الضباب يلف الاقتصاد العالمي من جديد
هنري ويلنو Henri Wilno
كان القادة السياسيون والاقتصاديون، في متم العام 2021، يسبحون تقريبا في سعادة: كانت الجائحة تبدو سائرة إلى اضمحلال، والاقتصادات الرئيسية مشرفة على تدارك خسائر النمو المترتبة عليها، فيما كانت المقاولات الكبرى تحقق نتائج قياسية.
طبعا كانت ثمة عناصر انعدام يقين، من قبيل ارتفاع الأسعار وما تواجه بعض القطاعات من مصاعب في التمون بالمكونات اللازمة للإنتاج. وكان ذلك كله يُعتبر أمرا انتقاليا، ويُعزى لسرعة انتعاش الاقتصاد. هذا رغم أن صناعة السيارات كانت متضررة بنحو بالغ بمصاعب التمون.
نمو ضعيف
أعاد صندوق النقد الدولي النظر في نسبة ارتفاع النتاج الداخلي الاجمالي العالمي إلى 3,6% (مقابل 4,4% في توقعاته في مطلع السنة، و4,9%في الخريف الأخير). سيكون اقتصاد أوكرانيا (التي قد يتراجع انتاجها بنسبة 35% بالأقل، وحيث يستشري الفقر)، وبدرجة أقل اقتصاد روسيا (بسبب العقوبات) الأشد تضررا بالحرب، لكن مضاعفاتها ستُسْتَشعر، بدرجات متفاوتة، في مجمل الاقتصاد العالمي، وبمقدمتها العديد من البلدان الـمُفقَرة. أما عن أوكرانيا، فتجب الإشارة إلى أن بلدان حلف الناتو نفسها، التي تمدها اليوم بأسلحة وتعلن عزم منحها مساعدات مالية هامة (في شكل قروض أساسا)، ترفض النظر في أي الغاء للديون، ما سيقود أوكرانيا في العام 2022 إلى أداء 6,2 مليار دولار من الفوائد. ويوم 8 مارس /اذار الأخير، نددت منظمات يسار أوكرانية وأوربية في بيان مشترك بـ”الضغط النيوليبرالي المدمر” الذي يمارسه صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين.
وبفعل قربها من منطقة النزاع، وتبعيتها لمنتجات الطاقة الروسية، ستشهد بلدان الاتحاد الأوربي تباطؤا قويا في نموها: لن يكون ارتفاع النتاج الداخلي الإجمالي لمنطقة اليورو سوى بنسبة 2,8% في العام 2022، وليس 3,9% المرتقبة في يناير. والتباطؤ أقل في الولايات المتحدة الأمريكية. أما الصين، فإن عودة الجائحة وتدابير الحجر الصارمة هي التي تنيخ بثقلها على النمو.
انفلات أسعار المواد الغذائية والبؤس
النمو أضعف لكن الأسعار منفلتة: حسب صندوق النقد الدولي، سيشهد ارتفاع الأسعار تضاعفا ليبلغ نسبة 5,7% في المتوسط بالبلدان الغنية، بعد نسبة 3,1% السنة الماضية. وإن كان انفجار أسعار الطاقة هو الأبرز في هذه البلدان، فإن أسعار المواد الغذائية هي المثيرة للقلق في البلدان المُفقرة. يتوقع صندوق ا لنقد الدولي نسبة تضخم متوسطة تبلغ 8,7% في البلدان المسماة نامية، بعد 5,9%في العام 2021.
روسيا وأوكرانيا منتجان ومصدران كبيران للحبوب. وقسم من انتاج أوكرانيا غير قابل للجني، وصادرات أوكرانيا عبر موانئ البحر الأسود موقوفة: منذ شهرين، تعذر على زهاء مائة باخرة الإبحار، وتحتوي على 1,2 مليون طن من الحبوب والحبوب الزيتية. والبلدان الافريقية هي المعتمدة بالدرجة الأولى على صادرات الحبوب: مصر والجزائر وغرب افريقيا والساحل حيث انعدام الامن الغذائي حاد. وارتفاع أسعار المواد الغذائية كارثي في هذه البلدان. وتحذر المنظمات الدولية من “انتفاضات جوع”. لا سيما أن عبء الديون الخارجية غير قابل بنحو متزايد للتحمل.
فوضى رأسمالية متنامية
قد تتزايد هذه الفوضى بفعل ارتفاع نسب الفائدة. فالبنوك المركزية في البلدان الغنية (الخزينة الفدرالية الامريكية، البنك المركزي الأوربي الخ) انخرطت في تقليص لسياسة دعمها للأسواق المالية ورفع تدريجي لنسب فائدتها، وتتوقع الاستمرار في هذا الاتجاه. والهدف المعلن هو تقليص التضخم، لكن هذا قد يؤدي الى خنق إضافي للنمو والتسبب في دوامات في الأسواق المالية المحفَّزة منذ سنوات بسياسات نسب الفائدة المنخفضة جدا. ومن السابق جدا للأوان معرفة مدى الأثر الدائم العقوبات الاقتصادية على العولمة (المستجيبة لمنطق الرأسمالية العميق)، لكن صندوق النقد الدولي يخشى أيضا خطر تجزؤ الاقتصاد العالمي إلى كتل جيوسياسية.
لذا يلف الضباب الاقتصاد العالمي، وإن ظلت التوقعات غير يقينية بنحو بالغ فإن ثمة أمران جليان. في المقام الأول، ستلقي الطبقات السائدة بكل مكان في العالم العبء على الطبقات الشعبية في شكل تراجع للقدرة الشرائية وتقشف في المنافع الاجتماعية وفي الخدمات العامة. ثم إن المطروح للنقاش، فضلا عن الحرب، هو فوضى الاقتصاد الرأسمالي العالمي المتنامية التي ليست المواجهة بين القوى غير أحد أوجهها.
المصدر: https://lanticapitaliste.org/actualite/economie/leconomie-mondiale-nouveau-dans-le-brouillard
ترجمة المناضل-ة
اقرأ أيضا