاح شبكة منظمات الحزب –المُدارة في الغالب من مجلسه التنفيذي– تعزيزَ موقعه بين السكان، مُركِّزًا بشكل خاص على أربعة قطاعات حيوية: (1) الدعم الاجتماعي؛ (2) المؤسسات الدينية؛ (3) الإعلام والثقافة؛ (4) التربية والتعليم/العمل الشبابي. يستكشف الفصل المحتوى العقائدي لعمل الحزب في هذه القطاعات، مشددًا على ما اضطلع به مفهوما الحالة الإسلامية والالتزام من دور في إرساء الولاء للحزب. كما يحلل السمة الجندرية المميزة لهذه المرتكزات العقائدية في عمل الحزب.
أما الفصل الخامس فيتطرق لتوجه الحزب إزاء الحركة العمالية اللبنانية. ويبحث هذا الفصل، منطلِقًا من تاريخ الحركة النقابية إبان الحرب الأهلية، مختلفَ الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية التي استمرت خلال التسعينيات وحتى الفترة الحالية. ويوضِح كيف جرى إضعاف الاتحاد العمالي العام، وهو الاتحاد النقابي الرئيس، بأيدي القوى السياسية والطائفية وإخضاعه لمصالحهم، لخشيتهم من قدرة الاتحاد على الحشد والتعبئة. بهذا الصدد، نحلل سلوك الحزب تجاه المطالب الاقتصادية المختلفة والإضرابات والتنظيم العمالي. بذا، يوفر الفصل صلة وصل بين تحليلات الاقتصاد السياسي الواردة في الفصلين الثاني والثالث، والتحليل الاقتصادي والاجتماعي في الفصل الرابع. وبهذه الطريقة، يقدِّم الفصل عرضًا مهمًا للتوترات الناشئة داخل التنظيم نتيجة ادعائه تمثيل نضالات الفئات الأفقر من الشيعة واحتياجاتهم، بالتلازم مع قاعدته الاجتماعية المتغيرة.
يحلل الفصل السادس جانبًا بالغ الأهمية من جوانب تنظيم حزب الله: أنشطته العسكرية وجهازه المسلح. يبدأ الفصل ببحث كفاح الحزب العسكري ضد الدولة الإسرائيلية، يليها أنشطته القمعية بحق الأطراف اللبنانية الأخرى خلال الحرب الأهلية، ولاحقًا في العام 2008 حين قاد العمليات العسكرية ضد تحالف 14 آذار. كما حللنا استخدام الحزب قدراتَه العسكرية لضمان سطوته وأمنه في المنطقة.
ينظر الفصل السابع إلى سلوك الحزب تجاه الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2010 ويناير/كانون الثاني 2011 مع الإطاحة بديكتاتورَي تونس ومصر وما تزال تتكشّف. سوف يبحث هذا الفصل بشكل خاص تدخل الحزب في سورية، وكيف أدَّى هذا إلى مفاقمة الطائفية في لبنان. وسنرى تداعيات الانتفاضة السورية على العلاقة بين الحزب وإيران وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية. يجمع الفصل الختامي التحليل الشامل بالمعنى النظري والسياسي.
يفحص الفصل الثامن مصادر انتفاضة تشرين[4] اللبنانية ورد فعل الحزب على الحركة الاحتجاجية. وفي هذا الفصل، سننظر في دور الحزب الأساسي في إنهاء الانتفاضة بالوسائل المختلفة، سعيًا لحماية النظام الطائفي النيوليبرالي. فقد شارك في قمع المتظاهرين وانخرط في مختلف أشكال الترهيب ضد النشطاء والمتظاهرين، وخاصةً الشيعة منهم. لقد أظهرت الانتفاضة اللبنانية، من جوانب عدة، التناقضات المعروضة في هذا الكتاب ودور الحزب الأساسي إلى جانب بقية الطبقات الحاكمة اللبنانية في الحفاظ على الإطار السياسي الراهن، حيث يحتل فيه موقع الفاعل المهيمِن، والحفاظ على هيمنته على الشيعة.
ملاحظة حول المصادر
تعتمد هذه الدراسة على مجموعة واسعة من الكتابات الأكاديمية في ميادين السياسة والاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع ونظرية التنمية. وكما سيبين الفصل التالي بمزيد من التفصيل، فإنَّ إطارها النظري الأساسي يستند إلى التحليلات الماركسية والنقدية الأخرى للبنان والشرق الأوسط. وبالإضافة إلى الأدبيات الأكاديمية، انطوت أبحاث هذا الكتاب على تحليل نصي مفصل لعديد الكتب والمقالات والتقارير والمنشورات السياسية والمقابلات مع الشخصيات السياسية الرئيسة في لبنان. وقد أتاحت لي إجادتي للإنكليزية والعربية والفرنسية إجراء المقابلات والاطلاع على المصادر الأولية والوثائق المستخدمة في استخلاص نتائج هذا الكتاب بلغتها الأصلية.
إلى جانب الرؤى المكتسبة من هذه المواد المكتوبة، فقد أمضيت قرابة السنة في لبنان لإجراء العمل الميداني من أغسطس/آب 2011 إلى سبتمبر/أيلول 2012. خلال هذه المدة، تمكنت من التنقل في بيروت وسهل البقاع والمناطق الجنوبية والشمالية من البلد. كانت فترة البحث هذه بما شملته من مشاورات واسعة مع النشطاء والنقابيين والعمال والطلبة وأعضاء الأحزاب السياسية والأكاديميين، إضافةً قيّمة لتجربتي السابقة في البلد. لقد قابلتُ أكثرَ من أربعين شخصًا في لبنان (بالعربية والفرنسية والإنكليزية، حسب الظروف)، وتعلمتُ من عددٍ لا يحصى من المناقشات «الشخصية» مع أفراد ومجموعات منخرطة في المشهد السياسي اللبناني. علاوة على ذلك، أتاح لي تواجدي في لبنان فرصةَ الاطلاع على العديد من المكتبات والأرشيفات ومراكز الأبحاث.
بالنظر إلى البيئة السياسية اللبنانية، فقد واجه هذا العمل الميداني عقبات عدّة. أولًا، غدا الوصول إلى مسؤولي الحزب أصعب مما كان عليه في الماضي بفعل إجراءات الأمن الداخلي في الحزب وسرية التنظيم. غير أنَّني حصلت على بعض المقابلات مع مفكرين محسوبين على الحزب وممثليه في واجهاته الجماهيرية ومعاهد الأبحاث. كما قابلت متعاطفين عاديين وأعضاء في الحزب. خلال هذه العملية، كان علي أن آخذ في عين الاعتبار الجو الطائفي المحتقن في البلد عند تقييم ما جمعته من معلومات. وقد ساعدني انكبابي على السياسة اللبنانية ومعرفتي بها في تقييم ما قدَّمته بعض المصادر من مزاعم يغلب عليها الأيديولوجيا والتحيز.
ختامًا، ساهمَت وجهة نظري الشخصية بشكل كبير في كتابة وتأطير هذا الكتاب. أنا مواطن سويسري من أصل سوري، أمضيت فترات طويلة في سورية والمنطقة منذ طفولتي. وقد تضرَّرت عائلتي وأصدقائي المقرَّبين بفعل الأحداث الجارية في سورية، واضطر عدد كبير منهم إلى مغادرة مدينة حلب (التي ننحدر منها) نحو مناطق آمَن في البلد أو البلدان المجاورة. ويعود اهتمامي بحزب الله إلى ما قبل تدخله في سورية، لكن أحداث السنوات الأخيرة أعانتني على التَوثّق من الحجج الواردة أدناه وصقلها.
الفهرس
شكر وامتنان
المقدمة
الفصل الأول| الطائفية والاقتصاد السياسي اللبناني: نشأة حزب الله
الفصل الثاني| حزب الله والاقتصاد السياسي للنيوليبرالية اللبنانية
الفصل الثالث| البنية الطبقية اللبنانية في ظل النيوليبرالية
الفصل الرابع| حزب الله والمجتمع المدني الشيعي
الفصل الخامس| حزب الله والحركة العمالية اللبنانية
الفصل السادس| جهاز حزب الله العسكري
الفصل السابع| حزب الله والسيرورات الثورية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
الفصل الثامن| انتفاضة تشرين اللبنانية وحزب الله
خلاصة الكتاب
مُلحَق| شرائح البرجوازية الشيعية
بيبلوجرافيا
الرابط الإلكتروني لشراء الكتاب:
https://sefsafa.almatjar.store/ar/p/alaktsad-alsyasy-lhzb-allh-allbnany-557
[1] – نشر الخرافي مقالًا بعنوان «عيش العزة أو موت الكرام» أشاد فيه بنصر الله قبل أسبوعٍ على وفاته في أبريل/نيسان 2011. احتل الخرافي المركز السابع والسبعين في تصنيف مجلة فوربس لأثرياء العالم، بثروةٍ تقدَّر بـ11.5 مليار دولار، وكان مقرَّبًا من العائلة الملكية الكويتية وشقيقَ جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة. عقب وفاة الخرافي، أصدر الحزب بيانًا عامًا يعزي فيه الشعب والحكومة الكويتين.
[2] – نقلًا عن محاضرة خيرت الشاطر في الاسكندرية بتاريخ الحادي والعشرين من أبريل/نيسان 2011 والمتوفرة على منصة يوتيوب:
https://www.youtube.com/watch?v=JnSshs2qzrM (المترجم، يُشار له لاحقًا بالحرف “م”)
[3] – مقدسي، أسامة؛ تر. ثائر ديب. ثقافة الطائفية: الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني. دار الآداب، ط1، (بيروت: 2005). ص21. (م)
[4] – انتفاضة اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتُعرَف بـ«انتفاضة تشرين» وسوف ترد بهذه الصيغة في باقي الصفحات. (م)
اقرأ أيضا