بناء القوة السياسية العمالية طريق الخلاص الوحيد من الاستبداد القائم، ومن كل سلطة برجوازية
يعود فاتح مايو هذا العام 2022 على الطبقة العاملة في المغرب في أجواء سياسية طابعُها العام استقواءُ الاستبداد منذ نجاحه في كبحِ حراك الريف-جرادة، وفي منعهِ منذئذ لتطور اندفاعات النضال المحلية وأشكالِ التعبير عن السخط إلى مدٍّ نضالي شاملٍ ومتضافرٍ، وفي احتوائِه للحركة النقابية بجذبٍ قياداتها المطردٍ إلى سياسةٍ تعاون طبقي معمَّقة، وإفلاحٍه في إعدام حرية التعبير بحملة قمع منهجية للصحفيين وللأصوات الساخطة في شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى صعيد الحياة السياسية، تمكن الاستبدادُ من صنع مؤسسات “ديمقراطيته” بالتخلص من الاكراه الذي فرضه سياق العام 2011. وهذا النجاح حافز لمواصلة السياسة النيوليبرالية وتصعيدها، موسعةً دائرةَ الفقر والحرمان من المقومات الأساسية للحياة، من دخل، وسكن وخدمات عمومية، بمقدمتها الصحة والتعليم. وانتفع الاستبدادُ من جائحة كوفيد-19 لتشديد الخناق القمعي تحسُّباً لتفجر السخط الاجتماعي المتنامي. هذا كله بالاستفادة من وضع إقليمي ما يزال مطبوعا بالأثر السلبي لانتكاسة السيرورة الثورية، رغم انبعاثها النسبي في السودان والجزائر، ووضع عالمي مكَّنه من هجوم ديبلوماسي متمحور على مسألة الصحراء له أيضا استعمال داخلي جلي.
بيْدَ أن العامل الأساسي المفيد للاستبداد، وضامنَ استمراره، هو حالة الضعف التي تعاني منها الحركة النقابية وقوى اليسار، ومنه المنتسب إلى قضية التحرر من الرأسمالية. ففضلا عن الأسباب الموضوعية المعيقة للتنظيم العمالي النقابي (مستوى البطالة المهول وتعميم العمل الهش، وضعف التركز العمالي،…)، تضررت الحركة النقابية المغربية من فقدان الاستقلال عن قوى سياسية غير عمالية، ومن سيادةِ خط تعاونٍ طبقيٍّ مع البرجوازية ودولتها، جرّ عليها هزائم تلو أخرى. ولا شك أيضا أن انعدام قطبٍ يساري مخترقٍ للنقابات عاملٌ ذاتي إضافيٌ لم يتح لأشكال التعبير عن معارضة خط البيروقراطية النقابية التبلور واتخاذ اشكال منظمة والتقدم في انتشال الحركة النقابية من مستنقع “الشراكة الاجتماعية” واستجداء “الحوار الاجتماعي”. وعلى صعيد سياسي، لا زالت المعضلة التاريخية المتمثلة في انعدام حزب عمالي قائمة مكتسية أشكالَ ابتعادٍ عن الانتساب الى هوية عمالية داخل ما تبقى من يسار إصلاحي، واستفحالِ الازمة التاريخية لليسار الماركسي، ذي المنشأ الشبيبي، وتعثر المجموعات المتخذة نفسها بديلا.
الطبقة العاملة المغربية اليوم غير فاعلة سياسيا، في مستوى أدنى حتى من الانضواء تحت لواء معارضة إصلاحية غير عمالية كما كان قسم من الحركة النقابية تاريخيا. ولا يرى الأجراء مخرجاً من وجودهم المستعْبَد، و لا بصيصَ نور خلاصٍ من الاستبداد. كل ما ثمة مقاومةٌ تتمسك بطفيف المكاسب، ونضالٌ دفاعي عن القدرة الشرائية، في خضم غارات برجوازية متتالية من التدمير الاجتماعي وإعدام الحريات.
تأكد منذ انطلاق موجة النضالات الشعبية بالمناطق المهملة [طاطا، ايفني، بوعرفة …] مرورا بالحراك الشعبي الموازي لحراك 20 فبراير، وصولا إلى حراك الريف-جرادة، وحملة مقاطعة بعض مواد الاستهلاك، وكفاحات شباب المدارس وضحايا البطالة، أن كفاحات الطبقات الشعبية غير العمالية تظل عديمة الأفق السياسي طالما غابت قوة الطبقة العاملة المنظمة والواعية سياسيا، حاملة مشروع تحرر اجمالي يستهدف ملكية البرجوازية وسلطتها. وهو نفس درس عقود ما سمي “نضالا ديمقراطيا” بقيادة قوى إصلاحية برجوازية.
نتيجة هذا يغوص المغرب في شراك التبعية للاستعمار الجديد، مجسدا في الاتحاد الأوربي والامبريالية الامريكية، والبنك العالمي…، فاقدا كل سيادةٍ، وعرضةً لقوى النهب الامبريالي المتحالفة مع القسم الأكبر من رأس المال المحلي.
واقع قاتم سائر للاستمرار، على غرار 110 سنة المنصرمة على إرساء السيطرة الاستعمارية، وبنفسٍ أقوى يعبر عنه ما يدعى “نموذجا تنمويا جديدا”، ما لم تنهض القوة العمالية القادرة على جمعِ شمل الطبقة العاملة، وتشكيل قاطرة للطبقات الشعبية الأخرى ضحية النظام الرأسمالي التابع، على طريق البديل الاشتراكي-النسوي- البيئي على صعيد المنطقة.
يُمثِّل بناء هذه القوة السياسية العمالية طريق الخلاص الوحيد، من الاستبداد القائم ومن كل سلطة برجوازية، ومن البدائل الرجعية المتقمصة للدين. وهذا البناء مهمة الأقليات الثورية الصامدة.
مهمة تستوجب انصاتا لنبض الشبيبة، العمالية بمقام أول، ولكافة ضحايا الرأسمالية التابعة، وبلورة برنامجية تأخذ بالحسبان التطورات الحاصلة في بنية الطبقة العاملة، وخبرات تجربتها النضالية.
وهي المهمة التي يجهد تيار المناضل-ة للإسهام فيها، ويرصد لها جهوده، داعيا كل المنتسبين الى قضية تحرر الطبقة العاملة وسائر المضطهدين، إلى الحوار والتعاون بصددها.
عاش فاتح مايو يوما للكفاح من أجل انعتاق الطبقة العاملة من نير الرأسمالية، وكل صنوف الاضطهاد.
عاش فاتح مايو النضال الأممي تحت شعار: تحرر الشغيلة من صنع الشغيلة أنفسهم.
تيار المناضل-ة
29 أبريل 2022
اقرأ أيضا